الصـين سـنة ١٩٥٧
فى نهاية عام ١٩٥٧ سافر محمود البدوى فى بعثة ثقافية إلى الصين وتضم نخبة من أساتذة الجامعات ورجال التعليم فى مصر .
وهبطت الطائرة أرض مطار " هاى تاك " فى الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الموافق ٢٥|١٠|١٩٥٧ .. ويقول "لم تفتح لنا حقيبة واحدة فى الجمرك ولم نلاق أية مشقة ، وكانت الموظفة المكلفة بالمراقبة الصحية أنيقة وجميلة وترتدى ثوبا أنصع وأشد بياضا من وجهها ، نظرت إلى الاوراق الصحية ثم تركتنا نمر بابتسامة مشرقة إلى بوليس الجوازات ، وبعد ثلاث دقائق كنا خارج المطار " .
وخرج البدوى منشرح الصدر ، نشطا من حسن الاستقبال ، وحينما وضع قدمه فى المدينة شعر بالراحة ، وأحس بجاذبية وحرية استراح لها ، وأقام فى فندق " بنسيولا " بكاولون وهو على مبعدة أربعة أميال من المطار .
خرج يتجول فى المدينة ويود فى فترة وجوده أن يشبع منها ويحس بالاكتفاء ، ومشى وغاص فيها وهو شبه حالم ، ونسى تعبه ، وعبر الخليج إلى هونج كونج فى رحلة ممتعة تحت أجمل مناظر البر والبحر .
وفى شوارعها وجد جميع أجناس الأرض من البشر .. الصينى والهندى واليمنى والباكستانى والأرمنى واليونانى والإنجليزى والأمريكى .. والعيون مفتوحة وزائغة من كثرة البضائع المعروضة ورخص أثمانها وتنوع أشكالها ، وكانت تعترضه عربات الركشا بعد كل خطوة ويرفض الركوب ويشعر بالامتعاض من ركوب عربة يجرها الإنسان ، وحينما يشعر بالتعب يستريح فى مشرب على الطريق أو فى أى مكان يستطيع أن يشاهد منه العابرين .
قضى البدوى مدة فى قلب هذه المدينة ليكتشف أسرارها ما استطاع .
وفى جولة إلى تلال هونج كونج ركب الترام الكهربى الصـاعد ورأى من شاهق أجمل المناظر .. ويقول " إذا ذهبت هناك فى الليل فستقف مبهورا وأنت تعجب لكل ما صنع الإنسان ، وإذا ذهبت فى النهار ، ستعتمد على السياج الحديدى فى البرج وتسبح عيناك فى بحر من الجمال ليس له أول ولا آخر ، وستلعن معى كل الذين يثيرون الحروب فى العالم وكل الذين يشوهون جمال الطبيعة وجمال الإنسان .
وفى بكين القى عدة محاضرات فى النادى الدولى عن الأدب المصرى والصحافة المصرية والقصة ، وقدمت اليه عدة أسئلة من طلبة جامعة بكين " القسم الشرقى " وكان يترجم المحاضرات أحد أساتذة الجامعة . " من مقدمة كتاب محمود البدوى " قصص من هونج كونج ".. تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى .. الناشر مكتبة مصر بالفجالة ٢٠٠١ "
ويقول البدوى بعد عودته من رحلته التى قام بها الى الصين واليابان والهند فى كتاب " مدينة الأحلام " الصادر عن الدار القومية للطباعة والنشر ١٩٦٣ :
"لقد ركبت البحر وأنا شاب فى العشرين ، ورأيت اوربا بعين الشباب وقلبه ، وهأنذا اركب الطائرة بعد الأربعين لأرى الشرق ، لأرى الهند والصين واليابان .
لقد رأيت الفضيلة فى الصين ، والشرف ، وسماحة الأخلاق ، والابتسامة المضيئة على الشفاة ، والنظام والعمل ، ورأيت السرعة وقوة الصناعة ، والحضارة الدافقة والجمال الآسر فى اليابان . والاستعمار الذى لا مظهر له والذى تميته قوة الشعب وحيويته .
ورأيت فى الهند الشعب الذى ينفض عنه الغبار ويتحرك ببطء ، ولكنه سيصل حتما إلى بغيته لأنه يحس بحريته وأصبح يعيش .
ورأيت النظافة فى كل هذه البلاد والنظام وسماحة الطبع والتـعاون ، ولم أر معركة واحدة فى الطريق ولا مشاجرة عابرة .
وجلت فى كل الأحياء ، فلم أسمع كلمة نابية ولا لفظة تحمر لها الخدود ، ولم أر شابا يطارد فتاة ، أو يريها ميوعته وخنوعته .
لقد رأيت الجمال فى الطبيعة وفى الإنسان ، ورأيت الحضارة العريقة والصناعة الحديثة .
ورأيت الآثار الخالدة والقصور الشامخة والمساجد والقباب التى لايستطيع أن يشيد مثلها انسان .
ولقد رحلت وأنا أحمل معى كل أخطائى كبشر ، ولكننى كنت أسمو فى كل الحالات عن كل دنس .
وفى ديسمبر من عام ١٩٧٤ .. يقول البدوى " عندما زرت أوربا والهند والصين واليابان ، لم أكن أفكر مطلقا فى كتابة قصص عن هذه البلاد . ولكنى وجدت نفسى وأنا فى اسطمبول وبوخارست وهونج كونج وشنغهاى وطوكيو ، فى حالة انفعال ، ويزخر رأسى بمئات الأحداث الصغيرة والكبيرة ، فكان لا بد أن أخرج هذه المادة على الورق ، ومع أنه قد مضى على هذه الرحلات أكثر من عشر سنين ، إلا أن صور هذه المدن وما قابلته فيها من شخصيات ، وما واجهته من أحداث تلهمنى الكتابة حتى الآن "
زار البدوى الصين أكثر من مرة ، زارها كأديب ومفكر ، وقدم المدينة التى أعجب وافتتن بها فى صورة قصص قصيرة ، وكتب عدة مقالات نشرها فى مجلة الجيل المصرية عام ١٩٥٨ وأعاد نشرها فى كتاب " مدينة الأحلام " الذى صدر عن الدار القومية للطباعة والنشر ١٩٦٣.
كتب ستة عشرة قصة استوحاها من تلك المدينة ، وأول قصة نشرت تحت اسم " التنين " فى صحيفة الشعب المصرية فى ٢٠|٣|١٩٥٨ وآخر قصة نشرت تحت اسم " الفقير " فى صحيفة مايو المصرية على عددين بتاريخى ٢٤ و٣١|١|١٩٨٣ وأعيد نشرها بمجموعة " قصص من هونج كونج " من تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى .. الناشر مكتبة مصر ٢٠٠١ " .
تعريف بالقاص محمود البدوى
• قاص مصرى هو رائد القصة القصيرة فى مصر والعالم العربى .
• ولد فى إحدى قرى صعيد مصر " قرية الأكراد – مركز أبنوب – محافظة أسيوط " فى الرابع من شهر ديسمبر سنة 1908 وتوفى فى الثانى عشر من شهر فبراير سنة ١٩٨٦
• الكاتب العربى الوحيد الذى تقابل مع العالم النفسى الشهير " سيجموند فرويد " فى النمسا أثناء زيارته لها فى سنة ١٩٣٤ والتصق به فترة غير قصيرة ." كتاب محمود البدوى والقصة القصيرة .. للكاتب على عبد اللطيف .. الناشر مكتبة مصر ٢٠٠١
• صور بعض قصصه خلال رحلاته إلى أوربا واليونان وتركيا ورومانيا والمجر والهند والصين وهونج كونج واليابان وبانكوك وروسيا والدنمرك وسوريا والجزائر ، وهى البلاد التى حركت مشاعره وأثر أهلها فى عقله ووجدانه .
• انعكس أثر هذه الأسفار عليه ككاتب يؤمن بالإنسان ويهتم به فى كل بقاع الأرض ، وصوره فى كتاباته .
• أطلق عليه بعض النقاد والأدباء لقب " تشيكوف القصة المصرية " ولقب " تشيكوف العرب " ولقب " راهب القصة القصيرة وفارسها ".
• منح جوائز الدولة المصرية " الجدارة فى الفنون سنة ١٩٧٨ " و " التقديرية فى الآداب 1986 " ومنح اسمه بعد وفاته " وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى "