جملة واحدة
قال لها: ازرعيني
قالت: أزرعك وأنت كبير هكذا!
– كبير لم أورق بعد .. سأخضر .. وسأطرح وردا.
– يا دماغك!
– جربي.
– وكيف أضمن أن لك جذرا يمتد وينبت وأن أغصانك لن تحمل شوكا مع ما تزعم من ورد. وأكون أنا التي روت الورد والشوك معا!
– الشوك في الورد لا يجرح إلا المقتحمين، الذين لا يحسنون مد أيديهم إليه.
– وكيف يا "شجر الورد" إذا نمد أيدينا لئلا تجرحنا أغصانك!
– هكذا..
ومد إليها يده كمن يطلب يدها في رقصة، ولم تكن هناك موسيقى ولم يكن هناك حفل ولم تكن إلا شمس مسكوبة على أرض معشبة، وظل شجرة كبيرة، وألوان ورد منثورة ومقعدين وطاولة وكأسين انتصفا وقد أضاءت الشمس أنصافهما الفارغة.
– لكنك أخبرتني أنك لا تعرف الرقص.
– لم أجربه فقط قبل ذلك. الرقص ليس علما لأعرفه. حين يكون كلينا جملة من جمل لحن واحد، فلن نحتاج لمن يعلمنا كيف نرقص.
– مم
– والموسيقى!
– كثيرة هي الألحان التي ادخرتها لك.
– تشبهني؟
– بل تحتويك. أنت أولها وآخرها وميزانها.
– وأنت؟
– سطرها الذي ستكتب عليه.
جاء اللحن كأنما تفجر من نفسيهما لا من هاتفه، وهو يمد يده من جديد لتمسكها تاركين الطاولة ونفسيهما أمواجا تَحَرك بها الهواء حولهما فشاركتهما الشجرة الكبيرة والورد المنثور و الشمس المسكوبة كل حركة و سكنة. تقترب معهما وتبتعد وتدور وتنحني.
– أرأيتِ، حتى الأشياء حولنا مستها الحياة منا. ونحن نعيش ألحاننا يعيشها العالم كله معنا.
– لكن الناس لا يرقصون هكذا!
– الناس لا يرقصون على أحان هم أحرفها. إنهم فقط يكررون جملا ليست لهم.
– وأنت؟
– لم يبق للحني إلا جملة واحدة أعرفها بيقين وأنتظرها أن تستقر فيه..
– ما دمت تعرفها فلم تنتظر؟ ضعها أنت!
– إن أحدا لا يرغم الشجر على أن يثمر وحين نفعل لا يخرج إلا صور الثمار لا روحها. وحين أرغم الجملة على اللحن فلن يقبلها ولن تقبله. لكنها حين تهبط فيه محبة محبوبة يسعها وتسعه وتتم الدائرة ليطرحا الورد .. فازرعيني أطرح وردا.