السبت ٢١ آب (أغسطس) ٢٠١٠

لمحة حول شخصية وتجربة الفنان السوري غسان مسعود

سمير عبد الكريم أيوب

دورالصميل بن حاتم يمثل سيمفونية هادئة في التعبير الدرامي

غسان مسعود ممثل سينمائي وتلفزيوني ومؤلف ومخرج وممثل مسرحي سوري وعالمي, وأكاديمي حيث عمل لاكثر من عقد من الزمان أستاذآ في المعهد العالي للفنون المسرحية, من مواليد بلدة فجليت التابعة لمحافظة طرطوس السورية الساحلية في 20 سبتمبر عام 1958م

حين أحاول تقييم تجربة الفنان المتميز غسان مسعود أجد نفسي أمام شخصية فنية فريدة ,تمتلك كل مقومات الكاريزما الفنية شكلآ وموضوعآ فهو فارس من فرسان الدراما بل والثقافة العربية المعاصرة.

ولن أدخل في تفاصيل نتاج غسان مسعود الغزير من دراما تلفزيونية ومسرحية وسينمائية سورية وعربية وعالمية . ولعل أشهر أدواره العالمية حين قام بدور صلاح الدين الايوبي في مملكة السماء عام ٢٠٠٥م

< Kingdom of Heaven

مع المخرج والمنتح البريطاني الكبير ريدلي سكوت

Ridley Scott

وكذلك دوره الشيخ في فيلم وادي الذئاب التركي عام ٢٠٠٦م

Kurtlar Vadisi: Irak"

(Valley of the Wolves Iraq)

مع المخرج التركي الكبير سردار اكار

Serdar Akar

لعل أهم أعماله التاريخية في الدراما العربية السورية, كانت دوراه في عملين تاريخيين,حين قام بدور القاضي الفاضل في مسسل صلاح الدين الأيوبي وبدور الصميل بن حاتم في مسلسل صقر قريش, مع نفس فريق العمل من مخرج كبير "حاتم علي " ومؤلف سيناريست متمكن من أدواته "د. وليد سيف " وممثل عملاق "جمال سليمان" والذي أعتبره أيضآ من أهم الفنانين العرب الذين حظوا بشعبية عظيمة في العقد الأخير وهو بلا شك يستحقها

والذي يقارن بين العملين من ناحية فنية وتقنية; يلاحظ هنا مدى تطور عناصر الدراما التاريخية السورية من ممثلين ومخرجين وديكور وتصوير وتنفيذ معارك وموسيقى تصورية وحبكة روائية متقنة ومؤثرات خارجية وهندسية من نقاء الصوت الى الاضاءة وخلافها, وذلك بلا ريب عائد في الاساس لعامل اقتصادي أي للامكانيات المادية للانتاج في سوريا بعد تزايد الطلب في سوق العرض العربية, وذلك مكننا من رؤية تحف درامية مبهرة وشبه متكاملة العناصر الفنية.

ولقد إستطاع غسان مسعود في رأيي أن يقدم أعظم أدواره بالذات في التحفة الفنية التاريخية الخالدة صقر قريش مع الفنانين والمبدعين العظماء حاتم علي مخرجآ , د. وليد سيف مؤلفآ, جمال سليمان ومحمد مفتاح وسلاف فواخرجي وسامر المصري وأمل عرفة وسلمى المصري وحسن الجندي وتيم الحسن وخالد تاجا وباسم ياخور وحسن عويتي وفايز أبو دان ومكسيم خليل وزهير عبد الكريم وكفاح الخوص والقائمة طويلة. ولكن غسان مسعود حين قام بدور الصميل بن حاتم أبو جوشن, كان كأنه يعزف سيمفونية تمثيلية في الإداء وإيقاع التمثيل وذبذباته والإلقاء والنطق وتقمص الشخصية في كبرياءها وزهوها وشجاعتها وإعتدادها بنفسها, فكأنه ينقل إليك التاريخ ويضعه بين يديك. لذا فأن دوره في مملكة السماء فلم يتمكن المشاهد العالمي من رؤية قدراته التمثيلية الحقيقية

وكذلك لا نستطيع أن ننسى أدواره المتميزة في مسلسل أنشودة المطر مع المخرج الفلسطيني السوري الشاب باسل يوسف الخطيب ومسلسل ذكريات الزمن القادم مع المخرج السوري الكبير هيثم حقي

لقد حبى الله غسان مسعود بصفات خاصة; منها ما هو وراثية متأصلة فيه بالفطرة وثقافية ومعرفية مكتسبة بجهد وتميز من ما حصله من المؤهلات والخبرات المكتسبة وكذلك من الناحية البيولوجية الشكلية ما يعرف علميآ بالفيزيونومية من هيئة وبنية جسدية

ولكون الحديث ذي شجون فأود هنا اعطاء القارئ لمحة حول مفهوم وعلم الفيزيونوميا والذي يعرف بالتحليل المبني على الحدس والفراسة وقراءة ملامح وجه الإنسان وسلوكه, ومع أن هذا العلم أو هذه المهارات أشتهر بها العرب منذ القدم, ولقد برعوا فيها شيوخ كانوا يدرسوا هذا العلم في اليمن في صدر الاسلام, ولقد كان من أبرز من درس هذا العلم لمدة عامين كاملين على أيدي شيوخ اليمن هو الامام الشافعي (رضي الله عنه). وظهر في ألمانيا وفرنسا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر أولى محاولات تكريس هذه النظريات السوسيوسيكولوجية; فلقد أشار أصحاب هذه النزعة على وجود علاقة وثيقة بين الشكل الخارجي للفرد وسلوكه عمومآ. وهذا ما عبّر عنه رجل الدين البروتستانتي والشاعر السويسري وأحد مؤسسي علم الفيزيونوميا يوهان كاسبير لافاتير

(1801-1741)

Johann Kaspar Lavater

حيث ارجع لافاتير صفات الشخص إلى شكل الأنف وحجمه. فصاحب الأنف المستقيم والمعتدل يميل إلى الدّعة وحب الآخرين. بينما يتسم صاحب الأنف المدبب والمعقوف بالقسوة والعدوانية, ولافاتير هذا هو ذاته الذي تجادل طويلآ حول الاسلام وشخصية الرسول مع شاعر ألمانيا الخالد يوهان فولفغانغ فون جوته 1749–1832

Johann Wolfgang von Goethe

عودة الى موضوعنا حول الفنان المتميز غسان مسعود فانني حينما أستمع لنطقه في أدوار اللغة العربية الفصحى يتملكني الإعجاب الشديد لقدرة الفنان على عدم التأثر بأصوله الأنثروبولوجية اللسانية والصوتية, فتكاد لا تلاحظ في نطقه أي تأثر بلهجته الشامية المحببة للقلب عند إداءه لتلك الأدوار

فملامح وتشكيل وجه غسان مسعود في علم قراءة الوجوه (الفيزيونوميا) يتميز بأشكال حادة الشخصية ففيه وجهه ترى النسر وترى الذئب وترى الحصان وترى الثعبان, شئ عجيب فعلآ, هذا الوجه المعبر وهو من أهم أدوات الممثل بلا شك يجعله قادر على تمثيل كافة الأدوار البسيطة والمتناقضة والكلاسيكية والمركبة والمعقدة, فتراه في قمة الإيجابية والبساطة والطيبة الساذجة أحيانآ وتراه على النقيض في قمة السلبية والسوداوية والقسوة والظلم, يستطيع أن يكون دكتاتورآ أوتوقراطيآ منفردآ برأيه وثائرآ طوباويآ مضحيآ ومستشهدآ من أجل مثله ومبادئه.

هناك شئ أخر في نوعية صوت غسان مسعود فهو من ذلك النوع الذي يعرف بالباس في الجوقات الموسيقية أي الصوت الأجش وهذا صوت مريح عمومآ لأذن المتلقي وينبي عادة على الثراء الروحي لصاحبه. وبحة صوته ونحافته ودماثته تذكرني بالفنان العربي الفلسطيني والسوري الراحل يوسف حنا رحمه الله.

للأسف لم أشاهد مسعود على خشبة المسرح كما رأيته في السينما والتلفاز, ولذلك لإغترابي منذ أكثر من ربع قرن في أوروبا, مع إني فيما سمعت عنه وشاهدته على يقين أننا أمام فنان مسرحي كبير من طراز بيتر أوتول ولورانس أوليفييه....الخ.

مع تمنياتي للفنان ذو البصمة المتميزة في مشهدنا الفني العربي الأستاذ غسان مسعود بموفور الصحة والعافية لتقديم المزيد من الأعمال والتحف الفنية الخالدة والعطاء في كافة أشكاله: ممثلآ وأكاديميآ ومخرجآ راقيآ ورائعآ وجميلآ.

سمير عبد الكريم أيوب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى