الخميس ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠

من يعيد لي أمّي؟

طلال حمّــاد
لَمْ أنَمْ
في الليلة الماضية..
لمْ أنَمْ
في الليلة التالية..
...........
إذن.. من نام عنّي
في هذه الليلة.. الآتية
مثلما نامَ..
في تلك الليلة الفانية؟
 
*******
لم أمت..
لم يمت أحَدٌ لا أعْرفُهُ
ماتت في الليلة الفاصلة
بين موتي وموت من لا أعرفُهُ
أمّي.........
فمن يُعيدُ موتي إلى حياته
كي تعود أمي إليّ؟
 
*******
عندما غادرت أختي المستشفى
مساء السبت
قالت لي وأنا أسألها في الهاتف البعيد:
ـ هذا ملجأ للعجزة..
لكنّها تركت فيه أمي.. فاقدة للوعي
ـ لاحظ الطبيب عليها تحسّناً
قالت.. وتمنّت لها الخير
فتمنّيت لها ـ أنا كذلك ـ الخير
ونمتْ..
هل نمتُ.. وكيف تُرى نمتْ؟
وهل يعرفُ أحَدٌ
إن كنْتُ قد نمتْ؟
نام النوم معي
وضايقني..
جَذَبَ الغطاءَ عنّي..
جَذَبْتُهُ عنه..
أفْلًحً.. في أنْ يترُكَ لي
قطعَةً منه..
فنمتُ..
ولم يَنَمْ..
وحين رنّ هاتف أختي.. إليّ
في ساعة مبكّرةٍ..
من صبيحة اليوم التالي..
الأحَدْ..
قمتُ..
وهو لمْ يَقُمْ..
كلّمتها.. وكلّمتني
لم يبدُ أنّ في الأمْرِ أمْرٌ..
لكنّها.. كلّمتني
فقلتُ.. قولي
ـ اغسل وجهكَ.. قالت
واشرب قهوةً..
وأفِقْ..
وأغلَقَتْ هاتِفَها..
فأغلقْتُتي.. عليّْ
وأحسستُني مثل بالون مُفْرَغٍ
أو خرقةٍ بالية
ما الذي كانت تريدُ أختيَ قوْلَهُ
ولمْ تَقُلْه؟
من عادتها أن تطلُبَني
لتشكوَني.. إليّ
في ساعة متأخرة
من المساء
لم يكن من عادتها أن تطلُبَني
لتُخرجَني منّي..
ثمّ ترميني.. عليّ
في ساعة مبكّرة
من الصباح
 
يا لهذا الصباح..
ما الذي يُخبّئُهُ لي.. في عتْمَته؟
دُرْتُ في ردهة البيت الوحيدة
كَمنْ يَدور في رَدَهاتٍ بعيدة
وعدتْ..
طلبْتُها وقلت:
رجاءُ قولي..
ما الذي أردْتِ قوْلَهُ..
ولم أفْهَمْهُ بَعْد؟
لم يكن الهاتف بيننا صوريّا
لكنني رأيتُ في مرآتها النفسيّة
سرّاً.. لم يعُدْ لي
بعد الآنَ سريّا
رأيتُ ما لم تشأ لي
أنْ أراه..
رأيتُها..
رأيْتُ فيها قلبها.. المضغوط في كفّها
رأيت أشلاءها.. المبعثرة
على الأسلاك
رأيت أجزاءها الناجية من الحطام
بلا صفات
رأيتُها.. كلّها
تبكي..
تبكي.. بلا بكاء
من الذي.. كان يبكي
وعلام البكاء؟
علام البكاءُ.. وعلى منْ يا رجاء؟
 
*******
ما الذي فعلتُهُ..
وما الذي لم أفعلْه؟
 
أمّي ـ قالت ـ ماتتْ
فلذْتُ بالصمتْ
لم أبْكِ.. لكنّي نمْتْ
كنْتُ وحدي..
عندما غابَ النّوْمُ.. عنّي
بصمْتْ..
كي أعرفَ أنّي
ضعتُ ـ بعْدَ أمّي ـ متّي
وأنّي
أصبحْتُ عارياً..
عارياً.. بلا غطاءْ
فأجهشْتُ بالبكاءْ
وناديتْ:
ليأتني الموتْ..
ليأتِ الآنَ.. إن شاءْ
فلمن لغيرِهِ..
تتركُني أمّي..
وحدي..
إن شئتْ؟
وانتظرْتْ..
لكنّه لم يأتني..
رُغْمَ أنّني..
ضَعِفْتْ..
ورُغْمَ أنّني..
بكيْتْ..
بكيتُ طويلاً..
طويلا..
لكنْ بِصمْتْ..
رُبّما خِفْتْ..
لو أنّني بكيتْ
بصوْتٍ ناحِبٍ..
ووَجْهٍ شاحِبٍ..
لكنْتُ أيْقظْتُ فيهِ..
ـ وما كنْتُ أعْنيهِ ـ
شَهْوَةً..
ما كنْتُ أهلاً..
ـ ولوْ لِوَهْْلَة ـ
لأرضى بها..
في مثل هذا الوقْتْ..
فكم كنْتُ أشْتَهي..
وكم بودّي الآنَ.. أيْضاً
لوْ قَدِرْتْ..
أنْ أقتُلهْ (!!!)
 
*******
ما الذي فعلَهُ الموتُ..
وما الذي لم أفعلَه..
غير أنّه لم يأتني..
وأنا أيضاً.. لم أذهب إليه
فلم أمت..
ولم يمت أحَدٌ لا أعْرفُهُ
وإنّما..
هل قُلْتُ:
ماتت في الليلة الفاصلة
بين موتي وموت من لا أعرفُهُ
أمّي.........
فمن يُعيدُ موتي إلى حياته
كي تعود أمي إليّ؟
 
طلال حمّــاد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى