

ديوان العرب في حوار أدبي مع رنا العسلي

موجز السيرة الذاتية للضيفة المبدعة رنا العسلي من سورية / حلب
اختصاص رياض أطفال
صدر لها العديد من المؤلفات النثرية والقصصية والروائية منها: على صوت نبضه، أقل عزلة، ويقصيني موت، مغلق
صدرت مؤخراً مجموعتك القصصية (المرايا النائمة)، ما رمزية العنوان، ولا سيما أن المرأة عبر العصور لها رمزيات عديدة وماذا تعكس هذه المرايا؟.

المرايا النائمة مجموعة قصصية ضمت معظم القصص التي فزتُ بها عبر السنوات الماضية، كانت نائمة إلى أن ضممتها في كتاب واحد، في كل قصة حديث امرأة عانت وصبرت وناضلت وحثت المستحيل كي توصل كلمتها بطريقتها، النساء في المرايا غير النساء في الواقع، فكم من النساء تجملن أمام مرآة الحاضر، ووقفن بكامل أناقتهن كي تدفعن عربة الحاضر إلى الأمام، وكم من تحديات واجهت النساء وخصوصاً في زمن الحروب والقهر والحرمان، المرأة ورغم أنها خلقت من ضلع قريب للقلب إلا أنها الوطن والأساس لمستقبل لا تبنيه إلا نساء أمن بأنفسهن كوسيلة تغيير للحياة.
تقولين: أتمنى أن أكون حاضرة في تصوير رواية لي كفيلم، لأكون دليلاً وموجهة للنقاط المهمة فيها.
هل الروايات التي حولت إلى أعمال فنية أضافت للكاتب أم أنها أحياناً أبهتت ما كتبه، وما أسباب ذلك؟.
تحويل الرواية إلى فيلم هو عمل معقد فأنت تحول الحروف إلى لغة بصرية فعليك أن تكون حريصاً على نقل المحتوى والرسالة التي أرادها الكاتب بكل معانيها السامية وللأسف الكثير من الروايات فقدت مضمونها حين حُولت إلى فيلم أو مسلسل بسبب رؤية الإنتاج أو التسويق للعمل، ولا أنكر أن هناك من نجح في التوفيق بين الرواية والفيلم كروايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم وهذا النجاح يحتاج أولاً وفاء الفيلم للروح العامة للرواية مما جعلها تنتشر بشكل أوسع فدوماً تساعد الشاشة على إيصال ما نريد بشكل أوسع وأسرع رغم عدم استيعابه لكل التفاصيل الدقيقة والعميقة للرواية، رغبتي في التواجد تنبع من المشاعر التي تتناقلها شخصيات الرواية والتي أحب أن أشرحها بنفسي فإن لم يأت الفيلم حرصاً على تفاصيلي التي وهبتها طاقتي ومشاعري ووقتي فالغنى عنه أفضل بالنسبة لي.

كونك خريجة كلية التربية (رياض أطفال) هل تحاولين توظيف ما درسته للكتابة للأطفال؟. وما سبب ابتعادك عن العمل في مجال الاختصاص؟
وظفت ما تعلمته في شخصيات قصصي ورواياتي، لقد ربينا أولادنا بالفطرة وتوارث المعلومات التي تناقلناها من الأهل والأجداد، ودراستي منحتني العمق الذي أعطاني المبررات الدقيقة والعميقة لتصرفات الأطفال والمراهقين، ولم أعمل في اختصاصي لأني أجد كل ما يخص الأطفال يحتاج قدراً كبيراً من المسؤولية والتفرغ والأمانة، وأنا ككاتبة أحتاج مساحتي الحرة ولا أستطيع التقيد ضمن أوقات عمل ثابتة تحتاج الكثير من التركيز وصفاء الذهن، الأطفال مستقبلنا الذي سننهض به عبر القادم ويجب أن يكون الضمير حاضراً في التعامل معهم كي لا نخسر أنفسنا أولاً ومستقبلنا ثانياً.
تم مؤخراً إلغاء مسابقة في إحدى المجموعات الأدبية لأن من شاركوا فيها اعتمدوا في نصوصهم على الذكاء الاصطناعي، إلى أين يأخذنا الذكاء الاصطناعي برأيك؟.
سؤال عظيم يا صديقتي رأيي فيه غير إيجابي أبداً، لقد ساعد الذكاء الاصطناعي على الكسل والكذب والخداع، وباتت وسائله تعيق الإبداع، وأحترم مسابقة تلغي ما قدمته لكشفها هذا الخداع بينما تعتمد الكثير من المسابقات الأدبية على الكم دون اهتمامها بالتدقيق والتأكد من مضمون المشاركة، وبنظري إن الذكاء الاصطناعي يشبه سرقة منشور الغير أو كتاب الأخر وتقليده وأنا حريصة على البعد كل البعد عنه وقد يرى البعض رأيي عدائياً فأنا أقول إن هذا المجال سرق الابداع والمبدعين.
لديك قصة بعنوان (هل أنا مذنبة) بدا الوجع كبيراً على لسان الشاردة(البطلة) هل نحن في مجتمع ذكوري رجعي يوجه اللوم دوماً على المرأة رغم كل ما وصلنا غليه من تطور؟.
صدقتِ، مازلنا نشعر بالذنب لأدنى تصرف لا يراه المجتمع صحيحاً ولو كنا نراه حقيقياً وصحيحاً، وما زالت بعض العقول رغم كل هذا التطور وكل هذا العلم تجد في المرأة عورة الزمن والتاريخ ونكسة الرأس ونهاية الفضيلة، رغم أنها بنت ووقفت في زمن الحرب إلى جانب الرجل في كل أدواره إلا أن شرقيتنا قتلت التقدير الذي تستحقه النساء وسأعطيك مثالاً بسيطاً حصل معي... منذ أن بدأ اسمي بالتداول وخصوصاً بعد نجاحي في العديد من المسابقات القصصية، تهافتت علي وسائل الاعلام لتجري معي المقابلات العديدة حتى أني قدمت بعض الحلقات في برنامج تلفزيوني، وفي إحدى الجلسات فاجأتني سيدة من المقربات بقولها، رنا مين داعمك؟... أصابتني الدهشة، فأجبتها بهدوء : عندما يتصدر رجل البرامج التلفزيونية بشكل دائم لا يوجه له هذا السؤال ولكن كوني امرأة في مجتمع لا يؤمن بإصرارها ومواظبتها لإثبات نفسها فمن الطبيعي أن يوجه لي كهذا السؤال لكن الغريب أن يوجه لي من امرأة مثلي. وأسدلتُ الستارة عن ما يوجهه الناس من كلام يعيق التقدم في الحياة.
نرى جميعنا ما يحدث في غزة، ما أهمية الأدب المقاوم في هذه الظروف الأليمة؟، وماذا كتبت في هذا المجال؟.
الأدب المقاوم يعبر عن الشعوب ويهدف إلى تحدي الواقع المرير، يظهر ما لا تستطيع العين رؤيته، ويرعم المواقف الإيجابية وينهض بالروح للحفاظ على الهوية والأرض، وتنوعت أشكاله وبث رسائله بأكثر من طريقة كالشعر والقصص والروايات وغيرها، وهو فن ذو رسالة نبيلة يجب أن تكون مخلصة للمبادئ والقيم التي يحملها موروث كامل بأصالته وقيمته
وأقول : ليتني أشد رحال الخوف، فأرميها عند أول شهيق، وأمضي بلا وساوسي العبثية، اليوم ركدتُ كماء معتم، أسترق السمع، صرير الذكريات موجع، أنين الحقيقة يهز عقارب الساعة، لماذا؟، إلى متى؟، لا إجابات
ما رأيك بالمسابقات التي نشارك بها، ما إيجابيات بعضها وما سلبياتها؟.
كان للمسابقات دور إيجابي كبير في حياتي، لقد ساعدتني على الانتشار، وعلى بناء ثقتي بنفسي وفيما أكتب، جعلتني أكمل الطريق وأكدت لي أني في الجهة الصحيحة، الكتابة تنفيس للنفس وللروح وحين تأخذك إلى ميدان النجاح فهي تحقق غايات أبعد من أن تخطر في بالك، لا أنكر بعض سلبياتها بوجود تحكيم منحاز أو تحديد للأعمار أو الغايات التي تعتمد على الدعاية أكثر من العمل ولكني أحاول جاهدة أن أكون في تلك التي تعنى بالحرف وتحترمه وتقدر الكاتب وتعطيه حقه.
هل ترين أن (مزاج المحكم) له دور كبير في نتائج بعض المسابقات الأدبية التي نستغرب نتائجها؟.
أعتبر أن ميول المحكم لها دور كبير، فليست كل النصوص الخاسرة سيئة وليست كل النصوص الفائزة هي الأفضل، لكن المحكم يقع على أعداد كبيرة من المشاركات وبعد انتقاء ما يتوافق مع الشروط الفنية للمسابقة تبدأ المرحلة الأصعب وهي تصعيد الأفضل وهنا بكل تأكيد وبدون أي شك سيكون لميله نحو نوع دون غيره هو الأكبر، لقد حكمت ذات مرة مسابقة لدار الملتقى في مصر، وأذكر أن المرحلة الأخيرة كانت صعبة على التحكيم لأن النصوص المنافسة كانت قوية فما أستطيع فعله، لقد اخترت النصوص التي لمست روحي وشدتني وجعلتني أدخل تفاصيلها.
رنا الأم هل حثت أبناءها على الابداع الأدبي؟، وهل من نصوص كتبت كانت من وحي التفاصيل اليومية مع الأولاد؟.
الأدب موهبة قبل أن يصبح الفرد متمكناً ومتفرداً به، وهذه الموهبة تظهر على تصرفات الطفل وما علينا سوى دعمها بكل ما هو لازم حتى تتبلور وتصبح إبداع
وهنا اختلف الدور بين الأبناء فهناك من اهتم بالقراءة وأخذت منه كل وقته وهذا أمر مهم فللقراءة فوائد عديدة فهي تطلعك على العوالم المختلفة وتحسن من لغتك ومفرداتك وهي سبيل للترفيه والتنفيس والتعلم أيضاً فإن لم تظهر على طفلك بوادر الموهبة لا تستطيع زرعها عنوة في حياته
وكتبتُ في تفاصيلنا اليومية ومعاناتنا مع أطفالنا نصاً في لحظة غريبة يقول:
أنا أم فاشلة
سرحت عمري عارياً لأجلهم
وتحت مقاعد الصبر خبأت دمي
طحنت عظامي كي ينالوا الفرح
وبقيت رماد
أنا أم فاشلة
يدورون خلف لسان السؤال ويختفوا
وحبل الكلام يلف سلامتي
بين الحروف وجدت قلبي مرهفاً
ووجدت أصابعهم تنخر أضلعه
تحاول أعينهم أن تسأل
ما حال هذا القلب المنكسر
شبح بقيت
وأصابعي فقط من تتمرد
تطبطب على كتف جاحد أو متسلط
أنا أم فاشلة
الروح حين نداء جاهزة
تبتسم لي وتختفي
كم قطعة مني باقية
لا علم لي
لكن جسدي خائن
يجري خلف بسماتهم
يجرمني بالمحبة.. يمسح هويتي
حتى اذا أمسكت بدلوهم
فاض علي وأغرقني
أنا أم فاشلة
علمتهم أن يكبروا
وأن يدرسوا وأن يفهموا
أن يركبوا الفرح والمكانة
ولم أعلمهم كيف يحببني
أنا أم فاشلة

ما بين الامارات وسورية كيف ينتقل القلب من مكان إلى آخر، وكيف تسكتين الحنين اذا ما ضج في أروقة الروح؟.
للحنين لغة لا يفهمها إلا من استطاع التعبير عنها بحروفه، وربما يساعد بحروفه الغير في فهم ما يختلج في قلبه من لواعج وأثار غياب، وما بين وطن حملني ووطن سكنت إليه وإلى تفاصيله مضت بي الحياة بتفاصيلها وصعوباتها وآلامها وفرحها وجعلتني ما أنا عليه الآن، هنا يستثمر القلب هدوء المكان ورفقة الأصحاب الجدد والتفاصيل الجديدة، يطبطب على أبجديته من جديد ويحمل ذكرياته وكأنه حقيبة السفر الجاهزة في الركن الخفي من حياته، وهناك، أصولنا، تاريخنا، مواقفنا الكثيرة، القلب حيث ترك الأحباء، والصبر حين نال الفقد منا وأوجعنا، ما بين الامارات وسورية تجدينني أتصفح عالمي وأنظر مطولاً إلى طرقات تحملني ولا أعلم جدوى ما اصير إليه فعلمه عند الله.
جزيل شكري لك صديقتي ميادة لهذا اللقاء الجميل والأسئلة القوية والعميقة والتي تدل على عمل رائع وتفكير مجد.