الأربعاء ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم أحمد الخميسي

كـل هـذا الـمـرار .. فـي بـنـي مــزار

تعرفت إلى المايسترو سليم سحاب أثناء سنوات الدراسة في موسكو. كان يدرس قيادة أوركسترا في الكونسرفتوار، وأنا بجامعة موسكو كلية الأدب واللغة. وانعقدت بيننا صداقة استمرت من دون انقطاع، وتوطدت بعد استقراره في القاهرة. وذات يوم هاتفني المايسترو وقال لي: "أحمد أنت عندك سيارة، بتيجي معي نقابل أخي على المطار؟". قلت: "طبعا. بكل سرور". وأردفت: "أخوك من؟". قال : "جورج". وتوقفت بدهشة أمام الاسم وقلت له : "وأنت إيه علاقتك بجورج؟؟ قال مدهوشا : " انت بعد عشرين سنة صداقة لا تعرف أني مسيحي؟!". قلت له صادقا : "الحقيقة عمري ما فكرت في هذا الموضوع. أنا أنظر الى الانسان طيب، صادق، ولا أفتش في عقيدته أو أفكاره". وضحكنا، وذهبنا عصر اليوم ذاته إلى المطار نستقبل جورج. أتذكر هذه الواقعة لأعبر ليس فقط عن دهشتي بل وعن تألمي الشديد بسبب ما جرى مؤخرا في قرية الناصرية مركز بني مزار بمحافظة المنيا، حين اعتدى متطرف من المسلمين يدعى محمد عيد مرسي على أسرة قبطية لمجرد جلوسها في الشمس أمام بيتهم! شاهدهم فصرخ فيهم : "مش قلنا ما فيش نصارى يقعدوا قدام البيوت؟". وهرول إلى بيته وجلب سنجة وضرب الأم على رأسها فأحدث فيها جرحا استلزم عشرين غرزة، وحينما هب شنودة لحماية والدته طعنه المجرم في رقبته وبطنه لدرجة أنه يرقد الآن في مستشفى في حالة حرجة بعد عملية استئصل فيها جزء من الأمعاء. هي محافظة المنيا ذاتها التي سبق للمتطرفين فيها أن اتهموا أربعة أطفال مسيحيين بازدراء الدين الاسلامي، وهي المنيا ذاتها التي خرج فيها المتطرفون في مطلع مارس 1990 بعد صلاة الجمعة في أبو قرقاص واعتدوا على الأقباط ونهبوا بيوتهم وأتلفوا الكنيسة القائمة بقرية بني عبيد، وحطموا كنيسة مار جرجس وأحرقوا صور السيدة العذراء، كما أشعلوا النيران في صيدلية الدكتور حنا كيرلس، وصيدلية دكتور ممدوح فرج، ودمروا أجزاء من مستشفى الطبيب مراد دانيال، ودار حضانة قبطية، ودمروا كل المحال الخاصة بالأقباط بما في ذلك مصنع للحلوى ملك القبطي أشرف سعد. وحسب مجلة المصور فقد قدرت النيابة العامة في حينه خسائر الأقباط بنحو ثلاثة ملايين جنيه! سبق تلك الأحداث بشهر اعلان شيوخ الجوامع في المنيا الجهاد "ضد الكفار"! هي المنيا ذاتها التي تم فيها عام 2016 تعرية امرأة قبطية عجوز هي سعاد ثابت واجبارها على السير عارية في القرية! والآن بعد عامين من تعرية امرأة ، وبعد عشر سنوات من غزوة 1990 أصبح المطلوب من المواطن القبطي ألا يجلس أمام بيته ليتشمس! هل يمكن النظر إلى جريمة محمد عيد مرسي وأمثاله من الأوباش على أنها جريمة جنائية وحادثة عدوان فردي؟ أم أنها جريمة طائفية وثقافية وحضارية ووطنية شارك في تمهيد الأرض لها شيوخ مثل الشعراوي الذي يفتي في فيديوهات مسجلة بصوته قائلا بالحرف الواحد: "اما الاسلام او الجزية.. احنا عملنا فيكم جميل وكنا نقدر نموتكم" وغير ذلك كثير مما قاله الشعراوي والكثيرون من أمثاله ممن يتعمدون نسيان الكثير ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل وفد مسيحيي نجران وعندما حان وقت صلاتهم دعاهم الرسول إلى أدائها في بيته ثم استأنف اللقاء. لقد أصبحت المنيا بحاجة إلى نظرة خاصة من الدولة بعد كل تلك الأحداث التي تؤكد أن هناك بؤرة اجرامية لا تكف عن العدوان، وبعد أن صار محرما على المواطن القبطي أن يتشمس فيها! ليس للمرار المنبعث من بني مزار حدود، وعندما تنتقص حقوق أخي القبطي فإن الشعور بالمرارة يجتاحنى، لأن في ذلك انتقاصا من تاريخ مصر ووجودها، وانتقاصا للضفيرة التي أبدعت مصر على كل المستويات والتي تألفت من عبد المنعم رياض واللواء زكي باقي يوسف، ومن طه حسين وسلامة موسى، ويوسف ادريس ويوسف الشاروني، ومحمد مندور ولويس عوض، ومن اسماعيل يس وماري منيب، ومن بهاء طاهر وادوار الخراط. ما جرى هو إهانة عميقة للمحبة، وللمواطنة، وللدولة، ولم يعد يكفي هنا الاجراء الأمني، إذ لابد من زيارة المسئولين لتلك القرى، وزيارة الوفود الثقافية لها، والنظر إلى ما حدث بصفته تهديدا لوحدة مصر ومستقبلها بالخناجر والمطاوي والكلمات والفتاوي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى