الأربعاء ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم رقية أبو الكرم

كش ملك

من خلال قراءة في المقابلات الصحفية التي تُجرى مع السياسيين؛ قبل وبعد الانتخابات النيابية، نقرأ تغييرًا شاملًا في ملامح وجوههم، عبر لغة الجسد والإيماءات والحركات وتلون البشرة الذي يتغير مع تذبذب تدفق الدم، حركة العينين التي تعتبر مركز تعبير عن أغوار النفس البشرية.

في آخر لقاء صحفي مع السيد (نوري المالكي) جرى فيه حوار جمعه قبل أسبوعين بالإعلامية (سحر عباس جميل) على قناة (النهرين) الفضائية، بدا مطمئنًا، مسيطرًا في حواره، وحركة عينيه دلت على سيطرته التامة على المحاوِرة التي بدت أكثر ارتباكًا وتخوفًا في طرح أسئلتها على (الضيف)، الذي أقصى بعض الأسئلة بصراحة تامة، واختار ما يناسبه منها بكل ثقة، وبتر بعض الأجوبة بعبارة "يكفي الحديث في هذه الفقرة"، وكأنه من وضع خطة إعداد الحلقة كاملةً!
الأمر على عكس ما رأيناه في لقاء السيد المالكي الأخير خلال زيارته إلى (أربيل)، حيث استضافته قناة (شمس) الفضائية مع الإعلامي (إيلي ناكوزي)، بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية، وبدا شارد الذهن مشتتًا، يعيد الاستماع إلى السؤال أكثر من مرة، ويبدو أكثر حزنًا وأقل عزيمة وأعمق إحباطًا.

تناقض رأيه خلال اللقاء، فقد مجّد نجاح العملية الانتخابية، وأشاد بنسبة المشاركة التي ارتفعت أكثر من (٥٥%)، قياسًا على الدورات السابقة، وفي ذات الوقت ندد بالخرق الكبير الذي حدث من خلال شراء الأصوات، والأموال التي هدرت في الترويج للانتخابات؛ ما يعني - ضمنيًا - أن نسبة المشاركة المرتفعة في الانتخابات؛ والتي أشاد بها، جاءت من خلال شراء الأصوات بالأموال السياسية الفاسدة، ولم تكن محض عملية ديمقراطية خرج بها المواطنون للإدلاء بأصواتهم.
ثم توعد المالكي بتعديل قانون الانتخابات، وتغيير مسارات حق (الكوتا) في الحصول على مقعد نيابي. وجاء اعتراف صريح له بشراء الأصوات، وأن العملية الانتخابية لم تكن نزيهة، وهنا وضعنا أمام سؤال غفل - أو تغافل - عنه المحاور ناكوزي، فيما إذا كانت الدورة الانتخابية السادسة قد تمت بتزوير أو بشراء أصوات، فهل جاء هذا الاعتراف بعد خسارة المالكي غير المتوقعة؟! وهل كانت الدورات السابقة أكثر وضوحًا حيث كانت النتائج (عادلة)؟ أم أنها كانت متوقعة فحسب؟ وبعد الاعتراف جاء نفي المالكي تدخل أية أطراف خارجية في تشكيل الحكومات السابقة.

أما تطرقه لمستقبل العراق والخدمات التي قدمتها الحكومة للمواطن، الأمر الذي أصبح سياقًا خطابيًا لقادة السنة والشيعة على السواء، ولا نرى له أية ملامح على مر عقدين من الزمن، فلا خطة مستقبلية للعراق ولا للخدمات التي أصبحت مجرد هيكلية لسحب الأموال من البنك الفدرالي، بغية تنفيذ مشاريع وهمية، ثم تختفي الأموال في المجهول.
كل ما نستنتجه من خلال قراءة المشهد في لقاء المالكي التلفزيوني هو مستقبل مجهول الملامح، وقد نرى الكتل التي تشكلت سابقًا تتراجع في التشكيلة الجديدة، لاسيّما (دولة القانون) و(الإطار التنسيقي) الذي يحاول بناء علاقة جديدة مع أربيل، من خلال إرساله بعض قادته ومستشاريه، ولكن هل ستقبل أربيل الوساطة لتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصًا بعد ما عانته من إقصاء مقصود من قبل الحكومات السابقة، ففقدت الثقة في التعامل ضمن العملية السياسية التي تديرها الحكومات المتعاقبة بوجوه ربما تتغير.

لعبة السياسة والعملية الانتخابية أشبه بلعبة الشطرنج، تحتاج إلى وقت طويل وتركيز عميق، كما أن فيها مفاجآت وخسارات، وتضحيات في بعض الأحيان أكثر من الخيارات، وحتمًا ستأتي اللحظة التي يأتي بها من يقف أمام (الملك) وحاشيته المتغطرسة، وبركلة واحدة ستنتهي اللعبة بعبارة مدوية "كش ملك".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى