الثلاثاء ٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨
بقلم جميل السلحوت

اليوم السابع تشارك في اطلاق روايتي «السّيق» و(ملك كاليورنيا)

مهرجان القدس في (يبوس) يستضيف ندوة اليوم السابع في مركز يبوس الثقافي

القدس:٣٠-٨-٢٠١٨-من ديمة جمعة السمان: ضمن فعاليات مهرجان القدس الثقافي الذي يقيمه مركز يبوس الثقافي في القدس، استضاف المركز ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعيّة الدّوريّة، حيث تمّ الاحتفال الاحتفال بإطلاق روايتي "السّيق" للكاتبة الناشئة ليندا صندوقة، ورواية "ملك كاليفورنيا-شام" للمقدسية الناشئة ميساء سميح ادريس.

افتتحت الأمسية الروائية ديمة جمعة السمان مديرة ندوة اليوم السابع، وأشادت بالروايتين شكلا ومضمونا، وأبدت اعجابها الكبير بثقافة الكاتبتين الناشئتين، وبأسلوبهما في إيصال رسالتيهما التي تضمن الحكمة والفلسفة البعيدة عن التنظير.

وقال إبراهيم جوهر:

تكتب الكاتبة "ليندا صندوقة" لمرحلة عمرية تمتاز بالحيرة والقلق والأسئلة والبحث عن الذات هي مرحلة الانتقال من الطفولة إلى النّضج بما يرافقها من حيرة واضطراب. وهي لم تكتف بهذا القلق بل حرّكت شخصياتها وأحداثها بخفّة وسرعة وقلق "كأن الرّيح تحتها" بحثا عن المدينة المغتربة التي تنهشها أنياب الخوف والظلم والضّياع. وبذا فإنّها تدمج خلاص الفرد بخلاص مدينته.

جاءت لغة الكاتبة سريعة الإيقاع متلاحقة الجمل والمشاعر مضطربتها تعبيرا عن ما يميّز المرحلة العمرية التي كتبت لها وعنها؛ لتصل في النّهاية إلى قرار غير مباشر يوحي بأهمية اتّخاذ موقف مما يحصل في الواقع وفي داخل النّفس المعذّبة بفعل اعتداءات خارجية وظلم جلب المشكلات والأمراض والحيرة.

جاءت بنية الرواية مغايرة للمألوف الكلاسيكي الذي يحكي حكايته وهو مرتاح لحدثه وشخصياته وحواره وكأنّ الكاتبة تحاول الاقتراب من عالم قرّائها ذي الأسئلة والقلق والكوابيس بحثا عن خلاص وانسجام وراحة وبناء شخصية تفكّر خارج الصندوق.

وقد اعتمدت الكاتبة على الرّمز في الحدث حينا وفي اللغة والشخصية، فقارئ روايتها لن يجد ضالّته في المتعة والفائدة إذا قرأها وهو مسترخ يتّكل على المباشرة، وكأنّي بالكاتبة تريد قارئا يقف على رموزها لتصل رسالتها إليه فيقف على ما في النّص من جمال هو سيراه بعينه الواعية.

كنت أتمنى لو اتّخذت عنوانا آخر غير "السّيق" الذي ارتضته لها عنوانا.

وكتب نمر القدومي:

صَرَخَتْ الكاتبة من خلف سطور روايتها "السِّيق" تمامًا كصراخِ (ثائر) وقد أفزعه ذلك الكابوس الذي يزوره كل ليلة، أو كصراخِ (أم نضال) الأم التي فقدت عقلها وباتت تؤرق منام أهل الحي كل عشيّة، أو (أبو منصور) وهو يتساءل عن ابنته (شمس) ومَنْ أوصلها إلى المدرسة.

(ليندا) تُنادي بأعلى صوتها عن حُبٍّ شديدٍ للماضي، أَم هو حنين، لعلّه تفكير ونضال وطني وإنساني. خَلَقَتْ من الشَّخصيّات ما يروق لها، وذلك حتى ينساب مِداد قلمها، فترسم أحداثًا وصورًا أليمة جَعَلَتْ من الحنين في جوف حنين أكبر، حنين للمكان في المكان ؟! دَخَلِتْ المدينة الظّلماء بمدخلٍ بلاغيٍّ مُشوِّق، وبأوصافٍ خِلتها جسد متحرِّك أمام ناظريّ. تصِفُ نفسها من خلال أشخاص روايتها، تجاه الذّكريات التي تعود إلى الأذهان كلّ مرَّة بكامل حزنها.

وتواصل الكاتبة رتقَ أنفاسها المُتعبة في الحديث عن الأطلال والزقاق والأماكن المنسيّة، وتتحدّث عن أناس ووجوه وعقول غابت في الضجيج.

إنَّ تأمّلات الكاتبة من خلال جُمَلِها، تُعَمِّق المعنى حركيًا، وهذا بالتالي يمنح الرواية حياة أخرى. استحدثتْ كذلك ألفاظا جَزلَة ظهرتْ لنا بجليّة، لغة فيها من البلاغة المجازية ما يفوق عقول اليافعين بل أعلى مستوى. وقد يكون هذا مَرَدَّه إلى المساعدة التي تلقتها الكاتبة من المشرفين عليها.

الرواية إجتماعية سياسية، وقد خرجت الكاتبة من الرتابة التي اعتدنا عليها في روايات أخرى، وتنقلت بين الفصول بطريقة سلسة ومريحة وترابط مميّز، واستخدمت لغة السّرد أكثر من لغة الحوار. أما عنصر التّشويق والحبكة ، فقد سارا معًا حتى وصلا وتيرة عالية، لكن (ليندا) فاجأتنا بنهاية غير متوقعة عندما عاد (ثائر) يبحث عن الكوابيس بعد أن تعافى منها، وعودة (نضال) الابن المُغترب منذ خمسة عشرة عامًا ليستشهد في وطنه، وكانت هي الحلقة الأضعف في الرواية.

وإذا تحدّثنا عن العنوان وصورة الغلاف، فنجد أن كلمة (السِّيق) لم تُذكر في الصفحات، إلاّ أننا نستطيع أن نستشف الرمز العميق لها؛ فبدل تلك الرياح العاتية التي تسوق الغيوم المُحَمّلة بالمطر، تستبدلها الكاتبة بطريقة ذكية إلى تلك القوى الغاشمة التي أزاحت شعبا كاملا متكامل بثقله، أزاحته عن أرضه ورمته بعيدا. وقد نجحت (ليندا) أيضًا في اختيار صورة الغلاف، والتي تتطابق جملةً وتفصيلًا مع بطلها (ثائر) الذي كان يكنس بيت جدته صباحًا ومساءً. أما قمة الجمال كانت في التعبير عن كنسه للهواء بطريقة جنونية، وذلك لكسر الحياة الروتينية المملّة ؟ ويمكن سماع أحداث الرواية وكلماتها بحضور السيمفونية التاسعة لبيتهوڤن، سيمفونية الحرب العالمية.

وأنا أقولها وبصراحة، حِكمة تراودني دائمًا، بأنَّ السَّراب لم يكذب يوما يا أيها الشعب المنسيّ، بل نحن مَن اعتقدناه ماء.

كما قال نمر القدومي عن رواية "ملك كاليفورنيا":

رَبَطَتْ الكاتبة تاريخ الماضي بالحاضر، وجعلتهما متماسكين، كحجرٍ صلبٍ يعتلي سورَ قُدسٍ، تفوح منه رائحة مِسكٍ، عِطْرَ ياسمينةٍ ودم شهيد. وتسمع من وراءِ السّورِ أنين جريحٍ، صوت تكبيرةٍ، أجراس كنيسةٍ وبائعة تين.

"ملك كاليفورنيا" عملٌ فنيٌّ مميّز، فيه من الانسجام والتماسك غاية في الروعة. قدمت لنا الكاتبة (ميساء إدريس) من خلال روايتها نقلة نوعيّة ومتطورة للفكر الفلسفيّ وذلك بإتقان ودراية. وقد لاحظنا أنَّ أديبتنا تتمتّع بغزارة عواطف لا مثيل لها، وفيض من الأحاسيس سبقت العواصف بقوتها، ولها أيضا رؤية ثاقبة وقوة خارقة، حاكت ما بين الخيال والحقيقة، بكلِّ خِفّة ونبضة ودمعة، حتى لامست غشاء قلوبنا.

رَسَمَتْ لنا بريشتها الذهبيّة، وصوّرت، وكذلك جَسَّدتْ أحداث الرواية بطريقة سردية وحوارية، جعلت القارئ يعيش في زِحام كلماتها وحرارة مواقفها وذلك بمتعةٍ ذاتيةٍ فالرواية عاينت وعاتبت ونقلت وساقت شخصياتها بشكلٍ سريعٍ وسهل. سمحت (ميساء) لقلمها أن يُذيب كل العوائق، ويخلق كل الصُدَف حتى تكتمل الصورة.

كذلك لم تخلُ الصفحات من الومضات الرومانسية الغاية في الجمال والأناقة، وفَنَّدَتْ الكاتبة من بين السطور ذلك التفكير الساذج والمُتَكبِّر أحيانا، الذي كان السبب في الهزائم النفسية والمادية. ولم تبخل أيضا عن طرح بعض الحِكم المستوحاة من مُعتركِ الحياة، وتُنعش قلب القارئ بطريقة شاعرية. أمّا المفاجآت فهي آخذة منذ البداية بالتدحرج نحو القمّة، مما زاد عنصر التشويق والبحث عن خاتمة تُرضي الفكر والقلب والمشاعر المُتأججة.

وقالت هدى خوجا:

تحتوي الرواية على إحدى وعشرون فصلا؛ لوحة الغلاف للفنانة لارا سلعوس، من خلال لوحة الغلاف عدّة رسائل ومعاني، هل رمز الكنس لرغبة داخلية في اللاشعورللتخفيف من الألم والقدرة على العيش بالمكان واللامكان، أم الرغبة بالشّعور بالسّكون والهدوء ونوعا من الأمان على أرض الواقع المرير الصّعب، أم هي رمز لطريقة تحويل الرّغبات غير المقبولة والكبت للوصول بها للتفريغ الانفعالي بطرق إبداعيّة؟

كلمات الرّواية بسيطة وسلسلة سهلة تناسب اليافعين بطريقة متناسبة من القلب إلى القلب، تعمّق صورة القدس بقلوبنا وأرواحنا.

كانت تتساءل الكاتبة بالرّواية أسئلة عميقة على لسان أبطال الرّواية تطاول الوجع والألم والذّكريات.

مثال : " لماذا هدموه؟ "بقيت اسأل أمّي،" لماذا؟"كأنني أسألها لماذا وقع الاختيار عليّ.ص60

تمّ اختيارالشّخوص و الأسماء ومعانيها ورمزيتها بعمق وتفكير متناسق منها: الجدّة العمّة شمس ثائر أم نضال أبو منصور أم منصورمنصور نجمة .

بيّنت الكاتبة ظلم وظلام المدينة، حتى في تمام الأحلام كوابيس وكفاح وليل فارغ وقلق متزامن.

رواية موفّقة تمثل واقع المدينة الأليم، مناسبة لفئة اليافعين.

وقالت رفيقة عثمان:

قراءة في رواية لليافعين، للكاتبة ليندا صندوقة، بعنوان "السّيق"، مؤسَّسة تامر للتعليم المجتمعي، رام الله - فلسطين

بقلم: رفيقة عثمان

كتبت الكاتبة الواعدة ليندا صندوقة رواية اليافعين "السّيق"، تُعبّر فيها عن أحاسيس جيَّاشة نحو حبّها وشغفها لمدينة السَّلام القدس.

استخدمت الكاتبة أسلوب السرد المتواصل برتابة، وأسلوب الرجوع الى الوراء، "النوستالجيا"، التعبير عن الحنين للمكان، الذي يولد ويترعرع فيه الإنسان، وخاصَّةً المواطن المقدسي. إلّا أنّ الأحداث كانت متسلسلة برتابة، دون ذكر الحبكة للرواية.

تناولت الكاتبة عددًا محدودا من الشخصيَّات؛ لتحريكها في السرد؛ واختارت البطل "ثائر" ؛ ليكون الراوي الأساسي في الرواية، غالبًا، او استخدام الأمّ "أمّ منصور" كراوية أخرى، وقسَّمت الرواية إلى واحد وعشرين فصلا؛ تتبادل فيها أدوار الرواة.

تمحورت الرواية، حول ذكريات ثائر عن هدم بيتهم عندما كان طفلا، حينها كان عمره أربعة عشر عامًا، وما أثَر هذا الهدم على حياتهم الشّخصيَة، وخاصّة في نفسيّة ثائر الذي عانى على مدى سنوات طويلة من ظهور الأحلام المزعجة والكوابيس خلال نومه، وتأثيره على حياته اليوميّة وعمله؛ شعور من الإحباطات واليأس، والصراعات النفسيّة اليوميّة؛ حتّى صار عمر ثائر بالعشرينات؛ إلى أن توقّفت الأحلام فجأة، واضطرب ثائر لذلك، وصار يتوق للأحلام المزعجة، وتمنّى أن تعود هذه الأحلام في منامه.

وصفت الكاتبة أيضا طريقة الاستيلاء على بيوت المقدسيين؛ بحجّة الوثائق المزيّفة، وتوطين الأغراب فيها.

اختارت الكاتبة العنوان " السّيق" ولم تذكر الكاتبة كلمة "السيق" في الرواية، معنى كلمة "السّيق" وفق تفسيرات لسان العرب: " هي السحاب الذي رمته الريح سواء فيه ماء أم لا".

كما ذكرت الكاتبة صفحة " إنّ الأعاصير لا تجتاح الجميع بذات القدر"، كأنّهم داخل زوبعة هواء تتحرّك ولا تتوقّف. تمضي بهم من مكان إلى آخر. يجدون أنفسهم على ارض جديدة، هكذا فجأة. الأعاصير تُدمّر البشر." على لسان العمّة. يبدو انّ الكاتبة قصدت بهذا العنوان؛ الرياح ساقت الأقدار الحزينة، لأهل المدينة، وظلَت تتحرّك دون توقُّف؛ كنايةً عن عدم وجود حلول لهذه المآسي التي تعيشها مدينة القدس.

أطلقت الكاتبة الأسماء على أبطال الرّواية بشكل اختياري، بما يتلاءم مع الشّخصيّات في الرّواية: اسم البطل ثائر، رمزا للصراعات التي واجهها في حياته، ورمزت الكاتبة بأنّه مشارك في النضال، ولم توضح ذلك النّضال؛ في نهاية الرّواية، ذكرت الكاتبة بأنَ نضال تمنّى ان تستمر الكوابيس؛ لأنه في نظره رمز لمواصلة الصراعات، ومقاومتها كل يوم من جديد. بينما اسم شمس، أطلق على أخت ثائر، وهي رمز للدفء، والحرية، والأمل؛ للعيش في حياةٍ أفضل. البطل نضال، ابن الجيران، استشهد من أجل الوطن، وهو مناضل. أخو البطل منصور، وهو انسان مسالم، غير مبالٍ بالأحداث الحزينة الماضية، وانتصر على الحزن وسار في دربه نحو المستقبل المُشرق. نجمة عاشت مع أمّها المختلّة عقليّا، فهي كناية عن الضوء الساطع الذي تنيره نجمة، كي ترعى أمّها المريضة، فهي صابرة تنتظر الأمل.

اختلقت الكاتبة الكوابيس والأحلام التي أنهكت ثائر، إثر هدم البيت؛ ملاذا للصراعات النفسيّة التي يعاني منها البطل ثائر. كانت الأحلام هي الخط القصصي للرواية، أثناء السّرد من بدايتها، حتّى النهاية؛ وجعلت من الكناسة طريقة للتنفيس عن الأحلام، والتعبير عنها، ممّا جعلت البطل ثائر أكثر راحة. نجحت الكاتبة في إيجاد طريقة للتنفيس عن الذات، لم يسبق أن سمعنا عنها في كتب علم النفس؛ كحيلة دفاعيّة؛ بدلا من الرسم، والتمارين الرياضيَة واليوغا وما إلى ذلك.

نجحت الكاتبة ليندا في تصوير الصراعات النفسيّة والذاتيّة، بصورة واضحة؛ بواسطة استخدام الحوار الذّاتي، "المونولوج"، والسرد بوصف دقيق للمشاعر الحزينة، والانكسار؛ كما ظهر صفحة ٩٩ ثائر يحاور نفسه:" ضعيف انت يا ثائر، ضعيف، أظلّ أقول لنفسي." "كف تفرغ ما في داخلك بمكنسة؟". ان استخدام الراوي عن طريق البطل ثائر، جعلت التعبير عن الصّراعات أكثر مصداقيّة.

استعملت الكاتبة ليندا صندوقة، بعض المفاهيم والمصطلحات، والأماكن، وهي خاصيّة ومتعلّقة بمدينة القدس مثل: حساء الدشيشة – القصر طنشق –التكيَّة – عامود يحمل تمثال الامبراطور الروماني هادريان .

صورة الغلاف عبارة عن رجل مركَّب على شكل مدينة، يحمل مكنسة بين يديه؛ كنايةً عن الحمل والعبء الذي موجود على كاهله؛ محاولًا التفريغ عنها بواسطة الكناسة.

كانت اللغة سهلة وسلسة، تغلّفها بعض المحسنّات البديعيّة، والتشبيهات الجميلة.

وقالت نزهة أبو غوش:

لم تذكر الكاتبة بأن النّص هو رواية، مع أن عناصر الرّواية اكتملت بها.

من النّاحية الفنيّة ابتعدت الكاتبة عن الاسلوب السّردي الكلاسيكي بصيغة ال هو؛ واستخدمت ضمير أنت المخاطب، والأنا. أمّا بالنسبة للحوار فغالبا كان حوارا مع الذّات، ممّا أضاف الكشف عن داخليّة ونفسيّة الشّخصيّات في الرّواية بالإضافة إِلى الصّفات الخارجيّة الّتي أضافها، أو أضافتها الرّاوي/ الرّاوية. عندما حاور ثائر نفسه في صفحة 70:" ألا توجد طريف تتسرّب عبره الآلام؟" كذلك صفحة 98 "غريب كيف نتشبّث بأقدارنا، حتّى لو كانت مؤلمة" كذلك ص 32" أكان النّاس يقفون وينظرون في عيون بعضهم ويتحدّثون؟"

استطاعت الكاتبة ليندا بهذا الأسلوب – الحوار الذّاتي- أن توصل للقارئ مدى تألّم البطل ثائر ومدى شعوره بالتّشتّت والضّياع في بلد محتلّ، فهو لم يهدأ أبدًا مع ذاته ومع غيره. كلّ ما حوله مشوّش بلا ألوان. تسكنه الكوابيس المؤلمة. لا يعرف طعما للرّاحة،. كلّ شيء في المدينة- القدس- مجهول بالنسبة له " النّظر إِلى المدينة من بعيد لا يشبه داخلها المكتظّ" . حتّى أنّه فضّل الموت على الحياة" كان العالم في عيني ضيّقا ويزداد ضيقا، والهواء فليلا شحيحا، والموت قريبا" ص 34.

حالة الضّياع في الرّواية تعكس حال ضياع معظم شباب المدينة التائهين. يمكن أن تنطبق المواقع، - التّكيّة، الحوش، الأزقّة، المساجد، الكنائس، الثّوب المطرّز، الفلّاحات البائعات،... - كذلك الأحداث؛ على كلّ مدينة فلسطينيّة، ولولا أنّ الكاتبة ذكرت بوّابة "باب العامود"، كذلك كثرة الجنود في المدينة؛ لما عرفنا بأنّها القدس.

في رواية الكاتبة العديد من التّلميحات والرّموز " كلّ شعوب الأرض تجمعهم سمة واحدة، إلا من يحاول أن ينشئ وطنا على أرض غيره" ص 41.

رافق الضّياع في الرّواية حالة القلق المستمرّ، قلق أُم عصام أو ثائر الواضح تماما على زوجها وأبنائها وخاصّة ثائر، كذلك قلق الجدة على حفيدها الّذي يبدي سلوكا غريبا، مثل كنسه اليومي المتواصل للّا شيء؛ كذلك الكوابيس الّتي تقلقه وتسيطر عليه.

أرادت الكاتبة أن توصل من خلال قلق شخصيّاتها المستمرّ بأنّ الحياة بلا قلق لا تسوى شيئا. لماذا لا نقلق والجنود يملأون حارات وأزقّة المدينة؟ لما ذا لا نقلق والمستوطنون يحتلّون بيوتنا بعد طردنا منها؟ لماذا ولماذا...

كرّر الرّاوي مرارا عمليّة الكنس، فهو يكنس الأرض في عمله وساحة جدّته، حتّى أنّه يكنس الهواء؛ بهذه الصّورة البلاغيّة استطاعت الكاتبة أن تقنعنا كقرّاء عن مدى رغبة ثائر في مسح الماضي المؤلم الّذي يلاحقه من رأسه. وعندما نجح في مسحها ندم؛ لأنّه عرف بأن الماضي مغروس في الذّاكر، ولن ينسى أبدا. أرادت الكاتبة أن تقول: يجب أن نقلق، يجب أن نبحث عن ذاتنا من خلال قلقنا، يجب أن ننبش في الماضي قبل الحاضر. كان ثائر متألما وحزينا؛ بسبب مرض والده نتيجة تلقّيه ضربات على رأسه من قبل الجنود، كذلك عندما هدم الجنود بيتهم الّذي ترعرع وتربّى فيه مدّة عشر سنوات. صمّم في داخله ألا ينسى أبدا؛ أرادت ليندا أن تقول لقارئها: من الخطر أن ننسى ماضينا. قال ثائر: " الكوابيس بوصلة تريحني" " القلق حياتي ودونه لا أكون " نهاية الرواية.

هناك بعض التّلميحات في رواية السّيق" قد أضافت عمقا في المعنى والفكرة. قالت الجدّة " الأحلام المزعجة تزور المناضلين" ص62 " ثائر يرى بقلبه وعقله، لا بعينيه فقط"

انتقدت الكاتبة صندوقة حالة اللامبالاة الّتي يعيشها النّاس؛ فهي عكس القلق الّذي يعيشه أبطال روايتها وخاصّة ثائر.

لغة الرّواية سلسة تشملها المحسّنات البلاغيّة والاستعارات، مستواها الفكري واللغوي أعلى من القارئين في سنّ اليافعين كما ذكرت على الغلاف.

الشخصيّات في الرّواية:

 شخصيّة ثائر: ترمز للقلق والضّياع، النّضال الفكري.

 شخصيّة الأم : رمز الأمل واليأس في آن واحد.

 شخصيّة الجدّة : رمز الصّبر والحكمة.

 شخصيّة الأبّ: الضّحيّة.

 شخصيّة عصام: رمز اللامبالاة.

 الطّفلان، شمس، والمولود الجديد: الأمل المشرق.

بالنسبة للعنوان: "السّيف" هل هو الشّعب المساق، كما تسوق الرّياح الغيمة المحمّلة بالأمطار؟

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

الرواية لليّافعين، وكأنّ بالكاتبة تحنّ إلى تلك الفئة العمريّة التّي خرجت منها قبل زمن ليس بكثير، وربما رأت مدى الحاجة الكبرى في ألاّ ننسى اليّافعين في كتاباتنا.

العنوان "السّيق" غير مناسب لليّافعين بسبب عدم وضوح المعنى، فهم يحتاجون للبحث في المعاجم عن معناه، بالإضافة إلى أنّه يبدو غريبا لهم. فالسَّيّق في معجم لسان العرب هو ما ساقته الرّيح وطردته، ومن هنا يمكن الإشارة بالمعنى إلى ما ساقته ريح الاحتلال فشرّدت وطردت الشعب. وأيضا فإنّني أتصور السّيق بأنّه الممر الضيّق، نسبة إلى السيّق وهو مدخل البتراء الضيّق، وربما أرادت الكاتبة هنا الإشارة إلى الممرات والأزقة الضيّقة في البلدة القديمة.

جاءت الرّوايّة بلسان الرّاوي، أُمّ منصور، وثائر.

اختارت الكاتبة طريقة السّرد بعيدا عن الحوار ، فصورت حزن المدينة والتكيّة من خلال الذكريّات، وأكثرت من التساؤلات والحيرة، كما صورت لنا معاناة عائلة واحدة لتكون رمزا لحياة وألم مدينة القدس عامة.

وقد استخدمت الكاتبة أُسلوب تكرار الأفعال والمصدر في الجملة الواحدة من أجل التأكيد، ولتجعل القارئ يتخيّل ويتصور المشهد..
تطرح الكاتبة في الرّوايّة عدة رموز سياسيّة كالحلم في تحقيق العودة " هل يتحقق الحلم ونعود" وتقول في سياق آخر "أنتظر أن أعود"."
وتؤكد الكاتبة على سلب المحتل للبيوت فتقول "لم يعد لنا بيت" من خلال هدم المحتّل لبيّت أبى منصور، وتطرح قضيّة الصراع مع المحتّل في إثبات ملكية البيّت المقدسي،ّ وتسلطه ومؤامراته وزيفه في السّيطرة على البيوت المقدسية.

وأيّضا فإنّها تؤكد على الحالة النفسيّة التّي تجتاح المواطن المقدسيّ في ظلّ سيّاسة هدم البيّوت، من خلال شخصيّة أُمّ منصور، فالقلق والكوابيس حالة يوميّة تراودها بسبب ما تراه من اعتداءات وحشيّة على المواطنين ، فقد تم ضرب زوجها أبى منصور على رأسه. ويكمن حجم القلق عندما يتحول إلى عادة يوميّة، فتقول أُم منصور "القلق مائي ودونه لا أكون". وأيّضا فإنّ القلق يتحوّل إلى صراع داخلي وصوت مخنوق، تقول أُمّ منصور" حياتي كطوفان كداخلي" فالأفكار غير مستقرّة، تتجادل مع نفسها والصوت الداخلي القلقّ يلح ويصر.

اختارت الكاتبة اسم "شمس" ابنة منصور للدلالة في البحث عن شمس الحريّة والخلاص وزوال الاحتلال، وكذلك اسم كلّ من ثائر ونضال للدلالة على مقاومة الفلسطيني للمحتّل.

استخدمت الأماكن مثل مدينة السلام للإشارة للقدس، عقبة التكيّة، طنشق أو سرايا السّت، وذكرت حساء "الدشيشة"."

أعجبني استخدام الكاتبة لجملة " التكنيس في الهواء" من أجل أن توضح حجم الحالة النفسيّة المتوترة عند المواطنين، وثقل الهموم السيّاسيّة والاجتماعيّة. فتفسر استخدامها كعلاج نفسيّ من أجل إبعاد الألم والكوابيس. "أُكنس لأفرغ هذا العقل من ذكريّاته."


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى