سياسة الاغتيالات
في دراسة الشخصية العربية وحركة المجتمعات يظهر الحاسوب أنه عند اغتيال الشخصيات المؤثرة يمكن للقوى الغربية تغيير اتجاه الدول لتصب في مصلحتها، طبقت هذه الدراسات عملياً باغتيال جمال عبد الناصر وهواري بومدين والقذافي، وجدنا بعدها تغييراً لمسار مصر وليبيا وفي مرحلة ما في الجزائر(مرحلة عبدالعزيز بوتفليقة).
تقوم إسرائيل بتطبيق هذه الدراسات على نطاق واسع في تصديها لأعدائها فنجد أن الاغتيال أسلوبها المفضل في اغتيال القادة والمؤثرين، على سبيل المثال اغتيال قادة فتح المبدئيين أمثال كمال عدوان وخليل الوزير وانتهاء بياسر عرفات، وفي تنظيم لا يحمل أفكاراً عقائدية، نجحت إسرائيل في تغيير خط سير هذه الحركة التي أصبحت أداة طيعة في يدها، بينما نجد أن إسرائيل وهي تطبق هذه السياسة مع الحركات التي تحمل عقيدة ثابتة تفشل دائماً، وجدنا ذلك في الاغتيالات التي طالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله في لبنان.
هناك حالة أخرى تفشل فيها سياسة الاغتيالات وهي وجود ديمقراطية حقيقية في الدولة حيث يتم فيها استبدال الرئيس المغتال بآخر بحيث لا يتأثر الخط العام للدولة، ولعل الانتخابات الأخيرة في إيران شاهد على ذلك.
تبدو نذر حرب كبرى في أفق منطقة الشرق الأوسط، حرب كهذه قد تغير خريطة المنطقة كلها، ولم يكن أحد من دول المنطقة وحتى الدول الكبرى يرغب في حرب كهذه، وفيما يلي مواقف الأطراف التي ستشترك في هذه الحرب.
1. قوى المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس
لم يكن هدف هذه القوى حرباً كبرى كهذه في الوقت الحاضر. كان هدف حماس وقف دائم لإطلاق النار بشرط انسحاب إسرائيل من غزة وإعادة الإعمار، في نفس الوقت تستثمر انتصارها الذي تحقق بعد 7 اكتوبر، بعد أن كسرت فصائل المقاومة هيبة إسرائيل وأنهت أسطورة تفوقها الى الأبد.
2. حزب الله
اشترك حزب الله في الحرب منذ البداية، كانت استراتيجية الحزب مبنية على إسناد فصائل المقاومة وعدم السماح بهزيمة حماس. حتى هجوم الطائرات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية واغتيال الحاج محسن رئيس أركان حزب الله، حيث أعلن نصر الله أن مرحلة جديدة قد بدأت بعد أن تخطت إسرائيل الخطوط الحمر التي وضعها الحزب لها. تشير الدلائل أن حسن نصر الله كان يتوقع الفعل الإسرائيلي بل كان ينتظره، كان مهماً له أن تكون الجبهة الداخلية في لبنان مؤيدة له أو تقف على الحياد على الأقل. جاءه دعم غير متوقع من وليد جنبلاط بعد اغتيال إسرائيل لأطفال مجدل شمس.
3. الإدارة الأمريكية
قبل ستة أشهر من الانتخابات الأمريكية التي تجري كل أربع سنوات في شهر نوفمبر، توصف الإدارة ورئيسها بأنها البطة العرجاء، بمعنى أنها لا تتخذ قرارات كبيرة تؤثر على مسار الدولة مثل شن الحرب أو الدخول في حرب ما، هكذا نجد أن هذه الإدارة التي لم يرشح رئيسها نفسه في وضع حرج، فهي تلزم نفسها بالدفاع عن إسرائيل كسياسة عامة، ومن هنا حنق هذه الإدارة على الورطة التي أوقعتها فيها إسرائيل ونتنياهو.
4. إسرائيل
عندما نقول اسرائيل فالقصد بنجامين نتنياهو، ملك إسرائيل غير المتوج. في نظر نتنياهو العدو الوحيد الذي يحسب له كل حساب هو إيران، هذه العداوة ليست وليد الساعة بل إنها تمتد الى سنوات طويلة تصل الى عام 2009 عندما تولى رئاسة وزراء إسرائيل، كان هاجس نتنياهو وما زال البرنامج النووي الإيراني وامكانية حصول إيران على قنابل نووية تهدد بها إسرائيل وعبر عن ذلك في خطبته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك.
