الثلاثاء ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

الدُّكتور عادل سمارة في حوار مع ديوان العرب

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف:

عادل سمارة، مواليد 1944، مقيم في رام الله، في الضفة الغربية المحتلة.

أنهى رسالة الماجستير بجامعة لندن، ورسالة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي والتنمية في إكستر في بريطانيا
من مؤلفاته بالعربية:

الاقتصاد السياسي لصعود وتهالك النيولبرالية: الولايات المتحدة مثالا 2025

 غزة...لا معتصماه، هكذا وصلنا للمساكنة 2024

 العروبة في مواجهة الإمبريالية، الأنظمة، والاستشراق الإرهابي 2024

هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة 2019 –

التعاونيات/الحماية الشعبية إصلاح أم تقويض للرأسمالية 2018

المثقف المشتبك والعمليات الفردية 2017 –

ظلال يهو-صهيو تروتسكية في المحافظية الجديدة 2015

- تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء 2011.

- التطبيع يسري في دمك 2011.

 - الاقتصاد السياسي للصهيونية 2008.

- دفاعاً عن دولة الوحدة: إفلاس الدولة القطرية. رد على محمد جابر الانصاري. منشوات دار الكنوز الادبية، بيروت 2003. ومركز المشرق/العامل 2004. –

- ماذا تحدّثنا عن بداية تغرّبك، وكيف استطعت التّأقلم مع مجتمع لا يشبه البيئة الّتي نشأتَ
فيها؟

- كم دام بقاؤك في لندن، وما هي الصّعوبات الّتي واجهتَها في فترة التّحضير للماجستير والدّكتوراه؟

قصتي مع التعليم ربما غريبة، فمنذ المرحلة الإعدادية كنت أشعر أنني حالة سياسية لا طلابية، وفي المرحلة الثانوية إنتسبت لحركة القوميين العرب وعام 1963 أصبت برصاصة خلال مظاهرات قمنا بها لضم الأردن للوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق وبعد إسعافي في المشفى هربت من الباب الخلفي، ولكن اضطررت للعودة للمستشفى لأن ساقي أصيبت بالتهاب خطير ولذا سُجنت وحوكمت.

ولكن بعد فشل الوحدة تم تخفيف الأحكام. وفي نفس السنة انتميت لحركة القوميين العرب ودخلت الجامعة اللبنانية نهاية 1963 وعام 11964 تحولت إلى منظمة ابطال العودة الفدائية. باختصار كنت أشعر أنني لست طالباً لكنني حققت نتيجة مميزة في السنة الأولى وأكملت الثانية ولكن لم أتقدم للامتحانات لأن مسؤول أبطال العودة د. وديع حداد أوعزَ لنا بالعودة قبل أن تشتعل الحرب على أن يأتينا السلاح يوم 9 حزيران 1967 فقطعت الدراسة وعدت يوم 3 حزيران قبل الحرب بيومين.

وبعدها سجنت مرتين ولم أكمل المرحلة الأولى الجامعية. وتحولنا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إثر إحتلال الضفة والقطاع عام 1967، واعتقلت وسجنت، كما سُجنت مجددا عام 1979.

فيما يخص إكمال الدراسة لم يكن الهدف الاغتراب، بل كان لي كثيرا من النقد على منظمة التحرير يسارا ويمينا، وهذا دفعني لمغادرة الأطر التنظيمية وليس الموقف الوطني العروبي والماركسي خاصة، ولكن لم أكن ضمن الخط السوفييتي بل كنت أقرب للماوية ولكن بمضمون عروبي أولاً وأخيراً.

وهذا الموقف النقدي عرضني بالطبع لنقد بل هجومات عديدة.

حاولت خلال فترة السجن الأولى لدى العدو الدراسة بالإنتساب في لندن من خلال المجلس الثقافي البريطاني عبر الصليب الأحمر، لكن قيادة السجون الصهيونية رفضت ذلك. وحيث كنت خارج الأطر قررت إكمال الدراسة.

كنت ممنوعاً من السفر ولذا تقدم المحامي المرحوم محمد نعامنه بقضية في محكمة العدو وحصل لي على قرار بالخروج على أن لا أعود قبل ثلاث سنوات وإن عدت قبل نهاية الفترة بيوم أقضيه في المعتقل ولذا خرجت 4 أكتوبر 1984 وعدت 4 أكتوبر 1987.

ولكن بعدها تمكنت من السفر عدة مرات لإكمال الأطروحة ومن ثم الدفاع.

بالعوْد لسؤالكم، كان لا بد أن أتكيف مع الغربة ولكن ليس بأبعد من يوم العودة، لكن ما سهَّل الأمر علي أنني وجدت فرصة أوسع لتطوير نفسي كماأنني اقمت علاقات مع كثير من القوى السياسية من عديد الدول سواء كلاجئين سياسيين أو مفكرين أو طلبة...إلخ. في الحقيقة كان وقتى مليئاً ومما سهَّل الحياة في الغربة:

أولاً:أن عناية زوجتي قد اعتمدت على نفسها لنفسها والصغيرين (سمر ويزن)

وثانياً: أنني بدأت العمل في اليوم الثاني لوصولي لندن كمحرر اقتصادي لجريدة العرب ولكن بنصف راتب لأنني لم أحُز على إذن عمل، كما عملت في أعمال كثيرة كي أغطي الرسوم وتكاليف المعيشة لأنني كنت أدرس على حسابي الشخصي. ومع ذلك تمكنت من الإنفاق على الأسرة لسنة ونصف في لندن وهذا أكسب سمر ويزن اللغة الإنجليزية.

وثالثاً: لأن وقتي كان مليئاً سواء بالتحضير الأكاديمي أو الكتابة في الصحف أو النشاط السياسي.

في الحقيقة لم أجد صعوبات في التحضير سواء للماجستير ولا الدكتوراه، رغم مشاغلي الأخرى. كان لا بد من المرور بسنة تحضيرية كتكملة للمرحلة الجامعية الأولى وهي سنة تتكون من ثلاث مساقات، لكن في المقابلة الشفوية مع المشرفين بجامعة لندن قرروا أنني أحتاج لمساقين فقط، وبعد العام الأول انتقلت للماجستير.

ورغم أن تقديم رسالة الماجستير يجب أن لا تتم قبل عامين أو عام ونصف تمكنت من تقديمها في عام رغم اعتراض مديرة التسجيل حيث وافق لي على ذلك د. إيان نيتون رئيس الدائرة. وأكملت الدكتوراة مع تقدير خاص كأفضل طلبة الشرق الأوسط الذين تخرجوا من جامعة إكستر.
لاحقاً عام 2010 أرسلت لي جامعة القدس بأنها قامت بتوئمة دائرة الإقتصاد مع جامعة إكستر وأن إكستر نصحتهم بالتعاون معي، لكنني رفضت لأن هذه الجامعة كغيرها رفضتني لسنوات ثم تدعوني الآن بينما رئيسها د. سري نسيبه يُعلن أنه مع التطبيع. شهرت أن العرض هو لاحتوائي، ولذا رفضت مع أنني كنت في ضائقة معيشية.

لماذا لم يُسمح لك بالتّدريس في الجامعات الفلسطينيّة؟

يعود هذا إلى مواقفي النقدية المعلنة والمكتوبة، ذلك لأنني أعتبر النقد واجبًا وسلاحًا لا تستقيم الحياة بدونه، وهو حالة جدلية/ديالكتيكية في حراك دائم وتشتمل على الانتقال الأبدي من تناقض نقيضين إلى توليد وولادة نقيضين آخرين وهكذا. حافظت على هذا الموقع رغم التجويع الحقيقي، وكان بوسعي لو خففت قليلا لفُتحت لي مجالات واسعة ولكن حينها أفقد نفسي. مثلاً عملت مستشارا إقتصاديا ل UNDP لثلاث سنوات وكنت أكتب نقدا لما بها من فساد وعدم التوجه لمشاريع إنتاجية واستغلال الأرض، إلى أن قررتُ الاستقالة، كما عملت أحد عشر شهرا مستشارا إقتصادياً في UNRWA ، لكن وظيفتي تم تذويبها بدون قرار فصل، لأنني رفضت المشاركة في محادثات بروتوكول باريس 1995 المتعلقة بالحكم الذاتي.
بدأتُ الكتابة النقدية قبل سفري إلى لندن للدراسة، منذ عام 1973 إثر خروجي بعد فترة السجن الأولى لدى الإحتلال، وواصلت ذلك حتى اليوم، وهذا جنَّد ضدي قيادات من فصائل منظمة التحرير، والأكاديميين اللبراليين في جامعة بير زيت خاصة حيث كانوا يعقدون لقاءات علنية مع أكاديميين من الكيان الصهيوني وبالطبع كتبت ضدهم.

ويكفي أن تنتقد منظمة التحرير حتى تتعرض للهجوم من كثير من القوى السياسية بتهمة التطرُّف، والتروتسكية...الخ.لذا اسماني الأكاديميون اللبراليون "المثقف الانتحاري"، وأسماني التيار السوفييتي " Black left" ، وبالطبع هاجمتني البرجوازية التقليدية والتي معظم مجالس أمناء الجامعات هم منها وطالما تمسَّحت بعلاقة مع قيادة المنظمة وبهذا لم يكن لي "شفيعا".

ولعل المفارقة أن كثيرا من كتبي كانت تُطلب من الطلبة في الجامعات كمراجع بل قامت جامعة النجاح بطباعة كتابيا اقتصاديات الجوع في الضفة والقطاع، دون أن تطلب إذناً مني.

وقد عوضت المنع بإشراف مجاني على أطروحات طلبة، ولكن سراً.

وأذكر أن إحدى الطالبات وهي (أشجان عجور) من غزة، وقد أقنعتُها أن تركز في أطروحتها للماجستير على فرانز فانون، وليس على ميشيل فوكو الذي له حظوة هائلة عند الأكاديميين اللبرالييين، وقد لاحظتْ المشرفة عليها أنها تأخذ مقتطفات من كتبي ، فقرَّعتها ب:

"ما بدّي عادل سماره تاني في البلاد"!
طبعا أشجان أكملت للدكتوراه .
باختصار، ممنوع وجود شخص نقدي في البلد.
أما بالنسبة لردود الجامعات فكانت:
"شكرا تسلّمنا طلبكم، أو، للأسف ليس لدينا شاغر"، والبعض لم يردَّ حتى حينه.

ما سبب سَجْنكَ لدى النّظام الأردنيّ، والاحتلال الإسرائيليّ، والسّلطة الفلسطينيّة وكم امتدّت محاكمتكَ؟

كما أشرت سابقاً، اعتقلت في فترة الحكم الأردني عدة مرات ولعدة أسباب هي المشاركة في المظاهرات، كما اعتقلت عام 1965 على الحدود في محاولة دخول الأرض المحتلة 1948 في عمل لأبطال العودة، ولاحقاً ضمن هجمة قمع ضد كل من حركة القوميين العرب، وحزب البعث العربي الإشتراكي.
واعتقلت عام 1999 لفترة قصيرة من قبل السلطة الفلسطينية لأنني كنت من عشرين شخصاً رجالا ونساءً من الضفة والقطاع، كتبنا ووقّعنا ووزعنا بيانا ضد الفساد في فترة ياسر عرفات ووقعناه وأسميناه (بيان العشرين).
أما المحاكمة التي تقصدين فهي نظراً لموقفي ضد التطبيع ، وذلك أن تجمعاً أسمى نفسه "التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة" ولكنه أصدر ورقة من 30 صفحة ينادي فيها بدولة مع المستوطنين.
لقد وقَّعت على بيان ضد هذا التجمع وورقته فاشتكى أحدهم ضدي بأنني وقعت على بيان يشوه موقفه "الوطني"! دامت المحكمة من حزيران 2016 وحتى تموز 2022 ولإحدى وأربعين جلسة إلى أن رفضتها وأسقطتها محكمة النقض.
هناك تفاصيل لمسألة المحاكمة، لكن لأن الطرف الآخر كطرف انتهازي ومشبوه له علاقات ويتموَّل للأسف من طرف هو الآن في لحظة اشتباك.

- إذا كانت النّيوليبراليّة هي فِكر أيديولوجيّ مبنيّ على الليبراليّة الاقتصاديّة الّتي هي المكوّن الاقتصاديّ لليبراليّة الكلاسيكيّة، فماذا يُمثّل هذا المكوّن الاقتصاديّ؟

تسميات ومصطلحات متعددة ، ولذا تبدو كأنها منفصلة عن بعضها البعض في حين أنها جميعها تمفصلات للرأسمالية تحل الواحدة منها محل الأخرى محتفظة بالجوهر نفسه للنظام الرأسمالي الذي يهيمن عليه نمط الإنتاج الرأسمالي، والجوهر هو تقديس الملكية الخاصة، واعتماد إيديولوجيا السوق وهذا يعني انقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة متفارقة متصارعة في التحليل الأخير.

فالاقتصاد النيوليبرالي هو تطور حتمي للاقتصاد النيوكلاسيكي الموجود منذ فترة طويلة. الاقتصاد النيوكلاسيكي، تطور على يد شخص يُدعى (ألفريد مارشال)، وفي جميع النظريات التي تبعته خلال القرن العشرين، تطور نوع من الاقتصاد يفترض أن البشر يتصرفون بمنطقية شديدة، لا يخطؤون في خياراتهم!

وذلك بحجة أن الأسواق تساعدهم للوصول إلى تحقيق المنافسة الكاملة. والمقصود بأن هناك يداً خفية تنظم الأسواق وتوزع الحظوظ كما كتب سابقاً شيح الراسمالية آدم سميث، وتوفر الوصول إلى السلوك الأمثل من خلال تقديم خيارات مثالية، لأن هناك عددًا غير محدود من المنافسين في السوق يمكننا أن نختار بينهم. ولكن هل حقا توفر الأسواق المعلومات المثالية؟

طبعاً السوق عبارة عن إيديولوجيا، أما الحقيقي فهم الناس، هم الذين يجلسون خلف ما يسمى اليد الخفية وهم الذين يديرون العملية الاقتصادية.

لذا، مهم الإشارة هنا، إلى إن عزل النصوص النظرية في الأداء الاقتصادي في واقع الحياة اليومية للناس، أي عن البشر تجعل منها طلسماً لا يمكن حله أو فهمه، ولذا لا بد من قراءة ماذا، ومن الذي يقف أو يكمن وراء النظرية الإقتصادية من حيث تطبيقها في هذه التشكيلة الاجتماعية أو تلك؟

إنهم البشر والعلاقات الاجتماعية بين البشر، أي العلاقات الطبقية.

إذن بدون إرجاع النظرية الاقتصادية إلى دور الناس، يبقى المرء في حلقة مفرغة.

نوع من الهراء القول بأن السوق يشرح مواقف جميع الباعة للمشتري، أي جميع التفاصيل التي قد تؤثر على قرار المشتري؟

بالطبع لا. هذه هي الفرضيات التي يقوم عليها الاقتصاد النيوكلاسيكي،

للتوضيح، ارجع معي قليلا إلى الوراء:

تتشارك اللبرالية الجديدة مع اللبرالية الكلاسيكية أي الأم في تقديس الملكية الخاصة، واعتماد السوق، وتختلف معها في دور الدولة في الاقتصاد، بمعنى اضطرار النظام السياسي الحاكم، وهو طبقي بالضرورة، إلى إعطاء الدولة دورا كبيرا في الإقتصاد، وعليه، فهي العلاج للأزمة الاقتصادية الكبرى التي حدثت عام 1929 في الغرب خاصة بتدخل الدولة في الاقتصاد، وتبنّي القطاع العام والإنفاق الاستثماري التشغيلي من قبل الدولة، دون المساس بمصالح الرأسماليين، وبكلام أقل:

أخذت الدولة في إدارة المشاريع العامة التي يصعب على رأس المال الخاص إدارتها.

تقوم فلسفة/فكرة اللِّيبرالية على أن للفرد حقًّا طبيعيًّا في الحياة، الحرية، والملكية الخاصة، وأنه وفقاً لنظرية العقد الاجتماعي فإن على السلطة أن لا تصادر الحقوق الفردية للمواطنين.

(جون لوك( هو أول فيلسوف برجوازي ركَّز على الملكية الخاصة والتي هي حجر الأساس في مختلف التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، وأنماط الإنتاج أي العبودية والإقطاعية والخراجية، والآسيوية وبشكل أكثر تحصيصاً الرأسمالية.

تقترن اللبرالية بالديمقراطية بل إن اللبرالية أو التحررية تمثل الحرية بل الحريات بمستوياتها وهذا يعني أنها الأم للديمقراطية ولأن الليبراليين معارضين للفلسفة المحافظة التقليدية فقد نظَّروا لاستبدال النظام الملكي المطلق بالنظام الجمهوري، وتبنوا حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية، والعلمانية.

عن فلسفة اللبرالية الأم ظهرت الليبرالية الجديدة، وهي غير وسابقة على اللبرالية الحديثة Neo-Libaerlism حيث بدأت الجديدة في بريطانيا

ونادت بتوافق بين حقوق الفرد والجماعة، والأهم من ذلك دعوتها لتدخل الدولة في الاقتصاد . ولم يكن لهذا أن يحصل لولا الأزمات الإقتصادية التي حلت بالبلدان التي دخلت الحقبة الراسمالية وهيمنة نمط الإنتاج الراسمالي في تلكم التشكيلات الاجتماعية مما أدى الى دولة التدخل، وهو ما ساد في أوروبا الغربية ما بين أربعينات وسبعينات القرن العشرين حيث أُسميت ب (دولة الرّفاه( إلى أن استنفذت نفسها.

وبدوره يأخذ الاقتصاد النيوليبرالي كل تلك الافتراضات السخيفة كأساس ثم يبني عليها نظامًا سياسيًا واقتصاديًا:
الدولة يجب أن تنسحب، الأسواق يجب أن تتولى القيادة، الناس عقلانيون، الشركات دائمًا تتصرف بمنطقية، إذا فشل أحد، فهو خطؤه الشخصي، لأن الجميع حصل على نفس الفرص. الضرائب شريرة، الضمان الاجتماعي يشجع الكسل، القطاع العام غير فعال، والمنافسة دائمًا تؤدي إلى الأفضل.

هراء نظري لا يختلف جوهريا عن اللربالية الكلاسيكية أو الجديدة، هراء قائم على فرضيات لا تتفق مع الواقع الإنساني أو الاقتصادي لأن أساساتهما نفسها غير منطقية.

لا يمكن بناء علم حقيقي يقوم على المنافسة المثالية،ولا المعلومات اللازمة لاتخاذ الخيارات المثالية.باختصار النيولبرالية أخذت الاقتصاد النيوكلاسيكي، وحولته إلى أيديولوجيا سياسية أيضًا. قالوا أولاً إن الأسواق الحرة فعّالة، وذلك بسبب وجود منافسة مثالية، ولأن الجميع لديهم وصول متساوٍ إلى المال، وكل تلك الافتراضات الأخرى موجودة ضمناً في الاقتصاد النيوكلاسيكي، وتضيف عليها النيولبرالية يجب أن تكون الحكومة صغيرة قدر الإمكان، ولذا لا داع لتضبيط الإقتصاد فنادت ب عدم التضبيطDe-Regulation ، ويجب خصخصة كل ما يمكن، وتحرير كل ما تبقى، حتى تصبح الأسواق هي العليا،(هي أم الناس)؟ ويؤمنون أيضًا بأن كل شيء مسؤوليتنا الفردية:

علينا توفير الرعاية الصحية بأنفسنا، والتأمين عليها، يجب ألا نعتمد على الدولة. علينا توفير تعليم أطفالنا، ويجب ألا نعتمد على الدولة. علينا الادخار من أجل معاشاتنا علينا تأمين مساكننا، الدولة ليست ملزمة بشيء تجاهنا. علينا الادخار لتوفير شبكة أمان اجتماعية في حال حدوث أي طارئ أو مرض طويل الأمد. يجب ألا نعتمد على الدولة. هذه مسؤوليتنا، السوق هو من يجب أن يوفر كل شيىء، ونحن كذلك.

من ناحية إعلانية يقولون :

الحل في تحرير التجارة الدولية، ولكن عملياً يمارسون الحمائية! لكن ماذا يفعل ترامب اليوم؟

باختصار، هذا ما يسمى إلى حد كبير انتصار رأس المال على العمل، أي الانتصار الطبقي للرأسماليين.

وهكذا نصل إلى أن المكون الإقتصادي لمختلف المدارس الثلاثة أي اللبرالية الكلاسيكية واللبرالية الجديدة والنيولبرالية وهو تبنيهن جميعاً لإيديولوجيا السوق والملكية الخاصة أي أن ثلاثتهن من تمفصلات الرأسمالية/سلطة الطبقة الرأسمالية من حيث مكونهن الإقتصادي، كما أن مكونهن الإجتماعي هو مكون طبقي وخاصة الطبقتين الرأسمالية والعاملة/الطبقات الشعبية.

كما أن تبني الملكية الخاصة والسوق هي تطبيقات لهذه الفلسفة بمعنى استغلال طبقة لطبقة أخرى واعتبار ذلك أمرا طبيعيا في العلاقات الإجتماعية.

أما الاختلاف فيما بينها، فهو درجة الاستغلال من الرأسمالية للطبقات الشعبية وهو استغلال أساسه تقديس الملكية الخاصة. أما درجة الاستغلال، ولنقل فرصة الإستغلال، فتعتمد على درجة التفارق، فالتناقض فالصراع الطبقي بين الطبقتين الكبريين في النظام الرأسمالي فيشتد الاستغلال كلما كان نضال الطبقات الشعبية ضعيفا وبنيتها النقابية محدودة، ويخف كلما اشتد نضال الطبقات الشعبية، ولكن يبقى كل هذا التجاذب ما بين الطبقتين حتى تتمكن الطبقات الشعبية من الانتصار الثوري واستلام السلطة.

س- ما هي فكرة كتاب (الاقتصاد السّياسيّ لصعود وتهالُك النّيولبراليّة)؟

نعم، هي بحث اقتصاد سياسي، أي ليس اقتصاداً نظرياً بحتاً أو اقتصادا رياضياُ بل هو بحث في فلسفة الاقتصاد السياسي حيث يُذيب النظرية الجافة في تحليل سهل للمعطيات الرقمية ويركز على العلاقات الاجتماعية الطبقية في المجتمع ودور السلطة الطبقية في تكريس الإستغلال مغلفاً بعبارات الحرية والديمقراطية وحقوق الفرد والجماعة...الخ.
ومن جانب ثانٍ هو تحليل طبقي يبين احتكار السلطة والثروة بيد طبقة قليلة العدد بل عددها يتناقص بينما ثروتها تتضاعف على حساب 99% من الشعب. كما يبين الكتاب جوانب الخلل في الإقتصاد الأمريكي تحديداً رغم هالة القوة الحربية العدوانية لديها، والخلل في تدني الأجور، تأبيد التضخم والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة مقترنة مع ضعف النضال الطبقي لدى الطبقات الشعبية وضعف النقابات.
وبكلام مختصر، يهدف الكتاب أن يقر في وعي القراء ، وخاصة العرب، بأن أمريكا ضعيفة اقتصاديا، وبالتالي يجب استغلال فترة الضعف هذه للخروج من إسار التبعية الرسمية العربية لأمريكا، بدل تطوُّع العديد من الأنظمة العربية بتقديم فوائضها المالية وصناديقها السيادية لإسعاف الإقتصاد الأمريكي، خاصة وأن سياق البحث قد أثبت بأن الخلل الاقتصادي في أمريكا هو نتاج الإنفاق العدواني الأمريكي ضد الأمم الأخرى وخاصة ضد الأمة العربية. وبالطبع هذا التوضيح هو تحريض توعوي للمواطن العربي بالعمل ضد سياسات التبعية في البلدان العربية.

ماذا تعني الأنظمة العربيّة الكومبرادوريّة، الّتي كتبتَ عنها؟

كلمة (كمبرادور) في الأصل من اللغة البرتغالية، لكن الصين الشعبية أعطتها معنى سياسياً طبقياً حيث تعني الطبقة التي تعيش على ترويج المنتجات الأجنبية على حساب الإنتاج المحلي مما يقود إلى شلِّ الصناعات المحلية وخاصة التي في مرحلة الطفولة، أي البداية.

إذن هذه الطبقة ضد التنمية، ولذا حين تُمسك بالسلطة تُحوِّل الإقتصاد ، إذا كان إنتاجياً، إلى اقتصاد تابع ومتخارج.
معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في الوطن العربي هي من الطبقة الراسمالية الكمبرادورية أو متحالفة مع هذه الطبقة، ولذا نرى ميزان المدفوعات لهذه البلدان دائما بالسالب وإلى درجة كبيرة حيث تفوق وارداتها صادراتها بشكل مريع.
وهذا يُغرقها في المديونية فتقترض من البنك والصندوق الدوليين كي تسدد فوائد وأقساط الديون، أي تسدد الديون بديون جديدة، وتفرض عليها هاتين المؤسستين وخاصة الصندوق الدولي الذي يفرض على هذه الدول سياسات تقشفية منها تقليص خدمات الدولة والتوقف عن دعم السلع الأساسية التي تستفيد منها الطبقات الشعبية، وتسمى"وصفات الصندوق". والمهم أن هذه الأنظمة حيث لا تتجه تنموياً تبقى في دوران في حلقة مفرغة اي لا تخرج من إسار الفقر. لعل مصر بلدٌ نموذجيٌّ على التحول من السياسة القومية الإنتاجية في فترة الرئيس عبد الناصر إلى بلد فقير ومدين بعد تلك الفترة. وبينما كانت مصر دولة عروبية تساعد الثورات العربية ولم تتراكم عليها الديون، تحولت إلى عدم كفاية نفسها كما نرى حتى اليوم. ولكي تسدد بعض أقساط مديونيتها تلجأ لتلقي مساعدات من البلدان النفطية التي همَّشت الدور الريادي لمصر على الصعيدين العربي والدولي.

وعموماً، تتحالف البرجوازية الكمبرادورية في الحكم مع طبقات أو شرائح أخرى كالراسمالية البيروقراطية والطفيلية...الخ.وبالطبع، هذه ظاهرة منتشرة في بلدان المحيط.

قياساً على الكمبرادور الإقتصادي هناك الكمبرادور الثقافي أي وجود شريحة من المثقفين التي تتبنى مصطلحات وتحليلات من ثقافات أخرى، تبنياً تاما بالنقل وليس بالإبداع والإبتكار مما يخلق مثقفين تابعين ويُنظِّرون للتبعية، لذا أسميت هؤلاء ب الطابور الثقافي السادس.

لماذا تكون مصطلحات الاقتصاد السّياسيّ والتّنمية صعبة وغير مألوفة للقارئ العربيّ، عكس مصطلحات معرفيّة أخرى؟

يعتمد هذا على طرح وتحليل وشرح المصطلح من قِبل هذا المفكر أو ذاك، فتبسيط اللغة يحتاج إلى تمكُّن الكاتب من النظرية ومن المصطلح بمعنى فهمه جيدا، وربطه بالحياة المعاشية للناس أي أمثال تطبيقية.

وكما أشرنا في وضع سابق، بأن متعة الإقتصاد هي في فهم فلسفة الإقتصاد السياسي اي ربط النظرية بالواقع الإنساني وعلاقات الطبقات وتناقضاتها مما يعطي حياة للنظرية.

من المهم أن لا تنحصر مصطلحات الإقتصاد السياسي والتنمية في مقاعد الدراسة وبالبرود الأكاديمي، ولكن إنجاز هذه المسألة يحتاج إلى حركة سياسية شعبية وجذرية حيث تُصبح التنمية مطلبا جماهيرياً يتمكن من أن تتمثل الجماهير أهمية التنمية وتنادي بتطبيقها .

في كثير من الجامعات يتم تبني النظريات الرأسمالية الغربية التي لا تنطبق على الواقع العربي هنا أو هناك، وبالتالي يحفظ الخريجين نظريات لا يتمكنوا من أجرائها على الواقع المحلي.

كما أن الأنظمة السائدة التابعة، كالأنظمة الكمبرادورية تعمل على تكريس التعليم بالنظريات التي لا تنطبق على الواقع المحلي لأنها بطبيعتها متخارجة.

من المهم توليد نظريات في الاقتصاد السياسي والتنمية من متطلبات الواقع المحلي، هذا ما عملت عليه في أطروحاتي للماجستير والدكتوراة وما أسميته "التنمية بالحماية الشعبية"بمعنى الشغل على التثقيف الشعبي بالتنمية حتى تصبح مطلباً شعبيا، ومن ثم تحمي الجماهير هذا المشروع التنموي. وقد تصادف مع عودتي من لندن 1987 بشهرين قبل الإنتفاضة الكبرى حيث مارست الجماهير هذه المحاولات التنموية دون الإطلاع على ما طرحت حيث قاطعت العمل والإستهلاك من سوق الإحتلال، وعملت أكثر على الإنتاج المحلي وخاصة المنتجات الزراعية، وهو ما أسميته "الانسحاب إلى الداخل" أي العودة للاستثمار والعمل والإنتاج والاستهلاك محلياً.

لكن هذه الظاهرة لم تتحول إلى إنتفاضة تنموية لأن منظمة التحرير لم تتبنَّ هذه النظرية فتقدم مساعدات أو قروضا تنموية، بل كانت معنية بالحصول من الانتفاضة على دولة، أي كانت مضمخة بالحصول على استقلال سياسي أي الاستدوال، وخاصة إثر تورطها في إتفاقات أوسلو حيث طُلب من الناس عدم مقاطعة منتجات العدو على اعتبار أن البلد دخلت مرحلة "السلام" . واذكر انني كتبت في كتابي من احتجاز التطور إلى التنمية بالحماية الشعبية عام 1988، بأن الإنتفاضة لا يمكنها توليد دولة، ولذا يجب التمسك بالإنتفاضة تنمويا وثقافيا دون اللهاث للحصول على دولة ليست قيد الإمكان، وتعرضت لنقد شديد من المتحمسين للاستدوال.

 رأى الكاتب (حسين ياسين) أنّك في كتابك(تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء) كنتَ "مشتبكًا مع كلّ النّظم الاجتماعيّة، منذ ظهور الملكيّة الفرديّة؛ وتقسيم العمل الّتي أسّست لاضطهاد الأنثى" هل توافقه الرّأي، وما هي هذه النّظم؟

-ظُلم هذا الكتاب لأنه صدر في دمشق عشية "ثورة" قوى الدينسياسي وهي المؤامرة بقيادة الإمبريالية وتنفيذ إرهابيين بين محترف ومضيَّعٍ ومضلّل ولذا أسميته حالة الاستشراق الإرهابي، من الغرب الإستشراق ومن حثالات مجتمعاتنا، وغير مجتمعاتنا الإرهابيين وطبعاً بتميل الخليج. أما وقد صدر في تلك اللحظة الغبراء فلم تكن له فرصة لا المطالعة ولا النقد ولا التحليل وبالطبع لا التسويق ولا الإنتشار إلا ما ندر.

يبحث الإنسان عن النموذج أو المثال المطلق في كل ما يفكر، ولذا تتأصَّل في الإنسان ملكة النقد لأن الواقع مهما كان مؤاتياً لا يقترب من المثال ولا يصل إليه، لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يشعر بالسعادة كلما إرتقى وعيه وارتقى ما يعيشه على الأرض. صحيح أنه لا يكتفي، ولكنه يشعر بسعادة ما، وأحياناً مع أبسط الأمور في الحياة.

كما ذكرت في الكتاب، كانت المرأة ضحية أول هزيمة في التاريخ، وهي الهزيمة التي لم يتم تجاوزها، لذا مُحق الصديق حسين ياسين في قراءته بأنني اشتبكت مع مختلف النظم والمدارس و/أو التشكيلات الإجتماعية الإقتصادية لأنها ، حتى الأكثر تقدما منها، لم ترتق في علاقات المجتمع إلى إلغاء إضطهاد المرأة، وهو طبعاً ،على سبيل الفكاهة، يقول أنني إشتبكت مع مختلف النظم، لأنني صُغت مصطلح المثقف المشتبك.

صحيح أن كثيرا من الكتابات طالبت بالحرية والتحرر والتمكين، والمشاركة في الملكية، والمساواة وحق التصويت والترشح...الخ، ولكن كل هذا بقي تحت سقف الذكورة.

بل إن كثيرا من النساء اللواتي بلغن مراكز أو مراتب سياسية عالية، لكنهن لسن نسائيات أي صعد وضعهن ضمن النظام الرأسمالي الذكوري السائد وهن أنفسهن خدمن هذا النظام، ولذا أسميتهن "النس/ذكوريات" فهن بشكل أو آخر، بدرجة أو أخرى شاركن في مواصلة اضطهاد المرأة.

لقد اشتغلت على هذا الكتاب كثيراً لأنني كنت أرغب في إنتاج لها ما تستحقه، ولا أدري إن كنت أنجزت ذلك علميا أم لا، فهذا مرهون بالناس كيف ترى العمل.

في هذا السياق أذكر عام 1976 حينما قررت الحركة الوطنية المشاركة في الإنتخابات البلدية في ظل الإحتلال، كنت ممن ايدوا المشاركة طالما أنها ليست سياسية ولا تمر من خلال الإحتلال بل هي خدمة قاعدية للشعب. حينها كنت الوحيد الذي طرح حق المرأة في الإنتخاب والترشح وحقها في نصف المقاعد. وحينها هوجمت من منظمة التحرير، وكتبت الصحف الصهيونية :

"عادل سماره السجين السابق يدعو لحق المرأة في نصف المقاعد" وبالطبع أثر موقفي في النساء وشاركن في الحملة، ولكن لم يطالبن بنصف المقاعد.

(كل هذا مفصلٌ في مسودة مذكراتي)

فيما يخص الاشتباك، نعم، كان لا بد أن أنقد مختلف المدارس والنظم التي تمر بها البشرية طالما لم يتغير وضع المرأة، وإن كان تحسن بدرجة أو أخرى وبشكل أو آخر، في تشكيلة إجتماعية أو أخرى. فالمرأة بقيت مضطهَدة في التشكيلات الإجتماعية التي هيمنت فيها أنماط الإنتاج: العبودي، والإقطاعي ونمط الإنتاج الآسيوي وهو غالباً مفترض ونمط الإنتاج الرأسمالي والعولمة الراسمالية حالياً والتشكيلات الإشتراكية المحققة مع أنها كانت متقدمة على التشكيلات الراسمالية في المركز الراسمالي. وبالطبع، فإن الترسيمة النظرية للتشكيلة التي تتحرر فيها المرأة هي التي تلغي الملكية الخاصة وبالتالي الطبقات والاستغلال، نسميها الشيوعية أو ما بعد الرأسمالية أو أيّ اسم آخر، لا باس وبالطبع ستكون قيد الاختبار.

هل فكرة كتابك (هزائم منتصرة وانتصارات مهزومة) مشابهة لمضمون ما تقوله المناضلة الشّيوعيّة الرّاحلة روزا لكسمبوغ في أنّه" من هذه الهزيمة سيولَد نصرٌ"؟ -

كيف تقرأ الواقع السّياسيّ الحاليّ، وهل ما يجري لصالح غزّة، أم أنّه قد يتطوّر فتصبح له انعكاسات سلبيّة؟

كليهما، عنوان كتابي أو ما قالته روزا لكسمبورغ ينطلقان من منطق التاريخ بأن البشرية إلى الأمام، وبأن النضال ضد الثورة المضادة حتى لو خسر معركة لا يلبث أن يكسب في النهاية، أي أن الثورة المضادة هي استشناء في التاريخ. لكن بالطبع الانتصار هو حالة قساوة ومعاناة مديدة تحتاج إلى صبر وجَلَد وعمل جماعي, وهنا أتذكر عبارة ماو تسي تونغ: "تجرَّأ على النصر".

فيما يخص الشق الثاني من السؤال، كان طوفان الأقصى حدثا أو عملية قطع تاريخية أثبتت إرادة النضال بأقل الأدوات تطوراً.لكن الطوفان جاء يتيماً بمعنى أنه أتى في لحظة هبوط العزائم. وبالتالي كان تحدياً للجميع.

ما كان يجب أن يتبع 7 تشرين أكتوبر هو يوم 8 تشرين أكتوبر أي وجوب الوقوف العربي والإسلامي مع الطوفان بمختلف الأدوات من الدبلوماسية وحتى القذيفة.

هذا كان موقف قيادة الثورة المضادة أي الغرب بأجمعه حيث وقف مع الكيان بدءا باللغة وصولا للنووي. ولذا، من يدينون الطوفان هم من يخدمون الأنظمة هم بين مثقف منشبك أو طابور ثقافي سادس أو متخارج...الخ. هم يعتبرون المقاومة مقاول نيابة عن الأمة التي تاكل وتشرب وتتناسل بلا مسؤولية حتى لحماية ذاتها.

هذا ما يجب أن نرد به على من يدينون الطوفان. فالعمل النضالي الغِواري لا يتقيد بالحكومات التي تزعم التحضير المطلق حتى لو لاحتساء كوب من الشاي.

النضال الغواري يشرب حين تتوفر اللحظة. وبالنسبة للطوفان كانت اللحظة هي تلك البركة الاسنة التي يجب إلقاء قنبلة فيها. ومن هنا وضع أل 57 دولة في مأزق فردَّت عليه بالتقاعس في مؤتمر الرياض 11-11-2023 و 11-11-2024 في الرياض عاصمة نظام مضاد للعروبة بالمطلق، وأخيرا اجتماع ال 57 يوم 21 حزيران 2025 في أنقرة التي أسقطت سوريا. ولم تخرج المؤتمرات الثلاثة عن ترجي الأمم المتحدة أن تترجى الكيان بأن يوقف المذبحة في غزة.

من يراقب ما يحدث يدرك أن العدو المباشر هو الولايات المتحدة ومعها الغرب وطبعا الكيان الذي كشف الطوفان بأنه كان قاعدة فتحول إلى محمية، والصهيونية العربية.

بل إن العدوان هو بالطيران والمدفعية الأمريكية والغربية بينما يعجز مشاة الكيان عن غزة وعجزوا أمام صمود حزب الله في جنوب لبنان. لذا نحن نتعرض لحرب من الجو ومن بعيد مخصصة لقتل المدنيين!

وهذه أغرب حرب في التاريخ، يقابلها أعظم صمود.

ومن جهة ثانية، ليس سهلاً كسب هذه المعركة طبقاً لتفاوت الإمكانات، وفي الوقت نفسه، لن نستدخل الهزيمة.

ما يجري حتى الآن ليس لصالح غزة ولا فلسطين ولا العروبة ولا الإسلام الأصيل أي العربي. وهذا يعني الصمود لقتال آت لا ريب. لعل درس التاريخ في هذا المقام هو:

"إذا حل الشتاء وليس لديك سوى قميص، فالشتاء لن ينتظرك حتى تنسج عباءة"

فالتاريخ كما الطبيعة حين يحل موسم ما لا يمكن تأجيله.

وعليه، فبغضّ النظر عن نتيجة حقبة الصراع الحالية، وها هي قد اتّسعت لتشمل إيران وقيام ، وتحديداً، إذا لم تكن النتيجة للحرب الحالية في غير صالحنا، فإن المطلوب من القوى الحية أن لا تستدخل الهزيمة، وأن تفرز من بينها جيوب المقاومة وهذه مجموعات من الأبطال التي إذا هُزم الجيش تبقى خلفه تقاوم، وتُعيق جيش العدو كي لا يلحق بالجيش المهزوم كي يتمكن ذلك الجيش من إعادة الإصطفاف ومباشرة الهجوم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى