الثلاثاء ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة

الدكتورة سميرة موسى أول عالمة ذرة من مواليد 3 مارس عام 1917 في قرية سنبو الكبرى مركز زفتى بمحافظة الغربية وكان والدها يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته فكان منزله بمثابة مجلس يلتقي فيه أهل القرية ليناقشوا كافة الأمور السياسية والاجتماعية وقد كان لها من الشقيقات واحدة ومن الأشقاء اثنان. التحقت سميرة موسى بمدرسة سنبو الأولى وحفظت أجزاء من القرآن وكانت مهتمة بقراءة الصحف.

انتقل والدها مع ابنته إلى القاهرة من أجل تعليمها واشترى ببعض أمواله فندقا في حي الحسين حتى يستثمر أمواله في الحياة القاهرية.

التحقت سميرة بمدرسة قصر الشوق الابتدائية ثم بمدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة والتي قامت على تأسيسها وإدارتها نبوية موسى الناشطة النسائية السياسية المعروفة.

حصلت سميرة على الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها حيث كانت الأولى على الشهادة التوجيهية عام 1935 ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا في ذلك الوقت إذ لم يكن يسمح لهن بدخول الامتحانات التوجيهية إلا من المنازل حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة وهى أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.

كان للتفوّق المستمر لسميرة موسى أثر كبير على مدرستها حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يخرج منها الأول مما دفع ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يوما أن سميرة تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر فيها معمل.

منن نبوغ سميرة موسى أنها قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولى الثانوية وطبعته على نفقة أبيها الخاصة ووزّعته بالمجان على زميلاتها.

اختارت سميرة موسى كلية العلوم جامعة القاهرة ولفتت نظر أستاذها الدكتور علي مصطفى مشرفة وهو أول مصري يتولي عمادة كلية العلوم.

تأثرت به تأثرا مباشرا ليس فقط من الناحية العلمية بل أيضا بالجوانب الاجتماعية في شخصيته.

شاركت سميرة موسى في جميع الأنشطة الحيوية بكلية العلوم حيث وانضمت إلى ثورة الطلاب في نوفمبر عام 1932 والتي قامت احتجاجًا على تصريحات اللورد البريطاني صمويل.

حصلت سميرة موسى على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها فعُيّنت معيدة بكلية العلوم وحصلت على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات.

سافرت سميرة موسى في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي وحصلت على الدكتوراة في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة وأنجزت الرسالة في عام وخمسة أشهر وقضت السنة الثانية في أبحاث متصلة توصلت من خلالها إلى معادلة هامة ( لم تلقَ قبولا في العالم الغربي آنذاك) تُمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون في متناول الجميع ولكن لم تدوِّن الكتب العلمية العربية الأبحاث التي توصلت إليها الدكتورة سميرة موسى .

كانت تأمل أن يكون لمصر وللوطن العربي مكان وسط هذا التقدم العلمي الكبير حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، لأن أي دولة تتبني فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة فقد عاصرت ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دمّرت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وسعيها للانفراد بالتسلّح النووي في المنطقة.

قامت سميرة موسى بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 كما حرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي كما نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.

عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى كانت تأمل أن تسخر الذرة لخير الإنسان وتقتحم مجال العلاج الطبي حيث قالت : أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين.

عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى كانت عضوا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة وعلى رأسها لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية.

الدكتورة سميرة موسى كانت عاشقة للقراءة وحرصت على تكوين مكتبة كبيرة تضم كتبا متنوعة منها الأدب والتاريخ وكتب السير الذاتية وقد تم التبرع بها إلى المركز القومي للبحوث كما أجادت استخدام النوتة والموسيقى وفن العزف على العود بالإضافة إلى تنمية موهبتها الأخرى في فن التصوير بتخصيص جزء من بيتها للتحميض والطبع وكانت تحب التريكو والحياكة وتقوم بتصميم ملابسها وحياكتها بنفسها.

شاركت في مشروع القرش لإقامة مصنع محلي للطرابيش وكان علي مصطفى مشرفة من المشرفين على هذا المشروع وشاركت في جمعية الطلبة للثقافة العامة والتي هدفت إلى محو الأمية في الريف المصري وشاركت في جماعة النهضة الاجتماعية والتي هدفت إلى تجميع التبرعات لمساعدة الأسر الفقيرة كما انضمت أيضًا إلى جماعة إنقاذ الطفولة المشردة وإنقاذ الأسر الفقيرة.

العالمة الدكتورة سميرة موسى كتبت عدة مقالات تتناولت فيها وبصورة مبسطة الطاقة الذرية وأثرها وطرق الوقاية منها وشرحت تاريخ الذرة وتكوينها والانشطار النووي وآثاره المدمرة وخصائص الأشعة وتأثيرها البيولوجي.

عالمة الذرة الدكتورة سافرت إلى بريطانيا ثم إلى الولايات المتحدة للدراسة في جامعة أوكوردج بولاية تنيسي الأمريكية ولم تنبهر ببريقها أو تنخدع بمغرياتها ففي خطاب إلى والدها قالت : ليست هناك في أمريكا عادات وتقاليد كتلك التي نعرفها في مصر يبدو أن كل شيء ارتجاليا فالأمريكان خليط من مختلف الشعوب كثيرون منهم جاءوا إلى هنا لا يحملون شيئاً على الإطلاق فكانت تصرفاتهم في الغالب كتصرف زائر غريب يسافر إلى بلد يعتقد أنه ليس هناك من سوف ينتقده لأنه غريب.

عام 1952 استجابت عالمة الذرة الدكتورة الدكتورة سميرة موسى إلى دعوة للسفر إلى أمريكا وقامت بإجراء أبحاث في معامل جامعة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية وتلقّت عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى عروضا للبقاء في أمريكا لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادٍ عميق وقد تمكّن سائق السيارة زميلها الهندي الذي كان يحضر الدكتوراه من النجاة حيث قفز من السيارة واختفى إلى الأبد.

وسجل التاريخ أن عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى توفيت يوم 5 أغسطس عام 1952 م.

أوضحت التحرّيات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها وقد كانت سميرة موسى تقول لوالدها في رسائلها : لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أصنع أشياء كثيرة وفي آخر رسالة لها كانت تقول : لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا وعندما أعود إلى مصر سأقدِّم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان وسأستطيع أن أخدم قضية السلام.

عالمة الذرة الدكتورة سميرة موسى كرمتها القوات المسلحة عام 1953 وفي عام 1981 منح الرئيس محمد أنور السادات اسمها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى أُطلق اسمها على إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم بقريتها كما سُمّيت إحدى معامل كليتها باسمها وفي عام 1998 تقرر إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها في قريتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى