الأربعاء ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

جمهورية الأهمية

استيقظ الدكتور "فهيم" المتفوق، كعادته، على صوته المُسجل وهو يقول:

"انهض أيها العبقري، فالعالم ينتظر بصيرتك!"

ابتسم بفخر. "حقا"، تمتم في نفسه، "إذا طال نومي، فقد تنهار الحضارة."

ارتدى رداءه الذهبي المطرز بعبارة "كنز وطني" وتوجه إلى النافذة، حيث كان الجيران يلوحون بالفعل.

"صباح الخير يا دكتور كل شيء!" صاحت الدكتورة "نبيهة"، الخبيرة في الأهمية النظرية.

"صباح الخير يا دكتورة نبيهة"، أجاب. "هل حللتِ لغز لماذا نحن استثنائيون إلى هذا الحد؟

"ليس بعد"، قالت بفخر، "لكن بحثي الجديد يُثبت أننا بالتأكيد أكثر استثنائية مما كنا نعتقد!"

أومأ كلاهما بجدية. فالعالم، في نهاية المطاف، يعتمد على مثل هذه الأبحاث.

في عصر ذلك اليوم، حضر الدكتور فهيم المؤتمر الأسمى للعقول العظيمة. تألقت القاعة بالميداليات والمرايا والميكروفونات. كان الجميع يُعرّفون بأنفسهم.

قال رجل ذو ربطة عنق عريضة: "أنا الدكتور "عارف"، متخصص في الغموض المتقدم".

قال الدكتور فهيم: " لطالما أعجبتُ بعملك المبهم".

رد الدكتور عارف: "وأنا أيضا، لطالما سررت بأعمالك الغامضة."

صفق الجمهور للحوار

ثم صعدت الدكتورة نبيهة إلى المنصة لتقديم بحثها "الثوري":

"بعد سنوات من البحث، اكتشفت أن الشخصيات المهمة تُشع بهالة فكرية نادرة تجعل الناس العاديين يشعرون بأنهم غير ضروريين".

انفجرت القاعة بالهتافات. صفق الجميع لأنفسهم.

عاد الدكتور فهيم بذاكرته إلى أيام دراسته الجامعية، حيث انطلقت شهرته الأسطورية.

كتب ذات مرة مقالا بعنوان "في وجود العبقرية: تأمل شخصي".

لأن أستاذه كان كسولا جدا عن قراءته، منحه العلامة الكاملة وقال: "متألق كالعادة يا فهيم!".

منذ تلك اللحظة، أدرك أنه مقدر له أن يكون ذا أهمية خالدة.

ابتسم لتلك الذكرى. "آه، ثمن العظمة!"، فكّر!!

فجأة، نهضت رئيسة المؤتمر، الدكتورة "لبيبة"، وأعلنت

"يجب أن ننتخب شخصية مهمة عليا لتمثيل جميع الشخصيات المهمة!".

اجتاحت موجة من الذعر القاعة. بدأ الجميع بترشيح أنفسهم في آن واحد.

"أنا الأكثر تأهيلاً!".

"لا، أنا مصدر العبقرية الجماعية!".

"بدوني، تنهار نظرية الأهمية!".

اندلعت الفوضى. صاح كبار الشخصيات، وتجادلوا، ورموا شهاداتهم الفخرية كالطائرات الورقية.

وسط كل هذا الصخب، وقف الدكتور فهيم، وأعلن:

"يا أصدقاء! لا يمكن أن يكون هناك شخص مهم واحد. جميعنا متساوون في التميز!"

اندهش الجميع. ساد الصمت. ثم أومأوا برؤوسهم واحدا تلو الآخر بوقار.

"معه حق"، قالت الدكتورة نبيهة: "لا أحد أهم منا."

دوى التصفيق مجددا. ابتسم الدكتور فهيم بتواضع.

"حسنا"، قال، "مشكلة أخرى حُلّت بحكمتي التي لا تُضاهى."

في تلك الليلة، نامت جمهورية الأهمية نوما عميقا، مطمئنة بفكرة أن عبقريتهم الجماعية أنقذت الموقف مرة أخرى. في هذه الأثناء، خارج حدودهم، واصل بقية العالم مسيرته. غافلا تماما عن أن مجموعة من كبار الشخصيات في مكان ما لم تحقق شيئا يُذكر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى