الأحد ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٠
بقلم عمرو صابح

عـبد النـاصر ومظاهرات نوفمبر 1968

ناصر 67.. هزيمة الهزيمة"مجموعة من 5 كتب صدرت بمناسبة مئوية ميلاد الرئيس جمال عبد الناصر.

 الكتب الخمسة تضم مجموعة من محاضر اجتماعات ومباحثات للرئيس عبد الناصر مع وزراءه ومعاونيه وحكام العالم العربى خلال الفترة من يونيو 1967 حتى تولى السادات الرئاسة فى أكتوبر 1970.

 د.هدى جمال عبد الناصر أعطت تلك المجموعة من المحاضر للأستاذ مصطفى بكرى الذى تولى نشرها، لم يقم الأستاذ مصطفى بكرى بتحقيق المحاضر، بل قام بتقسيم المحاضر حسب الموضوعات التى تتناولها، ولم ينشرها وفقاً لسياقها التاريخي، ولكنه بدأ كل كتاب بمقدمة موجزة عن موضوعات محاضره، ثم كتب ملخص فى مقدمة كل محضر من محاضر الرئيس عبد الناصر، كما انه حذف بعض فقرات المحاضر.

 خطورة محتوى تلك المحاضر يتمثل فى كونها تقدم جزء من صورة ما جرى فى مصر خلال تلك الفترة، ولا تقدم الصورة الكاملة، فهى ليست المحاضر الكاملة للرئيس جمال عبد الناصر خلال الفترة من 1967 حتى عام 1970، كما ان عدم تقديم قراءة لها أو عرض لما تحقق من الكلام الذى قيل فيها، خاصة ان نشرها لم يتم وفقاً لترتيب حدوثها تاريخياً، سيجعل القارئ يصل لاستنتاجات خاطئة عن جمال عبد الناصر وعهده.

ويمكن تطبيق ذلك على كلام الرئيس جمال عبد الناصر هنا:

 الصورة لمقتطف من حديث الرئيس جمال عبد الناصر فى مجلس الوزراء فى مساء يوم 25 نوفمبر 1968 تعليقاً على مظاهرات الطلاب فى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، لو قرأت كلام عبد الناصر هنا، هيكون تفسيره انه يريد ضرب الطلاب ببنادق الرش فى أرجلهم بدلاً من ضربهم بالعصيان!!

لكن قبل ما نقتطع جزء من كلام عبد الناصر ونبنى عليه أحكام خاطئة، لابد من مراجعة أصل الموضوع.

بدأت القصة يوم 18 نوفمبر 1968 عندما أصدر وزير التربية والتعليم محمد حلمى مراد قانوناً جديداً للتعليم ينهى السماح لطلاب المدارس الثانوية بدخول الامتحانات لأى عدد من المرات، ويرفع درجة النجاح الصغرى فى عدد من المواد بالمرحلة الثانوية، وأنهى الانتقال الآلى من صف دراسى إلى آخر فى المرحلة الابتدائية، ووضع حدا أدنى من الدرجات للالتحاق بالمرحلة الإعدادية.

يوم 20 نوفمبر 1968 خرج طلاب المدارس الثانوية فى المنصورة، خاصة طلاب المدارس الخاصة وكانت للفاشلين والمتعثرين دراسياً، فى مظاهرات رافضة للقانون، وازدادت المظاهرات فى اليوم التالى 21 نوفمبر بعد انضمام طلبة وأساتذة المعهد الدينى الأزهرى إلى المظاهرات وإعلانهم الإضراب العام، وتم تنظيم مسيرة ضخمة طافت بشوارع المنصورة وتوجهت لمديرية الأمن وهاجمتها وبعد كر وفر بين الشرطة والمتظاهرين سقط 4 قتلى من المتظاهرين وأصيب العديد من الضباط والجنود واتسع نطاق المظاهرات التى بدأت تهتف ضد النظام، وحمل طلاب المعهد الأزهري شيخ كفيف على أعناقهم أخذ يهتف:

أقبل.. أقبل يا ديان!!

اتضح فيما بعد ان هذا الشيخ هو عمر عبد الرحمن الأب الروحى للإرهاب ومفتى الجماعة الإسلامية، فى اليوم التالي تمت عملية اعتقالات لقادة المظاهرات من الطلاب.

الغريب ان القانون الجديد لم تكن له أى صلة بالمعاهد الأزهرية.

 مساء يوم 22 نوفمبر 1968 قرر عدد من أبناء المنصورة الذين يدرسون بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية -وعلى رأسهم الطالب عاطف الشاطر رئيس اتحاد طلاب كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية- عقد مؤتمر فى الكلية لمناقشة مظاهرات المنصورة!!

أصدر الطلاب فى مؤتمرهم قراراً بعزل عبد الحميد حسن رئيس اتحاد طلاب جامعات مصر من منصبه، وعينوا بدلاً منه الطالب حسين عيد، وبعد ساعتين من النقاش الساخن قرر الطلاب الخروج فى مظاهرة ضخمة ضد النظام فى شوارع مدينة الإسكندرية، وتكررت المواجهات بينهم وبين الشرطة التى فضت المظاهرة وأعادتهم إلى داخل الجامعة وحاصرتها، اتصل سامى شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر بمحافظ الإسكندرية أحمد كامل وطلب منه التوجه للجامعة وإنهاء الموقف، بالفعل ذهب أحمد كامل للجامعة، واجتمع بالطلاب فيها وأصدر أوامره لمدير الأمن من أجل الإفراج عن الطالب عاطف الشاطر وإحضاره للجامعة، وبعد نقاشات حادة ومحاولات من بعض الطلاب لاحتجاز أحمد كامل فى الجامعة كرهينة وتحذيرات من الأمن باقتحام الجامعة، سلم الطلاب أحمد كامل مجموعة من مطالبهم التى تضمنت:

محاكمة شعراوي جمعة وزير الداخلية، الإفراج عن المعتقلين فى مظاهرات المنصورة، تطبيق برنامج 30 مارس، إطلاق حرية الصحافة والنشر.

استولى الطلاب على ماكينة الطباعة الخاصة بكلية الهندسة،وقاموا بطبع المنشورات والبيانات التى تهاجم النظام، واستطاعوا تهريبها خارج الجامعة وتوزيعها على نطاق واسع فى مدينة الإسكندرية.

فى يوم 24 نوفمبر 1968، قررت الحكومة إغلاق الجامعات وتعليق الدراسة بها حتى إشعار أخر، وفى صباح يوم 25 نوفمبر 1968، حدث إضراب فى الإسكندرية، كما شهدت المدينة مظاهرات على نطاق لم تشهده من قبل، انتهت بصدام دام مع الشرطة ومات ستة عشر شخصًا، 3 طلاب،12 من الأهالى، وتلميذ عمره 12 عاما سقط تحت أقدام المتظاهرين.

وأبلغ عن وصول 167 مصابا من الأهالى إلى المستشفيات، كما أصيب 247 من رجال الشرطة (19 ضابطا و228 جنديا)، وألقى القبض على 462 شخصا، أفرج عن 78 منهم لأن سنهم أقل من 16 سنة، وأفرج عن 19 لعدم كفاية الأدلة، وحبس الباقون وعددهم 365 على ذمة التحقيق، ووفقا لما ذكره وزير الداخلية شعراوى جمعة، فإنه تلقى تقريرا بالصور الفوتوغرافية حول الممتلكات، التى دمرت أثناء المظاهرات وتتضمن:

تحطيم 50 سيارة أتوبيس نقل عام، 270 لوح زجاج ترام، 116 إشارة مرور، 29 كشك مرور، زجاج 11 محلا تجاريا منها جمعية استهلاكية نهبت جميع محتوياتها، زجاج عدد من سيارات القطاع العام والخاص، وعدد من مصابيح الإضاءة فى الشوارع.

فى ظهر يوم 25 نوفمبر 1968،اتصل أحمد كامل محافظ الإسكندرية بسامى شرف سكرتير الرئيس عبد الناصر، وقال له:

أبلغ الرئيس ان الحوار مع الطلبة لن يجدي نفعاً، وأننى أريد أن يتدخل الجيش لإنهاء الاعتصام، بعد دقائق جاءه رد الرئيس عبد الناصر الذى أمره أن يتلقى اتصال من وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى القائد العام للقوات المسلحة،لكي يبلغه بطلباته.
لم تمر دقائق حتى اتصل به الفريق أول محمد فوزى وقال له: وضعت قائد المنطقة العسكرية الشمالية تحت قيادتك، أخبره بطلباتك وسيقوم بتنفيذها على الفور، طلب أحمد كامل من قائد المنطقة العسكرية الشمالية أن يعطى أوامره لقيادة الطيران فى المنطقة لكي يتم إرسال عدد من طائرات الهليكوبتر فوق مواقع اعتصام الطلبة، كما طلب منه وضع بعض قوات الجيش لتدخل إلى المحافظة وتمر بدباباتها وأسلحتها فى استعراض للقوة من أمام كلية الهندسة.

يقول أحمد كامل» فى مذكراته:

عندما وصلت طائرات الهليكوبتر فوق الكلية شاركت الطبيعة فى إخراج مسرحى للموقف، فقد تزامن معها رعد وبرق ومطر، ومع أصوات الرياح، وتصور الطلاب أن الطيران سوف يقوم بقصف الجامعة، وفى نفس الوقت مرت فيه بعض قوات الجيش أمام الجامعة، وتمركزت بعض الوحدات فى الاستاد الرياضى المجاور، و هنا رن جرس التليفون فى مكتبى، وكان المتحدث أحد قادة الاعتصام، الذى أبلغنى قرار قادة الطلاب بإنهاء الاعتصام.

 هذه هى الوقائع التى سبقت اجتماع الرئيس جمال عبد الناصر بمجلس وزراءه فى مساء يوم 25 نوفمبر 1968، والذى تم اقتطاع هذا الجزء من حديث الرئيس منه.

 الواضح من حديث الرئيس عبد الناصر ان هدفه كان تخويف الطلاب بعد احساسه انهم تصوروا أنفسهم أقوى من الدولة، وانه طلب من وزير الداخلية استخدام بنادق الرش لتهديدهم ولأن صوتها هيخليهم يتركوا المظاهرة ويجروا، كما ان حديث الرئيس هنا جاء بعد نهاية المظاهرات، وهو يعبر عن أفكاره خلال أيام المظاهرات.

 فى فبراير 1968 اندلعت مظاهرات طلابية وعمالية بالقاهرة احتجاجاً على الأحكام الصادرة ضد قادة سلاح الطيران فى حرب 5 يونيو 1967، كانت تلك المظاهرات هى أول مظاهرات منذ أزمة مارس 1954 ضد نظام حكم جمال عبد الناصر، وقد استجاب عبد الناصر للمتظاهرين،فأعاد المحاكمات،وأصدر بيان 30 مارس الذى نص على وضع دستور دائم للدولة،وإقرار مبادئ حرية الفكر،والفصل بين السلطات،وإنشاء محكمة عليا، ودعا للمجتمع المفتوح، فى نفس الوقت كان النظام الناصري مأزوماً بسبب أثار حرب 1967، فى الداخل يحاول الحفاظ على مكتسبات الثورة وإعادة بناء القوات المسلحة، وكان قد بدأ حرب الاستنزاف ضد العدو الإسرائيلى فى سيناء، وفى الخارج كان يحاول استثمار أرصدته فى العالم من أجل اكتساب المزيد من دول العالم إلى صفه خلال معركته.

عندما اندلعت مظاهرات نوفمبر 1968 ضد قانون عادل وفى مصلحة الطلاب، كان الأمر مثيراً للريبة خاصة بعد مشاركة أساتذة وطلاب المعهد الأزهرى فى المنصورة وهم غير معنيين بالقانون فى المظاهرات، وما ترتب على ذلك من اتساع نطاق المظاهرات ووصولها لمدينة الإسكندرية، لذا تصرف النظام بشئ من العنف فى مواجهتها.

الغريب ان معظم أساتذة المعهد الأزهرى بالمنصورة سافروا فيما بعد للعمل بالسعودية، وهو ما رصده د.أحمد عبد الله رزه فى كتابه"الطلبة والسياسة فى مصر"، واعتبر د.أحمد عبد الله هذا القرار السعودى هو المكافأة السعودية لهم على دورهم فى المظاهرات، وبالمناسبة أحمد عبد الله رزه من المعارضين لجمال عبد الناصر ونظامه.

 عمر عبد الرحمن الذى تزعم إحدى المظاهرات بالمنصورة وأخذ يهتف"أقبل.. أقبل يا ديان"، سيتم القبض عليه ومنعه من التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وسيتم الإفراج عنه قبل وفاة الرئيس عبد الناصر، وبعد إعلان نبأ وفاة عبد الناصر سيطلق عمر عبد الرحمن فتوى بحرمانية الصلاة على عبد الناصر لأنه عاش ومات كافراً، مما سيؤدى لاعتقال عمر عبد الرحمن من جديد حتى أفرج عنه الرئيس السادات فى يونيو 1971، بعد شهر من انتصاره على خصومه فى قمة السلطة ممن اصطلح على تسميتهم بمجموعة مايو.

 استغل الإخوان المسلمون تشابه الأسماء بين عاطف الشاطر وخيرت الشاطر، ودراسة كليهما فى كلية الهندسة، وفى ظل اختفاء عاطف الشاطر من الحياة السياسية، حاول الإخوان الترويج لخيرت الشاطر كزعيم للمظاهرات الطلابية التى وقعت فى نوفمبر 1968.

 ترتب على مظاهرات نوفمبر 1968، صدورالقرار الوزاري رقم 1010 لسنة 1969 بإنشاء قوات الأمن المركزي.

 قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتسجيل كل محاضر اجتماعاته ولقاءاته بوزراءه ومعاونيه ونظراءه من حكام دول العالم، هو قرار يُحسب له، ودليل على قوته، وعدم خشيته من شئ، ونفاذ بصيرته التاريخية، فقد وفر للمؤرخين والباحثين مادة تاريخية هائلة عن شخصيته وطريقة تفكيره وأسلوبه فى العمل ووقائع عهده.

 قراءة وثيقة تاريخية لا يمكن أن تصح باقتطاع أجزاء منها، أو بعزل ما جاء فيها من معلومات عن سياق الأحداث وقتها.

 الصور: الأولى من صفحة 515 من كتاب"هزيمة الهزيمة.. ناصر 67.. قضية الحرية والحياة الحزبية"- الجزء الثالث، المتحدث هو الرئيس جمال عبد الناصر، وشعراوى هو وزير الداخلية وقتها، المرحوم شعراوي جمعة، ولبيب هو الدكتور لبيب شقير وزير التعليم العالى ورئيس المجلس الأعلى للبحث العلمي ثم رئيس مجلس الأمة حتى 15 مايو 1971.

والثانية من صفحة 516 من نفس الكتاب.

 المصادر:

 كتاب"هزيمة الهزيمة.. ناصر 67"- الجزء الثالث.
 كتاب"الطلبة والسياسة فى مصر".. أحمد عبد الله رزه.
 كتاب"أحمد كامل يتذكر".. مذكرات أحمد كامل.. رئيس جهاز المخابرات العامة.
 كتاب"الجيل الذى واجه عبد الناصر والسادات".. هشام السلاموني.
 كتاب"ذات يوم".. سعيد الشحات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى