الأربعاء ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٩

حق العودة ما بين آمال اللاجئين والواقع المرير

بقلم: زينب خليل عودة

الملاحظ في الآونة الأخيرة أن مخططات مريبة تحيط بنا تدق ناقوس الخطر على مسألة حق العودة ومستقبل اللاجئين الذين يقدر عددهم مابين 5 إلى 7 ملايين نسمة، أهمها ماجاء في خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 14-6-2009 حيث أعلن رفضه وقف بناء المستوطنات وطالب بالاعتراف بيهودية إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، أكد نتانياهو في خطابه على ثابت من ثوابت الخطاب السياسي الإسرائيلي حيال إبقاء القدس بشقيها المحتلين الشرقي والغربي عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل، كما اشترط مبدأ التفاوض مع الفلسطينيين والوصول إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح باعتراف فلسطيني بفكرة يهودية الدولة، وبالتالي محاولة شطب القرار 194، كما أعلن رفضه وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما تجلي في إعلان إسرائيل تخصيص 250 مليون دولار للمستوطنات في ميزانيتها لعامي 2009 و2010.

نشير هنا إلى أن سبق خطابه نتياهو، زيارة أوباما الرئيس الأمريكي للمنطقة ومحاولته التقرب للمحيط العربي والإسلامي على وجه الخصوص وتبيض وجه أمريكيا الذي اسود نتيجة احتلال العراق من جهة وأفغانستان من جهة والانحياز الكامل لإسرائيل، وتعبيد الطريق نحو مسألة التطبيع مع الكيان الاسرائيلى، وتلي ذلك الانتخابات اللبنانية وما أفرزته من نتائج من جهة والمحالاوت الحثيثة للتفاوض بين إسرائيل وسوريا، والتقارب العربي السوري الملموس وأخيرا وليس بأخر التطور الخطير، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير يوم الثلاثاء 23/6 حيث جرى التخلي عن حق العودة واستبداله بـ "حل عادل لمشكلة اللاجئين متفق عليه" كل ذلك مؤشرات لها دلاله سياسية وأن خطط ما يتم تجهيزها، وأن ماترغب به إسرائيل من دولة نقية ستفرضه هي وأمريكيا على المنطقة بأكملها وبمساعدة محور الاعتدال من الدول العربية.

وفى هذا السياق أتذكر عندما انطلقت في دراستي الميدانية للتعرف على اتجاهات اللاجئين الفلسطينين فى مخيمات محافظات غزة نحو حق العودة كنت أتوقع أن أجد تجاوب ايجابى لهؤلاء اللاجئين بهذا الحق مسبقا، تجولت فى مخيمات محافظات غزة حيث تقطن بها مايزيد عن 480 الف لاجىء، تعرفت على هؤلاء القاطنين داخل المخيمات البائسة لاتتخيلوا كم لمست عن قرب مدى المعاناة التى يعيشونها من فقر وبطالة وازدحام وسوء شبكة الصرف الصحى وضيق مساحة البيوت بها وتفشى الأمراض، قد تمتد معاناتهم بعدد السنين الواحد والستين التى مرت على نكبتهم فى عام 1948.

ورحت أتنقل مابين المخيمات الثمانية من جنوبها حتى شمالها، مخيم رفح وخانيونس والنصيرات والبريج والمغازى ودير البلح والشاطىء وجباليا، طرقت أبوابا عدة وقابلت مايزيد عن 600 لاجئ ولاجئة من مختلف المستويات والاعمار ومن كلا الجنسين، وجدت هؤلاء اللاجئين خاصة كبار السن تفيض مشاعرهم بالشوق والحب لبلداتهم والتمنى بالعودة حتى لو طال الزمن أو قصر، أحسست كم تتجلى فى مخيلتهم وذاكرتهم صور بيوتهم وذكريات كل شى البيت الشارع الكروم المواسم العادات التقاليد أجواء العائلة المرتبطة، شعرت وأنا معهم وكأنهم هنا في المخيمات فقط بأجسادهم ولكنهم في قراهم وبلداتهم في فلسطين التاريخية، كان جميع من تقابلت معهم متفقين على أن حق العودة لايكون إلا بالمقاومة وفرض الحق بالقوة هذه اللغة التي تفهمها إسرائيل وما عدا ذلك كله عبث وإضاعة للوقت ليس إلا.

نوضح هنا أن كل العالم يدرك تماما أن قضية اللاجئين الفلسطينيين تراوح مكانها، فالموقف الإسرائيلي رافض البتة لكل القرارات الدولية والمبادرات السياسية التي تتحدث عن حق العودة، منذ نشؤء دولة اسرائيل فى 1948 ويعتبر عودة اللاجئين إلى ديارهم وبيوتهم، بمثابة تدمير للمشروع الصهيوني، وأن حل قضية اللاجئين يكون في خارج إسرائيل (أى التوطين والتعويض )، وبالتالي إعفاء إسرائيل من أية مسؤولية سياسية أو قانونية أو أخلاقية عن تلك القضية وتداعياتها،، والناظر يري على الجانب الآخر العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية، وحالة الضعف والترهل العربي، والتشرذم الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو، والانقسام الحالي على الساحة الفلسطينية، دعوات تنادى بالواقعية وبالتنازل عن حق العودة، وأخرى تنادى بالتعويض، وبحلم أن تكون العودة إلى الضفة الغربية والقطاع بعد إقامة الدولة الفلسطينية فيهما، وغيرها.

ومهما تحدثنا أن كفل القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان حق أي إنسان في العودة في أي وقت يشاء، إلا أن بات كل ذلك حبرا على ورق نشير هنا فقط إلى تعريف لمصطلح حق العودة " إنه الحق الذي يطالب به شخص واحد أو عدة أشخاص أو فروعهم بالعودة إلى الأماكن التي كانوا يقطنونها، تلك التي أرغموا على مغادرتها، وحق استعادتهم هناك للأملاك التي انتزعت منهم أو تركوها" والمتأمل للمقترحات ومشاريع التسوية التى تم طرحها وتطرح حتى الان منذ محادثات لوزان ركزت جميعها على التوطين ومسائل التعويض وهذا يطابق النظرة الإسرائيلية تماما.

اعود مرة أخرى الى دراستي ومقابلاتي لللاجئين وجدتهم يدركون تماما الواقع المرير الذى يحيط بهم وبكل المنطقة العربية بل والعالم اجمع من التعامل بإزدواجية مع قضية اللاجئين خاصة، وأنها فقط قضية إنسانية ومسألة مأكل ومشرب ومأوى وكوبونات ومساعدات، كما أن اللاجئين يشعرون أنهم واقفين ضد التيار الجارف لوحدهم، متسلحين بأحلامهم وآمالهم التي لايسأل عنها أحدااااا كما أنهم مقتنعين أن حلم العودة لن يحققها قانون أو دولة عربية أو أجنبية أو مفاوضات ولا أوسلو، ولامشاريع تسوية ولاحلول عادلة كما يقال، وان إسرائيل مستغلة موازين القوة التي تصب لصالحها، وتفرض كل ماينسجم مع مصالحها وأمنها وفى الاستيلاء على كل ماتبقى من أرض فلسطين بتسريع وتيرة بناء المستوطنات.

أذكر هنا أن مايزيد عن 95% من اللاجئين الذين قابلتهم في المخيمات الثمانية متمسكين بشدة بحقهم بالعودة وعلى ثقة ويقين تام أن حلمهم وآمالهم ستتحقق في يوم ما، وانه مهما أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وغيرها صعبة وسيئة في مخيماتهم لن تجعلهم يقبلون بالتعويض المادي والتوطين، وفى ذات الوقت يراهن اللاجئين على صمودهم وعلى ثقتهم وروح التحدي والثبات فهم بأن رياح التغيير قد تحدث فى أى لحظة وتنقلب الأمور كلها وأن زوال اسرائيل ليس أمرا مستحيلا.. وتبقى أجيال اللاجئين جيلاً بعد جيل قادرة على التصدي لكل المخططات الهادفة لشطب حق العودة وتصفية القضية.

بقلم: زينب خليل عودة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى