اقطع الخيط وانطلق
هل تساءلت يومًا عن سبب عدم وصولك إلى أهدافك؟ هل أصابك الحزن وأدركت أن شيئًا ما يعيقك؟ هل رأيت غيرك وصل إلى القمة وأنت لا تزال تراوح في السفح فتساءلت: لماذا لم أصل وقد وصل غيري؟
ربما ترى نفسك حرًا وأنت مقيد دون أن تعرف السبب! تنبه.. هناك عقبة، هناك عائق، هناك جبل يصدك؛ فهل تأملت هذه الإعاقات لتحرر نفسك وتنطلق؟ هناك خيط وهمي يربط ساقك ويقيدك، ويلزمك أن تقطعه لتنطلق. فهل تعرف هذا الخيط؟
إليك الحكاية لتكشف السر.. يحكى أنّه في السيرك، رُبط فيل صغير بسلسلة حديدية منعته من الحركة، حاول كثيرًا فلم يستطع، كبر جسده، وكبر وهمه، صار الخيط هو السجان لا الحديد. وفي لحظة صدق، نظر إلى ساقه فلم ير شيئًا، فقط خيطًا وهميًا.. قطعه وخرج.
والآن، السؤال لك: هل تأكدت من الخيوط الوهمية التي تقول لك إنك لا تستطيع؟ فما هو الحل؟ ببساطة، استخرج المقص من جيبك واقطع هذا الخيط ثم انطلق.
إنك لا تحتاج لمعجزة، فقط مقصًّا صغيرًا من الوعي، تقطع به خيطًا لا يراه أحد سواك، لكنه يعطّلك عن كل شيء. أستفعلها وتنطلق أم ستظل سجين هذا الخيط الوهمي للأبد؟
قيود الوهم
في حياتنا المعاصرة تتجدد القيود الوهمية وتتكاثر، لهذا تحتاج لمقصات حادة لتتخلص من الأوهام التي تعشعش في رأسك، وتشل تقدمك وانطلاقتك.
أفأعيرك مقصاتي لتفعلها وتنطلق، أم لديك المقصات التي تحقق لك الطيران؟ الحكايات في هذا المضمار كثيرة وتتوالى، والدروس في هذه الحلبة تتجدد ولا تنتهي، فقصة الفيل ليست يتيمة في عالمنا.. فكم من بشر قيدتهم أوهام ما، منعتهم من التحليق في سماء الطموح والتميز! ولعل أشهر تلك القيود هي تلك التي تُرسم في أعماق عقلك الباطن، تراها حقائق لا تقبل الجدل، وما هي إلا طيف وهم! وإليك المثال لتتضح الصورة.
شاب كان يحلم بأن يصبح كاتبًا، لكنه ظل حبيس فكرة أنّ "شهادته الجامعية ليست أدبية" وأنّ "الموهبة وحدها لا تكفي". هنا قرر حرق جميع الفرص الكتابية، وغادر ميناء الموهبة التي يمتلكها، وأغرق زوارق الإبداع، وهكذا ظل يعتقد أن بوابات النشر موصدة في وجهه، حتى جاء ذلك اليوم الذي التقى فيه بكاتب مشهور، لم يكن هذا الكاتب يحمل أي شهادة جامعية في الأدب، بل كان مهندسًا عاديًّا.
حينها فقط أدرك أن الكفاءة الحقيقية تتجاوز الشهادات، وتيقن أنّ خيط "المؤهل غير المناسب" كان مجرد وهم نسجه لنفسه! فهل وقعت في مثل هذا الشَرَك؟
ونقلتُ في بعض المناسبات قصة تلك الفتاة التي كتبت رواية رائعة، لكنها امتنعت عن نشرها خوفًا من النقد والفشل.. ظلت مخطوطتها في درج مكتبها لسنوات، حتى أقنعها صديق صدوق بضرورة نشرها ولو تحت اسم مستعار.
وبالفعل فعلت، فلم يمض وقت طويل حتى حققت تلك الرواية انتشارًا ساحقًا، وقد تلقت إشادات نقدية وجماهيرية لرواية ظلت سنين طويلة في درج مغلق، حينها فقط تجرأت واستخرجت القلم وكشفت عن اسمها الحقيقي، لتكتشف أن الخوف من الفشل كان الخيط الوحيد الذي قيد إبداعها.
هل حدث لك مثل هذا الموقف؟ إنّ المشكلة الحقيقية ليست في هذه القيود بحد ذاتها، بل في إيمانك المطلق بوجودها.. فمتى تقطع الخيط وتنطلق؟
خيوط العنكبوت
يا صديقي، الحرية لا تبدأ من الخارج، إنما الانطلاقة تبدأ من الذات، إنها لا تبدأ من تحرير الجسد من السلاسل المادية، بل تبدأ حين يصرخ صوت في أعماقك يقول: كفى!
البداية تبدأ من الداخل، فلم لا تحرر عقلك وروحك من هذه الأوهام التي تقيدك؟ إن تلك الخيوط الشريرة تعقد في عقولنا منذ الصغر؛ ربما كان أحدها كلمة قاسية من معلم، أو سخرية لاذعة من زميل، أو تجربة فاشلة في زمن سحيق، أو ربما كان حديثًا عابرًا من عابر سبيل.
هذه الخواطر تتسلل إلى صندوق وعيِنا، وتُنقش في باطن أرواحنا وعقولنا، وبمرور الوقت تتحول تلك الكلمات من مجرد حروف إلى عقد راسخة؛ فتقول لنفسك بيقين: أنا لا أستطيع، أنا غير جدير، من أنا لأكون؟ إنّ هذا ليس لي، وليس من حقي.. إنه شعور قطعي بعدم الجدارة والاستحقاق.
يا صاحبي، تأمل لهذا الخيط جيدًا، هل هو قيد من حديد؟ هل هو سلسلة من فولاذ؟ أم هي مجرد فكرة هشة، تطير في الهواء بمجرد نفخة كفقاعة صابون؟ المشكلة أنها تسلّلت إليك يومًا بنعومة، واحتلت منصبًا ليس لها، إنها فكرة عنكبوتية شرسة، تحتلك وتستقر في أعماقك حتى تحيطك بخيوطها؛ فتظل محبوسًا في شرنقة لا يراها أحد، فمتى ستقطع ذلك الخيط وتنطلق؟
يا صاحبي، كيف يمكن لكلمة قالها معلم قبل عشرين سنة أن تتحول في خلدك إلى وصمة هوية تمنعك من التقدم؟ لأنك يا صاحبي -ببساطة- قد منحتها القوة، وصدقتها، وسمحت لها بأن تتحكم في مسارك، فباتت تتجسد في كل قرار تتخذه، وكل خطوة تخطوها. فلماذا لا تفيق من سباتك، وتحمل المقص لتقطع ذلك الخيط اللعين؟
هذه القيود غير مرئية، ولكنها أقوى من أي قيد مادي ما دامت مسيطرة على ذهنك.. والأمر لك، إما أن تدعها كما هي، أو تقطع خيطها وتحلق، فماذا ترى؟
مقص التحدي
والآن يا صاحبي، بعد أن تعرفت على هذه القيود الخفية، وهذه الخيوط الوهمية، تبرز لك لحظة القرار، لحظة الاختبار الحقيقي. البعض، حتى مع إدراكه حقيقة الخيط، قد لا يزال خائفًا من قطعه.. رغم أن العملية بسيطة ولا تستغرق إلا ثواني معدودة، يحجم البعض ولا يفعل!
هنا ندخل منطقة الاختبار الداخلي، منطقة الاختبار الحقيقي: هل تملك يا صاحبي الشجاعة الكافية لقطع الخيط؟ هل أنت مستعد لتحمل العزلة التي قد تأتي مع الحرية المطلقة، مع كونك مختلفًا، مع السير في طريق لم يسلكه أحد قبلك؟ هل تجرؤ أن تنظر في المرآة وتقول لنفسك بكل يقين: "أنا أستحق أن أنجح، أنا أستحق أن أكون حرًّا، أنا أستحق أن أصل إلى القمة، وأتربع فوق عرش المجد".
يا صاحبي ماذا تنتظر؟ تقدم نحو الباب، لا شيء يمنعك من العبور، لا قفل ولا حارس ولا قيود حقيقية.. ما يمنعك مجرد وهم ولا حقيقة فعلية لوجوده.
يا صاحبي، التحدي الحقيقي ليس في مواجهة الظروف القاسية أو التحديات الخارجية، بل يكمن في مواجهة نفسك ومشاعرك وقيودك، فهل ستحطم القيود التي بنيتها حول ذاتك بيدك؟ اعلم أن هذه الخيوط مجرد وهم، والمقص بين راحتيك وتحت إرادتك.
اتخذ القرار
يا صاحبي، أنت لست ذلك الفيل الذي قُيد بوهم، ولا أنت الضعيف الذي خُلق ليعيش حبيسًا، إنك تمتلك القدرة على الاختيار، إنك أنت من يقرر أن يكون حرًّا، أو عبدًا لوهم لا حقيقة له، فلماذا تسمح لغيرك أن يقيدك ولديك الإرادة على كسر هذا الزجاج الهش؟! هل رأيت ذلك الإنسان المنطلق، الذي يحلق في سماء الإنجاز؟
إنه ليس معجرة وليس رجلًا خارقًا كما تتوقع، إنه -ببساطة- كائن بشري مثلك، لكنه قطع الخيط، وقال: "كفى، لن أسمح لك بتقييدي بعد الآن". فمتى ستفعلها؟
يا صاحبي، إنك نار تحت الرماد، لا تحتاج إلا لنفخة صادقة من ذاتك لتشتعل وتضيء العالم من حولك.. كل ما تحتاجه لتطير هو أن تدرك أنك تملك الأجنحة، وستحلق بمجرد أن تقص خيطك الوهمي الذي لا أساس لوجوده.
يا صاحبي، إن القوة التي تحتاجها في داخلك تنتظر منك فقط أن تتحرر من قيد الوهم.. عندها سترى النور، وتحلق في كبد السماء.
لحظة الكشف
ما يفصل منطقة فشلك عن منطقة نجاحك خطوة واحدة، قفزة واحدة، فهل ستتجرأ لإحداث التغيير؟ افعلها وسترى كيف حققت النجاح؟ يا صاحبي صدقني، إنك لا تحتاج لمقص، فالخيط ضعيف، فماذا يحتاج خيط العنكبوت لتمزقه؟
فقط لحظة قرار وتنفيذ، فإن قفزتك ستمزق الخيط العالق. والآن، تخيل معي هذا المشهد الدرامي: رجل مد يده لفك قيده، فلما اقتربت يده للقيد لم يجد شيئًا، فقط وهم أنه محاط بقيد، وفي الحقيقة لا يوجد أي خيط!!
الخلاصة أنك لا تحتاج لمقص، بل لا يوجد في ساقك أي خيط، فمتى ستتحرر وتنطلق؟
بعد أن خرج الفيل من السيرك، لم يعد كما كان، لم يركض فقط، بل جعل خطواته تخرق الأرض غضبًا من أيام ضحكت من سذاجته، أخذ يثير نفيرًا صاخبًا بزلومته، لم يكن ذلك الخيط حقيقة، لم يكن إلا خدعة أقعدته في الأسر دهرًا لا يُعدّ.
إذا قُطع الخيط فستتمكن تلك الفتاة من محو اسمها المستعار، وتدون على الغلاف اسمها الحقيقي، وتشعر بفخر غادرها أعوامًا طوالًا.
إذا قُطع الخيط فسيتمكن ذلك الطالب من الوقوف أمام الجمهور، ويتحدث بثقة، دون أن يرتجف، وفي نهاية المطاف سيبتسم ابتسامة عريضة ويقول في نفسه: "أنا كنت أستطيع دائمًا، فلماذا انتظرت كل هذا الوقت؟".
إنها لحظة الاكتشاف الصادمة يا صديقي، لحظة إدراك أن القيد لم يكن موجودًا قط، وأن كل ما كان يعيقه محض خيال، شبح لا وجود له قد أوقفه عن الانطلاق.
عقبة الجبال
كل ما كنت تظنه بعيد المنال لا يتطلب منك سوى قطع الخيط فقط.. الجبال لا تُنقل، لكنك حينما تقطع الخيط، ستمشي فوقها بكل بساطة كمتزلج يهوى الانسياب فوق الثلوج.
يا صاحبي، كل الطرق تبدأ من تحت قدمك.. لا تلتفت كثيرًا للأفق، فقط ارفع قدمك، واقطع أول خيط يعيق خطوتك.. وستنطلق.
