
من يعيد لي أمّي؟
طلال حمّــاد
لَمْ أنَمْفي الليلة الماضية..لمْ أنَمْفي الليلة التالية.............إذن.. من نام عنّيفي هذه الليلة.. الآتيةمثلما نامَ..في تلك الليلة الفانية؟*******لم أمت..لم يمت أحَدٌ لا أعْرفُهُماتت في الليلة الفاصلةبين موتي وموت من لا أعرفُهُأمّي.........فمن يُعيدُ موتي إلى حياتهكي تعود أمي إليّ؟*******عندما غادرت أختي المستشفىمساء السبتقالت لي وأنا أسألها في الهاتف البعيد:ـ هذا ملجأ للعجزة..لكنّها تركت فيه أمي.. فاقدة للوعيـ لاحظ الطبيب عليها تحسّناًقالت.. وتمنّت لها الخيرفتمنّيت لها ـ أنا كذلك ـ الخيرونمتْ..هل نمتُ.. وكيف تُرى نمتْ؟وهل يعرفُ أحَدٌإن كنْتُ قد نمتْ؟نام النوم معيوضايقني..جَذَبَ الغطاءَ عنّي..جَذَبْتُهُ عنه..أفْلًحً.. في أنْ يترُكَ ليقطعَةً منه..فنمتُ..ولم يَنَمْ..وحين رنّ هاتف أختي.. إليّفي ساعة مبكّرةٍ..من صبيحة اليوم التالي..الأحَدْ..قمتُ..وهو لمْ يَقُمْ..كلّمتها.. وكلّمتنيلم يبدُ أنّ في الأمْرِ أمْرٌ..لكنّها.. كلّمتنيفقلتُ.. قوليـ اغسل وجهكَ.. قالتواشرب قهوةً..وأفِقْ..وأغلَقَتْ هاتِفَها..فأغلقْتُتي.. عليّْوأحسستُني مثل بالون مُفْرَغٍأو خرقةٍ باليةما الذي كانت تريدُ أختيَ قوْلَهُولمْ تَقُلْه؟من عادتها أن تطلُبَنيلتشكوَني.. إليّفي ساعة متأخرةمن المساءلم يكن من عادتها أن تطلُبَنيلتُخرجَني منّي..ثمّ ترميني.. عليّفي ساعة مبكّرةمن الصباحيا لهذا الصباح..ما الذي يُخبّئُهُ لي.. في عتْمَته؟دُرْتُ في ردهة البيت الوحيدةكَمنْ يَدور في رَدَهاتٍ بعيدةوعدتْ..طلبْتُها وقلت:رجاءُ قولي..ما الذي أردْتِ قوْلَهُ..ولم أفْهَمْهُ بَعْد؟لم يكن الهاتف بيننا صوريّالكنني رأيتُ في مرآتها النفسيّةسرّاً.. لم يعُدْ ليبعد الآنَ سريّارأيتُ ما لم تشأ ليأنْ أراه..رأيتُها..رأيْتُ فيها قلبها.. المضغوط في كفّهارأيت أشلاءها.. المبعثرةعلى الأسلاكرأيت أجزاءها الناجية من الحطامبلا صفاترأيتُها.. كلّهاتبكي..تبكي.. بلا بكاءمن الذي.. كان يبكيوعلام البكاء؟علام البكاءُ.. وعلى منْ يا رجاء؟*******ما الذي فعلتُهُ..وما الذي لم أفعلْه؟أمّي ـ قالت ـ ماتتْفلذْتُ بالصمتْلم أبْكِ.. لكنّي نمْتْكنْتُ وحدي..عندما غابَ النّوْمُ.. عنّيبصمْتْ..كي أعرفَ أنّيضعتُ ـ بعْدَ أمّي ـ متّيوأنّيأصبحْتُ عارياً..عارياً.. بلا غطاءْفأجهشْتُ بالبكاءْوناديتْ:ليأتني الموتْ..ليأتِ الآنَ.. إن شاءْفلمن لغيرِهِ..تتركُني أمّي..وحدي..إن شئتْ؟وانتظرْتْ..لكنّه لم يأتني..رُغْمَ أنّني..ضَعِفْتْ..ورُغْمَ أنّني..بكيْتْ..بكيتُ طويلاً..طويلا..لكنْ بِصمْتْ..رُبّما خِفْتْ..لو أنّني بكيتْبصوْتٍ ناحِبٍ..ووَجْهٍ شاحِبٍ..لكنْتُ أيْقظْتُ فيهِ..ـ وما كنْتُ أعْنيهِ ـشَهْوَةً..ما كنْتُ أهلاً..ـ ولوْ لِوَهْْلَة ـلأرضى بها..في مثل هذا الوقْتْ..فكم كنْتُ أشْتَهي..وكم بودّي الآنَ.. أيْضاًلوْ قَدِرْتْ..أنْ أقتُلهْ (!!!)*******ما الذي فعلَهُ الموتُ..وما الذي لم أفعلَه..غير أنّه لم يأتني..وأنا أيضاً.. لم أذهب إليهفلم أمت..ولم يمت أحَدٌ لا أعْرفُهُوإنّما..هل قُلْتُ:ماتت في الليلة الفاصلةبين موتي وموت من لا أعرفُهُأمّي.........فمن يُعيدُ موتي إلى حياتهكي تعود أمي إليّ؟
طلال حمّــاد