الجمعة ١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم إبراهيم عوض

كلام مثل عدمه عن العقاد وطه حسين وأحمد مطر وأدونيس ومحمد عباس..

القسم الثالث والأخير

الله! الله! الله! الله! الله! الله! الله! الله! كما يقول الفنان عمّار الشريعى كلما فتنته أغنيّة من الأغانى التى يقدمها فى برنامج "غوّاص فى بحر النغم". وإنى، والحق يقال، لأريد أن أمضى فى نقل المزيد والمزيد من هذه القصائد التى لا أذكر أنى لقيت لها مثيلا طوال مسيرتى فى عالم القراءة والنقد، بيد أنه لا بد لكل شىء من آخر، فهكذا طبيعة الحياة، التى أرجو أن يعمل قانونها فى شعوبنا فتنهض لتضع نهاية لهذا الخزى والعار الذى يجللنا والذى أوردنا موارد الهلاك على أيدى شذاذ الآفاق من الصهاينة وبلطجية الكاوبوى وكل مجرم وحش لئيم ليس له ملة ولا دين، ألا لعنة الله على العرب والمسلمين أجمعين قبل أن تحيق لعنته سبحانه وتعالى بأولئك القتلة المجرمين! آمين يا رب العالمين!

هذا، وقد تنبه الدكتور الأسطة أيضا إلى أن الشاعر قد وظف بعض لافتاته للهجوم على خصومه من الشعراء كما فى اللافتة المسمَّاة: "عقوبة إبليس"، تلك اللافتة التى تشبه سَفُّودًا أدخله شاعرنا العراقى فى دبر نظيره السورى أدونيس (ولاحظ التناغم الموسيقى مع كلمة "إبليس") حتى خرج من فمه وشواه على النار شيًّا يستحقه عن أهلية لا تحتمل ردًّا ولا مراءً، إذ جنح أدونيس منذ أعوام طوال إلى إفراز شعرٍ يشبه فى سخفه وتفاهته وإثارته للغثيان نشارة الخشب التى تُفْرَش بها عُشَش الدجاج فتختلط بفضلاتها، شعرٍ يتسم بالغموض بل بالانغلاق حتى ليعجز القارئ عن فهمه أو الخروج منه بشىء على الإطلاق حتى لو خبط دماغه فى كل الجدران من حوله. ولكننا نعود فنقول إن من حق أدونيس أن يفعل هذا وأَنْتَنَ من هذا ما دام يجد الجوقة التى تهلل له بالعبقرية كلما أخرج شيئا من هذا الضراط الشعرى الذى لا مكان له، لو أنصفت الدنيا فى عالمنا العربى الغريب، إلا غرفة المرحاض، ولم يبق لهذه الجوقة الكاذبة الخاطئة كلما ضرط أدونيس ضَرْطَةً إلا أن تصيح على طريقة معلقى كرة القدم عندنا: "دى مش ظرطة. دى مَزِّيكة!". وليس فى هذا أدنى افتئات على ذلك الصنم الفَخّارى، وإن بدا الكلام لمن لا يفقهون طبيعة الأمور شديدا بعض الشدة.

وإنى لأذكر الآن العدد الخاص الذى صدر من إحدى المجلات ذات الاسم الطنان فى عالمنا العربى المسكين عن أدونيس والذى اشتريتُه فور سماعى به أملاً منى أن أتعلم شيئا من الشاعر العبقرى والنقاد الأفذاذ الذين كتبوا عنه، لكنى لم أستطع أن أجد ثغرة فى جدار ما سأسميه تجاوزًا: "شعرًا"، وما هو بشعر، لكن للتقاليد سلطانها علينا نحن الكُتّاب. وقلت لنفسى: يقينا أن هؤلاء الكتاب الذين أخذوا يتبارَوْن فى الثناء الولهان على أدونيس وشعره لا يفهمون شيئا من ذلك الشعر (الشعر مجازًا وافتراضًا ليس إلا)، مَثَلُهم فى هذا مَثَلى تماما، بيد أنى أَفْضُلُهم بكل تأكيد، فإن عجزى ينحصر فى عدم فهم الشعر فقط، أما هم فقد جمعوا إلى هذا أنهم لا يفهمون ما يكتبون، وأنهم يعتمدون أسلوب البكش السائد منذ عقود فى كثير من مجالات ثقافتنا العربية، فضلاً عن أنهم لم يكن لديهم الجرأة على قول الحقيقة المرة، حقيقة أنهم لم يفهموا شيئا من ذلك الشعر لأنه غير قابل للفهم. على كل حال فلنسمع ما يقول مطر:

طمأن إبليس خليلته:
لا تنزعجي يا باريس
إن عذابي غير بئيس
ماذا يفعل بي ربي في تلك الدار؟
هل يدخلني ربي نارا؟
أنا من نار!
هل يُبْلِسني؟
أنا إبليس!
قالت: دع عنك التدليس
أعرف أن هُرَاءك هذا للتنفيس
هل يعجز ربك عن شيء؟؟
ماذا لو علمك الذوق
وأعطاك براءة قديس
وحباك أرق أحاسيس
ثم دعاك بلا إنذار..
أن تقرأ شعر أدونيس ؟

ويعلق الكاتب على هذه اللافتة السَّفُّوديّة قائلا إن أحمد مطر، الذى يصفه بــ"الشاعر الواضح شعره" يرى "في قراءة أشعار أدونيس الغامضة لعنة أقسى من لعنة إبليس الأبدية التي كتبها الله عليه حين خلقه من نار، خلافا للآخرين، وحين جعله إبليسًا يُلْعَن منذ البدء حتى المنتهى. ويدرك إبليس أنه يعاني أشد المعاناة، وأن ليس هناك عذاب أشد وأقسى مما نزل به، ولكن خليلته ترى أن هناك ما هو أشد وأقسى، وأن ثمة لعنةً أَلْعَن من تلك اللعنة التي نزلت به، وهي قراءة شعر أدونيس. فقد يمنح الله الذوق لإبليس، وقد يعفو عنه ويعطيه براءة قديس، ويمنحه أرق الأحاسيس، لا لكي يغفر له، وإنما ليلعنه لعنة أشد. وهنا يتحقق عنصر المفاجأة، وهو من سمات الإبجرام، لتكون قراءة شعر أدونيس لعنة قاسية تفوق اللعنة الاولى".

على أن للإبليس بدوره لعنةً مخيفةً تَحِيقُ بمن يتصدى له فيكشف زيفه، وقد تكلم عن هذه اللعنة وحذَّر منها الصحفىُّ رجاء النقاش، إذ قال إن أدونيس "صاحب نفوذ أدبى ومادى واسع فى العالم العربى وفى الغرب على السواء"، وإنه عندما يواجهه هو أو أى كاتب آخر فإنه لا يواجه "رجلا ضعيفا لا يحمل فى يده سلاحا، فالأسلحة عند أدونيس كثيرة وغزيرة ومتنوعة وسهلة الاستعمال بإشارة منه، هو لا يتردد فى محاربتى والوقوف ضدى فى الصحف والمجلات والمؤسسات الثقافية التى له صلة بها وتأثير عليها". ولنلاحظ أن كاتب هذا الكلام الهائب الراهب هو رجاء النقاش، الذى كان رئيسًا لتحرير عدد من أكبر وأشهر المجلات فى العالم العربى، فما بالنا بمن دونه؟ كما أشار النقاش إلى كتاب ذلك الشاعر النُّصَيْرى: "الثابت والمتحول" وما فيه من كذبٍ وعهرٍ فكرىٍّ وعقيدىٍّ وزعمٍ لا ينهض على أى أساس بأن "المذاهب الباطنية فى الإسلام هى مصدر التجديد الثقافى والفنى والاجتماعى"، بخلاف أهل السنة "الذين كانوا وما زالوا يمثلون الجمود فى الفكر والثقافة والفن"، وإن كان الأستاذ النقاش قد أسهم إلى حد ما فى صرف الأنظار عن الهدف الذى يصوب أدونيس ومن وراء أدونيس سهامهم المسمومة الفتاكة إليها، ألا وهو دين محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك بتركيزه فى اتهامه لأدونيس على معاداته للثقافة العربية، على حين أن هذه الثقافة بالنسبة لنا نحن المسلمين لا تعنى إلا شيئا واحدا هو الإسلام، إذ إننا لم نصبح عربا ونَذُبْ فى الثقافة العربية إلا لأننا أحببنا الإسلام وذُبْنا فيه، وإلا فما الذى كان عند العرب وجاؤونا به مما يستحق أن ننخلع له من ماضينا إلا الإسلام؟ الإسلام الذى لم يحاول أدونيس أن يتجمل فى الكلام عنه فكان يذكره دائما ويهاجمه دائما ويحاول التحقير من شأنه دائما لحساب عَلَوِيّته وباطنيته، أما حديث الأستاذ رجاء عن العروبة ومعاداة الأدونيس لها فقد يساهم، ولو عن غير قصد، فى تمييع الأمور وتعبيد الطريق أمام العدو ليتقدم، فى الوقت الذى يصيح هو نفسه به أنْ: "قِفْ!"، مثلما دافع هو أيضًا عن باطنىٍّ نُصَيْرِىٍّ آخر هو حيدر حيدر، الذى ألف رواية مجرمة بكل المقاييس المحترمة (هى الرواية المسمَّاة: "وليمة لأعشاب البحر") هاجم فيها الله ورسوله والإسلام والمسلمين هجوما شنيعا، وحرَّض الفتاة العربية على الزنا والفحش، وعمل بكل ما أوتى من قوة ومن حيلة على تزيينه لها ودفعها فى طريقه، فهبّ الأستاذ رجاء النقاش وأصدر كتابا يدافع فيه عن حيدر حيدر و"وليمته" المنتنة السامة التى افترى على الحق والحقيقة أيما افتراء حين زعم أنها إنما تصور قصة حب رقيقة معطَّرة، مما جعلنى أتوقف قليلا عن طبع كتابى عنها قبل عدة سنوات عندما علمتُ من أحد الأصدقاء الصحفيين أن هناك كتابًا للأستاذ النقاش صدر لتَوّه يدافع عن "الوليمة" وصاحبها، وذلك كى أضيف إليه عددا من السطور والفقرات أناقش فيها كلامه وأرد على ما فيه من تضليل وتحسين للقبائح والشناعات التى فى الرواية، وأنبه القراء إلى أنه لا يوجد فى الرواية المذكورة إلا رائحة العهر والخراء التى تُشَمَّ على بعد سبعين خريفا!

وبالمناسبة فالنقاش ذاته هو الذى أشار إلى عَلَوِيّة أدونيس وباطنيته وذكر أنها هى التى سوَّلَتْ له العدوان على الثقافة العربية (اقرأ: "الإسلامية")، فكيف لم تُثِرْ فيه علويةُ حيدر حيدر وباطنيته هذه الحساسيةَ التى أخذته تجاه أدونيس؟ ويجد القارئ ما كتبه الأستاذ النقاش حول الأدونيس فى كتابه الصادر عام 1992م عن دار سعاد الصباح: "ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء" فى الفصول التالية: "أيها الشاعر الكبير، إنى أرفضك"، و"مع أدونيس مرة أخرى"، و"ظاهرة العبث فى الشعر العربى المعاصر". وهو، رغم ملاحظاتى على بعض ما جاء فيه، كلام فى منتهى الأهمية أرجو أن يرجع القراء بأنفسهم إليه ليقرأوا ما يتضمنه من هتك للأستار التى تتخفى وراءها مؤسسات الاستشراق والتبشير والتنصير، ومنها الجامعة اليسوعية فى لبنان، التى أعطت الأدونيس درجة الدكتورية عن كتابه المذكور: "الثابت والمتحول"، وكيف يحرص المسؤولون عن هذه المؤسسات على دعم أمثال الأدونيس وتعضيدهم إلى أن يصبحوا غيلانا متوحشة على النحو الذى وصفه الأستاذ رجاء النقاش مشكورا رغم كل شىء!
وقد ترك أدونيس وأمثاله من الشعراء البهلوانات بصماته على الأجيال الناشئة حتى أصبح من يُسَمَّوْن منهم زورا وبهتانا وغرورا وخداعا بــ"الشعراء" يَنْحُون هذا المنحى الغامض الذى ليس وراءه شىء بالمرة، لكن النقاد الذين على شاكلتهم لا يقرّون بهذا، بل يشغلون القارئ فى تحليلات فارغة من أى شىء نافع. وهذا مثال على الشعر والنقد اللذين من هذا النوع: فأما النقد فصاحبه هو د. أحمد يوسف على، وأما الشعر (الشعر مجازا على سبيل التسامح ليس إلا) فناظمه هو عيد صالح، الذى تحدث عنه الأستاذ الدكتور هو وأربعةِ شعراءَ آخرين فى دراسة له. إن الكاتب هنا يعترف بلسانه أن الشعر الذى سيتناوله شعر غامض مقصود الغموض لا يستطيع القارئ أن يصل فيه إلى شىء، وإنْ عَلَّلَ ذلك بأن هذه هى طبيعة العصر بما يتميز به من تعقد الثقافات واختلاطها وما ينجم عن هذا من شعور بالعبث، وكأن التبحر الثقافى قرين الاضطراب والضياع الفكرى، وكأن الشعراء والنقاد الكبار الذين يقولون كلاما مفهوما له رأس ويدان ورجلان ليسوا مثقفين بما فيه الكفاية، وكأن هذا الشاعر الذى سنقرأ عنه بعد قليل هو صاحب ثقافة عالية راقية معقدة لم تتح لأحد من قبل، مع أنه ما زال فى بدايات طريقه المعرفى، بحكم سنه على الأقل. ولكن ماذا نقول فى الكلام الثخين الذى من شأنه أن يُمْلِىَ لكل شادٍ لم يَعْدُ طور الحَصْرَمة فى الغرور والرضا بضحولة الزاد الفكرى والأدبى؟ ورغم ذلك كله فإن الكاتب يضيع وقتنا ووقته فى دراسة النصوص المذكورة رغم ما قاله عن غموضها غير القابل للفهم ولا للخروج منه بشىء. على كل حال سأترك الكاتب يتكلم، وسأترك شاعره (شاعره تجاوزا، فما هو عندى بشاعر!) يُطْلِعنا على ما فى جراب الحاوى الذى يحمله هو ومن يشبهونه على أكتافهم أينما ساروا ويخرجونه كلما رَأَوْا ساحة أو سوقا شعبيا يعرضون فيه حركاتهم المفقوسة التى لا تجوز إلا على السذَّج الأغرار. يقول د. أحمد يوسف على فى بحثٍ له قدّمه إلى مؤتمر دمياط الأدبى عام 2003م بعنوان: "العازفون الخمسة على أوتار الشعر"، وقد وجدته بالمصادفة وأنا أجوب أرجاء المشباك بحثا عما كُتِب فى فن "الإبيجرام":

"فى هذه المتاهة (يقصد المتاهة الفكرية العالمية) يعيش شاعر اليوم فى بلادنا (لاحظ، أيها القارئ، أن الكلام هنا عن بلادنا التى لا تستطيع أعداد كبيرة من طلاب جامعاتها أن يكتبوا أسماءهم كتابة صحيحة، ولا تساوى الشهادة التى يحصلون عليها أكثر مما تساويه شهادة "محو الأمية")، لذا تحول الشعر لديه إلى نص مفتوح على كل الأزمنة القديمة والحديثة والمعاصرة، وعلى كل الثقافات لكل الأمم: المكتوب منها والشفاهى، ومفتوح أيضا على كل الفنون، خاصة فنون الصورة. ومع أن الصورة تتسم بالسرعة والتغير، فإنها تتسم بقدرتها على الانتشار وتخطِّى حدودِ اللغات والثقافات والجغرافيا.

وبما أنها كذلك فإنها قد تتسم بالغموض المقصود الذى يجعلها عرضة للتأويل والتفسير مما يفتح باب الاختلاف وتعدد الرؤى، وتباين المواقف. هذا الغموض هو الذى نجده أحيانا كثيرة متلبسا بهذا النص الشعرى المعاصر، وهو غموض يصل إلى حد العبث اللغوى على مستوى التراكيب ومستوى الدلالات، بحيث يدفع القارىء دفعا إلى اليأس من البحث عن المعنى وراء الصورة، ويكفيه من الصورة أنها صورة، كما يكفى الطفل من دميته أنها تكلمه وهى لا تكلمه، وأنها تبكى وهى لا تبكى، فإذا اكتشف أنها ليست كذلك نفر منها وحطمها تحطيما.

والشاعر نفسه الذى صنع هذه الصورة يكفيه أنه شفى نفسه من وطأتها بجعلها على ورق يسافر إلى حيث لا يدرى، إذ يتلقاها جمهور متباين أشد التباين فى المواقف والاتجاهات والعواطف والانفعالات. فالحرص على الوضوح كالحرص على الفهم أصبح مطلبا عسيرا، إذ يحتاج الشاعر إلى من يفسر له طلاسم الخطاب السياسى أو الاجتماعى أو الدينى، أو الثقافى على المستوى المحلى أو العالمى، ولا يجد إلا نفسه مضطرا إلى الأخذ باجتهاده أو باجتهاد غيره، ولا ينجو هذا أو ذاك من قَدْرٍ غير يسير من الغموض على الرغم من تدفق المعلومات والأخبار. واللغة التى يتوسل بها الشاعر وسيط غير محايد، بل إنه وسيط مراوغ ومخادع وينطوى على مكر التاريخ ودهائه، فهذا الوسيط هابط من التاريخ يحمل آثار السابقين، ومتلبس بأشواق الحاضرين، ويحاول الشاعر أن يضيف إليه وأن يجعله مهادنا مسالما، وأن يهذبه من بعض الدلالات ليستوعب دلالات أخرى. هذا الشاعر قد ينجح مسعاه، أو يتصور أنه كذلك، ولكنه مع ذلك يظل رهين لغته اللعوب (يعنى، بالعربى الفصيح الذى يفهمه مثلى ولا يفهم سواه، أنه ما من أحد من القُرّاء أو الكُتّاب يستطيع أن يفهم شيئا فى أى شىء، فها هو ذا كل شىء قد تحول إلى طلاسم كما يزعم الكاتب، ومن بينها كلامه هذا الطِّلَّسْمى. فلم إذن يا ترى يعنِّى نفسه بمحاولة الشرح ما دام لا أمل هناك فى فهم ولا فى تفسير؟).

محنة الشاعر إذن محنة عصيبة فى هذا الزمان، وهو يدرك مرارتها، لذلك نجد صُوَره صُوَرًا مفعمة بالشكوى، عامرة بالسخرية، زاخرة بالمفارقة على مستوى الرؤية الفكرية، ومستوى تراكيب اللغة، وتجد صاحبها شغوفًا بارتداء الأقنعة التى يستعيرها من التاريخ، فيرتدى قناع المتنبى، أو فينوس، أو كيوبيد، أو سقراط كما يرتدى قناع نجيب سرور أو صلاح عبد الصبور، أو يوسف إدريس، أو يرتدى عمامة شيخ المجددين أمين الخولى، أو زوجته عائشة عبد الرحمن (عشنا وشفنا عائشة عبد الرحمن ترتدى عمامة!)، كما يرتدى بساطة يحيى حقى أو غواية فرويد، أو انقسام الشخصية على نفسها أو يستعير رداء المتصوفة ويتكلم كما يتكلمون بالرمز والإشارة، أو يترك كل ذلك ويستحضر قناع الأنثى المدينة أو الزوجة، أو الابنة، أو المرأة اللعوب.

هذه الأقنعة وإن تعددت، تخفى وراءها ذاتا واحدة تبدَّتْ فى عدة صور كما أشرنا، لكنها تنطلق من الموقف الغنائى، وهو الموقف الفردى الذاتى الذى لا نسمع غيره فى القصيدة، وإن كان الشاعر ارتقى بهذا الموقف حين امتلك القدرة على الإنصات لإيقاع عصره وثقافاته وثقافة الآخرين، فلم يعد سجين ذاته المغلقة لا يرى غيرها، ويرى الكون من منظورها الشديد الضيق. كل هذا نجده فيما بين أيدينا من الشعر...

أما المجموعة الأولى (أى من المجموعات الخمس التى تناولها الكاتب بالنقد) فهى "أنشودة الزان" لعيد صالح من أبناء دمياط ومن إصدارات هذا الفرع: "سلسلة إصدارات الرواد- فبراير 2002"، وتضم أكثر من أربعين نصا شعريا مكتوبا على أساس التفعيلة الحرة، وقد مال الشاعر فى هذه المجموعة إلى كتابة النص الشعرى القصير والمتناهى فى القصر...

