

كذا.. ستمرُّ الحُروبْ
كذا ستمُرُّ الحروبُ على حقلنَا،، وتنسجُ من حُزنِنَا رايةً في سروجِ الخُيولْ..
تقولُ العُيونْ: رأينا بها الخائفين، كأنَّ الغُبارَ على شَعرِهِمْ..، وهم ينفثونَ الرَّمَادْ!
تراهُم ببرد الحكاياتِ يلتحفون..! رأينا النُّصُوصَ تمُوتُ على بابها..،فماذا ستُخفي السُّطورُ إذا ماتَ حُراسُها..؟! وكيفَ ستحمي الطفُولةُ أسرابَها؟!
يدورونَ فوقَ رصيفِ الحيارى كما يشتهونْ..، وهم يكبُرونَ ضحَايا..، يعودونَ بينَ الحكايَا، وقد أصبحوا بعض ذكرى تُراقُ كهذي الثُّقُوبْ..، يميلون في الخوف حتى تذوبَ الشُّموعْ..،
على قبرهم طائرٌ لايؤُوبْ..سيفشي مساءً بأسرارهم وهو دومًا عذولْ..!
هنا سيقولُ الكبارُ لنا: خذوا حذركم من وصايا العجوزْ..، منَ البندقيَّةِ لو زيَّفت كلَّ عمرٍ تألـَّه بين مرايَا الصَّبايَا، وحلم الجنائن فوقَ نهارٍ غيُورْ..! منَ الغُصنِ لمَّا تيبَّسَ عشقًا وماءُ البُحيرةَ في المُنحدَرْ..
منَ المدفعيَّةِ لو أسرفتْ بطلقاتها في زفافِ العروسْ..، ستغتالنا باسمها كلُّ هذي الدروبْ
وقال أبي: خذوا قَضمةً من رغيفِ الظلامِ لكي تعبُروا فوق نومِ الكبارْ..
وفوقَ السنين إذا اشتعلت باسمِ هذي الدماءْ..، وفوقَ اللصُوصِ إذا أبحروا من جيوبِ العراةْ
ليمضي الزمانُ بلا رأفةٍ، ويبعثُ أيَّامهُ خلسةً من عيونِ الغزاةْ..، وأخفى كلامًا طويلا وغابْ..
وصارَ إلى صُورةٍ في الجدارْ..، يرتبُ مقعده.. يلونُ دمعته..، ويغفو على زمنينْ..
كلانا سيمشي على الغيبِ حتَّى يجفَّ الشِّتاءْ..كلانا يجُوعُ ويعرى..،كلانا ملاكٌ يُقطِّرُ حبًّا وماءْ..
وترفعُ تلكَ الكنائسُ فينا الصَّباحَ فيسقطُ تحتَ المآذنِ حبٌّ..، ونسقطُ نحن..
تفتِّشُ عنَّا العواصمُ لكنَّنا قد ذوينَا بعصرٍ يبَابْ..، ويبقى بكاءُ الرِّفاقِ على المُنحنَى، ونبقَى نُواسِي الدُّمُوعَ إذا حطَّ بعضُ الظلام بلا أجنحةْ (لماذا تركت الحصان وحيدا؟
لكي يؤنس البيت ياولدي).
هنا يا أبي.. (تمايلَ دهركَ حتى اضطربْ، وقد ينثني العطفُ لا من طربْ
ومر زمانٌ وجاءَ زمانٌ، وبينَ الزمانينِ كلُّ العجبْ)
تصيحُ الحبيباتُ من عثرةٍ في طريقِ الوعُودْ، ومن خُطوةٍ في سرابِ العُيونْ
نُمزِّقُ ثوبًا لجُندٍ يمرُّونَ من شمسِنا، ونمحُو منَ الشَّط آثارنا كي تضيعَ الجيوشُ على أرضنَا
ولكنَّ طفلا سيحملُ بدلةَ والده بعدَ عامٍ يعودْ..! حبيبتهُ سوفَ تذكرُ هذي الطلُولْ، وتبحثُ عن ظلها، فتخرُجُ أنثى على جرحِها، وتخشى الأفُولْ.. وقالوا: سنقرأ فنجانها..، وماذا تُخبِّرُ إسوارةٌ في الكفوف؟
أفتِّشُ ذاكرةً عربيَّة فأبكي بلا وجهةٍ للدموعْ..(أراني سأعصرُ خمرًا)!!، وتقتاتُ هذي العصافيرُ من رأسنا..! فكيف نسيرُ على الذاكرة وما في صهيل العُروبةِ إلا هويَّةَ سيفٍ قديمْ؟
وفي العرسِ قالت عروسٌ صغيرةْ: سأصبحُ أمَّا، وأحملُ طفلا بعيداً كغصنِ السَّنابلْ، فكيفَ يعودُ دخانُ الحروبْ..؟! ويرجعُ نعشًا..لتصرخَ فوقَ الخواءِ القبيلةْ، وتبكي على قبره مرتينْ..
فهل سوفَ ننزحُ عن خافقِ الدَّمعِ أم أنها سوفَ تبقى عروسًا عنيدةْ؟! وتصبغ إظفارها بالطلولْ
دمانا تغارُ على بعضنا..، دماها على الأرضِ نهرٌ خصيبْ..
هنا يا أبي سنتلو الحقيقة.. ويغتالها الظل حتى نتُوه..، هنا قاتلٌ دللتهُ السُّيوفُ فنامَ على حدِّها، وصارَ لـ(قابيلَ) ظلا..، يُعَمِّر أنهاره من سقانا فنظمأ.. ويسرقُ من ضوئنا شعلته، ومن صوفنا سوفَ يسرِقُ دفئاً، وينفي لحوُمَ الخِرافْ..
ومرَّ الغزاةُ على حقلنا..،وكنَّا صغارًا كهذي الغصُونْ..، وكانوا يريدونَ صيدَ الحمامِ..!
لنا أن نموتَ بلا أمنياتْ..، لنا أن نشيدَ القبورَ، ونتركَ خلفَ الزَّمانِ رفاتَ الشَّبابْ، فكن خائفًا إن رأيتَ العواصفَ تشتد أكثرْ، وزد في البكاءْ..
على حافَّةِ القلبِ أيضًا مدينة يسيِّجُها الدمُّ حتى تموتْ...، لها بيرقٌ يلوذُ بعشٍّ رمادْ، وسارقُ عيرٍ على بابها قد أقامَ الصَّلاةْ، وقداسهُ قد أضاعَ الطريقْ..
على الموتِ يمشي الدُّخانُ جريئًا، وتعبرُ هذا الغمامَ رصاصةْ ، ليقطُر خلفي دمٌ في الخَرابْ
يريدونَ كسرَ الزُّجَاجِ الذي فيه تاريخنا..! يريدونَ قتلَ البريدِ على صدرنا..! وسلبَ العيون إذا دمعت في قلوبِ الحفاةْ...، ولكننا صامدون..
لأجلِ الوطنْ، سنلقى على ضفَّةِ الحربِ جمرًا شقيًا فنطفئه كي تشبَّ القلوبْ، وتثبتَ للطينِ أنَّا ربيعٌ يدورُ معَ الشمسِ لكنَّنا لانمُوتْ..(وإنا سنصبح أسيافنا..إذا مااصطبحنا بيوم سفوك).
لنا ضفَّتانِ ..على الشرقِ منها الشَّقائقُ تكبرْ، ويخفى بقلبِ الجنوبِ الأقاحْ
إذا ما توارى عن الماءِ نبضُ البحيرة فإنَّا سننبضُ في جذعِها،،، فقم ياصغيري..، وخذ نجمةً تُزيِّنُ وجهَ الصَّباحِ غدًا فإن (البيوت تموت إذا غاب سكانها)..
مخاضُ العُروبةِ صعبٌ.. وإنْ حدثتكَ الأماني فقل: كذا سوفَ تمضي الحروبْ..