أنْ تَكُونَ مَلِكاً وَنَبِيّاً
إلى جَاكْ بْرِيلْ، في ذكرى رحيله
– ماذا تتمنى أن تكون، يا جاك، عندما تكبر؟
– ملكا، يا ماما. أريد ان اكون ملكا.
– ولكن هذا محال، يا ولدي. الملوك يولدون ملوكا!
– ألن اكون ملكا، يا أمي؟!
صُدِمَ جاك ليقين أمه باستحالة تحقق امنيته وانزوى في ركن غرفته الصغيرة محتضنا بدراعيه ساقيه ومتكئا برأسه على ركبتيه.
لنتبهت الأم لحزن طفلها فلاحقته بلطف لتخفف عنه كربه:
– لم تقل لي، يا عزيزي، ماذا تريد أن تكون حينما تكبر؟
– قلت لي، يا امي، بأنني لن أكون ما أتمناه.
– يا عزيزي، أن تكون ملكا هذه ليست أمنية ولا يمكنها أن تتحقق. إنها ليست إرادة. الإنسان لا يقرر أن يكون مَلكاً، إنّما يَرِثُ مُلْكه ومملكته.
– حسنا، سأفكر من الآن فصاعدا في أن أصبح نبيّاً.
– كفى مزاحا، يا صغيري! الأنبياء لا يترقون بإرادتهم إلى مرتبة النبوة. إنهم لا يختارون أنفسهم، الله هو من يختارهم.
حزن جاك حزنا إضافيا. فقد أيقن بأنه لن يكون ما يتمناه. لن يكون نبيا ولا ملكا. سيحيا كباقي الناس ويموت كباقي الناس. ووجد نفسه، وقد كبر، بلا أمنية ولا حلم ولا إرادة فسأل أمه عما سيكونه في مشوار حياته ليهب عليه الجواب من أفواه أفراد العائلة:
– ستكون محاميا، يا جاك.
قفزت للتو إلى شاشة مخيلة جاك صورته في المستقبل وقد صار محاميا قابعا وراء مكتبه يستقبل الظالمين والمظلومين، الخادعين والمخدوعين، المحتالين والمغفلين ويسميهم زبناء فاسحا لهم مجال التناوب على الكرسي قبالته على الطرف الآخر من المكتب مستمعا لقضاياهم ومفكرا في كيفية نصرة الزبون لربح القضية...
مدّ كفه لعرافة غجرية على قارعة الطريق فتعجبت وهي تهمهم:
– أراك بتاج مرصع بالماس على رأسك وخاتم سحري على بنصرك وأنت تمتطي صهوة جواد مجنح رافعا يديك لتحيي الناس على الأرض أسفلك بطريقة الملوك!
– ولكنني لست سليمان، النبي الملك!
– لن تستطيع الهرب مما أراه.
– وكيف لي أن اتصالح مع قدري فأكون ما تبشرينني به؟
– عليك بالهجرة، أولا. هاجر من المحيط إلى المحيط ولا تعد إلى حيث حرّمت عليك أمنياتك ولو محمولا على النعش...
على فراشه، قبل النوم، تساءل:
– هل كانت العرافة الغجرية تقرأ كفّ جاك أم كفّ سليمان؟
وفي نومه، جاءه الجواب. فقد انتصبت الغجرية في عز منامه لتساعده على النزول من قاربه الشراعي بعدما وصل الضفة الأخرى من المحيط الأول ولترشده إلى الجواد المجنح المنتظر على الربوة القريبة:
– تلك طائرتك، جوادك الذي سيمخر بك عباب السماء ويعبر بك المحيط الثاني إلى حيث لا يصل إلا من تمنى الوصول. هناك جزرك: الماركيز. وهذا اسمك الملكي: جاك بريل.
ثم توارت في اللامكان واللازمان وفي الأثير صدى غجري لأغنية مألوفة:
أتأكيدا تنتظرين
Veux-tu que je te dise
بألا مجال للأنين
Gémir n’est pas de mise
على أراضي الماركيز
Aux Marquises