معركة العُقاب، ومعركة غزة
في يوم 20 من شهر أيلول، يحتفل الأسبان كل عام بذكرى انتصارهم على المسلمين في معركة العُقاب، وتقضي مراسم الاحتفال بأن يتقدم عدد من جنرالات الجيش الأسباني في مسيرة مهيبة، وهم يرفعون بين أيديهم راية المسلمين التي سقطت على أرض المعركة آنذاك، فالتقطها القائد الأسباني المنتصر، واحتفظ فيها شامخاً بعزته، ليحتفظ فيها من بعده قادة الأسبان، وهم يرون فيها عنوان الكرامة والقوة حتى يومنا هذا.
في كل عام يخرج الأسبان راية المسلمين من مخبئها، ويضعونها في مكان يذكرهم بالمجد، والانتصار في تلك المعركة التي جرت على أرض الأندلس قبل ثمانمائة عام بالضبط، في تاريخ 16 أيلول سنة 1212م. حين هزم السلطان محمد الناصر قائد جيش الموحدين، بعد أن سقط من المسلمين عشرون ألفاً بين شهيد وجريح، وبعد أن وقعت رايتهم التي يبلغ طولها 3،3 متر، ويبلغ عرضها 2 متر، وهي منسوجة من الحرير والذهب والفضة، لقد وقعت الراية أسيرة في قبضة الأسبان حتى يومنا هذا.
رغم طول الزمن، لم ينس الأسبان مذاق الانتصار في تلك المعركة، ولم ينسوا فضائل ذلك النصر على حياتهم الراهنة، إنهم يحترمون ذاكرتهم، ويذكرون الأجيال بعوامل القوة والمنعة، والتي تأسست على الوحدة الداخلية للأمة الأسبانية، وعلى وحدة العقيدة التي حارب تحت لوائها جيش الفرنجة، وهذا من حقهم كأمة، ولكن حق العرب على أنفسهم أن يقرءوا تاريخهم، وأن يتعظوا من انكسارهم، وأن يدركوا شرور هزائمهم التي تأسست على فرقتهم، واختلافهم، وتمزقهم، وعدم ائتلافهم حول راية واحدة طولها 3،3 متر، وعرضها 2 متر.
لو سأل أحدكم: ما علاقة معركة العُقاب في بلاد الأندلس، بمعركة غزة على أرض فلسطين؟ وما علاقة الزمن الماضي باللحظة الراهنة؟
يجيب على ذلك المؤرخون، ويقولون: إن معركة العقاب غيرت تاريخ الأندلس، وكان لها ما بعدها من انتصار جيش الفرنجة على جيوش المسلمين، حتى اكتمل نصر الفرنجة بسقوط غرناطة بعد ثلاثمائة عام، في 1594، ليغيب العرب عن جغرافية الأندلس.
أما معركة غزة التي جرت سنة 2008، بين جيش الصهاينة، ورجال المقاومة الفلسطينيين، فإن لها ما بعدها، وذلك لأن معركة غزة هي المعركة الأولى التي جرت على أرض فلسطين، وخرج منها الجيش الإسرائيلي مرعوباً، ومهزوزاً، ومدحوراً.