الأربعاء ١١ أيار (مايو) ٢٠٢٢
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان (55)

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة ربيعي براهيمي: "هنيئا لك لقاء الأبطال .عمل جبار تقوم به .أستاذ حسن نحملك في المرة المقبلة تحياتنا من أرض الجزائر إلى كل الأسرى مع دعواتنا لهم بالنصر والتحرر من قيد السجان وانهم ليسوا وحدهم بل إن احرار العالم واحرار الجزائر معهم .يتابعون اخبارهم ويستمدون الصمود منهم ويفتخرون بهم .ويشعرون بآلامهم ومعاناتهم ويدعون الله لهم بالحرية ".

وعقّب الصديق أحمد خطيب: "يعطيك العافية .أنت يا حسن تقوم بعمل رائع ومفيد .مفيد للأسرى لأنك توصل لنا رسائلهم وتفكيرهم .ومفيد لنا خارج السجن الصغير .لنتعرف على القوه العقلية والفكرية والوطنية لدى أسرانا أسرى الحرية .كمان مرة يعطيك الف عافية" .

"إنضحك علينا"

التقيت بالأسير أمجد أحمد عيسى عبيدي (معتقل منذ 07.11.2003) صباح الاثنين 11.04.2022 في سجن شطة (أقيم السجن على أنقاض قرية شطة المدمّرة والمهجّرة، في منطقة وادي جالود، بالقرب من سجن جلبوع، على بعد 10 كم شمال غرب بيسان(؛ رافقَت اللقاء الكثير من الضحكات التي استفزّت السجّان الملازم.

حدّثني عن الأجواء الرمضانيّة داخل السجن، وعن طقوس القراءة والكتابة خلف القضبان، دراسته في الأسر للبكالوريوس في موضوع التاريخ (ما هو السبب الحقيقي لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينيّة) والماجيستير في الاقتصاد (أثر القاعدة الفقهيّة، لا ضرر ولا ضرار على قانون العرض والطلب)، والحريّة في الإسلام، والشورى والحريّة/ النظري والعملي وما بينهما، والثورة التي طرحت تحرير وتمخّضت عنها أوسلو "إنضحك علينا، لو قالولنا هيك من الأوّل ما تعّبنا حالنا"، فهذه الحبسة الثامنة!

تناولنا مشروعه الثقافي؛ روايته "غريب في وطنه" التي صادرتها سلطة إمبراطوريّة رام الله ولاحقت النسخ التي وُزّعت كهدايا في قرية زبوبا، حكايا الأسر والأسرى، رواية التآخي المتخيّلة وبطلها أسير أمني مسيحي أحب مسلمة وتزوّجها ورحلة عذابه، قصص قصيرة تتناول الوضع في السجون وحالة السجناء، ومشروع رواية تجمع الكلّ الفلسطيني وأبطالها من كلّ الأطياف والمناطق، فكريًا وجغرافيًا، يجمعهم حبّ الوطن والحياة.
نقل عمّار الزبن صباح اليوم (حيث كان مرتّبًا اللقاء به) أغاظني ولكن فسح المجال للقاء مطوّل مع أمجد، ورغم نقله كان حاضرًا معنا.

"قرّرت أن لا أنكسر"

بعد لقائي بأمجد في سجن شطة أطلّ الأسير المقدسيّ زكريا مروان البكري (مواليد 14.06.2001)؛ تلازمه ابتسامة طفولية بريئة وخجولة، رتّبت اللقاء به بناء على توصية الصديق عمار، ليحدّثني بحرقة عن حرمانه الدراسة الثانويّة إثر الاعتقالات المتكرّرة منذ كان عمره 15 عامًا، وهو يحاول الدراسة للتوجيهي عبر القضبان.
حدّثني عن الأجواء الرمضانيّة داخل السجن، مقارنة مع حيّ الواد المقدسيّ، وعن القراءة المكثّفة في السجن والحلقات التثقيفيّة والتوعويّة لساعات طويلة كلّ يوم.

تناولنا مشروعه الكتابيّ، بداية "سر حكاية القدس" التي كتبها بالعاميّة، وتلك كانت البداية، وطوّر لغته وأسلوبه ويعمل ليل نهار على كتابة رواية من وحي الأسر والمعاناة، من وحي تجربته وتجارب زملاء الأسر وحكاياتهم، تجارب مئات سنين الأسر، بحلوها ومرّها.

قرّر زكريا أن يتغلّب على السجن والسجان، قرّر أن لا ينكسر؛ قرّر أن يحوّل السجن من دائرة قهر مستمر إلى دائرة إنجاز وتعليم مستمر ليروي حكاية القدس الحقيقيّة.

لكما عزيزاي أمجد وزكريا كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكما ولجميع أسرى الحريّة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى