
ما حدث فـي الحافلة من خيانات غير مشروعة
– في أوائل آب اللهاب من العام (2006) عاينت ثلاث قصص قصيرة جدا منشورة في الرأي الثقافي يوم 11/8 كتبها حسام اللحام. وقد أرجأت قراءتها لمعرفتي بكاتبها شاعرا، ولأقف على تجربته في القصة على مهل، وظل الإرجاء إرجاء حتى فرغت لها ولغيرها نفسي، ولشد ما استوقفني منها قصة (حدث في الحافلة) وبخاصة نهايتها التي استدعت إلى ذاكرتي نهاية قصة (الرهان) المنشورة في مجموعة عمار الجنيدي القصصية (خيانات مشروعة) الصادرة عن دار أزمنة في (شباط- 2003) فقلت أدرأ الشبهة بمطالعة القصتين في زمن واحد، لا سيما وأن بين حرارة آب 2006 وبرد شباط 2003 ثلاثة أعوام وأزيد، تكفي لأن يقول الواحد منا (الخيل تتشابه).
وبعد المقايسة والنظر ألفيت أن بين القصتين من التطابق والتماثل أكثر مما بينهما من التباين والافتراق، فالفكرة واحدة، وهي غرور الأنثى بأنوثتها إلى حد تمكنها من التلاعب بمشاعر الشبان والمكر لهم للحاق بها أو التحرش بها، وما يستتبع ذلك من وحدة نفسية شعورية تلقي بظلالها في رسم أبعاد الشخصيات القصصية إزاء ما يحدث لهم ولهن، فضلا عن المكونات السردية الأساسية التي يتماهى فيها اللعب بالجمل والمفردات، وتصعيد إحساس الشخصية القصصية بذاتها وبالآخرين، والمضي بمشاعرها في تسلسل إلى ذروة الأزمة حتى تنتهي بهمود اللحظة الانفعالية المتهيجة، وإحداث المفارقة الصادمة للفتاتين اللتين ظلتا طعما سائغا لغرورهما.
وللتأكيد على التواشج بين الشكل الخارجي / البنية الخارجية للنص القصصي ومحتواه الإحالي المرجعي، وما يتضمنه من تحويلات ضمن التركيب البنائي واللغوي، يستحق الأمر من أجل ذلك وضع القارئ في جو القص:
قصة (الرهان):
– تتحدى الفتاة صديقاتها بأنها قادرة على إغواء الشباب الخمسة المجتمعين حول كنباية ضخمة ودفعهم للحاق بها بحركة من إصبعها الشاهد.
– أربعة من الشبان يلحقون بالفتاة وخامسهم ظل قابعا في مكانه.
– تشعر الفتاة بانجراح لعدم اكتراث الشاب بها، ويستولي عليها الغضب حتى إنها فكرت بأن تمطره بسيل من الشتائم.
– تصدمها المفاجأة وتوشك أن تبكي حين شاهدت الشاب الخامس المتكئ على جذع الكنباية الضخمة كان بلا قدمين.
قصة (حدث في الحافلة)
– وقر في ذهن الفتاة الجالسة في الحافلة قدرتها على إغواء شباب الحارة بإيماءة من إصبها الأيسر.
– الشباب الجالسون في الحافلة يتعلقون بحبل وصالها الممدود، ما عدا واحد ظل على حاله لم يحرك ساكنا.
– تغتاظ الفتاة من سكون الشاب وعدم اكتراثه، فيطفح بها الكيل إلى درجة أنها قررت معاقبته، فأرسلت صوتا مدويا ودمعتان كاذبتان وادعت أن الشاب تحرش بها عندما مد يده على شعرها.
– يهب الشباب لنجدتها طمعا في وصالها الممدود ويشبعونه ضربا، فيشفق عليه عجوز يجلس في نهاية الحافلة.
– يتفاجأ الموجودون في الحافلة ومن ضمنهم الفتاة أن الشاب الجالس في الحافلة كان بلا يدين.
ويلحظ المتابع اليقظ هنا أن الفكرة المحورية هي رغبة كلتا الفتاتين في الإغواء والبرهنة عليها من خلال سلوك يتحقق في الواقع، وكذلك في المفارقة التي تنتهي إ ليها كلا القصتين وهي أن ا لشاب / الهدف (بلا قدمين / بلا يدين) أي تحول الواقع إلى كابوس.
وبقيت بعض التفصيلات الكامنة في الحكي المسترجع في القصتين، والوحدات الأ ساسية ـ الفرعية الناظمة للخطاب القصصي من ابتداء القصة إلى نهايتها، مع ملاحظة وجود تغييرات في ترتيب الحدث عند قراةء النصوص في أصلها المطبوع في مصادرها، وسأرمز لنص عمار الجنيدي بالرمز (ع) فيما أرمز إلى نص حسام اللحام بالرمز (ح)
أولا ـ وصف سيكولوجية الفتاة: يعمد اللحام إلى استبدال مفردات قصة الجنيدي بمفردات أخرى مرادفة لها مثل: راهنت: اعتادت، إشارة: إيماءة، إصبعها الشاهد: إبهامها الأيسر، يهيم وراءها من تريد من الشباب: أن تجر شباب الحارة خلفها، وذلك كما يلي:
(ع): راهنت صديقاتها على أن إشارة واحدة من إصبعها الشاهد كفيلة بأن يهيم وراءها من تريد من الشباب.
(ح): وهي التي اعتادت وبإيماءة من إبهامها الأيسر أن تجر شباب الحارة خلفها.
ثانيا ـ الشعور الداخلي تجاه الإقدام والإحجام
(ع): صدمها عدم اكتراثه بها، فاحتقن الغضب في وجهها وتناثر الفشل من موقد الجحيم...رجعت وفي نيتها أن تمطره بسيل من الشتائم.
(ح): ففاض بها الكيل وقررت معاقبته على تجاهله لها... على حين غرة صرخت بصوت مدو.
ثالثا ـ اعتداد الفتاة بأنوثتها وغرورها بها
(ع): استهجنت الصديقات هذا التضخم في غرورها، فأصرت على أن تبرهن لهن في الحال حقيقة ما تدعيه.
(ح): لم يجد عليها الشاب الجالس خلفها ولو بنظرة إعجاب تطفئ نار الغرور الموقدة في قلبها.
رابعا ـ عكس أدوار ردود الأفعال من الشاب والفتاة
(ع): حانت منها التفاتة إليهم فصعقت لأن خامسهم ما زال قابعا في مكانه.
– تراجعت إلى الخلف بتهيب مهزوم.
– وقفت الكلمات يابسة في حلقها وأوشكت أن تبكي بأسف وانكسار.
(ح): مشت الحافلة والشاب ما يزال على حاله...
– وآثر التقوقع في مكانه كطفل مضطهد.
– لكن الشاب أطرق برأسه خجلا وأجهش بالبكاء.
خامسا ـ تبديل مكان الحدث وكلاهما مكان مغلق
(ع): استطاعت أن تفرق لم الشباب الخمسة المجتمعين حول الكنباية الضخمة.
– عندما ركبت الحافلة لم يجد عليها الشاب الجالس خلفها ولو بنظرة...
ويلاحظ هنا أن سياق القص يؤشر على وجود الشباب في غرفة أو مكتب حول كنباية، فيما يجتمع شباب اللحام في حافلة.
سادسا ـ وحدة الخاتمة مع تبديل العضو العاجز في الشاب
(ع): كان بلا قدمين.
(ح): فقد كان بلا يدين.
وتبقى هنا مفارقة جديرة بالقول، هي أن عدد كلمات قصة عمار الجنيدي (174) كلمة، فيما جاءت قصة حسام اللحام في (181 كلمة) إن لم يخني الإحصاء، فالتقابل والتناظر لم يكن فحسب في وحدة الفكرة ووحدة شعور الشخصيات القصصية وسيكولوجيتها والنهاية القصصية، بل جاء أيضا في تقارب عدد كلمات القصتين، مما يكشف عن قصدية الفك والتركيب ليكون مكثفا بما يوافق شروط القصة القصيرة جدا. والعودة إلى القصتين في مصادرهما المثبت في بدابة المقالة (ربما) يكشف للقارئ أكثر مما قلناه، وبالتالي إعادة النظر في تسمية السرقات الأدبية تناصا !!!