الرقص على أنغام التوترات: لبنان وإسرائيل
في عالمٍ يُدار ببراعةٍ من قِبل سماسرة وأمراء الحروب يُطرح سؤالٌ مُحرجٌ: ما واجب "الجيش الوطني" مفترض حماية الأوطان غير ذلك مُجرد شعارٍ براق بتلك الزخرفة البديعة.لنياشين والأوسمة والقلائد التي تكسو صدر البِزَّة العسكرية لقائد لم يُمارس العمل العسكري ولم يَخُض أي معركة تُشبه إلى حد بعيد استعراضًا زاهيًا لأوسمة الشرف على جبهة بطل من ورق. إنها حديقة مليئة بالأزهار البلاستيكية: جميلة للعين، لكنها تفتقر إلى عبق المعارك وتدفق الأدرينالين الحقيقي.وفي لحظات الجِدّ، ينتظر المواطنون أن يكونوا الدروع الحامية للدول لنبدأ بلبنان، هذا البلد الجميل الذي تُحركها قوىً عظمى. هل يُعقل أن نترك "المقاومة" (مهما كان التصنيف) تواجه مصيرها بمفردها؟ نقر بأن الجيش اللبناني، المُثقل بِأعباء حماية التوازن الطائفي والسياسي، مُقيدٌ بأوامرٍ غامضةٍ مُحاصرٌ بمخاوفٍ من اندلاع حربٍ أهلية جديدة وتقسيم افقي وعمودي مدرك إنّ التوازن العسكري مع إسرائيل يمنع أيّ تحرّك، الخوف من عقوبات اقتصادية لكنّنا نسئل عن امتلاك كل هذه الأسلحة .... فليتحول الجيش إلى جيش بدائي تقليدي يؤدي وظيفة مراسم وبروتوكول ونعين مُرْتَزِقَة لحماية حدودنا أو نقل كل هذه الاسحلة إلى المتحف؟
سؤال مباشر لماذا لا يقف الجيش اللبناني بجانب المقاومة؟ بعد ان قتل من افراده المئات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الدائرة وضرب قوات«اليونيفل» الدولية
مرةً أخرى، نعود لنضع الأمور في نصابها الصحيح: بافتراض أن كل هذه الأسلحة مصممة لدفع العدو، فلماذا لم نرَ الجيش اللبناني يتقدم خطوة واحدة نحو حماية المدن اللبنانية؟ هل حقًا لصيانة مجمع الطائفية أو الحفاظ على التوازن وتجنب الانزلاق إلى مواجهة داخلية
في الجبهة الأخرى تُعرض مسرحية هزلية يكون فيها مجلس النواب بطل الفشل في إحراز النصاب اللازم لاتخاذ القرارات الهامة. يبدو أن الحصول على 65 عضوًا داخل قاعة المجلس أصعب من حل لغز فيثاغورث، فالجميع يترصد بانتظار الفرصة لتصفية حسابات ضيقة، في حين لبنان يقف على حافَة الانهيار.
نجد أن النواب قد أتقنوا فنون الإخفاء والتلاشي، حيث يتبقى 48 فقط "يمارسون" العمل السياسي، وكأن الغياب بات شعار المرحلة. يشتعل البلد، والنار تقترب من البيت، ولكن لا يبدو أن الوقت مناسب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالأولوية لتسجيل النِّقَاط على الخصوم السياسيين.
وفيما يتعلق بحركة أمل واستهدافها، نجد أن عقابها يأتي في سياق محاولة للضغط على رئيس المجلس، نبيه بري، للتراجع عن مواقفه، خاصة بعد زيارة المبعوث الأمريكي "أموس هوكشتاين" إلى لبنان للعدة مرات. حيث تبدو محاولة المبعوث رسالة حازمة تذكرنا باتفاقيات إذعان مريرة،. أهمها اتفاق 17 أيار في لبنان عام 1983. بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل، بوساطة أمريكية، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. أثار الاتفاق جدلًا واسعًا ورفضًا كبيرًا داخل لبنان، خاصة من قبل سوريا ولبنان نفسها، مما أدى في النهاية إلى إلغائه وعدم تنفيذه.
المفارقة تكمن في أن المبعوث، الذي يُفترض به أن يكون وسيطًا، يبدو وكأنه يلبس قبعة المصلحة الإسرائيلية، بدلًا من تقديم حلول عادلة ومقبولة: كيف لمبعوث كهذا أن يؤدّي دور الوسيط النزيه، في حين تصب تصريحات إسرائيلية في خانة إعادة لبنان إلى "القرن الحجري"
اخرها فصول الكوميديا السياسية، نجد وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، يتنقل بخفة ريشة العاشق بين عواصم خمس دول عريبة محددة تريد تمرير مشروع الشرق الاوسط الجديد على حساب طمس القضية الفلسطينينة حتى انقاذ نفسها من الضياع والتقسيم لان الانذار الامريكي الاسرائيلي كان واضح للجميع تطبييع واعتراف والا مصير مشابه لأفغانستان.. تلك زيارات تشبه طبخة متعددة النكهات توشك أن تحرق أيدينا جميعًا بسبب انبطاح . ترى هل يسعى لتمرير صفقة سلام مع وقف التنفيذ، أم أنه يخبئ في جيبه مفاجآت تشبه تلك الألعاب النارية التي تُشعل الاحتفالات على غير ميعاد؟ كل هذا بينما يُصر لبنان الرسمي على التعامل مع القرار الأممي 1701 كما لو كان نصًا مقدسًا منزلًا ..لاشك حماية الوطن وحماية المقاومة في السياق اللبناني يتطلب موازنة دقيقة واستراتيجية مدروسة.
يبدو أن التعامل مع مشكلات لبنان المزمنة يتم عبر استخدام مسكنات مؤقتة، كمن يحاول تغطية الأعراض بينما يستمر المرض في النخر داخليًا دون توقف. ومع ذلك، يلوح في الأفق أمل زائف في أن الانتخابات الأمريكية القادمة قد تجلب معها لحظات هدوءالذي يسبق العاصفة رغم استمرار ضجيج الحقائق وصخبها الذي لا يهدأ.
في ظل الوضع الراهن في لبنان، يتساءل الكثيرون إن كان البلد بحاجة إلى مال سياسي أم إلى وقف إطلاق نار. تبدو الإجابة كليهما صحيحة، لكن الأولوية تتجه نحو الأزمات المالية الخانقة التي تواجه البلاد، بينما تصاعد الأزمات السياسية يتواصل بشكل تأتي قمة باريس الأخيرة تُعتبر منقذًا محتملًا، لكنها تشبه أفلامًا مكررة حيث يجتمع كبار الشخصيات بدون خطة واضحة لإحداث تغيير. التاريخ يشير إلى كثرة القمم الخاصة بفلسطين ولبنان لم تُنتج سوى بتصدير شعارات رنانة ووعود بلا ثمار. كون الفيتو امريكي الاسرائيلي حاضر لتعطيل
الناس في الشوارع يعيشون أزمة الجوع والبطالة مليون ونصف نازح في لبنان، في الوقت الذي ينتظر فيه الزعماء تفويضًا من باريس لإنقاذ الوضع. الحلول المحتملة تبدو غير واضحة بين مساعدات خارجية وصور تذكارية مع القادة العالميين.
مع ذلك، يحتاج لبنان إلى تجديد حقيقي من خلال تعزيز العهد مع المقاومة وحمايتها كخطوة أولى. والاصرار على إصلاحات حقيقية من الداخل، وعدم تعليق شماعة إلقاء اللوم على المجتمع الدولي؟ وانتباة لخطوات عملية في إزالة الأسباب الجذرية للصراع مع الكيان الاسرائيلي الخطوة الأكثر أهمية، تتضمن حل النزاع حول الأراضي المحتلة والحقوق المائية مع ضمان الأمن والسلم للبنان٫ واخيرا تبادل الضربات والقصف بين إسرائيل وإيران يشبه ملعب كرة قدم حيث يحاول الفريقان تغيير النتيجة بتسديدات محكمة، ولكن الأهداف التي تسجلها تكون دائمًا من نوع "أهداف عكسية" يبدو أن الأمور لم تتغير كثيرًا، حيث تستمر عملية تصعيد التحذيرات والتهديدات بين الطرفين، ويتساءل الجميع: "متى ستبدأ المباراة الحقيقية بدلًا من تبادل اللكمات الفارغة؟". في النهاية، كل ما يحصل هو مجرد جولة إضافية في صراع قديم، مع تشكيلة مستمرة من اللاعبين الجدد.