
من أصدقُ عروبة... مصطفى بكري أم طارق ذياب؟
يسود اعتقاد عند معظم الناس أنّ السياسة مجال السياسيين وحدهم ولا دخل لسواهم فيه ناهيك أن يقتحمه الرياضيون ويخوضون فيه.
غير أن سيطرة كرة القدم هذه الأيام على الأحداث مع تفجّر أحداث سياسية في منطقتنا العربية رفع الحواجز بين المجالين وكسر الحدود بينهما فوجدنا زعامات سياسية كمصطفى بكري الإعلامي المصري المعارض وعضو مجلس الشعب يدخل مجال الرياضة ويدلي فيه بدلوه كما وجدنا نجوما رياضيين كطارق ذياب اللاعب التونسي البعيد عن السياسة يصدع برأيه.
وكان من المتوقّع أن يوفّق السياسي في خوضه ويدلّل على وضوح رؤيته وثبات موقفه وصدق مشاعره وإخلاصه لشعاراته ومبادئه فيعزّ السياسة والسياسيين ويضخّ الرياضة بدم السياسي فيخلّصها من خصوصيتها إذ ينزّلها في إطارها ويبصّرها بالرهانات السياسية المختلفة..
كما كان يُنتظر من الرياضي أن يبدع في مجاله فيحلل لنا اللعبة ويُفصّل في قوانينها وفنياتها القول فتنكشف لأعيننا خصائص الرياضة وخصالها بعيدا عن الألغاز السياسية والمطبات المتعددة.
إلا أن اشتغال كل من السياسي والرياضي بمجاله وبمجال غيره في الآن نفسه لتداخل المواضيع وانفتاح مجال الرياضة على السياسة والعكس أحدث مفاجآت من العيار الثقيل لم تكن كلها سارّة.
فعلى إثر المقابلة الحاسمة التي جمعت منتخب الجزائر ومنتخب مصر بالسودان نشبت "حرب" إعلامية كادت تتسبب في وخيم العواقب بين الجزائر ومصر إن لم تتسبّب بعد.
ولئن وفّقت فئة قليلة من الرياضيين والسياسيين في نبذ الفتنة والعمل على تطويقها بالدعوة إلى الحكمة والتعقل والتذكير بأواصر الأخوة والنضال المشترك ضد المستعمر فإن طائفة أخرى وقعت في الشرك ولعبت دور رؤوس فتنة وتحريض على الإقتتال والعداوة.
ولقد كان من بين هؤلاء عدد من الإعلاميين والسياسيين منهم الإعلامي المصري المعروف مصطفى بكري النائب بمجلس الشعب الذي لم يجد أي غضاضة في تحريض سلطات بلاده على التدخل عسكريا في السودان لحماية أمن المصريين المحاصرين من قبل جيوش الجزائريين !! بل إنه طالب مصر والمصريين في ظل ما طالهم من ظلم في السودان على أيدي الجزائريين والسودانيين أن يغيروا من تعاملهم ويعيدوا النظر في علاقاتهم مع العرب !!
وطلب دولة الجزائر بتقديم اعتذارها عما اقترفته حكومة وشعبا في حق الجمهور المصري المسالم !!
ولسائل أن يتساءل ما سرّ هذا الموقف المفاجئ !
لماذا لم نر مصطفى بكري المتحمس جدا لشنّ هجوم إعلامي على السودان أرض "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف " بالعدوّ الصهيوني ذات قمة عربية بحضور زعيم العروبة عبد الناصر سنة 1967 .
لماذا لم نره يحرض جيش مصر ورجال أمنها على العدو الصهيوني الذي حاصر شعبا بأكمله وأطلق يد طائراته ودباباته وصواريخه وجنوده لتقتل الآلاف وتخّرب الحرث والنسل وترتكب أكبر هولوكوست عصري على مرأى ومسمع وعلى بعد سنتيمترات من جيش مصر !!
لم نجد مبرّرا للإعلامي والسياسي الذي كنّا نكنّ له تقديرا خاصّا لمواقفه المنتصرة للمقاومة ونهجها في فلسطين والعراق ولبنان على ما سقط فيه والحال أنها لم تكن إلاّ مجرّد مباراة كروية بين فريقين شقيقين.
ولقد حاول مصطفى بكري أن يبرّر موقفه في رسالة مطولة إلى أحد الإعلاميين الجزائريين الذي استغرب هذا السقوط المدوّي لشخص يدّعي العروبة والقومية إلا أنّ ما قاله مصطفى بكري قد وصل ولن تُفلح الإلتفافات والمساحيق في إخفائه فقد غلبت الإقليمية الضيّقة والفرعونية الموروثة العروبة الواسعة والوليدة !!
هذه العروبة ليست ملكا لأحد ولا رصيدا بنكيا أو جبّة نرثها ونتاجر بها إنها إيمان عميق بذاتنا بهويتنا تُعلى ولا يُعلى عليها ويدافع عنها أبناء أمتنا العربية وبناتها دون حسابات ربح أو خسارة أو مجد زائف والدليل على ذلك ما صرّح به لاعب كرة القدم القديم طارق ذياب أحد أفضل رياضيي تونسي خٌلقا وإيداعا لا يشتغل بالسياسة ولا يدّعي فيها معرفة أو فلسفة ظلّ عقودا محترما ذاته مكتفيا بمجال الرياضة إلى أن رأى وسمع ما أثار غيرته واستفزّ نخوته فأعلنها مدوية ، في وجه المنافقين أدعياء العروبة وفي وجه المعلقين والمحللين الرياضيين المصريين وغيرهم من رؤوس الفتنة وأذيالها، أنّ "العروبة قد ماتت بموت جمال عبد الناصر وأن العرب الآن أصبحوا يكرهون بعضهم مؤكدا أن 90 % من عرب شمال افريقيا كانوا يتمنّون فوز نيجيريا على مصر.."
هذه التصريحات أثارت زوبعة من الردود كالت للنجم طارق ذياب التهم والسباب لكن طارق ظل ثابتا على رأيه منبها أدعياء العروبة أن العروبة كلمة حق أريد بها باطل وأن زمنها يعود إلى زعيمها الأكبر جمال عبد الناصر وأن ما يشهده واقعنا اليوم وخاصّة إقامة جدار العار بين أرض مصر وغزة لا يمكن بأي حال من الأحوال نسبته إلى العروبة!
فأي الشّخصين أقرب إلى الهوية القومية وأصدق عروبة؟ هل أدعياء القومية والعروبة الذين يرفعونها شعارا إعلاميا سرعان ما يقع في أوّل اختبار إقليمي أم أولئك الرياضيون الجديون المبدعون الذين يتجنبون الشعارات والخوض في السياسة والمزايدات لكنهم يثبتون في المعارك الوهميّة ويظلّون يذكرون الجميع أن العروبة جامع مشترك ليس المهم من يرفعه شعارا وإنما الأهم من يسكن قلبه منارا يهديه ونورا يزيده سطوعا وتألقا.
عن الوطن التونسية