جاء العون لنتنياهو عند انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة إذ أمر باغتيال قاسم سليماني عدو إسرائيل اللدود. ولكن سرعان ما تبخر حلمه بإشراك الولايات المتحدة بالهجوم على إيران بعد الضربة القاسية التي وجهتها إيران لقاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق. كانت الضربة كفيلة بإرجاع ترامب الى قواعده كرجل أعمال وليس كجنرال عسكري.
لم يتغير عداء نتنياهو لإيران وكان يقوم باستفزازها بشكل مستمر عبر الهجوم على أعضاء الحرس الثوري في سوريا والعمل على منع وصول إمدادات الأسلحة لحزب الله. حتى وصل الأمر الى ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل قادة كبار في الحرس الثوري. الأمر الذي لم تستطع إيران التغاضي عنه. حيث وجهت ضربة محدودة للكيان ولكن شاركت قوات غربية كثيرة في التصدي لهذه الضربة ومن المؤسف ان تكون أجواء الأردن هي مكان التصدي وبمشاركة قوات أردنية.
ما حدث أدخل في عقل نتنياهو أنه يمكن لإسرائيل أن تعتمد على هذه القوى للتصدي بدون أن تكلف إسرائيل أية طلقة. وهذا الأمر شجعه على مهاجمة إيران بطرق مختلفة ومن بينها اغتيال رئيسي وعبد اللهيان في حادث تحطم الطائرة التي تقلهم من حدود أذربيجان عائدين الى طهران وتحليلي أن الموساد الذي رافق رئيس أذربيجان حليف إسرائيل استطاع التسلل الى طائرة رئيسي وتخريبها أو وضع قنبلة موقوتة فيها يمكن تفجيرها عن بعد.
اعتبرت القيادة الإيرانية أن هذا الحادث قضاء وقدر واعتبرت قتلى الحادث شهداء واستمرت في طريقها فهناك برامج تنمية وتطوير للدولة قد يتوقف لو تم إعلان الحرب على الجارة أذربيجان.
كان على نتنياهو والموساد أن يجدا طريقة أخرى لجر إيران والولايات المتحدة للحرب، وهكذا كان اغتيال ضيف الدولة إسماعيل هنية في داخل طهران. أصبحت المسألة مسألة شرف كما عبر عنها حسن نصر الله.
يعوّل نتنياهو على ضرب الولايات المتحدة بإيران بينما تقوم إسرائيل عملياً بالدفاع السلبي أي بحماية نفسها فقط ولكنه نسي أن هذه الحرب ستقوم على أرض فلسطين وفي أجوائها لأول مرة بعد أن كانت كل حروب الكيان الصهيوني على الأراضي العربية.
أحياناً كثيرة عندما يكون أحد الأطراف المتحاربة يتحلى بالصلف والغرور والتعجرف فإنه كثيراً ما تفوته وقائع على الأرض، وينطبق الأمر الى حد كبير على نتنياهو الذي يعتبر أعداءه برابرة متوحشين لايستحقون الحياة، عزز هذا العمى الاستراتيجي كمية التصفيق التي قوبل بها من أعضاء الكونجرس الذين وصلوا الى هذه العضوية عن طريق التبرعات السخية لللوبيات الصهيونية مثل الايباك وغيرها. وصل به العمى الى حد وصف طلبة الجامعات والشارع الأمريكي المناوئ للحرب بأنهم حمقى وعملاء لإيران. وهكذا نكتشف أن بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عميل لإيران على طريقة نتنياهو!.
لا يستطيع نتنياهو رؤية أن جيش إسرائيل أنهكته الحرب الطويلة وأنه غير قادر على أية مواجهة كبيرة.
سيدخل نتنياهو التاريخ على أنه أحد الأسباب التي أدت الى سقوط دولة إسرائيل وذلك ضمن أسباب عديدة من أهمها أن الكيان كله كالبناء بدون أساس، بناء دولة على أشلاء شعب آخر، على تفوق عرق ودين على باقي سكان المعمورة.
الحرب القادمة ستكون مكلفة لشعوب المنطقة ولكن ثبت على مدى الصراع الطويل أنه لا يمكن للجسم أن يتعافى إلا إذا تمت إزالة الغدة السرطانية من هذا الجسم.
النصر دائماً للشعوب والفجر قادم.