السبت ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٤
بقلم محمد خلف الله سليمان

هوامـش مـن سيــرة حمـال نوبــي

كُنت حمّالاً في مرفأ نوبي أنقُل الأمتعة والسلاحف والعاج وقرون الخرتيت والعطور والذهب وأبيع عقاقير جنسية للبحارة والسواح البيزنطيين ، وحينما سقطتُ مرة وبان فخذي تعلقت بي امرأةٌ كانت تعرفُني عندما كُنت أميراً إغريقياً في أثينا وهي إحدى وصيفات أمي ، فنادتني باسمي القديم .

تذكرتُ ونفضتُ التراب عن جُبتي ، تمرّ البارجاتِ والعرباتِ التي تجرها الخِيولْ ، أسمعُ الدمدماتِ الهائلةِ لصهرِ الحديدْ ، وفي الأمسيات أقودُ حنطوراً فرعونياً في شوارع ممفيس أحملُ في الليلِ سبابَ المخمورين وعناءَ الراقصاتِ وهَمساتِ العشاقِ الممسوسين ، وأتقاسم الأجر مع صاحب الحنطور .

أجِلسُ هناك وتتراص أكوابُ الماء المقدس ، أعلقُ سيفي الملكي وصورةَ الأب من فوقي مُزدانةً بالزمرد ، تسللت إلى غرفتي ، لحقتْ بي وصيفةُ أمي بعد أن غافلت المحظياتِ ، تحسست جبهتي ، ثم وضعَتْ كفَّها على صدري واستلقتْ بقربي ...

كُنت حمالاً في مرفأٍ نوبي ، أحمل الأمتعة والسلاحف والعاج وقرون الخرتيتِ والعطورَ والذهبَ والنبيذ وأبيعُ عقاقير جنسية للبحارة والسواح البيزنطيين ، وحينما سقطتُ مرة وبان فخذي تعلقت بي امرأةٌ كانت تعرفُني عندما كُنت أميراً إغريقياً في أثينا كان معلمي بالقصر يحذرني من الإفراط في المضاجعة لأنَّها تُضعِفُ العقل وتشوشُ الفكر ، صار معلمي نجاراً لتوابيتِ الموتى وقد شهِد المذبحة التي ارتكبها هانيبال في حق ألفي شخص من مناوئيه على شاطئ كروتون .

تعبُرُ قوافلُ الأعراب إلى الأمصار البعيدة، تظهرُ نجمةُ الشعري اليمانية صباحاً إيذاناً بانطلاقِ موسمِ الخصوبةِ.

كُنا في ميدان الشهداء بأم درمان غبَّ أن بانت في السماء نجمةٌ تتلألأ

عشت لمَّا كانَ الكلامُ حين يُقال ...

رأيتُهم كيف يوارونَ العصور تحتَ الترابِ ، ويدعونني باسمٍ من وحل .
وفي الأمسيات أقودُ حنطوراً فرعونياً في شوارع ممفيس ، أحملُ في الليل سبابَ المخمورين وعناءُ الراقصاتِ وهمساتِ العشاقِ الممسوسين وأتقاسمُ الأجرَ مع صاحب الحنطور .

يقول أبي : إن النكاح يُطيلُ العمر ، ويُكثِر النسل .

كُنت حمَّالاً في مرفأ نوبي ... وفي الليلِ أغشى الأماكن التي تثير عواطفي ، وأسعدُ بأولئك الذين يخاطرون بحياتِهم من أجل القضاءِ على مليكٍ جائر .
أقودُ حنطوراً فرعونياً في أماسي ممفيس .
سكير ...

رجل وامرأة ...

امرأة وطفلةُ تسعل ...

قال السكيرُ للمرأةِ التي تقودُ الطفلة : الطقس !

(وتسرب القولُ) خُذي الطفلة للكاهنة نيتو كريس لتتوسل لإلهِ طيبة كي تتعافى البنتُ ، هبط السكيرُ ونامت البنتُ ، وتشاغلتِ المرأةُ بالفضاء ، كانت الهمساتُ تتحشرجُ بين الرجلِ والمرأة .

وحينما سقطتُ مرةً وبان فخذي تعلَّقت بي امرأة كانت تعرفني عندما كُنت أميراً إغريقياً في أثينا ..

وحول موقد النار أسموني باسم جدي لأبي

تطوف في رأسي حكمة هندية

( يا معلمي كيف ينبغي لي أن أسلُك إِزاءَ النساء ؟ )

 كما لو لم تكن قد رأيتهن أبدأ .

 لكن ماذا أفعل لو تحتَّم على رؤيتهن ؟ .

 لا تتحدثْ إليهِنَّ .

 لكن ماذا أفعل إذا ما تحدثن إليَّ ؟ .

 كُن مِنهُن على حذرِ (فحسب) .

إلاَّ أنَّ فكاهاتِ وصيفةِ أمي المرحة أبعدتني عن الحذر ، وعن الحكمةِ ، لقد صارت تصبغُ شعرها بشُقرةٍ محببةٍ خاصة لفتى في السادسة عشر من عمره .

كنت حمَّالاً في مرفأ نوبي ... وفي الليل أقود حنطوراً فرعونياً يجوب شوارع ممفيس ، يلتقطُ أحشاء المدينة الملفوظة ، ويحملُ سباب المخمورين وعناء الراقصات وهمس العشاق الممسوسين .

قال أبي إن وجدت الأنثى فلا تضيعَنَّ الفرصة.

تمتلئ شوارع ممفيس بالعاهرات اللواتي يستوقفّنَ الحناطير العابرة ، ويركبْن دون أن يدفعن ، ويمنحن أجسادهن بسخاءٍ نظير هذه النزهة الجليلة ، ويعاشرن السواح مقابل سسترسات رومانية أو مراهم للوجه ، تزدانُ وجوهُ الخُلاسيات نعومة في المرافئ وتفوحُ أجسامُهُنَّ برائحة الصابون المعطر .

أمام المرايا الكبيرة سأل الحلاقُ الملك عن كيف يجب أن يقصَّ شعره ؟ .
قال الملك : أن يتم ذلك في صمت .

صمت الحلاقُ وصمتتِ العصافيرُ عن الزقزقة في الأقفاصِ ، وصمت المُغني وران الصمتُ في المكانِ ، وظل السيفُ الذهبي صامتاً .

كُنا في ميدان الشهداء بأم درمان ،غب أن بانت في السماء نجمة تتلألأ .
جلس زهير قواد العهد القديم.

وجهاد مومس ذلك العهد.

أبابا التي صارت بغيا لكل العهود ، كان وشم الصليب على جباه الأكسوميات مفزعا

..... يضعون أواني الشاي المعد للبيع في فرندة دكان قرب محطة الشهداء التي أنشئت بعد غياب تلك المؤسسة الضخمة بقرار من ذلك المحافظ يقضي بحظر البغاء .لقد مضت قافلة الشهداء ، ورائحة البخور الزنجباري تحوم في المكان وتطايرت أصوات منادي السيارات ... وتبعثر الباعة الجوالون وماسحو الأحذية وحلاقو ظلال الأشجار وأنا _ الآن _ أكتب القصص و أقرض الشعر وأمارس النقد , وأعمل بمهنة لا تمت إلى الكتابة بصلة .

أودع أصدقائي في المحطة وأمضي ...

كنت حمالا في مرفأ نوبي أنقل الأمتعة والعاج وقرون الخرتيت والعطور والذهب والنبيذ وأبيع عقاقير جنسية للبحارة و السواح البيزنطيين ...

وحينما سقطت مرة وبان فخذي تجلت في روح محمد خلف الله

كنت حمالا في مرفأ نوبي
كنت أميرا إغريقيا

كنت ... و كنت ...وكنت

وأصبحت كاتبا مغمورا جدا في أم درمان

وها أنا أهيئ روحي لرحلة جديدة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى