متنفَّس عبرَ القضبان «149»
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
أواكب حرائر الدامون وأصغي لآلامهن وآمالهن وأحلامهن بالحريّة، وأدوّن بعضاً من معاناتهن.
أتصل من بوابة الدامون مباشرة بأهالي من تم قمعهن والاعتداء عليهن، وبعدها بأهالي من التقيتهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات؛
حاولت إيصال معاناتهن وصراخهن لكلّ بقاع العالم عبر "التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين" وناشطين أوروبيين، بعيداً عن الشجب والاستنكار وتحميل المسؤولية وكسر حاجز الصمت؛
وزادت قناعتي أن صمتنا عارُنا.
عقّب جمال كرامة:" أبو الأسيرات... حقا علينا أن نذكر هذا الأستاذ الفاضل في مواقع التواصل وفي كل مكان، المحامي والكاتب حسن عبادي محامي وكاتب وناشط حقوقي وثقافي مقيم بمدينة حيفا المحتلة مواليد 1959 ولديه على صفحته لكل أسيره قصة وحكاية لو قرأتها الصخور لتفتت من قهر ظلم السجان يزور بناتنا وأخواتنا الأسيرات في الداخل المحتل رغما عن أنف السجان. دائما يتواصل مع أهالي الأسيرات وهو المتنفس الوحيد للأسيرات لا يطلب أجرا ولا هدية ولا أي شيء. ألا يحق لنا أن نذكره؟"
وعقبت روضة أبو عجمية: "فك الله بالعز قيدهن وقيد جميع الأسرى، وقت كنت بالحبسة الثانية وفترة الحرب وكنت أنت ممنوع من الزيارات، كانت الهيئة تبعت لناس وناس كأنهم مش مسجونين أهلي كانوا يفتشوا عزيارة لحد ما طلعت مع بنت مروحة شو تبريتو عني… مع أنه الأهل بحاولوا قدر المستطاع يلاقوا محامي يزور، يا الله شو هالشعور صعب بتحس حالك محدا سائل فيك قلبي معها ومع كل أسيرة الشعور بعرفش إلا شخص مر فيه".
وعقبت أم أمير سلامة: "الله يفرجها عليها يا رب كل الاحترام لجبار الخواطر اللي مستحيل ينسى أسيرة من زيارته ويطمئنها عن عيلتها. كان سؤاله دائما مين أسيرة جديدة ما انزارت مباشرة يعملها زيارة جزاك الله خيرا ويجبر بخاطرك أستاذ حسن وفك الله أسرهن يا رب".
وعقب نافذ الرفاعي: "الله عليك ما أروعك انتماء وبهاء، وأنت تضعنا معك في الزيارة ونحمل معك مشاعرك وطيبتك ورسائل الأسيرات دمت وفيا".
وعقبت أزهار عبد الحميد: "يا الله ... في كل قصة تفاصيل تحفر في الذاكرة كم أنت قريب أستاذنا لتنقل كل كلمة ببساطتها لأنك وحدك من يدرك أن التفاصيل لها معنى عميق الفرج القريب لأسيراتنا وأسرانا وكل الاحترام والتقدير لك".
وعقبت باسلة الصبيحي: "من ذا الذي ينسى وتده بالأرض؟ أنتنّ الشيء كله بجمال الكون وتفاصيله… أنتنّ القدوة لي ولكل حرة يعتلي جبينها عشق الوطن والبلاد. دمت بخير وصحة وبركة وعطاء سيد الموقف وقوة المثابرة أستاذنا العزيز حسن عبادي ".
وعقّب الصديق إبراهيم الخطيب أبو وسيم: "وتبقى أخي الغالي. حادي ركب حارسات الحلم الفلسطيني. تستمر دون توقف غير هياب... ألف تحية."
"حاسّيتكم ناسييني"
زرت صباح الاثنين 25.08.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي ثانيةً بالأسيرة سيرين محمد أسعد الصعيدي (مواليد 09.04.1979) من بيت ليد/ طولكرم، دكتوراه عقيدة وشريعة، جامعة العلوم الإسلامية العالمية/ الأردنية، مدرّسة في مدرسة بنات طولكرم الشرعية وجامعة القدس المفتوحة وتقبع خلف القضبان منذ اعتقالها منتصف ليلة 12.02.25.
أوصلتها بداية سلامات العائلة وأخبارها (بما فيها حمل زوجة حمزة وشذى، وولادة ابن ام أسامة وبراء) فضحكت قائلة "سجنتي خير على العائلة".
حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 8 (لين مسك، منى عنبتاوي، انتصار عواودة) وباقي زميلات الأسر، وعن وضع سجن الدامون السيئ، رجع رئيس القسم وبلفّ بين الغرف ع الخمسة الصبح مع أصوات وصراخ ومسبّات، ع التسعة بكون كلشي خالص وببيّتنا، قمعات متكرّرة وتفتيش معين كل الوقت، قيل 3 أيام كانت قمعة جديدة (شملت تفتيش عاري لإحدى الغرف)، مليان صراصير وحشرات وفش لأواعي وغيارات كفاية.
طلبت إيصال خاطرة: "إلى إخوتي وأخواني ميراث أمي وأبي، دمتم سدّاً منيعاً. إلى كرميّة الطباع والأصل باسمة الوجه ضاحكة العينين. إلى أساتذتي وزملائي في أكاديميّة "روحي"، إلى مديرتي الغالية وزميلاتي وطالباتي العزيزات، إلى كل صديقات القلب والروح، وأبناء إخوتي وخواتي، كل باسمه وشخصه، أشتاق إليكم جميعاً. تمنيّت أن أشارككم مناسباتكم. وأكاديمية روحي كانت بأساتذتها وطلبها نوراً في ظلمات السجن. أشتاق إليكم جميعاً وعسى أن يكون اللقاء قريباً".
طلبت إيصال سلامات الصبايا لأهاليهن؛ لين مسك، منى عنبتاوي، انتصار عواودة، آية خطيب، أماني النجار، رهام موسى، أيمان الشوامرة، ياسمين شعبان، ولاء طنجة، سلام كساب، فاطمة منصور (احتفلت مع الصبايا بعيد ميلاد زوجها وعملت كعكة)، شهد حسن، بنان أبو الهيجا، إسلام ودلال الحلبي (تسنيم تحضر المحكمة كمحامية ومش من العيلة، ويعايدوا على عمر بعيد ميلاده، وتبدّل الجلباب بنمرة 42)، ميرفت وسهام/ غزة، وتسنيم عودة.
سلاماتها لام عمر وولادها (الشهرية محفوظة، تواصلي مع صاحبتي وأمها. حاسّيتكم ناسييني. نسيتوا أختكم ومش باعثين محامي؟ الهيئة مش سائلة عنّا. حرام. ليش؟).
بدها ع الاستقبال بالترويحة؛ ضروري ملابس، الجلباب الكحلي، بنطلون أسود، الشال السكني، الحذاء الأسود، إشي حلو وقهوة خفيفة (ماجدة: جيبيلي (عوغاي) من المخبز، مش يخلّوني ع الحاجز لحالي!
وحياتك تواصل مع سماح المزيّن، وين وصّل الكتاب؟ ومع المديرة: هل حطّوا بديلة؟ هل رايحين يعطوني إجازة ولّا راجعة ع الدوام مباشرة؟
وحين افترقنا قالت: "بالله عليك تسلّم على زوجتك. أنت أبو الجميع".
تحرّرت سيرين من الأسر يوم الخميس: 9 أكتوبر 2025
"تهاني حامل وبلّشت بالشهر التاسع!"
حين أنهيت لقائي بسيرين أطلّت الأسيرة سامية ياسر موسى جواعدة (مواليد 10.01.1976) من قرية سكا/ دورا/ الخليل، لألتقيها ثانيةً، وهي رهن الاعتقال منذ 27.02.25.
ضحكت (للمرّة الأولى منذ اعتقالها، على حدّ قولها) حين سمعت رسالة أختها سميحة "ما حد قصّر مع أولادها من طبيخ محاشي وورق الدوالي والملوخية والقدرة والمنسف... وفرّزنا لها ملوخية ونشّفنا لها ورق دوالي".
حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 4 (سهام أبو سالم/ أم خليل، سبعينيّة من غزة، ولاء الحوتري، أماني النجار، ميسون المشارقة، شاتيلا أبو عيادة، إباء الأغبر وهيام شحادة)، وزميلات الأسر، وظروف الدامون المأساوية. صبايا إحدى الغرف بالعزل، ولاء معزولة كلّ الوقت، رطوبة قاتلة وتنكيل كلّ الوقت. بدنا نعرف أوقات الصلاة. ضروري!
طلبت إيصال سلامات أسيرات لأهلهن؛ سهام، أماني، ميسون، ولاء الحوتري، شاتيلا (شو مع التعويض؟)، لينا وزوز، كرمل، فاطمة منصور، فاطمة جسراوي (راحت تحقيق بالرملة ورجعت)، كرم موسى (خلّي مجاهد يعمل كعكة كبيرة لأولادها وأحفادها اللي معيّدين بنفس الفترة، منى عنبتاوي، سلام كساب، ميرفت/ غزة، ياسمين، ولاء طنجي، دلال، فداء عساف وتهاني أبو سرحان (تعبانة كثير، حامل وبلّشت بالشهر التاسع!)، هناء وسالي.
أخبرتها عن دالية العنب "خلف النافذة تعانق المنزل وتجاوزت الثلاثة أمتار"، والتينة "طرحت عشر حبات وجدناها ألذ مذاقا من الدنيا إلّا من الشوق لرؤيتها بيننا" فابتسمت وعقّبت " مش قلنا المرّة اللي فاتت يحق للشاعر ما لا يحقّ لغيره!".
وعن أشعار أشرف (زوجها):
مذ غاب وجهك هذا البيت مرتعشٌ
وَحَالُهُ الآنَ-عمَّا كانَ-يخْتَلفُ
كُلُّ الزوايا تنادي... كُلُّها جَزِعَتْ
كأنَّها فجأةً شاخت... وترتجفُ
كأنّ روحَكِ ما زالتْ هنا قبَسَا
يمشي الهوينى على القلب الذي خطفوا
كأنني شَبَحٌ في الصمت مُنْهزمٌ
يدور في الوقت لا يهدا ولا يقفُ
كم مرَّ ذكرُكِ في دنياي أغنيةً
وكم سرى في المدى طيفٌ له شغفُ
يا بهجة الضوء في أيّ السجون نأت
عنّي عيونك يا مَرْجان يا صَدَفُ
هذي يداي على الأبواب عالقة
تدعو السماء لعل الليل ينصرفُ
لولاك ما فُتحت في القلب نافذةٌ
على الأماني ... ولا راقت به الغُرَف
لا تحسبوا النور يشقى خلف غيمتكم
فالشمس في قلبها البركان يلتهفُ
طلبت إيصال سلامات لأولادها ولأشرف، لإخوتها وخواتها، لأسلافها وبنات حماها، ولجارتها جواهر.
تعايد على الهيئة التدريسية.
أوصلتها سلامات أخوها موسى (دكتور كيمياء في جامعة خضوري)؛ فعقّبت: من اليوم وطالع بدّي أطلع من البيت كل الوقت. بطّلت بيتَويّة. بدّي أصير آجي عندكم 10 أيام.
وحياتك وصّل ولادي: "ديروا بالكم على صلاتكم. فخورة فيكم كلّكم".
لكما عزيزتيَّ سيرين وسامية أحلى التحيّات، والحريّة لجميع أسرى الحريّة.
