قراءة فى رواية «يوم من الأيام»
تعتمد رواية «يوم من الأيام» للكاتبة أمل صديق عفيفى ـ إلى حد كبير ـ على فنية بناء الشخصيات إلى الدرجة التى يمكن أن نطلق عليها رواية الشخصية
هذا، ولقد تعددت المقاربات التي تناولت الشخصية من عدة وجهات ومنظورات. فهناك المنازع السيكولوجية والواقعية إلى جانب المناهج البنيوية والسيميولوجية. وترتب عن ذلك أن انتقلت الشخصية من مرحلة اللحم والدم إلى مرحلة الكائن الورقي (رولان بارت)، ومن الشخص إلى الشخصية(ميشيل زيرافا)، و من الإنسان الواقعي (القراءات الانعكاسية) إلى الشخصية المتخيلة أو إلى عامل من العوامل( فيليب هامون،گريماس)
ومن الذين ربطوا الصورة الروائية للشخصية بالمأزق المرجعي والتصور الإيديولوجي للكاتب تجاه عالمه وعصره نجد طه وادي الذي ينظر إلى الرواية على أنها تصور «تجربة إنسانية تعكس موقف كاتبها إزاء واقعه بنفس القدر الذي تفصح فيه عن مدى فهمه لجماليات الشكل الروائي، والرواية تقول هذا وأكثر من خلال أداة فنية مميزة هي(الشخصية)، وهذا ما جعل النقاد يعرفون الرواية بقولهم: إنها فن الشخصية».
ولكل شخصية في الرواية مقومات جسمية وعقلية ونفسية واجتماعية تنعكس على هيئتها وسلوكها وطباعها وأخلاقها، يبرز لنا الكاتب أهم ملامحها ويرينا ما فيها من مزايا وعيوب. كما أن لكل شخصية غاية تسعى إليها ودافعا يحثها على تحقيق هذه الغاية، وبما أن الشخصيات تختلف في طباعها وأخلاقها وغاياتها ودوافعها، فلا بد أن يحدث الصدام والصراع بينها، وتحول العقبات دون غاياتها وأهدافها خلال أحداث الرواية
تتعدد الشخصيات وتتنوع من حيث تكوينها وسماتها وأبعادها . فلكل شخصية ظرفها الخاص بها من حيث التكوين الإجتماعى والثقافى والنفسى . وقد نجحت الكاتبة فى تقديم هذه الشخصيات من خلال سرد بسيط ولغة واضحة . ومعظم الشخصيات يجمعها خيط واحد وهو الإنتماء إلى الطبقة المتوسطة وأحيانا الطبقة فوق المتوسطة وإن كان ذلك لم يمنع من وجود نوع من الحراك الإجتماعى للإنتقال من درجة إلى درجة أعلى فى اطار نفس الطبقة . كما أن القاسم المشترك بين معظم الشخصيات هو وجودها فى مجال عمل واحد وهو البنك . وهذه تقنية روائية لجمع الشخصيات فى اطار واحد مشترك من خلال مكان واحد أو سكن واحد " عمارة واحدة مثل رواية عمارة يعقوبيان لعلاء الاسوانى " وهذا لم يمنع من تفاعل بعض الشخصيات مع شخصيات أخرى من خارج البنك
الشخصية المحورية
قد يتبادر لنا من خلال القراءة الأولى للرواية أن شخصية ريهام هى الشخصية المحورية بإعتبارها لسان حال الكاتبة ولكن إذا تعمقنا فى الشخصيات الأخرى
نفاجأ بأن معظم شخصيات الرواية قد أخذت نفس القدر من اهتمام الكاتبة وأرى
أن الرواية ليست رواية الشخصية المحورية وخير مثال على ذلك أن شخصية
مشيرة أخت نفس القدر والإهتمام اللذان أخذتهما شخصية ريهام
الأزمة والتغيير
إن الأزمة المالية التى حدثت فى حسابات البنك كانت نقطة التحول فى مصائر
معظم شخصيات الرواية ، والكشف عن معادنها . لقد حكى الأستاذ عاصم للأستاذ شريف بالتفصيل تطورات الموقف وكيف وجد أن ظاهرة غلق الحسابات وسحب مبالغ نقدية من الحسلبات التى لم تتحرك منذ ثلاث سنوات ظاهرة متكررة خلال
الشهرين الأخيرين . ومن ثم كان لابد من التحقيق مع كل موظفى البنك المختصين
بذلك . لقد جاء التحقيق بمثابة محاكمة كشفت عن كثير من المخبوء
ريهام . لم تكن تعلم أن ذلك الصباح سيغير حياتها إلى الأبد . لقد وصلت إلى عمر الخامسة والثلاثين ولم تتزوج بعد وعندما جاء د هانى سراج أحد عملاء البنك
ليسحب مبلغا ما . بهرها بوسامته وأسلوبه فتعاملت معه برومانسية . الأمر الذى جعلها تعطيه ألفين جنيها من حسابها حتى تكمل له مبلغ العشرة الاف جنيها الذى يحتاجها . د هانى مان قد طلق زوجته وتفرغ لشئون والدته وهو طبيب باطنى
وقد تحول الى زير نساء وانتهازى فى نفس الوقت لكل من عرفهن من النساء
وقد حاول مغازلة نرمين الموظفة فى البنك أيضا ولكنها صدته .
لقد عاشت
ريهام فى وهم كبير بأن علاقة حب قد ربطت بينهما ولم تكتشف خسته وانتهازيته
إلا أثناء التحقيق فى الأزمة التى حدثت . حين اتصلت به الإدارة لتستفسر عن
المبلغ الذى سحبه . وهنا تقدم الأستاذ عبدالرحمن وطلبه من هاتف البنك ووضعه على الميكرفون كى يسمعه الجميع . فرد عليه د . هانى فعرفه بنفسه كنائب رئيس حسابات البنك ثم قال :
ــ الحقيقة ياأستاذ هانى فى لخبطة فى الحسابات ونحن نراجع الحسابات وجدنا عندنا زيادة 300 جنيه. يعنى عميل من البنك أخذ أموال ينقصها هذا المبلغ الخطأ . وحاليا
نتصل بجميع العملاء الذين تعاملوا مع البنك حتى نعيدها له . ولم يبق سوى عميلين اخرين وحضرتك . فهل حضرتك راجعت الفلوس التى أخذتها وتأكدت أنها مضبوطة
ــ لا أنا لم أراجعها . ولكن هى كان شكلها قليلا إلى حد ما فإذا لم تكن خاصة بأحد فأكيد تخصنى
وشعرت ريهام بإشمئزاز فكيف يقول ذلك وهى متأكدة أنه أحصى النقود أمامها وكانت عشرة الاف جنيه
وبعد أن تكتشف ريهام شخصيته على حقيقتها تبتعد بمشاعرها عنه تماما وبنفس القدر تقترب مشاعرها من الأستاذ عبدالرحمن ويتفقان معا على موعد ومكان المقابلة بينهما وهذه النهاية توحى بأن ريهام استقرت عاطفيا
أما مشيرة نائب رئيس مجلس ادارة البنك والتى كانت تطلب نقلها لفرع الهرم حتى تستطيع أن توفق بين عملها وبيتها وخاصة طلبات زوجها وحيد التى لاتنتهى وخاصة بعد أن أغلق مكتب المقاولات وتحول إلى البورصة . أصبح يتعمد اهانتها
ويمارس القهر عليا وهى صابرة من أجل الأبناء . لاتريد أن تهدم الأسرة . ثم جاء يوم الأزمة وعندما أخبرته بأنها ستتأخر بسبب التحقيق . لم يقتنع وهددها إن عادت
فيجب أن تعود إلى مكان اخر غير بيتها ولكن الأزمة قد أحدثت تغييرا فى شخصية
مشيرة . سوف ترفض قهر زوجها وتقاومه . كما أنها ألغت قرارنقلها الى فرع الهرم أو بمعنى اخر تراجعت عنه وقررت أن تواجهه.
«وصممت أن تخبره بما نوت بعد انتهائه من فاصل الصياح الجديد ولكنها شعرت بأصابع ابنتها نوران تربت على كتفها هامسة:
ــ ماما لماذا تأخرت ؟ أنا لم أذهب إلى الدرس
فأدركت أن ابنتها إلى جانبها وتسمع ماتسمعه . فتملكتها الشفقة من أجلها . ونظرت إلى الجهة الأخرى فرأت ابنها ولمحت نظرته المذعورة يملؤها الخوف من المجهول وسمعته يهمس لها
ـــ ماما أنا جائع فلم اكل أى شىء
وهنا سارت بخطى متثاقلة نحو المطبخ ودموعها تسيل على خديها وكأنها لاتسمع صياحه . وفتحت الثلاجة بحركة الية وبدأت فى اعداد العشاء لإبنها كريم وكأن شيئا لم يحدث»
لقد تغيرت مشيرة وأصبحت قادرة على المواجهة وعلى المحافظة على أبنائها
أما رامى الذى كان يعيش واقعا غير واقعه . فهو يحاول أن يتنصل منكونه ابن طباخ فيغير مهنة والده فى طلب الوظيفة فقد كشفت أزمة البنك عن كل ذلك بل إن أكاذيبه
كادت أن تضعه فى موضع الإتهام لولا اعتراف شاهيناز ومحسن بأنهما هما اللذان قاما بذلك . أمن رامى بأن ثلاثة أشياء هى التى تصنع النجاح فى الحياة . الشهادة الجيدة . والعلاقات مع علية القوم . والمال . لكن التحقيق مع رامى كشف زيفه
ـــ لم اكن أريد أن أذكر وظيفة والدى لأسباب أخرى
ـــ ماهذه الأسباب ؟
فأجاب رامى بغضب
ـــ لأنه طباخ . طباخ فى مطبخ .... هل هذا يسعدك ؟
وانفجر رامى باكيا بعد أن نطق بما حاول اخفاءه طوال عمره فقام شريف صبرى إليه وهو يشعر بمشاعر مختلطة من الغضب منه لغحراجه بكذبه وهو الذى توسط لتعيينه . وعدم الثقة فيه لكذبه وبالشفقة عليه لإنهياره هكذا أمام زملائه . وبالحزن من أجل ابنته للثقة فى شخص لايستحق ثقتها . فمن يتنصل من أهله من يدرى ماذا يفعل بعد ذلك
السمات الفنية للرواية
رواية المصالحة والبناء الروائي
كما أسلفنا فإن رواية "يوم من الأيام " هى رواية الشخصية وبإعتبار الشخصية ذات فإنها قد تنتصر على الموضوع أى على الظروف الخارجية التى تحيط بها أو يحدث العكس بأن ينتصر الموضوع على الذات أى تتغلب الظروف الخارجية على الذات
ومن ثم تنكسر الشخصية أما فى هذه الرواية فإن المصالحة قد تمت بين الذات
والموضوع وقد أثر ذلك على الصراع الدرامى فجعله يبدو فاترا . وقد حدث ذلك
بسبب طريقة البناء الروائى والتى اعتمدت على يوم التحقيق فى أزمة البنك كيوم نهائى فى حياة الشخصيات وكان أرادت الكاتبة أن تنهى حياة الشخصيات بنهاية ذلك
اليوم . ربما أرادت بعض الشخصيات أن تنمو بعد ذلك بحيث يتأجج الصراع ويأخذ
حقه من الوقت . وهذا ما حدث مع شخصية مشيرة فبالرغم من أنها اكتشفت قدرتها على المقاومة فى ذلك اليوم فإننا كنا بحاجة الى التعرف على المواجهة بينها وبين زوجها وحيد . حتى وان انتهت بالإنفصال أو بأى شىء اخر لكن الكاتبة أرادت أن تؤثر الشخصية السلامة وتتصالح مع واقعها من أجل أبنائها أى أنها لجأت الى حل وسط وأيضا موقف ريهام من عبدالرحمن اتسم بالسرعة فى الإستجابة وتحولت
من إعجابها المفرط بالدكتور هانى الى أن اعتبرت الأستاذ عبدالرحمن هو فارس أحلامها . هذه التحولات السريعة فى سلوك الشخصيات والذى ارتبط بالمصالحة بين الذات والموضوع اى بين الشخصية وواقعها أثر على البناء الروائى والصراع
الدرامى ، ويمكن أن يقال ذلك أيضا على شخصية هشام الذى هاجر الى كنا وأخذ حقه فى العمل لتفوقه العلمى ولكنه تعرض لبعض مساوىء الحضارة المادية التى
لم ترحمه حين حاول الدفاع عن فتاة مظلومة.