وتنفرد مجموعة "أنشودة الزان" بين هذه المجموعات بكونها تضم أكبر عدد من النصوص الشعرية القصيرة والمتناهية فى القصر، إذ يتكون نص "عابرون/ أمين الخولى" من جملتين أو ثلاثة:

ليست فاتحة
لقراءة كف أو رجع صدى
كنت أتابع شيخ الامناء
من جامعة القاهرة
وحتى آخر دنياى

هذه النصوص الشعرية القصيرة، وشديدة القصر، هى لون من ألوان الكتابة الشعرية اسمه الإبيجرام، وهى كلمة يونانية مركبة من كلمتين معناهما الكتابة على شىء. وفى البداية كانت تعنى النقش على الحجر فى المقابر إحياء لذكرى المتوفى أو تحت تمثال لأحد الأشخاص. والمقصود من هذا المصطلح نقديا هو القصيدة القصيرة التى تتميز بتركيز العبارة وإيجازها وكثافة المعنى، فضلاً عن اشتمالها على مفارقة، وتكون مدحا أو هجاء أو حكمة. ويصفها كولردج بأنها كيان مكتمل صغير، جسده الإيجاز وروحه المفارقة. وفى "جنة الشوك" لطه حسين أجمل مقومات هذا اللون من الكتابة الشعرية فى القصر والتأنق الشديد فى اختيار الألفاظ بحيث ترتفع عن الألفاظ المبتذلة دون أن تبلغ رصانة ألفاظ الفحول من الشعراء، وأن يكون المعنى أثرًا من آثار العقل والإرادة والقلب جميعًا.

وقد مال الشاعر عيد صالح فى فن الإبيجرام إلى استدعاء شخصيات الشعراء (نجيب سرور/ صلاح عبد الصبور) وإطلاق اسميهما على النص القصير، واستدعاء شخصية روائية (يوسف إدريس) وشخصية فكرية علمية (أمين الخولى). ولا يخفى ما لهذه الشخصيات من دلالات فنية وعقلية وفكرية، ومن أثر فى الحقول التى أنجزت فيها وأبدعت. وهذه الشخصيات جمعت بين العقل والإرادة والقلب على حد إشارة طه حسين لمقومات فن الإبيجرام. أما الإبيجرامات الأخرى عند عيد صالح فقد اختار لها موضوعات يدل عليها اسم النص القصير مثل (غواية/ تيه/ سلافة/ تجريد/ سديم/ شجب/ أسن/ مَنْ/ لعبه/ ملكوت/ انخطاف/كشف/ حالة" (ليلاحظ القارئ ما لم يشر إليه الكاتب من تقليد عيد صالح لعناوين المقطوعات فى كتاب طه حسين: "جنة الشوك" فى اقتصاره على كلمة واحدة فى كل العناوين) ثم عنوان "قصائد قصيرة جدا"، وهى ثلاث قصائد متناهية فى القصر:

1- داعِبِ الحية

وانْصِبْ شِرَاك الخداع

لسرابٍ بقيعة

وعنكبوتٍ ضال

***

2- ما أنت

غضاريف دمية

ثغاء عفريت غفا

فى فوهة البركان

***

3- سبائك الحجارة

فى روث الروح

وحقوق الطريق

ويغلب على هذه النصوص التأمل العقلى شديد التركيز إلى درجة الغموض الموغل الذى تعكسه العلاقات الدلالية للتراكيب مثل قول الشاعر فى نص قصير جداً اسمه "مَنْ":

من يفصل بين الخيط الأبيض

والخيط الأسود

أو يصعد

فوق الظل المحدودب

يصطاد الثلج العائم

خارج منطقة الجذب

ففى الجزء الأول من هذا التساؤل "من يفصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود" لم يكتمل الاقتباس حتى تكتمل الدلالة، فالخيطان يدخلان فى نسيج شىء واحد لم يذكره الشاعر فغمضت الدلالة، وذهب فى الجزء الثانى من التساؤل إلى جمع مفردات ذات مجالات متباعدة ليصنع مجازا أشد غموضا من سابقه، ويصل هذا الغموض اللغوى والمجازى الشديد إلى درجة اللعب باللغة، وعبثية الدلالة فى نص اسماه "لعبة":

نحن إذن فى وقتينا:

وقت لنؤلف وقتا

ينتظم الأوقات

ووقت ينسف وقتينا

كى نبدأ من صفر الوقت

نعيد الأوقات حظيرتها

حتى لا تخرج عن وقت الأوقات

وفى نص آخر من نصوصه القصيرة يتجلى تكثيف الدلالة وتركيزها جمالا وإشراقا واختصارا حين يقدم يوسف إدريس هذا التقديم الجميل:

شامخ كالجبال
وكالنيل
حين كان
أيامه ولياليه
نداهة من زمان الفحولة
والجرح كان ينز
والبهلوان على جسد الأرض
والفرافير
لا تستطيع
بأوجاعها
أن تطير

فقد قرن شموخ يوسف إدريس بظاهرتين طبيعيتين إحداهما سائلة: النيل بكل رصيده التاريخى والاجتماعي فى حياة المصريين، والثانية: الجبال، وهى جامدة راسية لا تزول، وربط هذا الشموخ بزمن عطائه الأدبى الجميل، ثم اتجه بعد هذا التصوير المركز إلى الاعتماد على المفارقة، إذ ذكر أحد أعمال إدريس: "الفرافير" ثم فصلها عن كونها عَلَمًا على عمل وجعلها عَلَمًا على طير من الطيور، وعاد وأخذ من مضمون "الفرافير" العمل ما يصوره من أوجاع لا تجعل هذا الطائر أن يطير".

وليس لى بعد ذلك كله من تعليق إلا أن أقول، وكلى أسى وحزن، إن هذا ليس أكثر من "سمك، لبن، تمر هندى"! وحسبنا الله، ونعم الوكيل! لكن السؤال الذى يحيرنى هو: كيف، يا ترى، قد صنَّف كاتبنا هذا الذى سماه: "أشعارا" لعيد صالح ضمن فن الإبيجرام، وهذه الأشعار غير قابلة للفهم أصلا كما قال الكاتب نفسه، فضلا عن أن تكون فيها مفارقة؟ وطبعا لا أظن القارئ إلا قد لاحظ المقدار المهول من ثقافات عصرنا مما عندنا ومما عند الآخرين فى القديم والحديث والبحر والأرض والجو على السواء على اختلاف ثقافات هؤلاء الآخرين وفكرهم وآدابهم فى هذا الشعر العبقرى الذى لم تلد مِثْلَ ناظميه ولادةٌ: لا بنت المستكفى ولا بنت الذى لم يستكف! أما أنا فقد استكفيت، بل لقد أُصِبْتُ بالدوار من هذا الكم الهائل من الثقافة الذى يخرّ من جنبات كل سطر فى ذلك الشعر، بل من جنبات كل تفعيلة، بل من جنبات كل كلمة، بل من جنبات كل حرف بحيث لم أستطع من تزاحم الفكر والقافة أن أفهم شيئا، وصرت كصلاح منصور (أخى مرزوق العُتَقِى صاحب السلطانية) حين وصل لكنز على بابا والأربعين حراميا فرأى بعينيه الجشعتين الجواهر تتلألأ فى قلب المغارة فجُنَّ وهو يصيح: "ذهب، زمرد، ياقوت، مرجان! أحمدك يا رب!". إلا أن ثمة فرقا بينى وبينه هو أن ذهبى وزمردى وياقوتى ومرجانى "طلع كله فالصو!"، مما ذكَّرنى بكلام أحد الممثلين الفكهين فى إحدى المسلسلات، وقد وقف على رأس أحد الحقول وأمسك بقبضة من طَمْى الغَيْط المختلط بفضلات البهائم وهو يقول ساخرا: "طين، زبل، جلّة! أحمدك يا رب!". يا خسارة على ما ضيعتُه من وقت ثمين فى هذه الحِلَى "القِشْرَة"! الحق أنه كان أحرى بالكاتب، بدلا من تثخين آذان هذا الشاب المسكين الخالى من الموهبة والثقافة على السواء فيما هو واضح مما قرأناه له هنا، أن ينصحه بالمزيد من القراءة والتأدب بعيون الشعر والنثر والنقد وألوان الثقافة المختلفة، الثقافة الحقيقية لا الأفكار الخديجة المنتوشة من هنا ومن هاهنا، وأن يستمر طويلاً فى التدرب على الكتابة السليمة المفهومة قبل أن يفكر مجرد تفكير فى نظم شىء، وهذا إن كان شاعرا أصلا! وأرجو أن يقرأ هو وأمثاله ما كتبه الأستاذ رجاء النقاش فى كتابه السالف الذكر عن أدونيس وشعر العبث وشعرائه، ومنهم مجدى ريان، الذى وصف ما كتبه بأنه لا شعر ولا نثر، فلعلهم إن قرأوا ذلك اهتدَوْا إلى ما يَصْلُح به أمرهم.

والآن مع الدكتور محمد عباس، وإذا كان أحمد مطر يتظاهر بالرعب من الحاكم وجلاوزته مُخْرِجًا لسانه دليلاً على الاحتقار له ولهم والسَّخَر به وبهم، فمحمد عباس فى "إعلانات مبوبة" لا يعرف هذه المواراة ولا يصطنع ذلك الأسلوب. إنه ما إن يدخل الساحة حتى يفرغ ما معه من رصاص فى رشاشه دون انتظار لإشارة البدء ودون محاولة للتلطيف. إنها عنده معركة، ولا بد من خوضها، ولا معنى لتسمية الأشياء بغير مسمياتها، ولتكن النتيجة ما تكون. إنه يعرف أنها معركة حياة أو موت، لا معركته هو الفردية، بل معركة الأمة كلها: الأمة الإسلامية لا العربية فحسب! ولنقرأ بعضا من "إعلاناته المبوَّبة" التى تتجلى فيها الأُنْقُوشة النثرية على أبرز وأقوى ما يكون، ولنلاحظ أيضا التعليق الذى علق به أحدهم على بعض هذه الإعلانات ممن أراد أن يدخل مع صاحبها فى قافية رغم أنى أرى أن الأمر جِدٌّ كله وعبوسٌ كله بحيث لا يحتمل "شُغْل القوافى" هذا. وقد وضعت كل تعليق بين قوسين عقب الإعلان الخاص به:

"مطلوب

قارئ عنده دم، عنده شعور، وضمير، وإحساس، ووعي، يبحث عن سَمّ خِيَاط يرى منه دليلا على وجود ولو قطيرات من الأمل، يُعِنَّه على الحياة ويُبْعِدْن عنه الموت، حالته خطيرة. الاتصال: قلب مصر القديمة، أو الحسين والأزهر وبولاق وخان الخليلي وخمسة آلاف قرية ومدينة.
(لم يتصل، ولن يتصل أحد!).

***

أوطان للبيع

بانوراما رائعة، فرصة التاريخ، أماكن غير قابلة للتكرار، وسط العالم، مساحات تبدأ من خمسين ألف كيلو متر مربع إلى مليونين ونصف، يمكن تجزئة الوطن حتى أربع قطع أو خمس، كما يمكن التقسيط، الوسطاء والسماسرة يمتنعون، فنحن الوسطاء والسماسرة. الاتصال: سفاراتنا في الخارج.

(ولماذا الاقتصار فى الاتصال بالوسطاء على سفاراتنا فى الخارج؟ إن الجاهزين بالداخل أكثر من الهم على القلب. ثم إن الذين بالخارج إنما قد اختيروا من الذين بالداخل. وعلى رأى المثل: ما أسخم من ستى إلا سيدى، أو من سيدى إلا ستى!).

***

وطن
للبيع أو للإيجار مفروش، لبلاد أجنبية ولفترات طويلة، مليون كيلو متر مربع، ناصيتين بحريتين، عراقة التاريخ وعبق الماضي، سكان طيبون، في حالهم مطيعون، لا يثورون مهما ظُلِموا، أذلة جبناء، يرضخون لكل مستأجر جديد.
الاتصال: من لا يعرف حتى الآن كيف يتصل بنا لا يتصل.

***

رؤساء تحرير

رئيس تحرير أحيل إلى المعاش يبحث عن عمل، خبرة أربعين عاما في الكذب، لم تسجل عليه كلمة صدق واحدة طيلة حياته، مستعد لأن يهاجم في المساء بكل شراسة ما دافع عنه في الصباح بكل حماسة، لا يقيد مواهبه ضمير ولا يمنعه عن فعلٍ شرف، لسانه مدرب على لغات شتى، وكذلك قلبه، مستعد لمدح كل دول العالم إلا مصر، ولمهاجمة كل حكام العالم سوى الرئيس مبارك. الهجوم على الإسلام عنده تقدم وحضارة، لكن على اليهودية تخلف وهمجية وعداء للسامية.
لا يشترط العمل الصحفي. أي عمل يدر مالا.
متعته في الخيانة.

مستعد لخدمة الأفراد والهيئات والمؤسسات والدول .
عروض خاصة لحكام العرب والخليج.
عروض سوبر لحكام الكويت.
(بالنسبة للصحفى الذى لم تسجَّل عليه كلمة صدق واحدة، أخشى ما أخشاه أن تُرْفَع عليك قضايا قذف وتشهير بعدد الصحفيين فى العالم العربى، الصحفيين الذين يكتبون فى الصحف الرسمية!).
فرصة عظيمة لعظيم
شيوعي سابق، خالي عمل بعد انهيار الكتلة الشيوعية، دارس لفلسفات التاريخ، مستعد لتحويل الفلسفات الاشتراكية للخدمة على موجات برامج النظام العالمي الجديد. الدفع بالدولار الأمريكي فقط.

(هناك خطآن فى هذا الإعلان: الأول أن الإعلان ليس لعظيم، ولا يمكن أن يكون. والثانى أن الدفع يصحّ بأى شىء، لأن من الممكن تحويل أية عملة إلى الدولار لو أحب "العميل"!).

***

شرف صناعى للبيع

مستورد من الولايات المتحدة الأمريكية، وبنصف السعر من أوربا، وبلا ثمن من إسرائيل؟ يشترط الخلو من الشرف المحلي. صيانة مستمرة بعد التركيب مدي الحياة. عملاؤنا لا يُضْطَرّون إلى توقيع عقود. نكتفي بكلمة الشرف.

(بعد أن قرأت هذا الإعلان أجدنى أريد أن أهتف مع توفيق الدقن بالصوت الحيانى: "أحسن م الشرف ما فيش").

***

فرصة عظيمة

جيوش محلية متنوعة التسليح والعدد، بلا عقيدة قتال، مدربة على قتال الشقيق والاستسلام للعدو، تعرض خدماتها التدريبية على الدول الكبرى، للمساهمة في تدريب جيوشها، وكشف ثغرات المنطقة إذا أزفت الآزفة؟ الاتصال: القمر الساطع.

***

فرصة

مصانع وطائرات لم تُسْتَعْمَل، سوف يتم تكهينها، للبيع. المجاهدون يمتنعون ، نقبل عطاءات الدول المرتزقة... و... المرتزقة. الاتصال سري.

(أرجو أن توضح طبيعة الطائرات المعلن عنها فى إعلان "فرصـــــة": أهى طائرات ورقية؟).

***

دبابات كالجديدة

لم تُسْتَعْمَل في حرب حقيقية، ولا أصيبت بأي سلاح مضاد للدروع، قامت بعمليات الحراسة ومواجهة الشغب، آثار بسيطة على الدهان ناتجة عن حجارة الأطفال الإرهابيين ودمائهم ( لم نستطع غسلها رغم استعمال كل مساحيق التنظيف ولا إخفاءها رغم استخدام كل أنواع الدهان). تباع بحالتها.

(لا أدرى لماذا تلجأ إلى تقليل قيمة الدبابات؟ إذ ليس فيها أى خدوش. أنا متأكد من هذا، لأنه لم يحدث أن جرؤ أحد على الوقوف فى وجهها، فضلا عن رميها بالحجارة. الواقع أننى شرعت أتشكك فى كلامك كله بسبب هذا الإعلان، ولو تكرر ذلك منك فلن أقرأ لك بعد هذا).

***

فن

مؤسسة فنية عريقة تطلب فتيات مثقفات جميلات يؤمنَّ بتحرير المرأة للعمل بالدعارة مع تقديم غطاء فني وقور ومساعدتهن إعلاميا وإعلانيا والادعاء بتقديم الجماعات المتطرفة ملايين الجنيهات لهن للتحجب.

ملحوظة: المتقدمات سيتمتعن برعاية بوليس الآداب، وسيُمْنَحْنَ الحصانة ضد الملاحقة.

(أهذا إعلان مبوب أم أفيش الفلم الذى مثلته نبيله عبيد وشويكار عن مومسات المخابرات؟ نرجو التوضيح، أثابكم الله، أو كما يقول المتدينون من غير أمثالى: "جــ(بتعطيش الجيم من فضلك)ـــزاك الله خيرًا"!)

***

فرصة بالهرم

شقة رائعة، ليس بشارع الهرم وإنما بالهرم ذاته بعد أن تقرر تقسيمه إلى شقق. فرصة لم تحدث منذ خمسة آلاف عام ولن تتكرر إلى نهاية التاريخ.

(أرجو أن تستبدل بـقولك: "بعد أن تقرر تقسيمه إلى شقق" عبارة "بعد أن ثقبه "هيّان بن بيّان" الذى أسهرنا ليلة بكاملها إلى ما بعد صلاة الفجر، ولم يصلّ بعد أن ثقب الهرم كما ثقب أسلافٌ له "التعريفة" من قبل. ثقبه على سبيل التجربة لا غير، ولم يصلّ لأن عنده عذرا شرعيا، فقد كان يلبس قبعة كاوبوى، وحذاء كاوبوى، وسروال كاوبوى، وقميص كاوبوى.. وقلبه، وهو حريص على ألا يصلى فى هذه الأشياء كيلا يخالف الشرع).

***

أعمال حرة

مومس في شرخ الشباب الأخير تطلب قوّادا يروج بضاعتها، وصحفيا ينشر أخبارا كاذبة عنها. يفضَّل من يستطيع الادعاء أن الإرهابيين قد عرضوا عليها سبعة ملايين جنيه للتوقف عن العمل.
ملحوظة: نظرا لعدم وجود سيولة مالية تسدَّد الأتعاب عينيا نهارا فقط نظرا لانشغالنا مساء.

***

مفروش

شيوعي سابق، عقله خالٍ حاليًّا، يؤجره لأعلى مقدَّم ولأعلى إيجار.

***

مواهب

رئيس تحرير يطلب للعمل بصحيفة كتاب بلا مواهب كي تبرز "لاموهبته".

***

منشقون

مطلوب منشقين (صحتها: "منشقون") لتفتيت نقابات المحامين والصحفيين والأطباء والمهندسين والصيادلة. ندفع مناصب.

***

خونة

نظرًا للضغط الشديد والزحام نعتذر عن قبول مزيد من الخونة.

***

أبناء وأحفاد

مطلوب أبناء وأحفاد لا يحتقروننا، لا يشمئزون من انتمائهم إلينا، ويلتمسون لنا العذر ويصفحون عنا، فقد كنا أضعف من أن نحق حقًّا أو أن نبطل باطلاً، ولم نكن نملك شجاعة المواجهة، ولا شرف الرغبة في الاستشهاد".

ولعل القراء قد لاحظوا أن بداية "الأُنْقُوشة" عند الدكتور عباس هى فى ذات الوقت نهايتها. إنه لا يدخر لنا مفاجأة يباغتنا بها فى ختام إعلانه فتنقلب بها وجهة الكلام إلى الناحية المضادة، بل إنه ليفاجئنا بما يريد أن يفاجئنا به منذ البداية. إنه كبعض أبطال المصارعة الحرة الذين ما إن يصعد الواحد منهم على الحلبة حتى ينهال لكما وتلطيسًا فى خصمه قبل أن يعطى الحَكَم إشارة البدء، بل دون أن يترك هو لذلك الخصم فرصة كى يستعد. وهذا شىء جديد على فن الأناقيش، ومن الممكن أن تقول إن الكاتب لم يكن يضع فى حسبانه أن يكتب شيئا من نماذج ذلك الفن البتة، وكذلك من الممكن الزعم بأن ما فعله إنما هو تجديد أدخله على تركيبة هذا الجنس الأدبى. وأنت وما تختار من هاتين الفرضيتين. وليس شرطا أن يكون التجديد عن وعى وإدراك، بل المهم أن يقع التجديد، أما النيات فمكانها الحساب الإلهى. ثم إن الإبداعات كثيرا ما تأخذ طريقها إلى دنيا الواقع فى الوقت الذى يكون فيه صاحبها منوَّمًا أو كالمنوَّم. ولو سألتَه فلربما كان جوابه أنها هكذا قد حدثت، والسلام، وأنه لا يعرف كيف وقع ذلك. وليس فى هذا ما يؤخذ عليه، فالذهن الإنسانى قد يعمل بناءً على ما تمَّ له من برمجة غير محسوسةٍ ولا متعمَّدةٍ، برمجةٍ قِوَامها طول التجارب وكثرة التكرار حتى لتستحيل ملكة الإبداع إلى ما يشبه الفطرة المركبة منذ الخليقة أو الصفة الموروثة عن آباء المبدع فهو لا يملك من أمرها شيئا.

القسم الثالث والأخير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى