السبت ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩

كيف نكـتب عن ثورتنا المجيدة؟

بقلم: بلقاسم بن عبد الله

وماذا سيحكي الجد الوقور لحفيده العزيز عن ذكريات سنوات شارك فيها مع إخوانه المجاهدين؟.. ماذا سيقول عن بطولة هذا الشعب الأبي طيلة سبع سنوات ونصف في مكافحة الإستعمار الفرنسي الذي يأبى أن يعترف بجرائمه الشنعاء؟.. وبدورنا ماذا كتبنا ونكتب عن هذه الثورة التحريرية المجيدة وكيف نبدع ونجيد؟.. وهل يحق لجيل ولد في خضمها أن يكتب عنها الآن؟.. ماذا تمثل لوحتها اليوم بالنسبة لكتاب ما بعد الاستقلال؟.. هذه التساؤلات المتـتالية تبدو مشروعة الآن بعد مرور خمس وخمسين سنة على اندلاع لهيب أعظم ثورة كاسحة يعتز بها ابن القرن العشرين، وهي في الوقت ذاته، تساؤلات ملحة تفرض نفسها على جميع الكتاب والمثقفين.
كيف نكتب عنها الآن؟.. هل تـتحمل القصيدة أو القصة القصيرة برقعتهما الضيقة؟.. وهل تتسع الرواية أو المسرحية بلباسهما الفضفاض؟.. أم هل تستطيع المقالة الأدبية أن تتخلى عن مساحيق التجميل لتعوض بهدوء أعصاب ورباطة جأش ما فات بقية الفنون الأدبية الأخرى؟.

الحق نقول: إن البيان مهما بلغ من السحر والشعر لا يرقى لبلوغ قمة الواقع، بجمالياته وامتداداته، بعنفوانه ومتفجراته، والثورة الجزائرية هي واقع وفعل وانفجار أصدق وأبلغ من الحلم والخيال، وأعظم سحرا وشعرا من البلاغة والبيان. هل معنى ذلك أن ننكمش داخل ذواتنا، ونتقوقع وسط شرنقـتـنا الهادئة، نمزق الأوراق، ونكسر الأقلام، ونلعن الظلام لنعيش في سلام؟.. أم نعود والعود أحمد من جديد، لنملأ الدلو من معين هذه الثورة الصافية المعطاء؟

هناك من يقول بأن الأدب الثوري الحقيقي هو الذي يحس بحجم وعنف الحدث أو المأساة، قبل الوقوع، فيندفع إلى الأمام ليدق أبواب الغيب، ويستشف معالم المستقبل، يحلم بالثورة، ويمهد لها قبيل وقوعها. وهناك من يردد: بل هو ذاك الذي يأتي أو قد لا يأتي بعد مرور فترة من الزمن، قد تطول أو تقصر، حسب مقتضيات الظروف والأحوال، بعد أن تستقر الأوضاع، وتتضح الأمور، وتختمر الأشياء والأفكار في الذاكرة، وتنمو تلك البذرة الطيبة فإذا هي شجرة مباركة جذورها في الأرض، وفروعها في السماء.. وهناك من يرى بأن أدب الثورة هو الذي يعيش معها ويعايشها عن قرب، ملتحما بلحمها وعظمها، يحتضن همومها ومكاسبها، يواكب عن كثب أحداثها ووقائعها، يغمس قلمه في دمها ولهيبها.

ما شأننا الآن بكل هذه الآراء والأقوال... هل نقف اليوم مكتوفي الأيدي، نتأمل في صمت وإجلال وانبهار لوحة الثورة، أو ما تبقى من ملامح صورتها في الأذهان؟... ننكمش كالقنفوذ تحت قشرتنا ونردد في أعماقنا: يكفينا الانتظار، لنعد إلى الديار، لقد فاتنا القطار. هل يمكن أن نلحق به الآن؟..
ومع هذا وذاك، هناك أعمال أدبية على قلتها وعلتها كان لها فضل الريادة في الحلم بالثورة، والدعوة لها، تلميحا أو تصريحا، أي أنها تنبأت بصفة أو أخرى بهذه الثورة، وهي تتململ تحت قشرة التربة الجزائرية. ولا ننكر مدى مواكبة الأدب بوجه عام، والشعر بوجه خاص لمسيرة الثورة التحريرية مترصدا لأحداثها ووقائعها، محتضنا لعذابات وطموحات الجماهير الشعبية، وهي تساهم بكل ثقلها مساهمة فعالة في إبداع ملحمة ثورية خالدة.

لكن.. ماذا يفعل الكتاب والمثقفون من جيل الاستقلال، أولئك الذين حرموا من شرف الكفاح المسلح ولم يتمتعوا بحرقة اللهب المقدس؟.. ماذا يكتبون عن ثورة جبارة تعيش في بؤرة الشعور، وعلى هامشه في آن واحد؟.. كيف يكتبون الآن ويبدعون عن ملحمة ثورتنا المجيدة؟

بقلم: بلقاسم بن عبد الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى