

استطلاع رأي بعنوان: أطبَّاء يكتبون
أجرتِ الاستطلاع: ميَّادة مهنَّا سليمان
مقدّمة:
هناك علاقة وثيقة بين الطّبّ، والأدب فهما متلازمان إلى حدٍّ بعيدٍ، ويكثر وجود أطبّاء في عالم الأدب، سواءٌ في عالمنا العربيّ، أو الغربيّ.
* ففي عالمنا العربي لدينا:
عبد السّلام العجيليّ، وهيفاء بيطار من سورية.
نوال السّعداويّ، أحمد خالد توفيق، ويوسف إدريس من مصر.
عقيل الموسويّ من البحرين، وغيرهم كثر.
*ولدى الغرب:
سومرست موم، آرثر كونان دويل، أنطون تشيخوف، روبن كوك، وغيرهم.
– كطبيبٍ كاتبٍ، ومبدعٍ كيف ترى هذه العلاقة الأدبيّة/ الطّبّيّة؟
– هل يحقّ للطّبيب كتابةَ قصص مرضاه؟
– ماذا يعطي الطّبُّ للأدب، والأدب للطّبّ؟
سألنا الأطبَّاء، وكانت لدينا الأجوبة التَّالية:
الطَّبيب السُّوريّ زهير سعود/ اختصاصيّ بفنّ التّوليد، وأمراض النّساء، وجراحتِها، يقول:
حول علاقة الطبيب بالإبداع:
ليسَ من العبث نعت الناس للطبيب بأنه حكيم، والحكمة ميدانها التفاعلات المنطقية مع المحيط الذي تحرّكت فيه هواجس العقل البشري. وبالنظر لمجال احتكاك الطبيب، فهو دائب الاتصال بمعاناة بشرية لها قصّة يتفاوت ألمها بين البسيط والمعقّد، ليتشكّل في مرآة العقل المنفتح مسارات ضوئية بالإمكان عكس تجلياتها عن اللسان واليد في إبداعات لفظية وكتابية، تظهر مقدرة الطبيب على تمثّل شخصيّة الفيلسوف مثل فرويد، ولوك، أو شخصيّة القاصّ مثل تشيخوف، وإدريس، والشاعر المبدع مثل ويليامز، والبارودي.
فالتلوين الإبداعي يعود لثقافة حامله، وميله الخاصّ. إنّ علاقة الطبيب بمريضه علاقة خاصّة يطويها الكتمان والثقة، وقسَم أبقراط، لكن ذلك الأمر لا يجعل من قصّة المراجع بحدّ ذاتها، ودون إثبات شخصية حاملها عبئاً غليظاً يكره الطبيب على التحجّر فوق كرسيه المدولب، وأمر انعكاس قصص مرضاه في تجليات إبداعه أمرٌ لا يخلو من فائدة المحيط القارئ والمشاهد، مما يحتّم التصاق صفة الإبداع بالمهنة كالطبيب الفيلسوف أو القاص، أو الشاعر. إن علاقة الطبيب بمحيطه اللغوي المتمثّل في قراءاته الغزيرة، وعشق الإطّلاع، ونظرته المتفحّصة لقصص مراجعيه لم تقف على مجرّد التأليف وتداعيات الكتابة، بل وجدنا في سجلاته المعرفية ابتكارات ثورية للعلوم، مثل أبستمولوجيا جان لوك، وعلم النفس لِسيغموند فرويد، الذي دوّن انتصارات مذهلة في اختراع التنويم المغناطيسي، والكثافة القائمة على الإزاحة، والتي تمددت أواسط القرن الماضي من تفسير الأحلام إلى تمثلاتها في الفنون الحديثة للشعر،والقصة. لقد كان الطبيب أنطون تشيخوف أول مبتكري فن القصّة القصيرة، ونصّه (ثروة)، نموذج معياري لمسابقة موس الأمريكية في اختراع فن القصة الومضة، وكان الطبيب العربي إدريس أول من أدخل فن القصة القصيرة للعرب، والطبيب وليام كارلوس هو عرّاب الشعر الطليعي.
إن العلاقة الوجدانية الإبداعية لأطباء مبتكرين، ومجدّدين قد سجّلت معارف جديدة، وانتصارات مذهلة للمعرفة الإنسانية في القرن العشرين، ومما لاشكّ فيه أن بيئة الطبيب الخاصّة وصلاته المتنوعة هي الدوافع العميقة في تحقيق ذلك.
الطَّبيب عليّ الطّائيّ من العراق، اختصاص أنف، أذُن، حنجرة، يقول:

قلبُ الطبيبِ ولسانُ الشاعر
إذا كان العلم عقلًا يقيس، فإن الشعر قلبٌ يخفق، وإذا كان الطبُّ رسالةَ إنقاذٍ وحياة، فإن الشعر رسالةُ بوحٍ وعاطفة. وليس من المصادفة أن يجتمع هذان العالمان في شخصٍ واحد، بل من طبيعة الأشياء أن يمتزج مشرط الطبيب بريشة الشاعر، فيولد من هذا اللقاء إنسانٌ مضاعفُ الحسّ، عميقُ الرؤية، صادقُ الكلمة.
فالطبيب، بما يراه من وجوه المرضى، وآهاتهم، وبما يعايشه من صراع الجسد بين الفناء والبقاء، يتشرّب لغةً صامتة تنطق من تلقاء ذاتها شعرًا.
هو يعيش في قلب الحياة النابضة بأقصى تناقضاتها:
ميلادٌ وموت، فرحٌ وحزن، دمعةٌ وابتسامة.
وهذه الأضداد هي بذور الشعر الكبرى، وهي التي تجعل لسانه يفيض غزلًا كما يفيض حنانًا.
ولئن كان الغزل عند غيره ترفًا أو تسلية، فإنه عند الطبيب شهادة على أن الحبَّ هو سرّ الوجود، وأن العاطفة دواء آخر للروح.
يكتب الطبيب قصيدته كما يكتب وصفته، لكن الأولى تهب الدفء، والثانية تمنح الشفاء.
وكلاهما ينبعان من عين القلب، حيث تلتقي المعرفة بالرحمة، والصرامة بالخيال.
وقد أثبت التاريخ أن عيادة الطبيب ليست بعيدة عن محراب الشعر؛ فمن ابن سينا الذي جمع الفلسفة والطب والشعر، إلى أطباء معاصرين أضاؤوا بأشعارهم عوالم الغزل، ظل هذا التزاوج شاهدًا على أن الإنسان لا يُختزل في مهنة أو لقب، بل يكتمل حين يتنفس بالعقل والقلب معًا.
إن اجتماع قلب الطبيب، ولسان الشاعر هو شهادة حضارية تقول: ليس الطب جفافًا محضًا، ولا الشعر هروبًا من الواقع، بل هما معًا وجهان لجوهر واحد، هو إنسانية الإنسان. وبين سماعة الطبيب، ودفتر الشاعر يظل الحبّ حاضرًا، متجددًا، خالدًا فينا.
تظلّ العلاقة بين الطبّ والأدب علاقة حميمة، يجمعهما جوهرٌ واحد هو الإنسان؛ جسداً وروحاً.
فالطبيب حين يمدّ يده للشفاء لا يكتفي بترميم الجسد، بل يلامس أعمق مواطن الألم الإنساني، وهناك ينفتح باب الأدب على مصراعيه، لأن الكتابة هي الوسيلة الأصدق للكشف عمّا يعجز اللسان عن الإفصاح به في غرف الفحص، أو على أسرّة المستشفيات.
ولعلّ هذا ما جعل كثيراً من الأطباء يطرقون عوالم الأدب، إذ هم الأكثر قرباً من لحظات الحياة، والموت في صورتها المجرّدة، والأقدر على التقاط ما بينهما من ومضات فارقة.
أما عن حقّ الطبيب في الكتابة عن قصص مرضاه، فذلك مشروط بميزان دقيق بين أمانة المهنة، وحرية الإبداع.
يستطيع أن يكتب، بشرط صَون الخصوصية، وتحوير التفاصيل بما يحفظ الكرامة، ويُبقي القصة في حقل الأدب، لا في أرشيف العيادة.
والتجارب الإنسانية، متى صيغت برؤية فنية، تتحوّل إلى ذاكرة مشتركة تضيء للقارئ دروب التعاطف والتأمل.
ولا يُشترط أن يقتصر الطبيب الأديب على تجارب مهنته، بل هو كغيره من الكتّاب يستطيع أن يخوض في شتى القضايا والموضوعات. أما الموهبة الأدبية، فهي ليست رهينة مهنة، بل ثمرة شغف باللغة، وقدرة على الغوص في أعماق النفس البشرية. وكثير من الأطباء تفوّقوا في دراستهم وأبدعوا في العربية، ما منحهم طاقة تعبيرية مضاعفة. وعن نفسي، بدأتُ كتابة الشعر والمقالات منذ الصغر في الصحف المدرسية وجرائد الحائط، ورغم أن صخب الدراسة والعمل كثيراً ما أبعدني عن القلم، فإن الشغف أعادني دوماً إلى دروب الكتابة. وهكذا وُلد أدباء كُثر من رحم الطبّ؛ لأن الطب منحهم التجربة، فيما وهبهم الأدب فضاء البوح.
الطَّبيبة الجزائريَّة آمنة حزمون، اختصاص مخّ، وأعصاب، تقول:
لا توجد علاقة واضحة كخط بين نقطتين، ولكنها صورة مشوشة قد تتضح أحيانا، وخاصة عندما يسبق الأدبُ الطبَّ، وهذا في الغالب.
أما الحالة الأخرى، والتي يبدأ الطبيب مهنة الطب، ثم يمسك بخيط الشعر فتلك قصة أخرى، وهروب مفاجئ من دوامة !
كطبيبة أعصاب، وشاعرة أعتقدُ أنني محظوظة لعثوري على هذا الصديق الوفي/ الشعر، فقد كان معي منذ لحظات حياتي المهمة، والهامشية، ووثقها بالحبر والدموع والمجازات!
وقد علمني كيف أستطيع تحويل لقطة عادية عند الكثيرين إلى قصيدة شعرية أو قصة قصيرة .
باختصار الشعر، والطب يكملان مسار الكائن المرهف الذي اختارهما عن حب .
في روايتي (المجانين لا يموتون)، كتبت عن قصة طبيبة تعثر على جزء كبير من شخصيتها المفقودة في مصحة أمراض عقلية، وتسرد حكايا المرضى حتى اعتقد القارئ أنها حكاية واقعية رغم أنها من نسج الخيال، وأنا لا أرى مانعا في أن يستوحي الكاتب من قصص مرضاه فكرة رواية أو قصيدة، المهم أن لا يذكر أسماءهم، ولا يفضح سرهم الطبي.
في النهاية يحتاج الطبيب الشاعر إلى بعض الحقيقة إضافة إلى وهم الكلمات.
_الأدب يجمل القصص الحزينة التي يشهدها الطبيب، يمنح للمرض صيغة أخرى، وشكلا مختلفا ويعزز من أواصر العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض الذي سيخرج حتما من مصطلح الحالة المرضية، ليصبح قصيدة ذات جناحين.
وكذلك الطب يخرجُ الأدب من قوقعته ليسمح له برؤية الواقع وقد يصطدم أحيانا بصخرة الألم القاسية، لكنه سيصنع نصوصا عصية على المحو والنسيان
الطَّبيب العراقيّ أياد ميران حسين، اختصاصيّ في طبّ الأطفال يقول:
أرى العلاقة بين الطب والأدب علاقة طبيعية كعلاقة الأدب بأي مهنة أخرى، فالكثير من الأدباء لديهم مهنٌ، ووظائف أخرى، وإن كان للطب والأدب بعض الخصوصية، فهما من جوانب متقاربان حيث إن الطب معنيٌّ بجسد الإنسان، واضطراباته النفسية، ومعاناته فهما هنا يتداخلان، وهما يفترقان ببعض الجوانب حيث تعتمد دراسة الطب على المادة العلمية، والتفكير العلمي بينما الأدب يعتمد على الخيال كثيرا. أما عن مسألة هل للطبيب الحق بسرد بعض قصص مرضاه، فيمكن ذلك بشرط عدم الإفصاح عن الأسماء، وكذلك تناولها بطرق غير مباشرة. أما ماذا يعطي الطب للأدب، فالطب كمهنة، ودراسة جسدا ونفسا يجعل الطبيب ملتصقا بهموم الناس، ونزعاتهم وهذا بالتأكيد يؤثر على منتجه الأدبي. وأما ماذا يعطي الأدب للطب، فهو يجعل الطبيب أكثر قربا من مرضاه وأكثر تفهما لمعاناتهم وآلامهم.
الصَّيدلانيَّة السُّوريَّة أسمهان الحلوانيّ، تقول:

العلاقة بين الطب، والأدب:
إن العلاقة بين الطب، والأدب هي علاقة متناغمة، وثيقة الارتباط تحكمها الأنسنة ؛ ويمكن تشبيهها في بعض الحالات بالمتلازمة التي تخضع للأعراض التحاليل، و النتائج، فحين يستقبل الطبيب مريضه يستمع إلى أعراضه ثم يقوم بتحليل حالته، و يصف له مداخلته المناسبة ليشفي جسده و يرتقي به فوق الحالة المرضية ...كذلك يقوم الأديب باستقبال إشاراته الإيحائية الإبداعية، ووحيه المرتبط بتجاربه الخيالية، أو الواقعية ليقوم بتحليل مجرياته مفرداته و إزاحاته حتى يصل إلى روح المتلقيو يرتقي بفكره، ووعيه من خلال نتاجه الأدبي الذي يقدَّم.
الأنسنة حالة مجملة لا يمكن تجزئتها، فالإنسان المبدع هو مبدع تلقائيا بغض النظر عن تخصصه أدبياً كانَ أم علمياً، أم تخصصياً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه:
لماذا اشتهر العديد من الأطباء بالإبداع الأدبي؟
لعل الجواب يتماوج بين مد و جزر حسب مبدع، و آخر لكنَّ موجة الرهافة، وصلة الروح بالروح تعلو بشكل واضج؛ فالطبيب يتعامل مع حالات بشرية مما يزيد من رهافته الشعورية، ولا سيما إذا كان هذا الطبيب مثقفاً قارئاً يمتلك ذخيرة لغوية كبيرة تسمح له بالتعبير عن خلجاته بمجازه، وأدبه.
قد يقول البعض إن قصص المرضى، وشكواهم، ومتابعة الطبيب لحالاتهم هي أرض خصبة ينتش فيها الطبيب بذوره الأدبية، لكنني أيضاً أقول إن نزاهة الطبيب تستوجب عدم التصريح، و المباشرة لحفظ الخصوصية، و إنما التعبير عنها من باب الإيحاء، و الإزاحة، والمقاربة، وهذا لا يعني أن كل طبيبٍ يفتقر إلى خياله الخصب، فلا يكتب إلا من وحي عمله، فالعلاقة تكاملية، تبادلية، فقد يضيف الأدب الخيالي مائدته الشهية على حساب منضدة الواقع، وتبقى العلاقة بين الطب والأدب علاقة تشابكية معقدة لا يمكن إجمالها تماماَ بسطور زهيدة.
الطَّبيب العراقيّ وليد الصَّرَّاف اختصاصيّ أنف، أذُن، حنجرة، يقول:

الطب يعطي الأديب سمّاعة الطبيب، فيصغي إلى المكتوم من صوت الإنسان, ويسمع تنهدات تأتي من عصورٍ سحيقةٍ أصبح أصحابها تراباً، ويسمع صراخ الأحفاد القادمين.
ويعطيه مِحرارهُ، فيتحسس حرارةَ البراكين في ثلج صامت يذوب وحيداً.
والأدب يحول الطب من مهنة إلى عشق، ويعرّف أبقراط على الخليل بن أحمد، وشهرزاد، وبتهوفن, ويوقفه أمام شرفة يطلّ من زجاج الجسد الفاني عبرها على ما لن يفنى
لا يتعرى الإنسان أمام أحد كما يتعرى أمام الطبيب.
البقال يبيع، وبينه وبين المشتري بضاعة، وميزان، ومكاييل متفق عليها ,واللاعب يلعب تحت الأضواء الكاشفة أمام جمهور يعرف قانون اللعبة, ولكن الطبيب يعمل في ظلامٍ، فمنطقة المرض المضاءة للطبيب، المعتمة للمريض تجعل الطبيب يرى من الأسرار التي لا يعرفها المريض نفسه وهو صاحبها، وهذا كله يعني أنّ الطبيب الذي يكشف سر المريض هو أحطّ خلق الله.
وقصة المريض سرّ، والأدب ليس إذاعة أسرار, بل هو فن إخفاء الأسرار الشخصية، وإعلان الأسرار العامة التي تتراءى من سرّ شخصيٍّ، ولكن بعد إخفاء الأسماء، والزمان، والمكان لتكون صالحة لكل زمان، ومكان
في العلاقة بين أي اثنين لابد من آصرة يتفق عليها الكيميائيون، ويختلف عليها الشعراء، وعلاقة الشعر بالطب تشبه العلاقة بين المطلق، والنسبي والشكل، والمضمون، والجسد، والروح, الطب زنزانة من الزمان، والمكان, والشعر جناحان يحلقان بصاحبهما في الأمكنة التي عفت والأزمنة التي لم تحن بعد, الطب قبر يدرس، والشعر خرير نبع لا ينضب, الطب وترَا أم كلثوم الصوتيان اللذان أصبحا تراباً في قبرها، والشعر أغانيها التي يردّدها الملايين في كل زمان ومكان حتى الآن، وإلى ما شاء الله.
الطَّبيبة السّوريَّة سوزان إسماعيل، اختصاصيَّة أطفال، تقول:
تظل العلاقة بين الطب والأدب علاقة حميمة، يجمعهما جوهر واحد، هو الإنسان جسداً، وروحاً؛ فالطبيب حين يمد يده للشفاء لا يكتفي بترميم الجسد، بل يلامس أعمق مواطن الإنساني، وهناك ينفتح باب الأدب على مصراعيه لأن الكاتب هو الوسيلة الأصدق للكشف عمّا يعجز اللسان عن الإفصاح به.
في غرف الفحص، أو على أسرّة المستشفيات، ولعلَّ هذا ما جعل هذا كثيرا من الأطباء يطرقون عوالم الأدب، إذ هم الأكثر قرباً من لحظات الحياة، والموت في صورتها المجردة، والأقدر على التقاط ما بينهما من ومضات فارقة، أما عن حقّ الطبيب في كتابة قصص مرضاه، فذلك مشروط بميزان دقيق بين أمانة المهنة، وحرية الإبداع.
يستطيع أن يكتب شريطة صون الخصوصية، وتحوير التفاصيل بما يحفظ الكرامة، ويبقي القصة في حقل الأدب، لا في أراشيف العيادة، والتجارب الإنسانية، متى صيغت برؤية فنية تتحول إلى ذاكرة مشتركة تضيء للقارئ دروب التعاطف، والتأمل، ولا يشترط أن يقتصر الطبيب الأديب على تجارب مهنته، بل هو كغيره من الكتَّاب يستطيع أن يخوض في شتى القضايا، والموضوعات، أما الموهبة الأدبية، فهي ليست رهينة مهنة، بل ثمرة شغف باللغة، وقدرة على الغوص في أعماق النفس البشرية، وكثير من الأطباء تفوقوا في دراساتهم، وأبدعوا في العربية، ما منحهم طاقة تعبيرية مضاعفَة، وعن نفسي بدأتُ كتابة الشعر، والمقالات منذ الصغر في الصحف المدرسية، ومجلات الحائط، ورغم أن صخب الدراسة، والعمل كثيراً ما أبعدني عن القلم، فإن الشغف أعادني دوماً إلى دروب الكتابة، وهكذا ولدَ آباء كثر من رحم الطب، لأن الطب منحهم التجربة فيما وهبهم الأدب فضاء البوح.
مشاركة منتدى
١ أيلول (سبتمبر), ٢٠:٠٣, بقلم صبري غانم
الكتابة تعبير عن المشاعر و الآلام التي يعيشها الإنسان في مواقف حياتية تترك أثرا في نفسه و ينقلها للقراء
و حياة الأطباء مليئة بمثل هذه المواقف، لأنه يتعامل مع الإنسان في لحظات ضعفه التي هي لحظات صدقة
و عين الطبيب ترى مالا تراه عيون الأخرين و قلمه هو مبضعه الذي يشق به الصدور و يطالع القلوب
و المريض يأتمن الطبيب على روحه و جسده و أسراره
و الكتابة لا تعني فضح الأسرار و لكنها لاستخلاص العبر
تحية لكل طبيب مسك قلمه و خط مشاعره كلمات صادقة
اد صبري غانم استاذ طب الأطفال - جامعة الأزهر