الأربعاء ١٦ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم توفيق الرصافي

يوم تطلع الشمس من الغرب

اهرب ما طاب لك أن تهرب، الجأ إلى النوم، أو تدثر بلحاف النسيان أو اغرق في الحياة حتى الأذنين فلن تستطيع أن تسكت صوت الضمير الذي يصرخ في داخلك، حتى في سكرك المجنون، حتى في نومك الثقيل، و يبدو لك جرمك كل يوم ألف مرة، و بألف طريقة حتى تخال نفسك مهووسا أو بك جنون...اهرب، تجرد من ذاكرتك كما تريد، تخلص من السهاد بالخمر أو حبات المنوم وتمرد... تمرد على ضميرك اليقظ، عيبك أن لك ضميرا صاحيا لا ينام و لا يتركك تنام، لما لا تقتلعه من جذوره و تلقيه في البحر الميت، لما لا تحرقه و تذرو رماده في وجه الريح تعبث به كيف تشاء فترتاح...غباء منك أن تبحث عن النسيان و الراحة في حضن غانية بلا إحساس.. تقول لك بعد ليلة حمراء و هي تداعب شعرك: 

ـ أحبك.

.ـ هل يمكن أن أنسى..؟

ـ أنت رائع..

ـ الموت يلاحقني في كل مكان كظلي..

ـ أنت رائع..

ـ لا شك سأجن عما قريب..

ـ غدا أزور أمي..

ـ النسيان غايتي المنشودة..

ـ شهر لم أرها..

ـ هل يمكن أن أرتاح بعد هذا العناء؟

ـ و لكني سأرجع إليك..

ـ هل يمكن أن أنسى..؟

غانية بلا إحساس، تريد إشباع رغباتها المكبوتة و ملئ جيوبها الفارغة، كم كثر عددهن هذه الأيام حتى أصبحوا كالدود في جيفة. غباء منك حقا. و لكن الموت أهون، الموت أهون من هذا العذاب.. لماذا لا ينتحر كما فعل هتلر أو اعترف وترتاح.. 

والفضيحة..؟؟ 

أليست الفضيحة وترتاح أيسر من الهرب كالنعاج، أيسر من الخوف والرعب الدائم، أيسر من الجنون و من الموت ألف مرة كل يوم..

و ابني..؟؟

ابنك؟ ابنك أنت قتلته، أنت اغتصبت طفولته البريئة كما العشرات أقرانه، أنت قتلته بضعفك و جبنك و استبدلت زوجتك بغانية عديمة الإحساس... أما كنت في غنى عن شحنة الحليب المستورد، أما كان حريا بك أن تمنع دخولها...

 حبيبي غدا يوم جديد.. 

ـ غدا أموت ألف مرة. 

ـ ستشرق الشمس من الغرب.

ـ بربك كيف أستطيع أن أنسى..؟

ـ هكذا قالوا في الأخبار..

ـ أكاد أجن..

ـ ما يهمنا نحن، من الشرق أو من الغرب، المهم أنها ستطلع.. 

ـ ألديك ترياق للنسيان..؟؟

غمزت لك بعينها الجريئة و قالت في دلال أنثوي مثير:

ـ سأسبقك إلى الفراش.. لا تتأخر..

ها أنت من جديد غارق في وحدتك المقيتة تصارع أطياف القتلى الماثلة بين عينيك. لماذا أنا و مئات يفعلون مثلي، مئات تغريهم الأموال، و مئات يقتلون كل يوم بل كل ساعة.. لماذا أنا وحدي يحصل لي هذا... أجل صحيح مئات مجرمون مثلك، ولكن عيبك أن لك ضميرا صاحيا. ما أجبن شباب هذا العصر وما أضعفهم أمام مغريات فانية، بربك ماذا ستقول لخالقك: قتلت من أجل الثروة و الجاه، قتلت ابني من أجل الخواء.

مسكين يا صاحبي لكم أشفق عليك. كثيرا ما أقصر الطرق تلقي بنا إلى الهلاك و أي هلاك..
الموت له هو السبب، هو أغراني بالمال. هو القاتل الحقيقي و ليس أنا، أنا ضحية مثل القتلى تماما، مثل ابني..هو القاتل و ليس أنا.. 

و لكنك سمحت لشحنة الحليب بالدخول، أنت وقعت على سلامتها أليس كذلك؟

ولكن...؟؟؟ 

و لكنك استسلمت. ضربت كل مبادئك عرض الحائط و ألقيت بها في قارعة الطريق، كأنك لم تصرخ يوما الموت للخائن.. الموت للخائن..

و لكنه الفقر، ألا لعنة الله على الفقر..

و لكنك جبان.. نذل جبان.. اسمع إنها تناديك، غانيتك المتجردة من كل إحساس تناديك. اذهب إلى حضنها حتى تغرقك في برودها، اذهب... 

ـ حبيبي.. أقبل فالفجر قريب..

ـ بالله كيف أنسى.. كيف أتخلص من الحمل الثقيل..

ـ أبقي لي عندك كأس..

ـ سأجن.. سأفقد صوابي..

ـ أقبل فالفجر قريب..

أتبكي الآن. ما فائدة الدموع، هل ستعيد القتلى الضائعين، ستعيد ابنك الصغير، سترد إليك هناءك و سعادتك القديمة، هيهات.. هيهات.. 

ـ الفجر قريب.. أسرع يا حبيبي..

لم أفهمه يوما، كان لغزا محيرا، و انتهى لغزا محيرا. عاش كالخائف و مات منتحرا..اسمع، اسمع و أنت غارق في صمتك الأبدي غانيتك المتجردة من كل إحساس، ماذا تقول لصديقها، إنها لا شك تسخر منك، من جبنك الذي لا حدود له و تضحك.. جمركي معتوه.. ولكن كان عليك أن تفكر قبل كل شيء، أن تقدر العواقب، و لكنك آمنت مثلها أنه ليس مهما أن تطلع الشمس من الشرق أو من الغرب و لكن المهم أن تطلع.. المهم أن تطلع الشمس...

أخ توفيق نرجو الانتباه

لا تترك فراغا بعد حرف العطف الواو واكتبه ملاصقا للكلمة التي تليه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى