السبت ٢٤ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

الوداع الأديبة سها جلال جودت

توفيت صباح يوم الجمعة 23 مايو 2025 الأديبة السورية سها جلال جودت بعد رحلة عطاء متميزة في الحياة الأدبية وقد عرفتها منذ عقود زمنية وكانت الأخت العزيزة ولايمكن نسيان ماكتبته في الكتاب الصادر عام 2008 بعنوان إبراهيم خليل إبراهيم الكاتب والإنسان حيث قالت:

عرفت الأديب والكاتب والباحث والمؤرخ الوطنى وقبل كل هذا الإنسان إبراهيم خليل إبراهيم عبر الشبكة العنكبوتية.. الانترنت .. من خلال كتاباته الجميلة وأعجبت بنشاطه وكتاباته وقد أجرى معى حوارا وعندما طالعته منشورا لمحت مواهبه المتعددة وإخلاصه ولذا فهو يعد الأخ الذى لم تلده أمى وعن القصة عند الأديب والكاتب والباحث إبراهيم خليل إبراهيم وتحديدا حول قصته التى بعنوان (حفيد الذكريات) والتى تقول:

في يوم كنت في رحلة إلى الغردقة

بعد المغرب كنت أجلس على شاطئ البحر أتابع لوحات أبدعها الخالق .... المياه والأمواج التي تتلاطم في تناغم بديع ..المراكب الشراعية المحملة بعشاق مصر .. والسماء المرصعة بالنجوم

جلس بجواري أحد السياح وبمرور الدقائق بدأ يتحدث معي بلغة عربية فصيحة .. استمعت لحديثه

فجأة بكى عندما بدأ في حديث الذكريات فقلت: لِمَ البكاء؟ قال: كان جدي مقاتلا بالحرب العالمية الثانية وقد لقي حتفه أثناء القتال وبعد سنوات من رحيله عثرت على - رسالة في أوراقه الخاصة يقول فيها : ربي وإلهي ... لقد قيل لي إنك غير موجود ... و أنا وقتئذ كأبله صدقت ذلك ... في الليلة الماضية داخل حفرة القنبلة التي رقدت فيها كنت أرى سماءك، لذلك تحققت أنهم كذبوا علي ... لو كنت كلفت نفسي أن أعرف و أتأمل كل ما صنعت لكنت فهمت !! إنه لايمكن أن يُنكر وجودك... و الآن هل تقبل أن تغفر لي و تصفح عني؟ أنا سعيد أنك قبلتني اليوم في دنيا الحياة .. أعتقد أن الساعة ستأتي قريبا ولكن لا أخشى الموت منذ شعرت أنك قريب بهذا المقدار ... ها هى الإشارة ... يجب أن أذهب ... يا إلهي أحبك كثيرا... ستحدث معركة هائلة ومن يدري؟ يمكن أن آتي إليك في هذه الليلة رغم أن علاقاتي السابقة معك لم تكن حسنة ... هل ستفتح لي بابك؟ إنني أبكي .... غريب أن أذرف دموعا بعد كل هذا الزمن من القسوة!! آه ... ليتني تعرفت إليك قبل الآن بكثير

جاء صوت المؤذن لصلاة العشاء فنهض مسرعا.. فقلت: إلى أين؟ قال : ...................

أقول إن المبدع إبراهيم خليل إبراهيم في هذه القصة يريد أن يشير إلى أن يوم الساعة قريب لا محالة لقد اتخذ من بطله نموذجاً خاصاً لطرح ما يؤرقه في صميم قلبه ودينه وعلاقته مع الخالق وهو بهذا قد يضع يده على موضع الألم الذي بدأ يتغلغل في نفوس الكثيرين ممن انصرفوا عن عبادة الخالق وراحو يمرحون في نوادي الملذات غير معترفين بلحظة الوقوف أمام العذاب وبلحظة الدفن وبلحظة الاعتراف بالأخطاء الكبيرة التي تضع الميزان كحد فاصل بين من أخطأ ومن أصاب

القصة بحد ذاتها واضحة المعالم والسارد ملامحه واضحة فهو كان جالساً على شاطئ البحر بعد أذان المغرب كدلالة لتوقيت جديد سيأتي لاحقاً ذكره وهو أي الراوي كان في حالة تأمل ووصفه للنجوم وحراك الأمواج دليل آخر على متعة السارد بقدرة الخالق لما ضمنه في طبيعة الخلق من الأشياء لكن الكاتب استطاع ومن خلال الرسالة أن ينقل لنا الفكرة التي هى أصل الحكاية .. حكاية عدم الإيمان والاعتراف لحظة الدفن والاستلقاء داخل الحفرة التى هى مصير كل إنسان أنه لامناص من هذه النهاية وكتحذير للتراجع وعدم الانصياع وراء من يرسمون دهاليز الشياطين على أنها قصور دائمة وحياة رغيدة مستقرة كتب إبراهيم خليل إبراهيم نصه بمخيلة دينية جميلة .. اعتمد على التكثيف وقلة الحكي الحكائي حتى أنها يمكن اعتبارها من قصص التوجيه الديني وتصلح أن تكون من أدب الكبار للصغار لما تحمله من فكر ديني توجيهي

أما القفلة فقد كانت مفتوحة ليتسنى للقارئ أن يربط فكرة النص بالهدف من الحكائية المختصرة لعنصر الإيمان كدليل على أن الكاتب له دراية بفن القص هذا الفن الذي يتسع لكل معطيات الحكي السردي سواء على مستوى التكثيف أو على مستوى الاطراد الواسع والبطل كان هنا الأذن الصاغية لِمَ حكاه الرجل الذي وصفه بالسائح وهو في حقيقة الأمر لم يكن كذلك بل كان واحداً ممن عادوا إلى رشدهم وصوابهم حين سمع صوت الأذان أسرع إلى حيث يجب أن يكون بمعنى / الصلاة على وقتها / حيث جاء التوقيت الذي اختاره الكاتب الراوي / أذان العشاء / وترك النهاية للقارئ: إلى أين؟ قال:

وإذا كان قد اختار تاريخ الحرب العالمية الثانية فإنما ليشير لنا أنه زمن انتشار الماركسية التي كانت ترفض فكرة الإيمان بالله وبأن هناك آخرة وعذاب قبر وبعودة البطل الآخر إلى رشده حين وجد نفسه في نفس الحفرة التي ألقيت بها القنبلة أدرك حقيقة الوجود المادي وحقيقة الإيمان فكانت توبته وكانت حواريته مع الخالق كاسترجاع لما فاته أن يفعله عندما كان على قيد الحياة

إبراهيم خليل إبراهيم له أكثر من عمل وأكثر من كتاب فهو متعدد الأصوات ومتعدد الجوانب الإبداعية وقد ترجم له المبدع المصرى حسن حجازي قصة قصيرة جدا إلى اللغة الإنجليزية التي أخذت عنوان ( دم الحبيب) كما ترجمها إلى اللغة الفرنسية المبدع التونسى إبراهيم درغوثى .. وجاء فى نصها باللغة العربية :

ألتقيا ..
تحابا ..
ذات يوم صدمتها سيارة مسرعة
نقلوها إلى المستشفى
طلبوا دما إليها
لم تتوافق فصيلة مع فصيلة دمها
فقط فصيلته هو التى تتوافق معها
أعطاها دمه .. ومات

وهذه القصة القصيرة جداً عالية التكثيف والتركيز والمبدع إبراهيم خليل إبراهيم استحضر هنا القصص الرومانسية في العصر الفكتوري .. قصة قصيرة جدا أو أقصوصة تحمل أوجها عدة وإسقاطات ممتدة وتؤكد قيم الحب والوفاء والتضحية

تحية لأخى العزيز المبدع إبراهيم خليل إبراهيم ودعواتى له بالتوفيق الدائم

يذكر أن الأديبة سها جلال جودت ممن مواليد محافظة حلب بالجمهورية العربية السورية وكتبت الرواية والقصة والخاطرة والمقال والشعر للاطفال بالاضافة الى الدراسات والأبحاث الأدبية ومن إصدارتها نذكر : رجلٌ في المزاد والسفر إلى حيث يبكي القمر وقطوف قلم جريء ودماء الفرس ومثلث الرافدين كما نشرت كتاباتها في دوريات عربية كثيرة وكانت رئيسة لجنة تحكيم المناظرات الثقافية لرواد فرع الطلائع بحلب ولجنة تحكيم القصة بالاضافة إلى عضويتها فى العديد من الاتحادات والجمعيات والأندية الأدبية والثقافية والفنية والنسائية ونذكر منها : اتحاد الكتاب العرب ونادي التمثيل العربي للآداب والفنون ونادي شباب العروبة للآداب والفنون ونادي شباب العروبة للفنون والآداب والمكتب الفرعي للثقافة فرع نقابة المعلمين والنادي الثقافي النسائي والاتحاد النسائي وضمها معجم أدباء حلب في القرن العشرين ومعجم الصوت النسائي في الأدب العربي الحديث وكتب عنها (ميشيل أديب) في الجزء الثالث من الدراسة التى بعنوان (أدباء في النصف الثاني من القرن العشرين وحصلت على العديد من الجوائز في القصة وأدب الأطفال والرواية.

رحمة الله على روح أختي الأديبة السورية سها جلال جودت وأسكنها الله فسيح جناته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى