الثلاثاء ٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم أحمـــــد صبـــري غبـــاشي

(في محاولة للخروج عن صمتنا - 2

ما ألاحظه دوماً أننا بعد وقوع كل أمرٍ كارثي يمر بنا – وما أكثر مثل هذه الأمور في الآونة الأخيرة – نأخذ وقتاً كافياً كي نندهش، ونُصدَم، ثم نفكر، ثم نتناقش.. ثم – كتطور طبيعي – نحتدّ ونحرق دمنا ونغضب!

وكأننا نعتبر التفكير بشكلٍ عقلاني هادئ وصمة عار كبرى، ونقطة سوداء في ملفنا الذي نفترض أنه ناصع البياض.. على الرغم من بديهية وسلاسة المنطق الذي يقتضي بأن نضع أيدينا سوياً على الأسباب المباشرة أولاً وغير المباشرة ثانياً.. كل الأسباب..

مما سيسهل علينا الخطوة التي ستلي ذلك.. ألا وهي: التفكير وتجميع أكبر قدر ممكن من الحلول لهذه المشكلة.. ثم تنفيذها، أيضاً، بشكل ناضج ومدروس..

فعلى سبيل المثال.. بعد ضجة موضوع تحرشات وسط البلد التي تم في عيد الفطر الماضي وما أثير حول ذلك من لغط، وبعد الجدل والكثير من التعليقات التي وصلتني عقب نشر مقالي في هذا الصدد وقت وقوع الحدث بعنوان: (بدءً باجتهادات الحمّام وحتى نشاطات الميدان العام).. أيقنتُ بعد هذا كله أن للموضوع بقية، وأن مثل هذا المقال لا يكفي..

لابد من وقفة إيجابية نفعل بها شيئاً.. كي لا نعتاد مثل هذه الحالة من حالات الـ - معذرةً في اللفظ - (تَنبَلَة) التي تنتابنا دوماً.. لذا أدرجتُ هذا الموضوع في قائمة تحركات مشروع (في محاولة للخروج من صمتنا) الذي تحدثتُ عنه سلفاً.. وطرحتُ الأمر على الجميع – ممن خارج المشروع - للنقاش..

وكخطوة أولية ألقيتُ بسؤالين كان لابد أن نتشارك جميعاً في الإجابة عليهما..

* ما حدث هذا.. مسئولية من؟

وكنتيجة للسؤال الأول يأتي الثاني:

* ماذا سيكون موقفنا تجاه هذا الـ (من)؟ ما الذي سنفعله كشباب واعي مثقف موهوب، كما هو مفترض، تجاه كل المسئولين عما حدث؟

لم يكن الأمر صعباً كما هو واضح!.. كان علينا فقط نتشارك الإجابة على السؤالين، وأن نجمع سوياً أكبر كم ممكن من المسئولين عما حدث، وبعد ذلك نقترح جميعاً حلول تدفعهم لتغيير أوضاعهم نحو الأفضل.. وفقاً لإرادتنا نحن كشباب من حقه أن يحافظ على صورته وكيانه الإنساني.. الكيان المُهدد تحت وقع أحداث وسط البلد الأخيرة..

كنتُ أنتظر الإجابات وثمار النقاش كي أضمّنها كلها في مقال.. وعندها أنشره وهو يحوي قدراً ليس هيناً من الفائدة لكل من يقرأ.. ونقدم جميعاً – متشاركين – الحلول جاهزة للآخرين بعدما نفكر نيابةً عنهم..

وكبداية فقد قمتُ أنا أولاً بالإجابة على السؤالين من وجهة نظري.. قلتُ أن المسئول عن حالة السعار الجنسي السارية بين الشباب في وقتنا هذا متمثل في...

 الإعلام.

 صناع السينما بكل فئاتهم.. كتاباً، ومنتجين، ومخرجين.

 نجوم السينما والفن الذين اتخذوا منهجاً غير أخلاقياً على طول الخط في فنهم.

 السايبرز، وسوء استغلال الإنترنت.

 كل بنت غير محتشمة.

 أهل كل بنت غير محتشمة.

 مبدعو الموضة ومصممو الأزياء.

 تجار الملابس.

 شخص يجاهر بمجونه.. سواء بالتحدث أو بالفعل.

 رجال الثقافة والأدب الذين لم يمارسوا دورهم كاملاً فغاب الوعي وغابت الثقافة.

 الحكومة المسئولة عن بطالة كل هذا الكم من الشباب.

 الفراغ.

وما إن وضعتُ إجاباتي حتى فوجئت بردود فعل شتّى.. فمن الناس من نأى بنفسه عن الموضوع برمّته فور أن رأى كلامي مؤمناً أن المسكين – أنا – قد جُنّ ولا حول ولا قوة إلا بالله.. ومنهم من كان متعاوناً واهتم بالرد فاتهمني بالخيالية والجموح وما إلى ذلك.. ومنهم من أيّد بشدة وقال أن كلامي جميل ومعقول ثم وجدته بعد هذا كله لم يكلف نفسه حتى بالإجابة على السؤالين وكأنه يرى نفسه خارج هذا الأمر من الأساس، وليس له أن يتحدث..

وهنا ينبغي أن أوضح أمراً في غاية الأهمية.. ما أردتُ إيصاله في كلامي ليس أن نقوم بثورة على الإعلام وأن نتحكم فيه ونقضي على مساراته.. لستُ أمتلك هذا الكم المهول من الخيالية!.. لكني فقط أتساءل: أليس حال إعلامنا يُرثى له؟! أليس مسار الفن الغالب على الساحة الآن هو المسار المبتذل؟!.. إذن فلِمَ لا يثبت كل شخص موهوب منا نفسه ويقدّر أنه بموهبته المُرشَّدة سيمثّل مساراً مضاداً!!.. فقط بمجرد وجوده.. لستُ أدعو لأن يعترض، لستُ أدعو لأن يثور أو يهاجم الآخرين.. فقط عليه أن يقدّم مساره، وليتفنن في هذا.. أعتقد أني لا أتحدث في مستحيلات!

لستُ أدعو لأن نشنّ حملات، وأن نقاطع السينمات، وأن نحصر مشاهدتنا للتلفاز في نطاق معين وقنوات معينة – ولو أن هذا هو المفترض ؛ لكنه صعب جداً حالياً -..

لكني فقط أريد أن أوصل هذه الفكرة: الشباب منغمس في كل أشكال هذه الفنون المبتذلة على اختلافها.. سواء كانت كليبات، أو أغاني، أو أفلام هابطة، أو مواقع إباحية، أو أدب أيروسي.. الخ؛ لأن كل عنصر من هذه العناصر قد استخدم – للأسف – الإعلام لصالحه بشكل متقن جداً وذكي.. سخّر إعلامه بشكل متكامل ومحسوب من أجل أن يحقق هدفه المرجو.. لذا نجد أن الهدف يتحقق بالفعل.. أي أن الإعلام المبتذل هذا هو الذي دوّخ الشباب. جذب أنظارهم فاستدرجهم فأثار انبهارهم فلم يعودوا يرون إلاه فاستحوذ عليهم..

فلِمَ لا نلعب نفس اللعبة؟.. لماذا لا نستخدم الإعلام بمثل هذا الشكل؟!.. إننا بالفعل لا نعلن عن أي نشاط إيجابي بشكل فيه ما يكفي من جاذبية وفن.. كل ندوة ثقافية، وكل عرض مسرحي، وكل فيلم راقي، وكل كليب متميز، وكل مطرب فنان بجد، وكل كاتب له قيمته.. كل عنصر من هؤلاء لم يأخذ من قبل نصيبه وحقه كما يجب من الإعلام.. إن أي إعلان عن أي نشاط من النشاطات الإيجابية السالفة الذكر دوماً يكون إعلاناً مملاً، ذا لهجة رسمية جافة، وبدون أي مواد لافتة جذابة تصحبه.. لذا فهو لا يصل بسرعة للناس ؛ وحتى إن وصل فلن يؤثر..

والنتيجة: ألا جمهور له!

باختصار شديد سأحاول تلخيص ما سبق..

 الابتذال موجود.. والرقي موجود.

 الابتذال يدرك جيداً كيف يعلن عن نفسه ويجذب جمهوره!

 الرقي لا يستغل إعلامه بطريقة صحيحة، وبالتبعية فلا جمهور له!

 لو أن هذا الرقي أدرك كيف يستخدم وسيلته – الإعلام – بالشكل الأمثل؛ فسيكون موقفه أقوى كثيراً
من الابتذال لأنه يتضمن.. (محتوى ذو قيمة + إعلان ممتاز وملفت للنظر).

 وفي هذه الحالة سيظل موقف الابتذال ضعيفاً مهما أجاد استخدام وسيلته وتفنن فيها؛ لأنه يتضمن.. (إعلان ممتاز وملفت للنظر + محتوى تافه).

أعتقد أن الأمر قد اتضح ولا يحتاج إلى مزيد من التعليق.. أليس كذلك؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى