السبت ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٥
بقلم مكرم رشيد الطالباني

القُبلة

سأل المذيع الشاعرة أسئلة كثيرة، كيف أصبحت شغوفة بالشعر ومتى بدأت بكتابة الشعر ونشره؟ متى نشرت قصیدتها الأولی؟ من شجعها، ومن ساندها من النقاد والكتاب والمثقفين، ومن قيّم قصائدها من النقاد، وهل كلّفت بنفسها أحد النقاد بتقييم أشعارها، أم كلّفت مترجماً بترجمة بعض قصائدها إلى اللغة الإنجليزية والألمانية والفرنسية وحتى الفارسية؟ كم هو عدد الدواوين التي كتبتها ونشرتها حتى الآن ومن ساعدها على نشرها أم إنها نشرتها بنفسها وعلى نفقتها الخاصة؟ وما عدد المهرجانات الشعرية المحلية والأجنبية والدولية التي شاركت فيها وما هي المؤسسات التي دعتها لعقد أمسيات شعرية وقراءة قصائدها للجمهور؟ وكم مرة تم تكريمها وما هي المهرجانات التي ألقت فيها قصائدها؟ وهل حازت على المرتبة الأولى؟ وما هو عدد الدول التي زارتها وما هي البلاد التي أعجبتها من تلك البلدان التي قامت بزيارتها؟ أو دعيت إلى المهرجانات لتلقي قصائدها فيها؟ وكم يعرف من الشعراء والكتاب المشهورين في العالم وهل تتبادل معهم الرسائل وتناقش معهم نظرية الشعر ونقد الشعر؟؟.

ولم يتوقف المذيع عند هذه الأسئلة العامة وألقى بنفسه في أتون حياة الشاعرة الخاصة طارحاً عليها عدة أسئلة عن حياتها اليومية والاجتماعية والعائلية قبل أن تجيب على تلك الأسئلة تارة بشيء من الخجل وأحياناً بشيء من الحذر وأحياناً بإبتسامة وتحريك الأيدي وإبعاد خصلات شعرها، وكانت تتوقف أحياناً أخرى قبل أن تجيب على أسئلته المثيرة والمحرجة.
وأراد المذيع أن یكشف النقاب عن العديد من أسرار حياة الشاعرة وإماطة اللثام عنها وتوضیحها لجمهور المشاهدين، ليبدأ بطرح أسئلة عن الحب والرومانسية على طريقة الشاعرة التي دونتها في قصائدها وأشارت إلى أنها تقضي لحظات العمر من أجل الحب والعشق، فالحب لديها هو النبع العذب للحياة، والحياة من دون حب ليست لها أي معنى أو عذوبة، فالحب لوحده هو محرّك حياة ملأى بالسعادة والراحة والسؤدد. فبدون الحب لا تساوي الحياة فلساً مزوراً. فالحب هو مصدر الإبداع وتسهيل الحياة والتقدم الحضاري، ولولا الحب فإن لحظات الحياة لا فائدة ولا معنى لها، حيث تتوقف الحياة وتهجرها اللذة والسعادة!!
أراد المذيع أن يقدم نفسه لجمهور المشاهدين كرجل عصري وعارفُ كلّ شيء، فبدأ هذه المرة بطرح الأسئلة عن أزياء الشاعرة، ولون عينيها، ومكياجها، وأحمر شفاهها وخدودها، وأحذيتها ذات الكعب العالي، وكيف تختار أزياءها، وما هي الألوان ونوع الماكياج، ونوع العطور والزهور المفضلة لديها؟ وما هي الأزياء التي ترتديها وكيف ترتدي أزياءها وكيف تتزين؟
ولم يقف المذيع عند هذا الحد، بل بدأ يتطرق إلى حياة الشاعرة مع الشاعرات والأديبات الأخرى ويطرح أسئلة شتى حول عدد صديقاتها وأصدقائها وداعميها وقراءها الذين تواصلوا معها وقرؤوا قصائدها وطلبوا دواوينها ومطبوعاتها.
وبعد أن كان المذيع العليم بكل شيء على وشك إنهاء المقابلة ويقوم بتحريك بركة حياة الشاعرة الخاصة، أراد أن ينهي المقابلة بسؤال مثير وغير متوقع من قبل الشاعرة، كان السؤال محرجاً ومقلقاً، سؤال لا يمكن طرحه مباشرة في مقابلة حية مع شاعرة جميلة شقراء بيضاء البَشرة، وزرقاء العينين.

أراد المذيع أن يسأل الشاعرة عن القُبلات، القُبلة عالم عميق غير مستكشف، وكان المذيع يريد تسليط الضوء على ذلك العمق في حياة الشاعرة، وتحويله إلى بصلة وتقشيرها وتقديمها لجمهور المشاهدين. تجاوز المذيع حدود الآداب والتقاليد الاجتماعية السائدة في بلادنا، طارحاً الخجلَ جانباً، ووجدت الشاعرة نفسها أمام سؤال غريب وغير تقليدي.
سألها المذيع: ما هي القُبلة التي أعجبتكِ في حياتكِ أكثر من غيرها؟

أحمرّت وأزرقّت سيماء الشاعرة، أرادت أن تجتاز شارع الخجل وإنقاذ نفسها من هذه المصيدة المفاجئة.
حين قالت: عندما كنت طفلة، كنتُ شقراء، ذات عيون زرقاء، وبشرة بيضاء، كان جميع أفراد العائلة والأقرباء والأصدقاء والجيران والضيوف الذين كانوا يزوروننا، يحتضونني ويقبلون خديّ ويفتدونني ألف مرة موجهين الأسئلة لي ويقدمون لي الحلويات والهدايا الجميلة دون أن أستمتع بها وأفهم معنى تلك القبلات، هل إنها قبلات الحب والعشق والقرابة، أم إنها رغبة عابرة للمرء تثير عند رؤية شيء جميل أو طفلٍ جميلٍ أو موقف جميلٍ أو مناسبة خاصة.
ومع تقدمي في العمر، لم أكن لأستمتع بالقبلات المتبادلة بين أخواتنا وأصدقائنا وأقاربنا في الأعياد والمناسبات الإجتماعية، بل كنت أعتبرها مجرد تقليد إجتماعي لا غير.

لكن القُبلة التي كانت أحلى من العسل بالنسبة لي، القُبلة التي غيرت حياتي، ومنحتها معنى آخر، وهزت دماء أعصاب جسدي، ودفعتني إلى التفرغ أكثر للشعر والحب، كانت قُبلة حبيبي حين نشرتُ أولّ قصيدة لي عن الحب، حيث كان قد قرأ القصيدة التي أثرتْ فيه، وقد قدِمَ كي يهنئني فقبّلني من شفتي قُبلة حارة لن أنساها أبداً.
ولم يبقَ أمام المذيع شيء آخر إلا أن يقدم خجلاً الشكر للشاعرة، وينهي المقابلة ويودع المشاهدين على أمل اللقاء بهم في حلقة أخرى.
28/11/2019


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى