الخميس ٧ تموز (يوليو) ٢٠٢٢
بقلم صباح بشير

«مايا» رواية تحاكي عقول اليافعين

استيقظت مايا في الصباح تضحك قهقهة، فرحت والدتها لفرح ابنتها وهمست لزوجها قيس:

تعال انظر واستمع لقهقهة مايا، يبدو أنّها حلمت حلما جميلا.

سار قيس ومروة باتّجاه غرفة ابنتهما مايا، استمعا لقهقهة مايا، وقفا عند باب غرفتها بهدوء مستمتعين بقهقتها، فتحت مايا عينيها النّاعستين فرأت والديها وقالت:

أنا سعيدة جدّا؛ لأنّني أمضيت أيّاما في حضن جدّتي حليمة وجدّي جميل.

ضحك قيس ومروة وقالا بصوت واحد مندهشين: كيف حصل هذا وأنت تعيشين في شيكاغو وجدّاك يعيشان في فلسطين؟

ضحكت مايا وقالت: هذه هي الحقيقة، وقد أمضيت معهما العطلة الصّيفيّة كاملة، في المرّة القادمة سأصطحب معي شقيقتيّ لينا وميرا، فجدّاي سألاني عنهما كثيرا.

سألتها والدتها وهي تضحك: ألم يسألك جدّاك عنّي وعن ابنهما قيس؟

نعم سألاني كثيرا، فجدتّي وجدّي يحبّوننا جميعنا، وكانت سعادتي كبيرة في العيش معهما.

اتّفق قيس وزوجته أنّهما ارتكبا خطأً حين سمحا لابنتهما السفر مع جدّتها لأمّها وزوجها العمّ أحمد وابنتها صفاء إلى تونس قبل ثلاث سنوات، بينما سافرا هما وابنتاهما لينا وميرا إلى الوطن، حيث يعيش جدّاها لأبيها جميل وحليمة، ولا يزال صراخ لينا عندما قرّروا التّوجّه إلى المطار عائدين إلى أمريكا يرنّ في آذانهما، فقد لجأت لينا إلى حضن جدّها تحتمي به لتبقى في القدس، ومنذ ذلك الوقت ولينا وميرا تتحدّثان مع شقيقتهما مايا، ومع زميلاتهنّ في المدرسة عن الوطن.

بقيت مايا تلحّ على والديها بالسفر إلى البلاد لتلتقي بجدّيها لأبيها، وتصلّي في المسجد الأقصى، وتزور كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم.

في عطلة أعياد الميلاد المجيدة ورأس السّنة الميلاديّة، سافرت الأسرة إلى شلّالات نياجرا، واصلوا طريقهم حتّى وصلوا مدينة نياجرا، كان الطقس باردا جدا، والثلوج تتساقط دون توقف، وصوت الرّعد ولمعان البرق لا يخمدا، وفي لحظة صفاء ذهنيّ فكّر الأب بأنّه أخطأ مرّتين، الأولى عندما منع ابنته مايا من زيارة جدّيها برفقة أسرة جارهم التّلحميّ، ولو فعلها لحقّق رغبة طفلته بزيارة البلاد، وبلقاء جدّيها وأبناء عائلتها، وإبعادها عن هذا الطّقس البارد، أمّا خطؤه الثّاني فهو زيارة شلّالات نياجرا في فصل الشتاء، مع علمه المسبق ببرودة الطّقس التي لا تحتمل.

في صباح اليوم التالي عادت الأسرة إلى بيتها في شيكاغو، وبعد انتهاء عطلة الأعياد المجيدة فتح قيس مواقع الطيران على الشّبكة العنكبوتيّة؛ ليحجز تذاكر السفر له ولأُسرته؛ لزيارة الوطن والأهل، وبعد شهر من شراء تذاكر السّفر، أُصيب النّاس بالهلع من الأخبار حول انتشار فايروس كورونا، تناقلت وسائل الإعلام أخبارا متسارعة حول إجراءات الوقاية من الفيروس، وأغلقت الدّول حدودها ومطاراتها، وهكذا تم تأجيل موعد الرحلة بسبب الإغلاق.

انتهى العام الدّراسيّ وانتهت عطلة المدارس الصّيفيّة والمطارات والمدارس مغلقة، والطفلة مايا تنتظر الفرج، لتحقّق حلمها بزيارة الأهل والوطن، والالتقاء بجدّيها، والصّلاة في المسجد الأقصى المبارك.

يبدو أنّ مايا تفهم ما تريد جيّدا، وهي على حقّ، فالعيش مع الأجداد سعادة كبرى، ووطننا أجمل بلدان العالم وأكثرها قداسة.

هكذا في 102 صفحة من الحجم المتوسط، كتب الأديب جميل السلحوت روايته الجديدة "مايا" لليافعين، وهو الكاتب المدجج بالمعرفة والثقافة العامة، التي تؤهله للولوج إلى عوالم الطفل بذكاء، والتعاطي مع هذا العالم بأبعاده الكاملة، ومن الواضح أنه قد تبنى خطة تربوية، أخلاقية وجمالية واضحة، ليطرحها من خلال أعماله لليافعين، وقد نُشر له سابقا العديد من الأعمال لهذه المرحلة العمرية بالذات، أذكر منها: عشّ الدّبابير، الحصاد، البلاد العجيبة، لنّوش، كنان يتعرّف على مدينته، أنا من الديار المقدسة.

ومن قصص الأطفال التي نشرت له أذكر: المخاض، الأحفاد الطّيّبون، باسل يتعلم الكتابة، ميرا تحبّ الطيور، كنان وبنان يحبّان القطط، زغرودة ودماء، وغيرها. وإيمانا من الكاتب بأهمية هذه المرحلة، وأن الطفل هو النواة الأساسية لمجتمع الغد، فقد ركّز في رواية "مايا" كباقي أعماله على اللغة، كوسيلة هامة للوصول إلى القارئ الصغير، وذلك لإكسابه المفردات والمفاهيم التي يستخدمها للتفكير في العالم من حوله.

من هنا فقد اختار كلماته وعباراته بعناية فائقة، وبطريقة تصويرية معبّرة تحمل المضامين المبتغاة، أرفق النص بالكثير من المعلومات العامة، التاريخية والثقافية وبعض القيم النبيلة، لتكون وسيلة لإثراء الطفل بالمعرفة والتجارب والوصول به إلى متعة شعورية وجمالية، تعزز من قيمة الانتماء لديه، وتحفّزه على الاستقلالية والتغلب على المصاعب، ضمن رؤية هادفة تترك الأثر الطيب في نفسه وأفعاله، وتعلّمه السلوكيات المقبولة، التي تساعده على السير قدما نحو النجاح والتفكير الحرّ المستقِل.

تعددت الأفكار وتشعّبت الرواية، من حيث الحجم وتعدد الشخصيات، الإثارة والمتعة، تنمية حب الاستطلاع والاستكشاف، وتنوع الأحداث التي تلبي احتياجات الطفل، مما يحقق عنصر التشويق؛ ويسهّل استيعاب النص بجوانبه الجمالية المختلفة. كذلك عالج المؤلف نصه بأسلوب إيجابي بسيط، فاختار الموضوعات التي تحاكي الطفل، جاعلا من أبطال روايته، يسيطرون على سير تطورها وأحداثها، ورغم سير الأحداث المعاكسة التي تميزت بترتيب معين، إلا أن النهاية جاءت واقعية، طُرحت بطريقة مقبولة، توافق سير الوقائع التي عاشها العالم في السنوات الأخيرة.

أخيرا فقد وظّف الأديب جميل السلحوت أدب الأطفال في إعداد قرّائه الصغار؛ ليكونوا الجيل القادم من الكبار، وذلك بتعليمهم أفكار وقيم تنظيم المجتمع من حولهم وتعريفهم بها، وتوفير المعلومات التي تثري طرق تفكيرهم، فيما يتعلق بالعالم وتشكيله بطرق مختلفة أفضل.

بقي أن أذكر أن هذه الرواية قد صدرت مؤخرا عن دار ومكتبة كل شيء في حيفا(2022)، وأن أبطالها أشخاص حقيقيون، فالطفلة مايا هي حفيدة الشيخ السلحوت.

أبارك لأديبنا هذا الإصدار، وأتمنى له مواصلة مسيرة الإبداع والعطاء والتألق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى