الثلاثاء ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

«ما زلتُ بانتظارك» لإيناس رشرش

لا يأتي ديوان “ما زلتُ بانتظارك” للشاعرة إيناس رشرش بوصفه كتابًا آخر في رفّ الشعر، بل بوصفه وثيقة شعورية حقيقيّة تُعرّي التجربة الإنسانية وتعيد تشكيلها من الداخل.

هذا الديوان لا يُقرأ بالعين فقط، بل يُقرأ بالقلب لأنه مكتوب من قلب لا يخشى البوح.

إيناس رشرش لا تكتب لتستعرض اللغة، بل لتُنقذ ذاتها من الصمت.

وهذا ما يجعل نصوصها صادقة، دافئة، ومشحونة بالبشرية الحقيقية التي نفتقدها كثيرًا في الشعر المعاصر.

مقدّمة الإعلامي نايف خوري… المفتاح الذي يُضيء الطريق

منذ العتبة الأولى للديوان، تقدّم لنا مقدّمة الإعلامي نايف خوري صوتًا يعرف كيف يقرأ المرأة وهي تكتب وجودها.

مقدمة خوري ليست مجاملة، وليست شرحًا، بل هي قراءة شفافة تقود القارئ إلى فهم الشاعرة قبل الدخول إلى عالمها.

هو يضع إصبعه على جوهر التجربة:

إيناس تكتب من الصدق، وتتحرك في مساحة تتجاوز الكلمات إلى معنى الإنسان وهو يواجه عاطفته بلا خوف.

لقد نجح خوري في تقديم الشاعرة بطريقة تُشبهها، بعيدًا عن التضخيم، وبعيدًا عن التقليل.

مقدمته تُعدّ مدخلًا ناعمًا وصادقًا، تمنح القارئ استعدادًا لاستقبال ديوان يتطلب الإصغاء لا الاستعراض.

طور جديد في كتابة إيناس رشرش

تكشف نصوص الديوان أن الشاعرة تعيش مرحلة نضج لا يمكن تجاهلها.

لقد انتقلت من مرحلة التعبير العفوي إلى مرحلة تشكيل اللغة وتشذيب الشعور.

نرى في هذا الديوان شاعرة:

أكثر وعيًا بذاتها

أكثر قدرة على الإمساك بخيط التجربة

وأكثر شجاعة في مواجهة ما لا يُقال عادة

إنه طور نضج، لا في اللغة وحدها، بل في الرؤية، والفلسفة الداخلية للنص.

المرأة بين رهافة الشعور وصلابة الروح

امرأة الديوان ليست منهزمة، وليست مغرقة في الرومانسية كما قد يُخيّل.

هي امرأة تتألم بكرامة، وتنتظر دون أن تفقد احترامها لذاتها.

في كل نص، نرى:

امرأة تواجه الحب بوعي

تواجه الفقد بثبات

تواجه الحياة بجناحين، أحدهما مكسور، والآخر يرفض أن يتوقف

هذه الثنائية — رهافة الشعور وصلابة الروح — هي أبرز ما يمنح الديوان قوّته الإنسانية.

الانتظار… ليس ضعفًا بل حكمة داخلية

يتكرر الانتظار في الديوان، لكنه ليس انتظارًا لرجل أو لحب فقط، بل انتظار لعودة الروح إلى وزنها.

انتظار لطمأنينة، لشفاء، لسلام داخلي.

إيناس رشرش تُحوّل الانتظار من حالة سلبية إلى فعل تأملي يفتح أبواب الفهم لا أبواب الانكسار.

وهذا يكشف عن شاعرة تعيد تعريف المرأة لا بوصفها منتظرة، بل بوصفها واعية بما تنتظره ولماذا تنتظره.

اللغة… موسيقى القلب وليست زخرفة

لغة الديوان بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في أثرها.

هذه البساطة ليست قلّة حيلة، بل قوة الشعر حين يخرج من نبع صافٍ.

كل سطر يشبه خطوة في داخل الروح، وكل جملة تبدو كأنها قادمة من منطقة صادقة لم يمسسها التكلّف.

تختار الشاعرة:

الكلمة الواضحة لا الغامضة

الصدق لا الزينة

الإحساس لا الصنعة

وهذا ما يجعل الديوان قريبًا من القارئ، دون أن يفقد قيمته الفنية.

الرجل… ظلّ في نصوصها لا مركز الكون

الرجل في ديوان إيناس رشرش ليس بطلًا ولا محورًا، بل انعكاسٌ لتجربة.

تتحدث عنه بعمق، لكنها لا تمنحه سلطة على النص.

تكتب عنه كما تكتب عن فصل من حياة، لكنّها تبقى صاحبة الكتاب كله.

هذا النضج في التعامل مع صورة الرجل يبرز شخصية الشاعرة القوية، التي لا تُهزم حتى لو جرّحها الحب.

الذاكرة… وعودة الطفلة التي تحرس الشاعرة

تعود إيناس أكثر من مرة إلى طفولتها، إلى البيت، إلى الأم، إلى الذكريات الأولى.

لكن العودة ليست بكاءً على ما مضى، بل محاولة لبناء الحاضر من جذوره.

فالطفلة التي تظهر بين السطور ليست ذكرى… بل أساس البنية الشعورية للشاعرة.

شهادة محبة وامتنان: للكاتب والإعلامي فهيم أبو ركن

بكل تقدير، يجب الاعتراف بالدور الكبير الذي قام به الإعلامي والكاتب فهيم أبو ركن، صاحب دار الحديث للنشر، في احتضان هذا الديوان ورعايته.

أبو ركن ليس مجرد ناشر، بل مؤمن حقيقي بالأقلام المبدعة، ومنحاز دائمًا لصوت المرأة الكاتبة وللثقافة الفلسطينية بكل تجلياتها.

تبنّيه لديوان إيناس رشرش ليس صدفة، بل قراءة واعية لموهبة تحتاج إلى دعم لتأخذ مكانها المستحق.

وموقفه هذا يُحسب له كناشر، ومثقف، وصاحب رؤية تُقدّر الكلمة الصادقة.

خاتمة… ديوان يولد من الروح ليبقى

“ما زلتُ بانتظارك” ليس مجرد مجموعة شعرية، بل رحلة داخل روح امرأة، ومرآة صافية لقلب يُعيد اكتشاف نفسه عبر الحروف.

إيناس رشرش هنا تُثبت أنها شاعرة من لحم الحياة ودم التجربة.

شاعرة تعرف كيف تكتب لتُشفى، وكيف تُشفى لتكتب.

وهذا النوع من الشعر…

لا يُنسى.

ولا يُشبه أحدًا.

ويبقى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى