
يطلق حكمته من القاهرة
«الهدهد والمعدية» عنوان المعرض الشخصي الخامس والثلاثين للفنان المصري أحمد عبد الكريم الذي يفتتح في العاشرمن أبريل بقاعة إكسترا بالزمالك في القاهرة ويستمر حتى الثامن من مايو 2010 ويضم خمسة وعشرين عملا من تجربة جديدة للفنان مكونة من ستين عملا أنجزها أحمد عبد الكريم في السنوات الثلاث الأخيرة تحتوي على رموز وعلامات سيميوطيقية الفنون البصرية
وحول معرضه الجديد يقول الفنان أحمد عبد الكريم وهو أستاذ أسس التصميم بكلية التربية الفنية جامعة حلوان:
إن الرموز والعلامات دلالات بصرية تعبر عن أشياء وأمور عديدة مثل البيئة التى يعيش فيها الفنان – ثقافة الفنان – رؤيته الفنية لكل ما يحيط به وما يدور فى مخيلته من أفكاره وطروحاته وأحلامه - أمنياته الخاصة به أو المجتمع الذى يعيش فيه وثمة أمور أكثر من ذلك.
وفي معرضه اتخذ أحمد عبد الكريم من البيئة التى يعيش فيها بقرية "دهشور" التى تحتوى مفردات رمزية تراثية من الحضارة الفرعونية مثل هرم سنفرو والهرم الأحمر الدهشورى والهرم الأسود الطيني لأمنمحات الثالث والد اخناتون وما يحيط بهم من تلال رملية تتماوج وتتلون طوال سطوع أشعة الشمس عليها منذ شروقها حتى غروبها وتستطيع أن تستشف المعانى وروحانية الأشياء وعبق التاريخ التراثى الذى فى حالة انتظار طوال الزمان والمكان ويطل بأمور لا تصل إلا لمتذوق من طراز رفيع يكون له إطار معرفي ذو عمق ثقافى وروحانى لاستقبال أشعة التجليات للشمس والقمر فى الليل والنهار فى تعاقب سرمدى له طعم الصفاء والراحة والخلود.
بجوار هذه التلال تقع القرية الدهشورية بمفرداتها من طيور تهجر إليها طوال فصل الشتاء لتستقر على الجزر المنتشرة فى بحيرة «الملك» والتى تقع بين الاهرامات والقرية بمساحة تقترب من خمسمائة فدان ولكن يقف«الهدهد» ملك الطيور فى أنفة واستقلال وحرية وأناقة بين تلك الطيور فى تأمل وهدوء وصفاء وينظر بعينيه الضيقتين للطيور القادمة من ثلوج الشمال إلى أرض دهشور مرحبا بها فى أدب جم ودون تكليف معبراً عن ترحابه بتلك الضيوف العابرة من الشمال الى الجنوب، والهدهد له صدى فى تاريخ الشعوب والأديان فهو رمز الحكمة فى الحضارة المصرية القديمة و رمز استشراف المستقبل فى القصص الدينى وله عمق فى الثقافة الشعبية المصرية، ولذلك اتخذه أحمد عبد الكريم رمزا دراميا مستقبليا فى لوحاته، ودائما ما يقف على قمم الأشياء فى لوحاته فهو في مقدمة المعدية على رأس الأشخاص النساء والرجال والأطفال يدلهم على الخير والحب والنماء مهللاً بالقدوم لا ينظر الى الخلف ولا الى اليمين أو اليسار بل الى الأمام دائما.
و المعدية كما يشير الفنان أحمد عبد الكريم رمز آخر متلاحم مع الهدهد فالمعدية مركب دائم العبور من الغرب الى الشرق والعكس على طوال ضفاف النيل بمصر المجيدة والمعدية رمز للعبور من زمان ومكان الى زمان ومكان آخرين، ثم إنها المعدية الساكنة فى عقول وروحانيات الإنسان. فكثيرا ما نعبر عبر أذهاننا وعقولنا وتأملاتنا ونحن جالسون أو نائمون من هنا الى هناك دون الحركة أو العبور الفعلى. فأنا هنا فى دهشور كثيرا ما أعبر منها الى عالم آخر حيث كنت فى الماضي أو ما أتمنى أن أكون هناك فى المستقبل – العبور حالة من حالات الاندهاش والفرحة والحزن والبقاء والانتقال والرغبة فى التغير والحب واللهو، العبور مادى – ومعنوى، العبور حالة جمالية فى هذا المعرض يتصادق فيها كل من الهدهد والمعدية الى رحاب العالم المفتوح والأفق السعيد والأمل فى حالة من حالات الاستقرار المنشود.
وهذا المعرض جاء بعد ثلاث سنوات من الإنتاج المستمر وحالة من حالات الهدوء والفرحة بعد فترة من السكون ومتغيرات الحياة التى قد تأتى بما لاتشتهى السفن ولكن قدر الله – وماشاء فعل – والأمر جاء بالهدهد والمعدية، الهدهد المتأمل الى الأمام والى مستقبل الأيام الى الأفق الرحب الى العالم الصادق الى كل لحظة تأتى بالفرحة والأمل.
والمعدية جاءت للعبور عبر الأفق فى رحاب الهدهد للوصول الى الجديد والكريم والأمل المشرق.
والمتأمل للأعمال فى هذا المعرض يجد اللون له البطولة فى عناصر اللوحة فاللون الذهبى والدرجات الدافئة جاءت لتكمل رؤية الفنان لمفرداته، فاحتضان الهدهد الذهبى للهدهدة الذهبية وامتلاكه زمامها حالة من حالات الاستقرار على سطح اللوحة، وحضور المعدية بجوارهما فى حالة انتظار تعنى الكثير من المعانى ذات الدلالات المعنوية والبصرية والمستقبلية، فالكريم قادم إليهم داخل المعدية فى حالة كمون، والهداهد فى حالة انتظار هذه الحالة الترقبية سوف تعلن عن ميلاد فجر جديد قادم مشرق – ناصع – دافئ – تلتف حوله الرموز من الأسماك والنخيل والمراكب والأصداف والطيور ترفرف عليه معلنه زمن القدوم.
والفنان أحمد عبد الكريم خريج كلية التربية الفنية وكان أول دفعته عام 1981 م، وحصل على الماجستير عام 1985 م، وحصل على الدكتوراة عام 1990 م ثم على درجة الأستاذية فى أسس تصميم الفن الاسلامى الهندسى عام 2000 م، ويعمل الآن وكيلا لكلية التربية الفنية بالزمالك – جامعة حلوان