الثلاثاء ٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم مفلح طبعوني

عامٌ على منتدى النّاصرةِ الثّقافيِّ

أَنْ تَكتُبَ عن مُنتدى النّاصرةِ الثّقافيِّ ومُرورِ سَنَةٍ على تَأسيسِهِ بِأَفعالِهِ وبَرامِجِهِ، يَعني أَنْ تَستَفِزَّ بَعضَ الانتهازيِّين الّذينَ لا يُعجِبُهُمُ العَجَبُ ويَلوكُونَ أَعمالَ الآخَرينَ ويَنتَقِدونَ نَجاحاتِهِم بِسَببٍ أَو بِدونِ سَببٍ، لا يَتَحَدَّثونَ إِلّا عنِ السَّلبيّاتِ. طَبعًا هذا لا يَعني أَنَّهُ لا يُوجَدُ أُناسٌ ومُؤَسَّساتٌ راقِيَةٌ أَمثالُ مَجلِسِ الطّائِفَةِ الأُرثوذُكسيَّةِ الّذينَ يُدَعِّمونَ الإبداعَ والثَّقافَةَ والعَطاءَ.
على كُلِّ حالٍ، دَعونا مِنَ الحَديثِ عنِ السَّلبيّاتِ لِنَدخُلَ بالإيجابيّاتِ. مُنذُ تَأسيسِ المُنتدى أَقمْنا نَدواتٍ ذاتَ قِيمَةٍ راقِيَةٍ: كَرَّمْنا البروفيسور هاني صَبّاغ، والدُّكتور رامي كُردوش، والأُستاذَ المُحامي المُبدِعَ في هذا المَجالِ فُؤاد نَقّارة. افتَتَحْنا أَعمالَنا بِمَهرَجانٍ إبداعيٍّ راقٍ، والخ…

والسَّببُ في نَجاحِنا في كُلِّ أَعمالِنا يَعودُ إلى العَمَلِ الجَماعيِّ، خُصوصًا بَينَنا وبَينَ الطّائِفَةِ الأُرثوذُكسيَّةِ. هَدَفُنا الأَوَّليُّ والمَركزيُّ في مُنتدانا: إِخراجُ مُجتَمَعِنا، خُصوصًا الجيلَ الجديدَ، مِنَ الأَزَماتِ الاجتماعيَّةِ الّتي تُعَرْقِلُهُ وتُحاوِلُ تَدميرَهُ بِسَببٍ أَو بِدونِ سَببٍ.

نَعِدُكُم أَن نَستَمِرَّ بالنَّهجِ نَفسِهِ وبِنَفسِ الأُسلوبِ، ولا نَنتَظِرُ المُقابِلَ، لأَنَّنا لَسنا مِن هذا النَّوعِ مِنَ البَشَرِ. سَتكونُ بَرامِجُنا حافِلَةً وغَنِيَّةً بِالثَّقافَةِ ومُشتَقّاتِها لِنَرفَعَ مِن قِيمَةِ شَعبِنا الّذي بِأَمسِّ الحاجَةِ إِلَيها.

لَن نَنغَلِقَ على أَنفُسِنا في مَدينَتِنا الحَبيبةِ النّاصرةِ، بَل سَنَتَوَسَّعُ إلى المُدُنِ والقُرى الّتي حَولَنا مِن أَجلِ الإفادَةِ والاستِفادَةِ. في كُلِّ الأَحوالِ، وعلى رُؤوسِ الأَسبابِ، نَعِدُكُم أَن نَستَمِرَّ بِالعَطاءِ والنَّقاءِ والإبداعِ.

الحَرثُ الثّقافيُّ هو بَعثَرَةُ الأَبجَدِيَّةِ ولَملَمَتُها مِن جَديدٍ، لِتَرتيبِها على الأَوراقِ بإيجابيَّةٍ وتَناسُقٍ لِلإفادةِ مِنها بِتَوسيعٍ وتَركيزٍ. أَيُّ سَردٍ أَدَبيٍّ وإبداعيٍّ لا يَتَوازَنُ داخِلَ النَّصِّ يَكونُ مَبتورًا مُتَناقِصًا وبَعيدًا عنِ التَّكامُلِ.

نَحنُ في "مُنتدى النّاصرةِ الثّقافيِّ" الّذينَ نَقَشنا في ساحاتِ مَدينَتِنا النّاصرةِ ما قالَ توفيقُ زيّاد:

كَأَنَّنا عِشرونَ مُستَحيلْ
في اللِّدِّ، والرَّملةِ، والجَليلْ
وما قالَ محمودٌ دَرويش:
سَجِّلْ! أَنا عَرَبيٌّ
ورَقمُ بِطاقَتي خَمسونَ أَلفْ
وأَطفالي ثَمانِيَةٌ
وتاسِعُهُم… سَيَأتي بَعدَ صَيفْ!
فَهَلْ تَغضَبْ؟
وما قالَهُ سَميحُ القاسِم:
تَقَدَّموا
تَقَدَّموا
كُلُّ سَماءٍ فَوقَكُم جَهنَّمْ
وكُلُّ أَرضٍ تَحتَكُم جَهنَّمْ
تَقَدَّموا

ونَحنُ الّذينَ احتَضَنّا الشّاعِرَ عبدَ الرّحيمِ مَحمود (أبو الطّيّب) الّذي خَرَجَ مِن ساحَةِ العَينِ إلى قَريَةِ الشَّجرَةِ، وشارَكَ في مَعرَكَتِها عامَ نَكبَةِ الـ48، واستُشهِدَ فيها، وهو القائِل:

سَأَحمِلُ رُوحي على راحَتي
وَأُلقِي بِها في مَهاوي الرَّدى
فَإِمّا حَياةٌ تُسِرُّ الصَّديقْ
وَإِمّا مَماتٌ يُغيظُ العِدى

نَحنُ أَحفادُ وأَبناءُ الّذينَ أَقاموا النَّدواتِ الإبداعيَّةَ والشِّعريَّةَ في ساحاتِ مَدينَتِنا النّاصرةِ، خُصوصًا ساحَةَ أَوَّلِ أيّار، وساحَةَ عينِ العَذراء، وطَبعًا ساحَةَ هذهِ الكَنيسَةِ.

ومَن مِنّا لا يَذكُرُ انطِلاقَ فُؤادِ خوري ورِفاقِهِ مِن هذهِ السّاحَةِ لِحِمايَةِ وَطنِهِ ومَدينَتِهِ مِنَ الحُكمِ العَسكَريِّ وأَذرُعِهِ؟

ومَن مِنّا لا يَذكُرُ رِثاءَ عبدِ النّاصِرِ بِجِنازَتِهِ الرَّمزيَّةِ الّتي وَصَلَت مِن جامِعِ السَّلامِ إلى ساحَةِ الكَنيسَةِ لِلأَبِ سِمعانَ نَصّار؟

تَفاعُلُنا مَعَ بَعضِنا هو سِرُّ نَجاحِنا، وانسِجامُنا مَعَ تَفاعُلِنا مَعَ الآخَرينَ المُتَلَقّينَ هو رَكائِزُ استِمرارِنا.

سَنَظَلُّ على الوَفاءِ لِلإبداعِ والثَّقافَةِ.

إبداعاتُنا وثَقافَتُنا لَها خُصوصيَّةٌ مُتَفَرِّدَةٌ، رَغمَ مُحاوَلاتِ البَعضِ، عن قَصدٍ أَو غيرِ قَصدٍ، حَصرَها في زاوِيَةٍ غيرِ مُتَحَرِّكَةٍ.

نَحنُ نَعتَقِدُ أَنَّ الإبداعَ الفِلسطينيَّ مُنسَجِمٌ مَعَ بَعضِهِ البَعضِ بِأَريَحيَّةٍ، بِشُموليَّةٍ مُركَّزَةٍ، وتَمازُجٍ مُتَفاعِلٍ بِخُصوصيَّةٍ. أَمّا بَعضُ الفُروقاتِ البَسيطَةُ، فلا تَعني أَكثَرَ مِن فُروقاتٍ مَعَ ذاتِها.

وأَيُّ مُحاوَلَةٍ لِفَصلِ إبداعاتِنا بَينَ "الهُنا" و"الهُناكَ" سَتَحلُّ مِن إِسقاطاتِ الفَصلِ مُترَهِّلَةً مَمجوجَةً.

نَحنُ نَفتَخِرُ في "مُنتدى النّاصرةِ الثّقافيِّ" أَنَّ إبداعاتِنا لَم تُكتَبْ بِالقُوَّةِ والعُضُلاتِ والبَارودِ، وإنّما كُتِبَتْ بِالتُّرابِ والنُّورِ وأَقلامِ القَصَبِ، كُتِبَتْ بِالدَّمعِ والحُبِّ والعَتَبِ.

لَنا ولَكُمُ المَجدُ في كُلِّ زَمنٍ، يا أَحبابَ الوَطنِ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى