أشياء غير ضرورية
قصة: تاتيانا تولستايا
كان لهذا الدب تيدي عينان كهرمانيتان مصنوعتان من زجاج خاص — لكل عين بؤبؤ وقزحية. كان الدب نفسه رماديًا ومتيبسا، بفرو خشن. كنت أعشقه.
ثم مضى عمرٌ كامل. اشتريت شقتي الخاصة في سانت بطرسبرغ، وكنت أتجول في بيت العائلة أجمع ملابسي وكتبي، متوسلة إلى أمي أن تعطيني بعض التذكارات الصغيرة والأقمشة القديمة المخزنة في حقائب سفر قديمة جدا . لم يكن أحد بحاجة إلى هذه الأشياء—لا أمي، وبالتأكيد لا أنا—لكنني أحب الأشياء غير الضرورية: فقد تلاشت منها كل المعاني العملية والتجارية والنفعية، وتبخرت فائدتها، ولم يبقَ منها سوى أرواحها العارية، جوهرها الحقيقي، كل ما كان مخفيًا تحت صخب الأيام وضجيجها.
بينما كنت أنبش في خزانة تحت الدرج، المحاط بأكياس الخيش المتسخة وعصي التزلج القديمة التي لم نتمكن أبدًا من التخلص منها، أتحسس الظلام في الفراغ بين الجدار والصندوق الخشبي، عثرت على الدب أو، بالأحرى، على ما تبقى منه: إطار خشبي مكسو بالفرو، بيد أمامية واحدة، وزر بلاستيكي يمثل عينًا، وخيوط سوداء متدلية مكان العين الأخرى.
أمسكته بقوة، أضم جسده المغبر والخشن إلى صدري، وأغمضت عيني لأمنع سيل الدموع غير المتوقع عليه. وقفت هناك، في الظلام الخانق والضيق، أصغي إلى دقات قلبي المحمومة. أو ربما كان قلب الدب - من يدري؟
كيف كان الأمر؟ ربما كان شيئًا مثل هذا: تخيل أن لديك أطفالًا، يكبرون ويصلون إلى سن الأربعين، فتعتاد على هذا الواقع وتعيش معه. ثم أثناء تفتيشك في الخزانة، تجد هنا طفلك الأول، كما كان في الماضي—في عمر الثمانية عشر شهرًا، لا يستطيع الكلام بعد، تفوح منه رائحة الحبوب والشوفان والتفاح المهروس، وجهه منتفخ من البكاء، ضائع ولكن تم العثور عليه، ينتظرك طوال هذه العقود خلف صندوق خشبي في الخزانة، عاجزًا عن أن يناديك—وها أنتما أخيرًا تجتمعان من جديد.
أخذته معي إلى شقتي الجديدة. كان كل شيء هناك جديدًا بطريقة مهينة—أي غريبًا ودخيلًا.. كان المكان مليئًا بالأشياء التي تم شراؤها من متاجر التحف والأشياءالمستعملة، أشياء كانت مملوكة سابقًا لأشخاص آخرين ولم تتأقلم بعد مع بيئتها الجديدة. بذلت قصارى جهدي لتخفيف غرابة هذه الصناديق ذات الأدراج والخزائن الجانبية الأجنبية باستخدام تحف والدتي وأقمشتها. وضعت الدب على سريري، ولم أكن أعرف ماذا أفعل به غير ذلك.
في تلك الليلة، نمت وذراعي حوله؛ فاستجاب بحذر لهذه اللمسة بذراعه الوحيدة.. كانت ليلة صيفية بيضاء، نوع من الشاش مع شفق قاتم، لا نوم، ولكن شوق إليه. كان الدب يعبق برائحة الغبار، غبار والشيخوخة، والضعف، رائحة عقودٍ طويلة وآلاف السنين. عندما فتحت عيني في عتمة هذا الليل المرمري تحت الماء، رأيت الخيط الأسود يتدلى من محجر عينه الصغير البائس. مررت يدي على رأسه الخشبي؛ كان مغطى بالندوب. لمست أذنه.
لا، فكرت، لا يمكن أن يستمر هذا. هناك قصة قصيرة لويليام فوكنر بعنوان "وردة لإميلي". تتحدث القصة عن امرأة تسممم حبيبها لمنعه من تركها، ثم تحبس نفسها في منزلها وترفض تركه لمدة أربعين عامًا حتى وفاتها. بعد جنازتها، تم العثور على جثة متعفنة في قميص نوم متعفن مستلقية على جانبه في سرير، وكأنها تحتضن شخصًا ما، وبجانبه، على وسادة بها انبعاج رأس، هناك خصلة شعر رمادية حديدية واحدة.
في الصباح، غادرت إلى موسكو. وعندما عدت بعد شهر، كان الدب قد اختفى. لم يكن على السرير، أو تحته؛ لم يكن في أي من الخزائن، ولا في المساحة الضيقة تحت الأرض. كان غائبًا تمامًا، لا أثر له في أي مكان.
(تمت)
المؤلفة : تاتيانا تولستايا/ Tatyana Tolstaya. كاتبة روسية ومقدمة برامج تلفزيونية وناشرة وروائية وكاتبة مقالات من عائلة تولستوي، وهي معروفة برواياتها الخيالية و"مقالاتها اللاذعة عن الحياة الروسية المعاصرة". وُلدت تاتيانا تولستايا (مواليد 1951) في لينينجراد في واحدة من أعرق العائلات الأدبية في المدينة. هي ابنة أخت ليف تولستوي، وحفيدة الكاتب والمسرحي والشاعر أليكسي نيكولايفيتش تولستوي (1883-1945)، وإن كانت تكره أن يتم التعامل معها " باعتبارها قريبة لشخص ما" ومع ذلك، فإن خلفية تولستايا بلا شك هي خلفية ثقافية وتعليمية. كان والدها أستاذًا للفيزياء علمها لغتين، وكان جدها لأمها مترجمًا معروفًا.وقد وصفها جوزيف برودسكي بأنها "الصوت الأكثر أصالة ووضوحًا وإشراقًا في النثر الروسي اليوم". من بين مجموعاتها القصصية: "على الشرفة الذهبية"، "المتجول في الضباب"، و"الجدران البيضاء". هي مؤلفة رواية "السلنكس" وكتاب "أطفال بوشكين: كتابات عن روسيا والروس"، وهو مجموعة من المقالات. كتبت لتلك المجلات المعروفة مثل "مراجعة نيويورك للكتب" و"النيويوركر"، ولقد كانت لمدة اثني عشر عامًا المشاركة في تقديم برنامج "مدرسة الفضائح"، وهو برنامج حواري روسي شهير يتناول الثقافة والسياسة. تعيش تاتيانا تولستايا في موسكو.