الجمعة ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٥
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

القص التاريخي بين التاريخ والأسطورة

يوصي فونج نجوين بكتب نجيب محفوظ، و سي بام تشانج، وغيرهما

بقلم: فونج نجوين

اسمحوا لي أن أبدأ بهذا الاعتراف: كل عمل أدبي تاريخي يعيش في مكان ما بين التاريخ والأسطورة. قبل أن يتعامل المرء مع واقع ما تكشفه الأبحاث، يجب عليه أن يواجه جميع طبقات التمثيل اللاحقة لأي لحظة تاريخية يقترب منها. حتى أكثر الأحداث التاريخية حداثة تتأثر بالأسطورة. حتى عندما تزيل طبقات الدعاية والتحريف المتعمد، توجد روايات مقنعة تحتها تُلون تجربتنا لكل لحظة رئيسية في التاريخ.

ولكن هناك بعض الكتب التي تكرم البعد الأسطوري للتاريخ على مستوى مختلف. تستحضر هذه الكتب الأسطورة، وأحياناً بقصد طردها؛ والنتيجة غالباً ما تكون توليفة: علاقة جديدة بالتاريخ المكتوب لا تعني قبولاً غير مشروط للأسطورة ولكنها لا تحل محلها بالكامل. وعلى حد تعبير ثوي دينه في مراجعة حديثة لكتاب "الطبلة البرونزية"، فإن مثل هذه الكتب "تستحضر وتقوض" السرديات السائدة من خلال التعامل معها.

لأن الأسطورة مفيدة، ليس فقط للأمم والأقوياء الذين يحكمون تلك الأمم، بل وأيضاً لنفسياتنا على المستوى الفردي والعالمي. والسبب وراء دمج التاريخ والأسطورة هو تقريب الحقيقة التي ليست "شخصية" أو "عالمية" فحسب، بل لسرد قصة تشترك في كليهما.

إليك سبعة عناوين تقع في منتصف الطريق بين التاريخ والأسطورة.

1- كولسون وايتهايد، السكك الحديدية تحت الأرض

إن رواية "السكك الحديدية تحت الأرض" تجسّد حرفيًا استعارة السكة الحديدية تحت الأرض التي تنقل العبيد في الجنوب قبل الحرب الأهلية إلى الولايات الحرة. إنها رواية ملتوية تكشف عن التاريخ المأساوي القذر لمعاملة أميركا للعبيد، وتروي المزيد من الحقيقة بوصفها عملا أدبيا مقارنة برفوف كاملة من الروايات التاريخية التي تتناول نفس الموضوع بطريقة أكثر حرفية. وباستخدام الأسطورة للكشف عن التاريخ، واستخدام التاريخ لصياغة أسطورة جديدة، يتعامل وايتهايد مع هذه القوى على قدم المساواة.

2- مايكل شابون، المغامرات المدهشة لكافاليير و كلاي

في إعادة تصور لأصول الأبطال الخارقين في القصص المصورة، تستعين مغامرات كافاليير وكلاي المذهلة بقصة الجوليم( الجوليم هو كائن أسطوري في التراث اليهودي، يتم صنعه عادة من الطين أو الطين المجفف ويمنحه صانعوه الحياة عبر طقوس سحرية أو استخدام كلمات سحرية.) لإظهار كيف أن الأساطير الأمريكية للأبطال الخارقين تستمد قوتها من التقاليد والثقافة اليهودية، حيث يتداخل سرد حياة مؤلفي القصص المصورة مع سرد الأساطير نفسها. بين الواقع المفرط والخيال الغريب وغير الواقعي، تتجاوز هذه الرواية المعاصرة الكلاسيكية حدود الأنواع الأدبية.

3- مادلين ميلر، أغنية أخيل

بمزجها بين المعرفة العميقة للمؤلفة بتاريخ اليونان القديمة وملحمة هوميروس الإلياذة، تضفي رواية أغنية أخيل أبعادًا جديدة على أسطورة كانت تبدو غامضة وعصية على الفهم. من خلال سرد قصة أخيل من منظور صديقه المقرب وعشيقه باتروكلس، تنجح ميلر في إضفاء طابع إنساني على شخصية نصف الإله، بينما ترفع بذكاء من قيمة البطل الهش والمجهول في الحكاية: باتروكلس نفسه. التعامل مع الأسطورة هنا يعني الكشف عن دور الراوي في تجسيد مجد البطل.

4- نجيب محفوظ، أخناتون: العائش في الحقيقة، ترجمة عايدة باهية

كونها موطنًا لإحدى أقدم الحضارات في تاريخ البشرية، فإن هواء مصر مشبع بالأسطورة، ويستفيد نجيب محفوظ من هذا الضباب الأسطوري لنسج قصة عن الفرعون أخناتون، المعروف أيضًا باسم أمنحتب الرابع، الذي يُعد أيضا أول حاكم يؤمن بالتوحيد في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. يدفع فضول الراوي به إلى التساؤل عما حدث في مدينة أخناتون المدمرة على ضفاف النيل، وفي هذا السعي يعكس محاولة القارئ لفك الأسطورة عن الحقيقة التاريخية لتلك الحقبة، وهي مهمة محكوم عليها بالفشل منذ البداية.

5- سي. بام تشانج، كم من هذه التلال ذهب

في كتاب كم من هذه التلال ذهب، يتساءل تشانج ويوسع نطاق أسطورة الغرب الأمريكي. من خلال التركيز على عائلة أمريكية صينية أثناء حمى الذهب، يقدم لنا نموذجًا مألوفًا وجديدًا تمامًا. مستنيرًا بتاريخ الهجرة الصينية ولكنه يعلق بقوة على الأسطورة السائدة في الغرب، يقف كتاب كم من هذه التلال ذهب عند مفترق طرق ينظر في جميع الاتجاهات الأربعة في وقت واحد: التاريخ نفسه، وكيف ننظر إليه، وكذلك الأسطورة كما كانت، والأسطورة كما يمكن أن تكون.

6- توني موريسون، محبوبة

تُعد رواية محبوبة لتوني موريسون واحدة من أعظم الروايات الأمريكية، وهي قصة أشباح تحيط بمكان وتستوطنه. هذا المكان يُعرف في آنٍ واحد باسم "124" وأمريكا ذاتها—المسكونة والمثقلة بالصدمات والمليئة بـ"الحقد". تتناول الرواية واحدة من أكثر الأساطير التأسيسية إلحاحًا في المجتمع الأمريكي—وهي أنه أمة تقوم على مبادئ الحرية والاستقلال التي تدعيها—لتُظهر الحقائق الصارخة ليس فقط عن أمريكا ما قبل الحرب الأهلية، بل عن أمريكا ما بعدها، وعن أمريكا الحالية، ككيان متضارب مترنح، مضلل بعمق ومنافق إلى حد بعيد.

7- سلمان رشدي، أطفال منتصف الليل

تكريماً لروائي القصص العظيم الذي نجا مؤخراً من محاولة مروعة لاغتياله، أختتم هذه القائمة بعمل سلمان رشدي. يتناول كتاب أطفال منتصف الليل لحظة استقلال الهند عن الحكم البريطاني ويحول هذه المادة التي تبدو غير ضارة إلى أسطورة عظيمة. "أطفال منتصف الليل" المقصودون هم أولئك الذين ولدوا في منتصف ليل الخامس عشر من أغسطس/آب 1947 أو بالقرب منه (قبل 75 عاماً اليوم، حتى كتابة هذه السطور) والذين يمتلكون قوى سحرية تسمح لهم ، بسماع أفكار بعضهم البعض. وحقيقة أن القصة تُروى من وجهة نظر أحد هؤلاء الأطفال تلقي بظلال من الشك على القصة بأكملها وتدفعنا إلى التقصي حول ما هو الحقيقة وما هو الأسطورة.

فونج نجوين/ Phong Nguyen : ناقد أدبي وأكاديمي وكاتب قصص وروايات له ثلاث روايات و مجموعتين قصصيتين ويشغل نجوين منصب كرسي ميلر المرموق في الأدب والكتابة بجامعة ميسوري، حيث يقوم بتدريس كتابة الرواية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى