متنفَّس عبرَ القضبان «146»
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
أواكب حرائر الدامون وأصغي لآهاتهن وأحلامهن بالحريّة، وأدوّن بعضاً من معاناتهن.
حين أغادر بوابة الدامون أتصل مباشرة بأهالي من التقيتهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات؛
وضع حرائر الدامون يزداد سوءً، تتفشى بينهن الأمراض الجلدية بسبب انتشار الحشرات وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في ظل انعدام وسائل التهوية، ونقص حادّ بالصابون والشامبو والأمشاط والغيارات؛
حاولت إيصال معاناتهن وصراخهن لكلّ بقاع العالم عبر "التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين" وناشطين أوروبيين.
عقّبت إيمان حلبي (ابنة الأسيرة دلال وأخت الأسيرة المحرّرة إسلام): "قبل ما أبلش أقرأ عوداً حميداً افتقدنا زياراتك هالكم يوم ربنا يعجل بالفرج. يا ربي رحمتك هاي زي أختي إسلام معتقلة هي وزوجها الله يعينها ويعين أهلها عالألم من شوفة الأولاد بلا أم ولا أب! سياسة جارحة للأطفال! حبيبي أحمد ابن إسلام أول يوم كان بدون أمه سألني بكسرة احنا هيك صرنا أيتام ما عنا أب ولا أم. ربنا يفرجها عليهن جميعا ويجزيك كل الخير أستاذنا الغالي".
وعقّبت الشذى سرور: "الله يهونها عليهن ويفك أسرهن يا رب. والشكر موصول إلك أستاد صوت الأسيرات وحلقة وصل بينهن وبين العالم عسى انه يحرك فيهم شوي تجاه الأسيرات".
وعقّبت أم ثائر فطاير (حماة ولاء): "يا رب رجعتكم قريبة حبايب قلبي وروحي مجاهد روح قلبي وولاء ست الكل نور عيوني".
وعقّبت نادية خياط (أسيرة محرّرة): "ما أجمل أن ترسم بسمة على شفاه أضناها الشوق والحنين وأن تسعد قلبا لأم ملوعة على فراق أبنائها وبناتها وأهلها في ظل أسوأ ظروف تمر بها الحركة الاسيرة الحرية لأسيراتنا الماجدات وأسرانا البواسل".
وعقّبت مرام عماد: "الله يفرج عنكم يارب ويقويكن ويكون معكن والله يجزيك يا أستاذ حسن عبادي على فسحة الأمل اللي بتعطيها للأسيرات وسط هالظلم اللي عايشات فيه".
وعقّبت راية المجد: "اللهم فرجا عاجلا لأسيراتنا وأسرانا وأقصانا ورفع البلاء عن المسلمين والمستضعفين ودمتم للخير أستاذ حسن عين الحقيقة لما يجري في سجون الظالمين".
وعقب عبد أبو غالي: "الله يعطيك ألف ألف عافيه يا رب وهذه الجهود الجبارة التي تبذلها سيذكرها التاريخ كما سيذكر حرائرنا والله لك سهم وحيز كبير في تاريخ أسرانا وقضيتنا على الجهد والوقت والتعب والمشقة التي تبذلها لأجل هؤلاء الحرائر ولن ينساك هذا التاريخ ولن يضيع أجرك عند الله عز وجل إن شاء الله".
وعقّبت الأسيرة المحرّرة أم أمير سلامة: "بارك الله فيك أستاذ حسن. ما نسيناك يوما ولا سينساك التاريخ وستبقى حرائر فلسطين يذكرن جهدك… لغاية اللحظة لم أنس أول زيارة منك وطمنتني عن عائلتي فكنت تائهة لا أعرف عنهم أي خبر. كل الاحترام. الفرج القريب لأسرانا وأسيراتنا القابضين على الجمر".
"زنزانة كلّها كاميرات"
بعد غياب أسبوعين بسبب إجازة عائلية سنويّة، زرت صباح الاثنين 18.08.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة ولاء ربيح أنيس السلعوس (مواليد 09.12.1990)، من شارع 10/ نابلس.
لم تتوقّع زيارتي، وحين أعلمتها من أكون انفرجت أساريرها قائلة "كلّ الصبايا بحكوا عنّك كلّ الوقت وبنستنّاك، في محامي حكى إنّك بطّلت تزور وما حدا منّا صدّق"، وانكسر حاجز اللقاء الأوّل.
حدّثتني عن فرحة الأسيرات بتحرّر حنين وزهراء وأوصلتها بدوري سلاماتهن ودعائهن.
والتحضيرات لترويحة رِماء.
قلقة على بنتيها غزل (12 عام) وسنا (11 عام) وتحضيرهن لسنة دراسيّة جديدة بغيابها عن البيت وغياب زوجها/ والدهن مجاهد المعتقل، وابنها حربي (5 سنوات) "لا تغصبوا يروح ع الروضة"، وخلّي غزل تدير بالها ع حالها وعلى إخوتها وأهم شي صلاتهم؛ يقرؤوا سورة يس كل يوم للبابا والماما؛ إمكم صابرة وقويّة ومشتاقة ورايحة تدلّلكم دلال عمركم ما شفتتوه ولا حلمتوا فيه.
حدّثتني عن الاعتقال يوم 23.07.25؛ اتصل أنور من مخابرات حوارة ورحت ع أساس مقابلة لساعة زمان، أخذوني للجلمة 12 يوم زنزانة متعبة نفسياً، زنزانة كلّها كاميرات، كابوس بلاحقني كل الوقت (بدأت ببكاء ونحيب)، آذاني جداً جداً.
الوضع في الدامون يزداد سوءاً؛ قمعات متكرّرة، وخاصّة قمعة الخميس السافلة، على حدّ قولها، ومرافقتها بتفتيش مهين، وقمعة السبت اللئيمة والضرب الذي رافق جرّ الأسيرات من الزنازين للساحة، شدّوا الكلبشات ورشّوا الغرف بالميّة، وعزل أسيرة. أصعب قمعة. ما في تنانير كفاية لليانس، وما في مشط شعر ووسائل النظافة الشخصيّة معدومة.
ولاء في غرفة 5، التنقلّات مستمرة؛ برفقة إسلام شولي حلبي، إيمان شوامرة، د. شيماء أبو غالي، شيرين حمامرة، لينا وزوز المحتسب، أسيل حماد، وربى دار ناصر.
طلبت إيصال سلاماتها لأهلها؛ خيّاتها (مزيّن، هند، منار، نور، زينب، خولة، قمر وميساء) وإخوتها أشرف ومحمد، ووالديها. لحماها وحماتها وسلافها وسلفاتها وسنا (بنت حماها) وتعايد عليها وعلى ابنها إبراهيم، وكل الصبايا بدعوا لزينب بذريّة صالحة.
طلبت إيصال رسائل الأسيرات لأهلهن.
حين افترقنا قالت: "اللهم حصّن بيتي وعائلتي من كلّ وباء وبلاء".
تحرّرت ولاء من الأسر يوم الثلاثاء: 19/8/2025
"حطّوا ثنتين ع الأرض ودعّسوا عليهن"
بعد لقائي بولاء أطلّت الأسيرة شيماء فتحي زيدان خازم (مواليد 20.12.1999)، من مخيّم جنين.
بعد التحيّة مباشرة حدّثتني بانفعال عن القمعات الأخيرة؛ فيلم رُعب، طلّعوا البنات ع الساحة بدون حجاب، وبدون كُمّ، حطّوا ثنتين ع الأرض ودعّسوا عليهن، وتعدّوا بالضرب بالساحة على أسيرة.
حدّثتني عن الاعتقال يوم 03.08.25؛ في أم الفحم، ومنها إلى هشارون، والدامون.
شيماء في غرفة 6؛ برفقة بنان أبو الهيجاء، شهد حسن وفاطمة حسن منصور.
الوضع في الدامون سيئ جداً، ما بنطاق! خنقَة. صياح ومسبّات وصراخ كل الوقت، وضرب ع الطالع والنازل، ما في خصوصيّة أبداً. عقابات متكرّرة ع المزاج وبدون سبب. ولاء طنجة أميرة العزل!
طلبت إيصال سلاماتها لأهلها؛ سلّم ع الكل وخاصة أختي وعد (كنت حابّة أكون معها لما تخلّف، قاتل الله الظروف). وأختي ماريا تتابع مع المحامي وتدير بالها على كل شي. بنتكم منيحة وعقدّها. تخافوش عليها. ديروا بالكم ع حالكم وتنسوهاش من دعواتكم.
طلبت إيصال رسائل الأسيرات لأهلهن، لينا مسك، سلام كساب، دلال وإسلام (أم وابنتها، ممنوعات من التواصل مع بعض، ومحرومات حتى من المرحبة!)، شيرين، وشيماء أبو غالي.
في طريقي لمغادرة السجن لاحظت التحضيرات لترويحة رِماء.
لكما عزيزتيَّ ولاء وشيماء أحلى التحيّات، والحريّة لجميع أسرى الحريّة.
