الاثنين ١ تموز (يوليو) ٢٠٢٤
بقلم محمد الشاوي

ليتني كنتُ بحَّارًا.. يا أصيلة..!

هَائمًا على بابِ البحرِ، أترقبُ زوارقَ الخيراتِ
مُشْرَئِبًّا أغدُو على عَتباتِ البَانِ
ها هي ذي أصيلة في كل عامٍ تَئِنُ شوقًا
تُناجي السُّورَ البرتغالي، تصرخُ في وجه الأَجَمِ
تُناشدُ القَاعَ وَالدواخِلَ من علٍ وَمِنْ ذُعْرٍ، تصيحُ تقولْ:
يا من تبحثُ عن هوانا، مُرَّ بنا تحت القببِ
عطِّرْ بالسوسنِ هذي الذكرى بهوًى من عبير المِنَنْ
هل كانَ صِدْقًا رجاءُ اللقاءِ؟
هل كانَ حقًّا نَيْلُ البَركاتِ؟
أمَا تعطلتْ لغةُ القوافِي؟
أمَا اشتكتْ القصيدةُ بِعَبَارَاتٍ عِجافِ؟
من قبسِ السنينِ الكبيسهْ
من سجعِ كُهانِ الكنيسهْ
من دُعاءِ مِهْمازِ الكتيبهْ.
آهٍ من حسنِ الشّمالِ على خديْكِ.. يا أصيلة..؟
مَرِحًا، حُلوًا، عَذْبًا
من حُورِ أوتارِ العِينِ
من لِحَاءِ السِّنْدِيَانِ
من نفائسِ الأوتارِ
كالأقحوانِ المكنونِ
لحظة اكتمال غُصنِ الزيتونْ.
على شاطئ الغَيْبِ دفنا كنز الذكرياتْ
رسمنا جدائل الياسمين والخمائل البَسَمَاتْ
خاطبنا ظِلالَ المِلْحِ والزَّيْزَفُونْ
شدونا للكواكبِ المستحيلهْ، للأرضِ الأمْ، للقمم العتيهْ
أصيلة.. الوطنُ الدافئُ.. يا خَالهْ..!
أصيلة.. الحكايةُ المطويةُ.. يا جَارهْ..!
أصيلة.. البدايةُ المنسيةُ.. يا جدَّهْ..!
أتذكرينَ ليلةَ الغسقِ، وَصهيل سكةِ القطارِ، وَطلقاتِ البنادقْ؟
وقت كنا نحلِّقُ بأجنحة النوارسْ
وقت ركبنا بِساطَ الريحِ في غياهبِ المَتارِسْ
ليتنا ما حملنا أمواجً الرَّدى رمادًا
فاستوتْ أقدارنا على الجودِ حماسًا
أمَا ناجينا السُّحُبَ العليهْ؟
فأثقلني شَدْوُ البُلْبُلِ على مسمعي
وقتَ ترميمي للمزهريهْ؟
أمَا قُلتِ: هوِّنْ على الفؤادِ فجوةَ العُمر..
هوِّنْ على الظمآنِ قطرةَ الفجرْ..؟
في شمالِ المحيطِ
في سراديبِ البوغازِ
في كل بيتٍ ومكانٍ
في كل فرسخٍ وَوطرْ.
أصيلتُنا تتحدثُ للميَّاحِ قِصصًا أسطوريهْ
أصيلتُنا تَهْتِفُ للعُلى أنغامًا شماليهْ
أصيلتُنا تُغني للنجومِ سِمْفُونيَّاتٍ جبليهْ
يا عِطرًا من حنانِ العِشْقِ يَتقطّرْ
يا بحرًا من أهازيجِ التاريخِ يتدفَّقْ
يا سفينةً من رعشاتِ النُّبْلِ تتستَّرْ
ليتني كنتُ بحّارا.. يا أصيلة..!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى