ديوان «امرأة بلا سواحل») لسعاد الصباح
ديوان «امرأة بلا سواحل») لسعاد الصباح من منظور نظرية التحليل النفسي
إن دراسة النصوص الشعرية من منظور التحليل النفسي، الذي يركز على تحليل الدوال بناء على إزاحة (الذات)، وإحلال (ذات) أخرى مكانها، خلال تكرارها في وسط رمزي تبادلي، يعد عملا تحليليا جديدا لا يتوقف عند القراءة التي تفترض العثور على المعنى لتفسيره، ولكن تبحث في ميكانيزم الدوال وليس في مدلولها.
وعلى الرغم من استهداف نظريات التحليل النفسي علاج المرضى النفسسين إلا أن « تطبيقاته في مجال العلوم الإنسانية أصبحت تشكل بعدا أساسيا في هذه العلوم، سواء في التربية، أو الاجتماع والإنثروبولوجيا، والاقتصاد، والسياسة، أو في العمال الأدبية، والفنية، والنقد الأدبي».(1)
والنظريات النفسية التحليلية كثيرة، ولكنها على كثرتها لم تجد عناية تليق بوظيفتها التحليلية في المجال الأدبي إلا من نفر محدود من الباحثين العرب، الذين خاضوا التجربة التحليلية خارج نطاقهم الأكاديمي، فاستعانوا بالنفسيين والفلاسفة؛ ليقترحوا تحليلا يعتمد على أسس منطقية، ويستند إلى نتائج واضحة، تظهر غايتهم وهدفهم من التحليل.
ومن النظريات النفسية التحليلية ذات الممارسات الأسلوبية، والمتناغمة مع الخطاب الثقافي المعاصر نظريات الفرنسي جاك لاكان التحليلية، التي نشأت في المحيط اللغوي للدوال، وانطلقت بأنظمتها المقترحة في علاج حالاتها النفسية، حيث استعمل جاك لاكان خلال تحليله النفسي ثلاثة أنظمة، تمثل فكره اللاكاني، وهذه الأنظمة هي: نظام المتخيل، والنظام الرمزي، والنظام الواقعي، وهي أنظمة متشابكة، وتفاصيلها كثيرة، ويغلف بعضها الغموض، ولا بد من الإشارة التمهيدية للنظامين: المتخيل، والواقعي قبل الشروع في تحليل النظام الرمزي المستهدف في ديوان (امرأة بلا سواحل) لسعاد الصباح.
يقوم النظام المتخيل على (الأنا) في مرحلة المرآة(2)، وهو نظام (ثنائي) يعتمد على علاقة تبادلية في المواقع، وتعد النرجسية سمة مميزة فيه، ويتشكل في نطاق الملاحظة المرئية القائمة على عالم الصورة، والتصور، والخيال، ويتصف بالنزوع نحو المطابقة والتشابه، وعلى الرغم من أهمية هذا النظام إلا أنه يعد مرحلة أولية من مراحل ديوان امرأة بلا سواحل، حيث انتلقت من هذا النظام المتماهي مع الآخر إلى النظام الرمزي الثائر عليه.
ووظف جاك لاكان النظام الواقعي في كتاباته أثناء تناوله موضوع القلق،(3) وهو أكثر الأنظمة مثارا للجدل؛ لمعطياته المتناقضة، وهو كما يقول منظروه أقرب ما يكون إلى تجاوز الواقع، ومن المستحيل إدراكه إلا عبر النشاط العقلي، وهو ليس مرئيا كالمتخيل، ولا غياب فيه البتة كالرمزي، وديوان امرأة بلا سواحل تبادلي الحضور والغياب.
أما النظام الرمزي فأكثرها انسجاما وتداخلا مع الأنظمة المذكورة من جهة، وأكثرها تداولا من قبل المحللين النفسيين من جهة أخرى، وهو الأنسب لتحليل ديوان (امرأة بلا سواحل) لسعاد الصباح؛ لأن الشاعرة سعت فيه إلى أن تكون متكلمة ثائرة على واقعها الذكوري، والصفة الكلامية هي من ثوابت النظام الرمزي القائم على اللغة المشتركة بين أطراف النظام الرمزي الثلاثي (الأنا) و(الآخر) و(السلطة)، هذه اللغة هي التي ستمكن (الأنا) من الثورة على واقعها، وتغيير موقعها في النظام الرمزي.
النظام الرمزي
في السلسلة الرمزية(4) كل دال يرتبط بدال وليس بمدلول، والمدلول عند لاكان بمثابة المكبوت (الباطن) الذي لا يفتأ أن يعود، والدال هو الذي يحدد دور الذات، ووظيفتها، ومكانها بالنسبة لدال آخر (الصغير، أو الكبير)، ولا وجود لذات أخرى دون الأولى.
ويتميز النظام الرمزي بأمرين: الأول بالعلاقات الثلاثية اللغوية، التي تشتمل على ثلاثة أطراف، وليس على طرفين كالنظام المتخيل الذي تتماهي فيه الأنا مع الآخر، وهذه الأطراف هي: الأنا، والآخر الصغير، والآخر الكبير (السلطة أو القوة)، أما الأمر الثاني فيتمثل بعنصري الحضور والغياب،(5) فلا حضور لذات إلا في غياب ذات أخرى، تحل محلها، وهذا ما سيسمح لـ (الأنا) أن تكون حاضرة في واقعها بغياب (الآخر) الذي يريد السيطرة عليها، أو التحكم بمسارها الثقافي في المجتمع.
ويعتمد النظام الرمزي على تكرار حركة الدوال، ويعد الآخر (الصغير) بتعبير جاك لاكان (بطارية الدوال)، وهناك دال واحدة تسمى (الدال السيد) بالنسبة لكل الدوال الأخرى.(6)
وفي النظام الرمزي يتحكم الآخر الكبير (السلطة) في طبيعة العلاقة المتصارعة بين الأنا والآخر الصغير، بل ويحدد معالمها؛ فلولا وجود (الآخر الكبير) لكان أمر(الأنا) مختلفا اختلافا لا يدفعها من جهة إلى إخفاء ذاتها، أو كبت مشاعرها خوفا من النقد الاجتماعي السلطوي، ولا يجعلها في المقابل تسمح لـ (الآخر الصغير) أن يتعدى على ذاتها بالإزاحة، أو التهميش، أو التحكم بحركها في النظام الاجتماعي الرمزي.
ولتعرف النظام الرمزي أكثر عند جاك لاكان لا بد من سرد قصة (الرسالة المسروقة) للشاعر والروائي إدغار ألن بو، وهي قصة اعتمد عليها المحللون العرب أثناء تداولهم الفكر اللاكاني الترميزي، لا سيما الباحثان عبد المقصود عبد الكريم، الذي قدم من وحيها أشكالا هندسية توضح النظام الرمزي اللاكاني، والسيد إبراهيم الذي استحضر الرسالة المسروقة خلال حديثه عن الرغبة، والقيمة التبادلية.(7)
الرسالة المسروقة
وضع جاك لاكان فصلا في افتتاحية كتابه (كتابات) بعنوان «سيمينار عن الرسالة المسروقة»، وهذا السيمينار هو الذي استنبطه بعد عام كامل من تدريسه إحدى حكايات إدغار ألن بو الموسومة بــ: (الرسالة المسروقة)، حيث أصبح بعد ذلك درسًا لاكانيا معتمدا في التحليل النفسي.
وتساءل المحللون النفسيون: «ما مغزى القرار الاستراتيجي بوضع هذا السيمينار في افتتاحية (كتابات) بوصفه عملا رئيسيا في محاولات جاك لاكان التحليلية؟ ولماذا اختار جاك لاكان تكريس عام كامل لتدريس هذه الحكاية؟».(8)
لعل الإجابة تبدو في أن هذا السيمينار يعد السيمينار الرئيس الذي انطلق منه الفكر اللاكاني في التحليل النفسي، فالرسالة المسروقة تعزز منهجية لاكان في التحليل النفسي، وتوضح مساره الفكري وآراءه التي وصفت بالعسيرة على الاستيعاب، فمن الرسالة المسروقة يميز القارئ بين ثلاثة أنظمة أساسية في الفكر اللاكاني: الرمزي، والخيالي، والواقعي، كما يتعرف الفرق بين هذا الفكر التحليلي، وغيره من التحليلات النفسية التي تناولت الرسالة المسروقة، من مثل: دراسة (ماري بونبارت) لنص إدغار ألن بو(9).
قصة الرسالة المسروقة هي قصة السرقة المزدوجة لرسالة مشبوهة، أرسلت إلى ملكة، وحين فوجئت بدخول الملك ووزيره تركت الرسالة على الطاولة أمام الجميع؛ حتى لا تثير شبهة، ولكن الوزير لاحظ على الملكة خوفا وارتباكا لم ينتبه إليه الملك؛ فأخذ الرسالة أمام عيني الملكة.
استدعت الملكة بعد خروجهما رئيس الشرطة، وطلبت إليه أن يبحث عن الرسالة المسروقة في جناح الوزير، ولكن رئيس الشرطة لم يجد الرسالة، على الرغم من استعماله كل الحيل البوليسية السرية في التفتيش.
وتلبية لطلب الملكة ذهب رئيس الشرطة إلى (أوجست دوبين) المحلل الشهير، والمخبر البارع في حل المشاكل بالاستدلال المنطقي التحليلي، وروى له القصة، وفوجئ الجميع بعودة دوبين ومعه الرسالة المسروقة، حيث توصل إلى أن أفضل قاعدة لإخفاء الرسالة هي أن تتركها في مكان واضح تحت أنظار الجميع، كما فعلت الملكة، وكرر ذلك الوزير.
وهذا التكرار (تكرار السرقة بالقاعدة نفسها) هو الذي بنى عليه جاك لاكان نظامه الرمزي، ويرى أن ما يشكل التكرار ليس مجرد التشابه في موضوع السرقة المزدوجة، ولكنه الموقف البنيوي كله الذي حدثت فيه السرقة المتكررة، حيث يأتي اللص في كل مرة نتيجة علاقة متكررة بين ثلاثة أطراف (الملكة، والملك، والوزير)، ثم (الوزير، والشرطة، ودوبين)، فدوبين في المشهد الثاني يمثل الوزير الذي شاهد الرسالة، والشرطة تمثل الملك الذي لم يشاهد الرسالة، والوزير يمثل الملكة صاحبة الرسالة المسلوبة.
يؤكد جاك لاكان في هذه السلسلة الرمزية المتكررة المستنبطة من الرسالة المسروقة الطريقة نفسها التي تحل بها (ذات) مكان (ذات) أخرى في الواقع الرمزي الاجتماعي، حيث تستغل (الذات) غياب السلطة أو تجاهلها لإزاحة غيرها من المشهد الإنساني، وهذا يؤكد أن إزاحة الذوات تتحدد بناء على الوضع الذي تحتله الدال المحض (الرسالة المسروقة)، وتعد هذه الدال هي دال المكبوت.
هذا التكرار في النظام الرمزي يختلف تماما عن تكرار المفردات، والتراكيب، والجمل في النصوص الأدبية، فهناك من درس سعاد الصباح وفقا للشكل اللغوي التكراري كما ظهر ذلك في عنوان بحثه(10)، ومن يقرأ العنوان يظن أن الباحث يقصد النظام التكراري الرمزي عند جاك لاكان، ولكنه يتبين بعد القراءة أنه تكرار لم يتجاوز الكلمات، والتراكيب، والجمل، فما تبناه عبد الهادي الجراح في عنوانه: الوظائف الترابطية للشكل اللغوي التكراري في ديوان (امرأة بلا سواحل) لم يكن دقيقا في تأليفه أو في استنتاج شكله؛ لسببين، الأول: أنه تناول الشكل التكراري في كل قصيدة على حده، وهذا لا ينسجم مع مفهوم الشكل التكراري عند دراسة ديوان كامل، فمفهوم الشكل يتطلب بالمنطق التحليلي شكلا آخر رمزيا ليكون تكراريا، والثاني أن الشكل اللغوي التكراري لا يستثني خلال تحليله ثلاث قصائد من الديوان، وهي: (اعترافات امرأة شتائية، وبصمات، ودرس خصوصي)، لا سيما أن القصائد المستثناة تكرر فيها التكرار كثيرا، كما كان توقف الجراح عند تكرار التركيب الندائي (يا سيدي) في قصيدة (امرأة بلا سواحل) ناقصا من جهتين، الأولى أنه كان تكرارا تقليديا لم يلتفت إلى تكرار (الدال/السيد) بصورها المختلفة في كل قصيدة من قصائد الديوان، وهذا التكرار لـ (الآخر/السيد) هو الذي يمثل النظام البنيوي للدوال: (الدال) التي كَبتت رغبتها خوفا من (دال) الآخر الكبير، الذي لا يرى وجودها في مجتمعه الذكوري؛ فسمح بذلك أن تسيطر (الدال) الثالثة على (الأنا) في النظام الرمزي، أو في الشكل اللغوي التكراري، يقول الجراح: «إن تكرار التركيب الندائي (يا سيدي) يربط المكونات الظاهرة نصيا، أي يربط ما يتراءى من الجمل على السطح اللغوي للنص، وهذا يؤسس لترابط أقوى، وهو ترابط المقطوعات»، أما الجهة الثانية فكانت عندما استنتج الجراح أن (السيد) كان محورا ومطلوبا من قصيدة واحدة، وهذه النظرة الجزئية لا تقيم شكلا تكراريا بنيويا: «فهذا السيد هو المحور، والشخص المحبوب، وهو المطلوب».(11)
إن التكرار اللاكاني الرمزي اللغوي المتمثل بحركة الدوال، وتغيير موقعها الاجتماعي من (أنا) لـ (آخر) أو لـ (سلطة) فيما بعد أن سمحت لها الظروف الاجتماعية هو الذي يمثل النظام الرمزي التكراري عند جاك لاكان؛ لأنه يتعامل مع الديوان أو العمل الفني عند تحليله كوحدة بنيوية كاملة دون استثناء، أما لو اختار الجراح في عنوانه نصًا واحدا لاختلف الأمر.
النظام الرمزي في ديوان (امرأة بلا سواحل)
للكشف عن مدى توفر النظام الرمزي في ديوان (امرأة بلا سواحل) لسعاد الصباح فلا بد من استعراض أبرز الموضوعات المتعلقة بالتحليل النفسي في الديوان، ثم تحديد المفردات والتراكيب الدالة على النظام الرمزي فيه، وهما عتبتان تمهدان الشروع في التحليل خلال الثلاثية التحليلية: (الأنا)، و(الآخر) الصغير، و(الآخر) الكبير، ولا بد من مراعاة أن «ناقد الأدب المهتم بالتحليل النفسي يمكنه أن يقرأ الأحداث في القصة بالنظر إليها على أنها أعراض، أي كما يقرأ الطبيب النفسي الأعراض عند المريض».(12)
لعل أبرز موضوعات التحليل النفسي التي نستشفها في ديوان (امرأة بلا سواحل) من منظور الفكر التحليلي النفسي لا سيما عند جاك لاكان ما يأتي:
أولا: الرغبة التي تحتل مكان الصدارة في ديوان (امرأة بلا سواحل) لسعاد الصباح.
ثانيا: ثلاثية (الأنا) و(الآخر) و (السلطة)، ودورها في تشكيل (الكبت) وإنجاز الرغبة.
ثالثا: ثنائية الحضور والغياب التي تتحكم بمسيرة الدوال ورغبتها في النظام الاجتماعي الرمزي أو اللغوي.
مسيرة (الرغبة) في ديوان امرأة بلا سواحل
إن المتتبع ديوان (امرأة بلا سواحل) من البداية إلى النهاية يجد (رغبة) تطفو في كل قصيدة في اتجاه محدّد، وكأن الشاعرة كانت تقصد لرغبتها أن تكون في مسيرة زمنية متطورة تبدأ بقصيدتها الأولى في الديوان بمفردة (تمنيات)، وتنتهي بقصيدتها الأخيرة في الديوان بمصطلح (ثورة).
هذه الرغبة التي كانت لب الديوان ومحوره، هي ذاتها التي تعد مصطلحا مركزيا في فكر جاك لاكان التحليلي، حيث قال: « إن الرغبة هي لب الإنسان، ومكان القلب في الوجود الإنساني، وهي لب الاهتمام المحوري في نظرية التحليل النفسي»،(13) وتتطلب الرغبة التي «تحتل مكان الصدارة في النظرية التحليلية اللاكانية»(14) الاعتراف المطلق بوجودها كشريك إنساني محبوب ومرغوب فيه في نظامها الاجتماعي الرمزي.
ومسيرة الرغبة تبدأ من عنوان الديوان (امرأة بلا سواحل)، فالشاعرة تبحث عن مكان ترسو فيه (أناها) على شاطئ من شواطئ الإنسانية، تشارك خلاله موجًا لا يتعدى على وجودها الإنساني كأنثى محبوبة، تريد من (لا) (السلطة) في عنوان ديوانها (امرأة بلا سواحل) أن تكون (نعم) أو (امرأة بسواحل) مشتركة.
بهذا الفهم النفسي التحليلي المتمثل في الصراع بين (الأنا) و(الآخر)، وعنصر الغياب يتشكل عنوان سعاد الصباح (امرأة بلا سواحل)، الذي حمل أيضا عنوان قصيدتها (السادسة)، التي احتلت منتصف الديوان أو عمقه؛ لتعلن من هذه القصيدة بدء الجهر برغبتها المكبوتة في القصائد التي سبقت هذه القصيدة في الديوان.
ورغبتها كلفظ (أنثى) محبوبة (لا) كمتعلق من متعلقات (الآخر) ظهرت في كل قصيدة من قصائد الديوان، إلا في قصيدتين: الأولى (امرأة بلا سواحل)، وموقعها في الديوان السادسة، وتعد حدّا فاصلا بين المرحلتين، والقصيدة الثانية (درس خصوصي) التي احتلت المركز الثامن في الديوان، وهي تمثل مرحلة التمهيد للنطق بالرغبة.
ومرت القصيدتان (الثامنة والتاسعة) في مرحلة مخاض النطق بالرغبة حتى وضعت الشاعرة قصيدتها العاشرة (ثورة الدجاج المجلد).
ومن جهة آخرى تألقت كلمة (الحب) في كل قصيدة من قصائد الديوان إلا في قصيدة واحدة، وهي (القصيدة التاسعة)، التي حملت في عنوانها لفظ الأنثى (للأنثى قصيدتها وللرجل شهوة القتل).
وحري بالذكر أن عدد كلمات (أنثى) وصل في الديوان إلى اثنتي عشرة كلمة، وعدد كلمات (الحب) وصل إلى واحد وأربعين كلمة، وهذه الإحصائية تؤكد رغبة الأنثى في أن تكون محبوبة كإنسانة، والجدول الآتي يوضح الخطوة الأولى في الكشف عن مسيرة الرغبة في الديوان:
القصيدة |
عنوان القصيدة |
عدد كلمات (الأنوثة) |
عدد كلمات (الحب) |
مقتطفات من المتعلقات المادية في الديوان |
1 | تمنيات استثنائية لرجل استثنائي | 1 | 14 | الهدايا، والعطور، والأزهار، والأثواب، والعقود، والأساور والجواهر، ومعطف. |
2 | اعترافات امرأة شتائية | 2 | 7 | أوراقه، وإسوارتي، ودشداشتي، وبيتك، والبسط الحمراء، والأزهار، واللوحات، والتبغ، ومقعده الجلدي، والياقوت . |
3 | افتراضات | 1 | 6 | والشعر، والرسم، والنحت، ورائحة البن، ورائحة التبغ، وساعة البيت. |
4 | بصمات | 1 | 1 | أثاث غرفتي، وتماثيل السيراميك، واللوحات، والكتب، والأصداف، وخرائط، ومفاتيح، وجمع الطوابع، وحقائبك. |
5 | القمر والوحش | 1 | 2 | الألغام، وزنزانة، وشراشفي، والقرفة، والزعفران، والبهارات الحارقة، وأحمر الشفاه، والفراش، وجوارب قديمة. |
6 | امرأة بلا سواحل | 5 | ||
7 | القصيدة السوداء | 2 | 2 | قارورة، وخرائط، وبوصلة، ونافورة. |
8 | درس خصوصي | 2 | سريره، ومخمل، وحرير. | |
9 | للأنثى قصيدتها وللرجل شهوة القتل | 1 | البواريد، والسكاكين، وكعب حذائي. | |
10 | ثورة الدجاج المجلد | 3 | 3 | الكحول، وقمصان، وسجادة، وثلاجة. |
المجموع | 12 كلمه | 41 كلمه |
أوراقه، وإسوارتي، ودشداشتي، وبيتك، والبسط الحمراء، والأزهار، واللوحات، والتبغ، ومقعده
ويبدو من المقتطفات الشعرية التي تناولت المتعلقات المادية ما كانت تخفيه (أنا) الشاعرة من كبت لرغبتها في إظهار أنوثتها الحقيقية، وحبها الجنوني لـ (الآخر)، الذي أزاح أنوثتها الروحية بمتعلقاته المادية في المشهد الأول من النظام الرمزي، وقد طغى على الشاعرة هذا الشعور الباطني المكبوت في قصائدها التي سبقت قصيدتها (امرأة بلا سواحل)، وهي القصيدة الفاصلة ذاتها التي لم يرد فيها ذكر لكلمة (الأنثى)، ولا لتلك المتعلقات المادية كتحول جذري في مسيرة المشاعر في الديوان، وكإلحاح ثوري في إنجاز رغبتها، ومواجهة الآخر:(15)
مشاعري نحوك بحر ما له ساحل
وموقفي في الحب لا تقبله القبائل
يا سيدي:
أنت الذي أريد
لا ما تريد تغلب ووائل
أنت الذي أحبه
ولا يهم مطلقا
إن حللوا سفك دمي
واعتبروني امرأة
خارجة عن سنة الأوائل
وبالعودة إلى مسيرة الرغبة تطالعنا أول قصيدة بعنوان (تمنيات استثنائية لرجل استثنائي)، والأمنية هي إعلان عن رغبة مكبوتة، وقد وردت الأمنية في المصطلح الألماني (Wunsch) بمعنى رغبة، والرغبة في المصطلح الإنجليزي (Wish) بمعنى أمنية، «وغالبا ما يدل مصطلح Wunsch على الأمنية»(16)، والشاعرة بهذه القصيدة التي افتتحت بها الديوان جعلت الرغبة في مكان الصدارة، كما هي في النظرية النفسية التحليلية، وجاءت (أمنيتها) بإعلان رغبتها أن تكون محبوبة مرغوبة، والتمني هو طلب الشيء العسير حصوله؛ لهذا كانت (الأمنية) تمثل حديث النفس في بداية ديوانها، وهذه الأمنية تعد زلة لسانية تكشف عما في اللاشعور، وهي تسير في اتجاهين، الأول: أنها تثور على (الآخر الكبير) الذي يحدد رغبتها بقوانيه:(17)
ولذا أفضل أن نقول لبعضنا
(حب سعيد)
حب يثور على الطقوس المسرحية في الكلام
حب يثور على الأصول
على الجذور
على النظام
حب يحاول أن يغير كل شيء
في قواميس الغرام
وتتمنى في الاتجاه الآخر أن ينظر (الآخر) إليها نظرة لا تزيح وجودها الأنثوي بالهدايا التي تجعلها في لحظة ما كأنها (هدية) لها ثمن محدد تضاف إلى متعلقاته المادية، وهي في تمنياتها تعيش مع الآخر مرحلة المرآة، أو مرحلة (الذكريات)؛ لتتجاوز الواقع المادي، ولتصل فيما بعد إلى واقع يحقق وجودها الإنساني:(18)
ماذا أريد إذا أتى العام الجديد؟
كيف تجهل يا حبيبي ما أريد؟
إني أريدك أنت وحدك
أيها المربوط في حبل الوريد
كل الهدايا لا تثير أنوثتي
وهكذا تبدو (أنا) الشاعرة المتمنية مرتبكة وقلقة على أنوثتها؛ فكلماتها ترددت في القصيدة بين: (تفضل، ولا تريد، وترفض، وتريد)، وبدا عليها الأعراض العصابية الوسواسية المتمثلة بالصراع النفسي بين كبت رغبتها أو الدفاع عنها، وهيي عن المحللين النفسين(19)«اضطرابات في السلوك أو المشاعر أو الأفكار التي (تبدي) دفاعا ضد القلق، وتشكل تسوية تجاه هذا الصراع الداخلي، تحقق منها الذات في موقعها العصابي شيئا من الكسب»: (20)
(شوبان)
يعزف في جوار المدفأة
قل لي: (أحبك)
كي تزيد قناعتي
أني امرأة
وهذا القلق رافقه حالة من العجز والسخرية، حيث تواكلت فيه (الأنا) على (الآخر)، وبدت متماهية معه إلى الحد الذي أوصلها إلى درجة من التجمد الوجودي، تعيش خلاله حالة من التناقض بين الحضور والغياب؛ فاكتفت مؤقتا كخطوة نفسية دفاعية بالإعلان عن أمنيتها الزائفة في خاتمة القصيدة؛ لتحافظ على مشروع رغبتها المكبوتة في تمردها على الآخر: (21)
يا سيدي:
يا أيها المخبوء من عشرين عاما في الوريد
يا من يغطيني بمعطفه
إذا سرنا في فوق الجليد
ما دمت لاجئة لصدرك
ما الذي من هذه الدنيا أريد؟
ما دمت موجودا معي
فالعام أسعد من سعيد
بهذه الثنائية المتصارعة بين (الأنا) و(الآخر)، وبتلك الأمنية الأولى في مطلع ديوانها أقامت سعاد الصباح بناء رغبتها بالمنظور النفسي التحليلي، هذه الرغبة التي تتعرض للإزاحة والتبديل في مجتمع الشاعرة، وهي رغبة تمر في ديوان (امرأة بلا سواحل) بمحطات تحليلية مرتبطة بمفردات نفسية تعاملت معها الشاعرة كزلات لسانية تسبق مرحلة الذروة في إعلان رغبتها، وهذا ما تؤكده مسيرة القصائد في الديوان كما سيتضح فيما سيأتي من تحليل لها، فها هي الشاعرة في قصيدتها الثانية (اعترافات امرأة شتائية) تؤكد حالة التجمد التي ستثور عليها في قصيدتها الختامية، حيث كرّرت أمنيتها بأنفساها المتقطعة المتمثلة بتهجئة هذه الأمنية بما يليق بها من تشكيل رمزي:(22)
أمنيتي
بأن أكون فتحة
أو ضمة
أو كسرة
أو زهرة صغيرة
في ذلك البستان
لو كان بالإمكان يا صديقي
لو كان بالإمكان
ولكن رغبتها بدأت تستجيب للعلاج خلال اعترافاتها بالحب الجنوني الذي لا حدود له، وهذا الإنجاز الأنثوي في القصيدة الثانية ما هو إلا حالة سريرية من حالات التحليل النفسي في جلسته الأولى، وما هي إلا اعترافات في عالم اللاشعور كشفت عنها كلمات الشاعرة:(23)
هذا أنا يا سيدي
هذا أنا
بغير أصباغ ولا طلاء
حبي شتائي
ولا أشعر أني امرأة
إذا انتهى الشتاء
حبي جنوني
ولا أشعر أني امرأة
إذا لم أحطم قشرة الأشياء
وتأتي القصيدة الثالثة (افتراضات) في حلم اليقظة كسيناريو يشبه صورة الحلم في اللاوعي؛ لتراقب خلاله الشاعرة ردود أفعال (الآخر) إذا نطقت برغبتها، وقد أشارت الدراسات النفسية إلى مصطلح (حلم يقظة) الذي أطلقه فرويد على « سيناريو يتخيله الشخص في حالة اليقظة، مشيرا بذلك إلى تشابه حلم اليقظة مع الحلم العادي»،(24) وتعد هذه (الافتراضات) خطوة في انتقال الرغبة من عالم لآخر، وهي خطوة علاجية تنفيسية تمهد لمرحلة جديدة في مسيرة الإعلان عن الرغبة:(25)
إذا ما افترضنا
إذا ما افترضنا
بأنك لست حبيبي
فماذا أكون ؟
وماذا تكون؟
وتعود الشاعرة إلى المكبوت في القصيدة الرابعة (بصمات)؛ لتضع إصبعها على عمق صراعها مع المكبوت، ولتكرر كلمة (حاولت) سبع مرات، هذه الكلمة التي كشفت عن قلقها، وحاولت خلالها الشاعرة أن تتخلص من تلك المتعلقات التي سلبت أنوثتها، وأزاحت حبها الجنوني، ولكن رغبتها ما زالت حتى هذه المرحلة السريرية تصطدم بـ (الآخر)، والمكبوت كما يقول النفسيون لا يعود بهذا التكرار إلا عندما «يتعلق الأمر بأشياء يريد المريض أن ينساها، وهو يبقيها عن قصد، ويدفع بها، ويكبتها بعيدا عن تفكيره الواعي»؛(26) ولهذا حاولت الشاعرة في ظل هذا القلق الوجودي أن تكون في قصيدتها (بصمات) ساخرة من (الآخر) كتقنية دفاعية هستيرية تلجأ إليها (الأنا) في صراعها داخل النظام الرمزي الاجتماعي:(27)
قل لي يا سيدي
ما أفعل بهذه التركة الثقيلة من الذكريات
التي تركتها على كتفي
وعلى شفتي؟
لقد حاولت أكثر من مرة
أن أتخلص منك ومنها
ولكنني خجلت من بيع تاريخي
وبيع مشاعري
وبيع ضفائري
في المزاد العلني!!
هذا الصراع النفسي المكبوت في العمق، والناتج عن تصعيد القلق بدا جليا في قصيدتها الخامسة (القمر والوحش)، حيث تفصح (الرغبة) عن نفسها بتكرار لفظها، وباحتجاجاتها التفريغية، وبـ «متطلبات داخلية متعارضة بين شعورين متناقضين»؛(28) لتدخل الرغبة فيما يسمى في مصطلحات التحليل النفسي في (إنجاز الرغبة) خلال صراعها مع رغبة أخرى:(29)
تتصارع في أعماقي رغبتان
رغبتي في أن أكون حبيبتك
وخوفي من أن أصبح سجينتك
يتصارع القمر والوحش
والأبيض والأسود
والوجودية والصوفية
والثورة والثورة المضادة
والرغبة في وصالك
والرغبة في اغتيالك
ومسيرة (إنجاز الرغبة) (30) تتطلب أمرين، الأول: انشطار (الأنا) أو تشظيها، و«الانشطار تبعا لفرويد هو نتيجة للصراع»(31) النفسي تجاه الواقع الخارجي السادي الذي يعرقل إنجاز الرغبة:(32)
أتمزق ألف قطعة
بين حضارتك على الورق
وعدوانيتك على النساء
أما المتطلب الثاني لإنجاز الرغبة فيتمثل في مصطلح جاك لاكان النفسي (انعدام) الذي يتلخص في «نبذ أولي لــ (دال) أساسي إلى خارج العالم الرمزي للذات»،(33) وهذا الطرد خارج الذات (الانعدام) يمثل دفاعا أوليا عن الذات، وإدانة قلقة للآخر، تمثلت بالاحتجاجات في مسيرة الرغبة التي مازالت مترددة في الإعلان الصريح عن تمردها:(34)
في داخلي
مسيرات نسائية طويلة
تبدأ من طنجة
وتنتهي في حضرموت
وشعارات مكتوبة بأحمر الشفاه
وأعلام مصنوعة من خيوط جوارب قديمة
واحتجاجات ضد نظام الحزب الواحد
والرجل الواحد
والفراش المتعدد الجنسيات
وتأتي القصيدة السادسة (امرأة بلا سواحل) لتؤسس المشهد التكراري في النظام الرمزي الاجتماعي، حيث سيتكرر بواسطتها المشهد الأول، وذلك حين أزاحت القصيدة (المتعلقات المادية) عن الأنوثة، وأحلت (الحب الجنوني) مكانها، الذي أعاد أنوثتها المسروقة (كالرسالة المسروقة).
ومن هذه القصيدة التي تحمل عنوان الديوان يبدأ أول اختفاء لكلمة الأنوثة، أي (تُسرق) أو (تغيب) الكلمة من القصيدة بمتعلقاتها المادية؛ لـ (يحضر) محلها (الحب) في عملية التبادل الأفقي في المثلث الاجتماعي الإنساني القائم على ثلاثية (الأنا) و(الآخر) و(السلطة):(35)
يا سيدي:
سوف أظل دائما أقاتل
من أجل أن تنتصر الحياة
وتورق الأشجار في الغابات
ويدخل الحب إلى منازل الأموات
لا شيء غير الحب
يستطيع أن يحرك الأموات
يا سيدي
لا تخش أمواجي ولا عواصفي
ألا تحب امرأة بلا سواحل؟!
وأثثت الشاعرة القصيدة السابعة (القصيدة السوداء) بمتعلقات جغرافية (البوصلة، والخرائط)؛ لتُمكّن الحب الجنوني (المخبر السري في الرسالة المسروقة) من العثور على (أنوثتها المسروقة) ولتصل إلى رغبتها في ركام النظام الرمزي الاجتماعي الذي خلفته الحرب الثلاثية بين (الأنا)، و(الآخر)، و(السلطة):(36)
قد كسرتني الحرب يا صديقي
ولخبطت خرائط الوجدان
وحطمت بوصلة القلب
وقدمت الشاعرة في قصيدتها الثامنة (الدرس الخصوصي) درسا نفسيا (للآخر) يبدو وكأنه من سيمينار جاك لاكان التحليلي عن الرسالة المسروقة، حيث عرضت خبرة (الوزير، والخبير السري (وهما شاعران) في تعرف العلاقة بين قيمة الشيء، وبين فضائه المكاني)، فالظاهر للعيان هو الذي تريده الشاعرة من الآخر أن يلتفت إليه (كالرسالة المسروقة، أو الأنوثة المسروقة في حبها)، فالملكة أظهرت أمام الملك ما لم ترد إظهاره؛ لتصرف عنها الشكوك، وكذلك فعلت سعاد الصباح عندما جعلت الأنثى في (الدرس الخصوص) خجولة، وبسيطة، وطفلة لا حول لها ولا قوة، كما أن الشاعرة لم تذكر في درسها الخصوصي كلمة (الأنثى) الموجودة في قصائد الديوان كلها باستثناء القصيدة الفاصلة (امرأة بلا سواحل)؛ لتصل بعد (الدرس الخصوص) إلى إنجاز رغبتها:(37)
لا تنتقد خجلي الشديد فإني
درويشة جدا ، وأنت خبير
يا سيد الكلمات هبني فرصة
حتى يذاكر درسه العصفور
خذني بكل بساطتي وطفولتي
أنا لم أزل أحبو وأنت كبير
وجاءت القصيدة التاسعة (للأنثى قصيدتها وللرجل شهوة القتل) لتمثل مرحلة المخاض، والتحدي الأوديبي لـ (السلطة)، ولتكون الصدمة لمتعلقات (الآخر) المادية (البواريد، والسكاكين)، وثنائية (الآخر) و(السلطة) لم تتوقع من (الأنا) المتجمدة أن تكون جادة في إنجاز رغبتها، ولم توقع بعد هذا الكبت قوة (الكلمة - الحب) في أزاحة الآخر، لتحل مكانه في النظام الاجتماعي، أو لتبادله الموقع الكلامي: (38)
سيظلون ورائي
بالبواريد ورائي
والسكاكين ورائي
والمجلات الرخيصة ورائي
فأنا أعرف ما عقدتهم
وأنا أعرف ما موقفهم
من كتابات النساء
غير أني
ما تعودت بأن أنظر يوما للوراء
فأنا أعرف دربي جيدا
والصعاليك على كثرتهم
لن يطالوا أبدا كعب حذائي
وهكذا احتوت القصيدة الختامية (ثورة الدجاج المجلد) على أكبر عدد من مفردات الأنوثة في الديوان، لتعلن الشاعرة جهرًا ولادة (الأنثى) الناضجة التي أنجزت رغبتها بامتياز، خلال ثورتها على النظام الثنائي المتماهي مع (الآخر) و(السلطة)، وإدراكها الواعي لمعادلة (الحضور) و(الغياب) للدوال في النظام الرمزي الثلاثي، الذي لا يستطيع (الآخر) بعد ثورتها أن يسرق أنوثتها أمام عينيها مرة أخرى:(39)
سأعلن يا أيها الديك
أني انتقمت
لكل نساء العشيرة منك
وأني طعنتك
مثنى
ثلاثا
رباعا
وأني دفنتك تحت الطلول
ولن أتراجع عما أقول
ويمكننا بعد هذه المسيرة النفسية التحليلية في ديوان (امرأة بلا سواحل) من منظور الفكر النفسي التحليلي، لا سيما من منظور المفكر الفرنسي جاك لاكان لرغبة الأنثى وإنجاز (الأنا) خلال صدامها مع (الآخر، والسلطة) تصنيف مسيرة الديوان إلى ثلاثة أوضاع وظيفية في بنية واحدة على النحو الآتي:
النظرة الأولى: نظرة العادات، والتقاليد، والدين، والمجتمع (السلطة)، هذه النظرة التي لا ترى الأنثى في وسطها الذكوري، أو تتجاهل وجودها، فتسمح بذلك لـ (الآخر) من النظر إليها على أنها (هدية) لها ثمن من متعلقاته المادية.
النظرة الثانية: نظرة (الأنثى) التي ترى أن (السلطة) لا تنظر إليها كواقع وجودي متكلم، وشريك إنساني أساسي في الحياة الإنسانية، له مشاعر وأحاسيس، وهي إن كبتت حبها الجنوني، وأنوثتها الحقيقية خلال تظاهرها المؤقت برغبة القبول للواقع؛ كي لا تتعرض إلى نقد (السطلة) في مجتمعها الذكوري، إلا أنها في مشروعها الإنساني النسوي تؤسس في المقابل واقعا إنسانيا يحقق رغبتها كـ (أنا) متكلمة لها وجود ثابت في المثلت الاجتماعي، ويحق لها التبادل الأفقي مع الآخر في ظل الاستعارة العمودية المناسبة (السلطة) التي تحقق لها ذلك.
والثالثة: نظرة (الآخر) الرجل، أو الزوج، أو الأخ، أوربما المرأة الخانعة والرافضة لوجود امرأة ثائرة، هذه النظرة التي استغلت وضع النظرتين الأولى والثانية تجاه الأنثى، النظرة الأولى التي لا ترى (الأنثى) كإنسان له وجود لغوي مستقل في المجتمع، والنظرة الثانية التي تكبت مشاعر (الأنثى)؛ وهذا الوضع المرآوي التبادلي في المتخيل ( نظرة الأنثى للسلطة، ونظرة السلطة لها) هو الذي دفع الدال الثالثة (الآخر) للحضور المستقل في المشهد الاجتماعي الرمزي أو اللغوي.
الهوامش:
(1) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، معجم مصطلحات التحليل النفسي، ترجمة وتقديم، مصطفى حجازي، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1/2011)، ص14.
(2) منال شحاته، مصطلحات لاكانية، أوراق فلسفية، العدد16، (2007)، ص301.
(3) منال شحاته، ص307.
(4) عدنان حب الله، التحليل النفسي للرجولة والأنوثة من فرويد إلى لاكان، ( دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1/2004)، ص61.
(5) منال شحاته، ص305.
(6) منال شحاته، ص303.
(7) السيد إبراهيم، المتخيل الثقافي ونظرية التحليل النفسي المعاصر، ( مركز الحضارة العربية، القاهرة، ط1، 2005)، ص29.
(8)عبد المقصود عبد الكريم، جاك لاكان وإغواء التحليل النفسي، (المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 1999)، ص230.
(9)عبد المقصود عبد الكريم، ص241.
(10) عبد المهدي الجراح، الوظائف الترابطية للشكل اللغوي التكراري في ديوان ( امرأة بلا سواحل) للشاعرة سعاد الصباح، دراسات، المجلد35، العدد3،(2008)، ص557.
(11) عبد المهدي الجراح، ص560.
(12) السيد إبراهيم، ص66-67.
(13) منال شحاته، ص298.
(14) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص447-448
(15) سعاد الصباح، امرأة بلا سواحل، (دار سعاد الصباح، الكويت، ط4/2005)، ص97.
(16) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص446.
(17) سعاد الصباح، ص20.
(18) سعاد الصباح، ص21.
(19) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص543.
(20) سعاد الصباح، ص23.
(21) سعاد الصباح، ص22.
(22) سعاد الصباح، ص38.
(23) سعاد الصباح، ص35.
(24) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص509- 410
(25) سعاد الصباح، ص51.
(26) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص680.
(27) سعاد الصباح، ص67-68.
(28) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص506.
(29) سعاد الصباح، ص83.
(30) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص218.
(31) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص223.
(32) سعاد الصباح، ص88.
(33) جان لابلانش، وجان برتراند بونتاليس، ص229.
(34) سعاد الصباح، ص89
(35) سعاد الصباح، ص98-99
(36) سعاد الصباح، ص108.
(37) سعاد الصباح، ص123.
(38) سعاد الصباح، ص133-134.
(39) سعاد الصباح، ص148.