الأحد ٨ تموز (يوليو) ٢٠١٨
بقلم عمرو صابح

مذكرات الرئيس محمد نجيب.. التنقيح الرابع

اللواء محمد نجيب هو أول رئيس لجمهورية مصر يتم تعيينه من قبل مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 عقب إلغاء النظام الملكى، وإعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953، واللواء محمد نجيب هو الرجل الذى تصدر قيادة الثورة منذ يومها الأول، وصدرت قرارات الثورة منذ 23 يوليو 1952 حتى نهاية أزمة مارس 1954 بإسمه، ولكن رغم هذا الدور الذى لعبه محمد نجيب فى الثورة، إلا انه انهال على الثورة والضباط الأحرار بأقذع الاتهامات وأحط الشتائم، كما تبرأ من الثورة وكل سياساتها ، وهاجم جمال عبد الناصر بضراوة ونعته بأقذر الصفات، خاصة فى كتابه "كنت رئيساً لمصر" الصادر فى عام 1984.

منذ صدور كتاب "كنت رئيساً لمصر" تحول الكتاب للمرجع الرئيسى لكل خصوم ثورة 23 يوليو من الليبراليين و الإخوان و ثكالى وأرامل الملك فاروق، فالكتاب يضم بين دفتيه نقد بالغ الحدة وشديد العصبية ضد ثورة 23 يوليو من رجل تزعمها فى بدايتها، وكان واجهة لحكم الجيش.

المدهش ان كتاب "كنت رئيساً لمصر"، ليس أول كتاب يحتوى على مذكرات الرئيس محمد نجيب ، بل هو الكتاب الذى يحتوى على النسخة الثالثة من مذكرات الرئيس محمد نجيب.

النسخة الأولى من مذكرات الرئيس محمد نجيب، صدرت فى عام 1955 بعنوان "قدر مصر"، وقام بصياغة الكتاب الصحفى الإنجليزى "لى وايت"، وتم نشر الكتاب ببريطانيا والولايات المتحدة، وتمت ترجمته للعربية فى نفس العام، ولكن النظام الناصري منع نشره فى مصر ثم جرت ترجمته، وأعيد نشره فى مصر فى ثمانينيات القرن الماضي.

اللافت للنظر ان الرئيس محمد نجيب أهدى الطبعة الأولى من كتاب "قدر مصر" لرئيس الوزراء العراقى "نورى السعيد"، والذى كان من أكبر الموالين لبريطانيا فى العالم العربى، ومن أشد المعادين لجمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو، وكان يصف مذهبه السياسي بقوله:

(أنا هاشمى الولاء .. إنجليزى السياسة).

وفى عام 1975 أصدر الرئيس محمد نجيب النسخة الثانية من مذكراته بعنوان
"كلمتى للتاريخ"، وقد صاغه له الضابط الحر والمؤرخ "أحمد حمروش"، وقد ذكر حمروش فى مذكراته " خريف العمر " تفاصيل لقاءه بالرئيس محمد نجيب وتسجيله للنسخة الثانية من مذكرات نجيب.

وفى عام 1984 صدر كتاب "كنت رئيساً لمصر"، الذى احتوى على أخر تنقيح لمذكرات محمد نجيب، وقد صاغه له الكاتب الصحفى "عادل حمودة".

من سيطالع النسخ الثلاثة من مذكرات الرئيس نجيب، سوف يفاجئ باختلافات واضحة وفادحة فى روايات و أراء نجيب ، خاصة بين النسخة الأولى من مذكراته "قدر مصر"، والنسخة الأخيرة "كنت رئيساً لمصر".

وكنت قد قدمت فى دراسة موجزة لى بعنوان "قراءة فى مذكرات محمد نجيب" قراءة لتناقضات شهادة الرئيس نجيب فى الكتب الثلاثة التى ضمت مذكراته ، وكان ظنى حتى وقت قريب ان كتاب "كنت رئيساً لمصر" هو التنقيح الأخير لمذكرات الرئيس محمد نجيب، ولكنى وجدت نسخة رابعة من مذكرات الرئيس محمد نجيب ، نشرها الأستاذ "عادل حمودة" فى كتاب بعنوان "الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب" صدر فى عام 1985 عن مؤسسة روز اليوسف، وكتب الكاتب الصحفى الكبير "صلاح حافظ" مقدمة الكتاب.

ولكن برغم ان الأستاذ عادل حمودة هو كاتب التنقيحين الثالث والرابع من والمثير للدهشة ان الأستاذ "عادل حمودة" هو من صاغ كتاب "كنت رئيساً لمصر"، ثم صاغ كتاب "الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب"، والأكثر غرابة ان فى أخر صفحات كتاب "الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب"، وتحت عنوان مؤلفات عادل حمودة، يوجد كتاب "كنت رئيساً لمصر"!! كواحد من مؤلفات عادل حمودة!!

مذكرات الرئيس محمد نجيب، إلا أن كتاب "الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب"، يبدو أقل شططاً وحدة عن كتاب "كنت رئيساً لمصر" فى تقييم الرئيس نجيب للرئيس عبد الناصر.

فالرئيس نجيب يعترف فيه ان جمال عبد الناصر هو قائد تنظيم الضباط الأحرار، وان جمال عبد الناصر وعبد الحكيم هما من قاما بضمه للتنظيم، ويعترف انه لم يكن يعرف أعضاء اللجنة التأسيسية للتنظيم، ويقر أنه كان يرسل برقيات تأييد وتهنئة للرئيس جمال عبد الناصر فى كل المناسبات الشخصية والقومية طيلة حياة عبد الناصر، ويؤكد انه يتفق مع الرئيس جمال عبد الناصر فى ضرب الاقطاع و بناء القطاع العام وإصدار القرارات الاشتراكية، كما انه يتفق مع الرئيس السادات فى سياسات الانفتاح والاستثمار الأجنبى وضرب القطاع العام!!!
بل ان الرئيس نجيب يتفاخر انه الوحيد من رجال الثورة الذى أتيحت له فرصة كتابة مذكراته أكثر من مرة، مرة وهو رئيس للجمهورية فى "قدر مصر"، ومرة بعد خروجه من قصر المرج فى "كلمتى للتاريخ"، ومرة وهو فى نهاية العمر فى "كنت رئيساً لمصر"!!

ويعترف الرئيس "محمد نجيب" أنه لم يقبض أى أموال مقابل كتابه "قدر مصر" الصادر فى عام 1955، بينما تقاضى 45 ألف جنيه من مجلة "الحوادث" اللبنانية، مقابل الطبعة العربية من كتابه "كلمتى للتاريخ" الصادر فى عام 1975، وحصل على ألف جنيه فقط مقابل الطبعة المصرية من كتابه " كلمتى للتاريخ " والتى أصدرها ناشر مصرى مجهول!!

وتقاضى 500 جنيه من الناشر أحمد يحيى صاحب "المكتب المصرى الحديث" مقابل كتابه "كنت رئيساً لمصر" الصادر فى عام 1984.

من سيقوم بمراجعة النسخ الأربعة لمذكرات الرئيس الراحل "محمد نجيب" سوف يتأكد من وجود اختلافات واضحة فى شهادته على التاريخ فى كل نسخة، مما يلقى بظلال كثيفة على مصداقية تلك الشهادة التى صدرت على مدار 30 سنة، وصاغها له ثلاثة من الصحفيين، والمأساة ان كتاب "كنت رئيساً لمصر" الذى يحتوى على التنقيح الثالث لمذكرات الرئيس نجيب، تحول إلى حائط المبكى لكل خصوم جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو 1952، ولو راجع هؤلاء المصابون بارتكاريا جمال عبد الناصر، التنقيحات الثلاثة الأخرى لمذكرات الرئيس نجيب لأدركوا ان شهادته مجروحة، وتختلف من كتاب لأخر.

لم يكن الرئيس محمد نجيب ضحية لثورة 23 يوليو، بل كان ساعياً للإستحواذ على السلطة بالتحالف مع كل خصوم الثورة، كما دخل فى خصومه مع معظم رفاقه من قادة الثورة، وقد أجمع هؤلاء فى مذكراتهم وشهاداتهم للتاريخ على محدودية دوره فى الثورة، ومحاولته تصفية الثورة، وتسليم السلطة لأعمدة النظام الذى أطاح به الثوار فى 23 يوليو 1952.

الصور الملحقة بالمقال من كتاب "الوثائق الخاصة بالرئيس نجيب".

للمزيد من حول مذكرات الرئيس محمد نجيب ، يمكن مراجعة موضوع "قراءة فى مذكرات محمد نجيب" على الرابط التالى:

http://diwanalarab.com/spip.php?article47351

اللواء محمد نجيب هو أول رئيس لمصر يتم تعيينه من قبل مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 عقب إلغاء النظام الملكى، وإعلان الجمهورية فى 18 يونيو 1953، واللواء محمد نجيب هو (...)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى