الدراما السورية
أحببنا هذه الدراما لأنها نجحت بتجسيد مشاعرنا، أفكارنا، متاعبنا وأفراحنا، نجحت بنقل واقع الأسرة العربية وتحدياتها بشكل سلس، مؤثر ونلفت جعلنا نتمسك بها وننتظر حديدها كل عام. أحببناها بقدر حبنا لدمشق خاصة وسورية عامة، تلك البلد التي كانت زيارتها حلم معظم فلسطينيي الداخل، طبيعتها جميلة، بيوتها العتيقة مليئة بعبق التاريخ وحنين لمشاعر وأمور لا نحسن تحديدها، لا ننسى طبعا الطبخات والحلويات العربية منها البقلاوة، الحلاوة، البوظة والعديد غيرها، أما الأغاني الطربية وخاصة الحلبية فهي ما نحب جميعاً وتأخذنا الى عوالم من الطرب والفرح.
مع ازدياد قنوات التلفزيون وتطور آليات وصولها الينا بدأت تصلنا الدراما السورية بكامل ألقها من جهة وكامل حنيننا لما يصور واقعنا اليومي المعاش أو التاريخي من جهة.
المسلسل السوري هو تعبير عن الأعمال التلفزيونية التي تفوقت في الأعمال الدرامية العربية وعلى مستوى عالٍ من الأداء والإخراج، والمسلسل مكون من مجموعة حلقات درامية منوعة الأشكال والأنواع من تمثيل مجموعة من الممثلين والفنيين بتوقيع مخرجين من كبار المخرجين العرب، والمسلسلات السورية من إنتاج شركات إنتاج فنية سورية وعربية، تجدر الاشارة الى أن الأعمال والمسلسلات السورية قفزت بالدراما العربية إلى مستوى جيد جداً قدم أجمل الأعمال والمسلسلات على مختلف الشاشات والفضائيات العربية.
كل العرب من المحيط للخليج بنوا آمالاً كبيرة على مسرحيات محمد الماغوط ودريد لحام (غوار) التي أنتجت بدء من السبعينات(ضيعة تشرين)، (غربة)، (شقائق النعمان) وغيرها التي عكست وضع الأمة العربية وضرورة وحدة الموقف. أنا مسلسلات نهاد قلعي ودريد لحام فكانت سكّرة النفوس التي ترسم البسمة على شفاه المواطن العربي العربي الكئيب ومنها (صح النوم)، (مقالب غوار)، (ملح وسكر)، (وين الغلط). لا ننسى طبعا الفنان ناجي جبر الملقب أبو عنتر والفنان ياسين بقوش والفنانة نجاح المعروفة بفطوم حيص بيص.
في هذا المضمار لا من تحية للفنان الكبير ياسر العظمة الذي أتحفنا بلوحات درامية كوميدية منفصلة من خلال مسلسل (مرايا) من تأليفه واخراج الكبير هشام شربتجي خلا 19 جزء بدأت 1981 لتحصد اقبالاً جماهيرياً منقطع النظير، هذا وقد اكتشف العظمة وقدم من خلالها عدداً كبيراً من الممثلين المبتدئين ليصبحوا فنانين ونجوم مشهورين لاحقاً، هي ميزة عُرِف فيها ياسر العظمة والفنان أيمن زيدان-كل على حدىً- اللذان شجعا الوجوه الشابة الموهوبة وتطويرها.
من منا لم يتابع بشغف عام 1994 مسلسل (نهاية رجل شجاع) عن رواية الكبير حنا مينا، اخراج نجدة أنزور، بطولة أيمن زيدان، حنا مينا، سوزان نجم الدين، أندريه سكاف وآخرين؟ كان ولا زال من أهم انتاجات الدراما السورية التي توجها الأفضل عربياً، لا زلنا حتى اليوم نردد جملة (مفيد الوحش اللي قطع ذيل الجحش)من منا لم يتابع بحماس مسلسل الخوالي عام2000 بطولة بسام كوسى واخراج بسام الملا؟ لا زال اسم نصار ابن عريبي يتردد في أذهاننا كبطل اجتماعي محبوب.
حتى اليوم لا زال هذان العملاقان أبرز ممثلي ونجوم الشاشة السورية، يتألق كل منهما بتجسيد الشخصيات على أكمل وجه، لقد أبه نا أيمن زيدان هذا الموسم بدور الأب والجد القاسي والمتسلط الذي كرهناه الى أن نجح بإبداع أن يجعلنا نتعاطف معه في المشاهد الأخيرة من مسلسل (زقاق الجن) لشدة تفانيه بتجسيد دور العجوز المريض الذي لا حول ولا قوة له لدرجة لا نصدق فيها أنه يمثل المشهد وأن ذلك ليس حقيقة. من جهة ثانية لا ننسى دوره الرائع في جميل وهناء، كم أضحكنا وامتعنا حينها.
لا ننسى الممثل القدير سلوم حداد بتاريخه الدرامي الكبير وبدور أبو حمزة في مسلسل العربجي -اخراج المبدع سيف سبيعي ابن فنان الشعب الراحل رفيق سبيعي/ أبو صياح- ودوره الهام في مسلسل
(خريف عُمَر) الذي لم ينل حظه بالمشاهدات في خضم المهرجان الرمضاني.
يستوقفني أيضا باسم ياخور المبدع بدور عبدو العربجي، نادين خوري المذهلة طيلة مسيرتها وهذا العام بدور أم علاء الطيبة في (مربى العز) ودرية خانم القاسية حد الشر في (العربجي).
لا أنسى الفنان عباس النوري الذي حسد دور الشيخ في (مربى العز) بشكل ايجابي مختلف.
كما تألقت ديمه قندلفت بدور فلك في (ستيليتو) ابدعت بدور بدور في (العربجي) وهي من الفنانات السوريات المثقفات التي تحترم عملها وتتقن أدوارها.
شكران مرتجى تلك الفنانة حتى النخاع التي لم تتوانى في تأدية أي دور ينسب اليها وتتقنه بحرفية وأداء عالٍ.
الفنان عابد فهد ذلك المدهش بكل أدواره الذي يرفع من قيمة المسلسل الذي يشارك فيه حتى إن كان العمل ضعيفاً،(النار بالنار على سبيل المثال)، منذ سنوات وهو يقف أمام فنانات لبنانيات ركيكات الأداء لكن ذلك لم يؤثر على أدائه، في حين أن حالاً مشابهة أثرت على أداء قصي خولي مثلاً الذي يتألق أداؤه أمام سلافة معمار على سبيل المثال ويكون الأداء متوسطاً كما في (وأخيراً) هذا العام وما قبل.
بعد أن اعتدنا على الدراما السورية مرآة تعكس واقع المجتمع ثم تصور حال السوريين الصعب بعد الحرب والقهر لتبكينا ونفهم من خلالها بعض ما حدث ويحدث لمن بقي، لمن غادر، لمن هاجر، لمن لجأ ولمن ابتلعه البحر مانعاً إياه من تحقيق حلمه بالبقاء على قيد الأمل والحياة.
بعد أن أضحكتنا الكوميديا السورية من قلوبنا على واقعنا المرير بمواقف طريفة واداء يحترم المشاهد من خلال حبكة لطيفة ومخرجين عظماء بالفعل أذكر منهم هيثم حقي وسلسلة عائلات نجومه المبدعين، لا ننسى طبعاً المسلسل الكوميدي (بقعة ضوء) 2001 واستمر 15 سنة من الكوميديا والدراما في لوحات منفصلة، اشترك فيه معظم الممثلين والممثلات السوريين أتحفونا بادائهم القدير اخراج الليث حجو وعامر فهد.
من منا لم يتابع المسلسل العظيم (ضيعة ضايعة) الذي صبغ ذواتنا بالكوميديا السوداء المبالغ بها من شدة الواقعية الرهيبة، الراحل نضال سيجري، باسم ياخور، جرجس جبارة وباقة من الممثلين السوريين الحقيقيين، تأليف د. ممدوح حمادة واخراج الليث حجو.
مسلسلات هذا الموسم
لأسباب كثيرة -لست بصددها في هذه المقالة- جاءت المسلسلات السورية لهذا الموسم اما تاريخية أو بيئة شامية وما يقاربها ومعظمها أعادنا للهدف الأساسي من التلفزيون وهو الفرجة والتسلية بهدف التسلية، ربما هرباً من الواقع المرير وربما تعباً من الانتقادات والتعليقات حول المضامين القاسية كما شاهدنا في مسلسل (كسر عظم) و (الولادة من الخاصرة) و( مذكرات عشيقة سابقة) وغيرها من الأعمال الدرامية ثقيلة المضمون وصعبة الفحوى.
مسلسلات هذا الموسم ضعيفة السيناريو، ركيكة الحبكة كما أن الاخراج ليس كباقي السنوات، فجاءت مخيبة للآمال نوعاً ما مليئة بالقتل والعنف كما خطف الأطفال وتعذيبهم ، حولت هذه المسلسلات مشاهد العنف والضرب ليس فقط ضد النساء والاطفال بل بات العنف أسلوب ونهج حياة عادي لدى الجميع كما التنمر الذي يسيطر على الكبار والصغار منذ عقود توجها مسلسل باب الحارة ومسلسلات محمد رمضان كما مسلسلات العصابات والمافيات التي ملأت الشاشات.
للأسف أصبحت المسلسلات العربية تسلية سلبية ومسيئة في معظمها تهديد ووعيد، ضرب وشخط، استهزاء وسخرية من الآخر، تنمر على الأطفال والمراهقين.
لذا علينا الانتباه والانتقاء وعدم تقبل كل ما يعرض علينا لأن السّم في الدسم.