

خيالا من الواقع
لم يكن هذا اليوم كغيره. استيقظت مبكرًا، وفي رأسي فكرة واحدة: لا أحد يهزمني. كنت بحاجة إلى أن أنفض غبار الصمت عن صدري، أن أعلو فوق صخب الأيام بكلمات تنطلق من داخلي لا توقفها حواجز ولا تمنعها جدران.
كل شيء بدا خارج السيطرة. الأيام تمضي من دون أن نرغب بها، كأنها تمر من فوق رؤوسنا، تترك فينا أثرًا وتنسحب بهدوء، تاركة الساعات الحرجة تلتهم ما تبقى من صبرنا.
دخلت السوبر ماركت المكتظ بالزبائن. هدوء ظاهري، لكنه مريب، تختفي تحته همسات مكتومة، أصوات خافتة تكاد تقول إن الصمت جريمة. حتى المطر في الخارج كان صوته مسموعًا وهو يرتطم بسقوف المظلات، كأنه يصرخ بصوته الخاص، يعلن احتجاجه على كل شيء.
من نوافذ المول، رأيت الناس يتجمعون تحت المظلات، رجال ونساء، كأنهم يتهيؤون لانطلاق سباق لا نهاية له.
أردت الخروج، لكن المطر كان عنيدًا، يهطل بكثافة كأن السماء قررت ألا تتوقف.
رجعت خطواتي إلى الداخل. لم يجرني إلى هنا سوى علبة السكائر الفارغة، فقد نفد ما فيها وفقدت قدرتي على التحمل. اشتريت واحدة جديدة وأشعلتها بشيء من الغضب المكبوت.
لا شيء يوحي بتوقف المطر، بل إنه يزداد غزارة وسرعة. الناس في المول بات شاغلهم الوحيد كيف سيصلون إلى منازلهم. الشوارع أصبحت أنهارًا، المياه غطت الأرصفة، وانتقال الناس بين الجانبين صار أشبه بمحاولة عبور نهر دون جسر.
رجل واقف قرب الباب قال بصوت يائس: "يا إلهي، كيف نصل إلى ديارنا؟ الأمر تعقد تماما."
وآخر صاح: "سأخلع حذائي وأعبر إلى المرأب، لا بد أن أحضر السيارة لأنقل عائلتي." في الزاوية وقف رجل جامدًا كالصخرة، قال لشخص بجانبه: "المدينة ستفيض. لا صرف صحي قادر على استيعاب هذا."
بين الجموع، كانت هناك امرأة مسنّة توبخ ابنتها: "ألم أقل لك لا نأتي؟ أنت لا تصدقين نشرات الطقس أبدًا. خذيها الآن، هذا التعب هو حصادك الطبيعي حينما لا تسمعين النصيحة." وفجأة، دوى صوت من مكبرات الصوت:
"أعزائنا الزبائن الكرام، يرجى مغادرة المول، فالظروف الجوية لا تسمح لنا بالاستمرار."
همست لنفسي: "إلى أين نرحل؟" الماء ارتفع حتى لامس الأرصفة، والناس يحتشدون في الخارج، لا ملجأ، لا مكان يقيهم المطر. لكن رغم النداءات المتكررة، لم يخرج أحد.
الخوف شل حركة الجميع.
اتصلت بي زوجتي:
"أين أنت؟"
"في السوبر ماركت ، لا أستطيع الخروج."
"حسنًا، اشتَرِ بعض الحاجيات، سأرسل لك القائمة."
لكني أغلقت الاتصال، لا أدري أكان بسبب خلل في الشبكة أم لأنني لم أعد قادرًا على الاستماع لأي طلب.
عاودت الاتصال، لكن الهاتف انطفأ.
ثم انطفأت الكهرباء تأثرا بشدة المطر، وغرقت القاعة في ظلام كامل. لم أعد أرى من يجاورني في الوقوف.
جاء النداء من جديد، هذه المرة بلا مكبرات صوت، صوت رجل يتنقل بين الممرات:
"يرجى الخروج الفوري، سنقفل الأبواب."
ازدادت الأمور سوءًا.
مرت ثلاث ساعات والمطر لم يتوقف. ولا وسيلة نقل في الشارع. كان الحل الوحيد هو الزوارق النهرية. جاءت أخيرًا. كنت من المحظوظين الذين حملتهم تلك القوارب الصغيرة.
أما الآخرون، فقد قالت الأخبار إنهم قضوا ليلتهم فوق بلاط السوبر ماركت، استسلموا للظروف القاسية، ناموا حتى الصباح.
وفي الساعة السابعة خرجوا من هناك، يرددون بمرح متعب: "تحيا لجنة تصريف المياه، فقد أنقذتنا من تحويل السوبر ماركت إلى فندق!"