السبت ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩

مدينة الحب

آلند اسماعيل

جالس على كرسي من الزان تحت كنف السماء المغروسة بنجوم متلألئة بألوان ماسية يتوسطها قمر مخمليٌ يتسلط بنوره على زوايا تلك الأطلال المهرهرة التي بقيت بدون أزرها الطيني ، الصامدة قروناً في وجه الأعاصير الرملية والثلجية وصفعات أحجار الأطفال ، فأصبحت الملاذ الآمن للطيور المهاجرة التي تنجيها من حنق الليل ،

جالس آنتظر شفق الليل أتلذذ بفنجان قهوتي التي لم أطيقها يوماً كي استمتع بسكون السبيل و خلوه من معاناة ومآسي الفقراء ، فقط تزورها تلك النسمات الهادئة المحملة بمشاعر الطمأنينة والأمان لهؤلاء وهم غافين في نوم تكون الكوابيس المزعجة عنواناً له .

قبل أن ترحل القهوة من فنجاني يبدأ أشعة الشمس بمراوغة أرصفة و زقاق الشوارع لتستيقظ الهموم و الأوجاع في كل دار ولدى كل شخص فتعكر مزاجه قبل أن يرتدي قميصه المنزوعة بعد صراع أليم بين يديه المشقوقتين وأزراره ، ويتعارك مع أفكاره الجهنمية هل باستطاعته الحصول على عمل ما يكون المنقذ الوحيد لشقائق النعمان من التيبس،
فيجذبني إحساس محطم بآمال الموت المتلكئ وأنا أبصر إلى قرص الشمس المحرقة لأجساد الفقراء الهزيلة المجففة لدموع الأطفال الأبرياء حتى البكاء أصبح محظور عليهم فما ذنب هؤلاء الصغار وهم يذبلون كورود الربيع الذابلة في الوديان ، فمنذ الصغر يراودهم التفكير في الهجرة إلى خارج المدينة أو إلى خارج الوطن هاربين من شبح الكفن الأبيض ، فأنهم على يقين بأنه لا مستقبل في مدينة الحب الكارهة للعيش.

مدينة قد أغرقت برمال الفقر لم تصافح أية سحابة ممطرة منذ زمن حتى أصبحت المدينة مرعبة لكثرة أطلالها المأهولة بالأشباح حتى الحمامات البيضاء قد هاجرت تاركةً المدينة بمأساتها ولم تصحب معها هموم البسطاء ولم تمسح دموع الأطفال المساكين بريشها خوفا عليه من الزوال ، فهل ستتحقق الأماني وترجع الحياة من جديد إلى مدينتنا الرائعة بأهلها وخيراتها وليعم الفرح و التفاؤل في نفوس الصبية و لتلبس الجبال أجمل ألوانها و لتعود العصافير والبلابل إلى أعشاشها بعد فرارها لعدم تحملها معاناة الأطفال و طغيان الجفاف.

قامشلو يا مدينة الحب سأمشي حافياً في شوارعك وسأمسح الرغام على كل باب هاجر أصحابه بحثاً عن الرمق و التغلب على الموت الذي كان ضيفهم في كل دقيقة ، سأسقي أشجارك و ورودك من دمي وسأصلي في كل حين داعياً ربي أن يزيل عن أكتافكِ تلك الغيمة السوداء وان يرويكِ بنعمته وتزدهري من جديد ، سأزيل الظلماء من شوارعك بنور عيوني وسأفرش الأرض بالزنبق و الياسمين ابتهاجاً بعودة أشقائي من المهجر لتستمتع أذناي بزغاريد الحسناوات ، ولكن خوفي أن انتظر كثيراً ولا أرى أحد ، فيتركوني وحيداً فيها مع أوجاعي واشتياقي حاملهم وسط روحي، سأرسم قامشلو في لوحة من نسيج الخيال والاشتياق و كلمة صعب أن يؤلفها أي شاعر ، فهل ستنساني حبيبتي أيضاً التي هجرتني وأنا في أمس الحاجة إليها و التي لم أتوقع يوماً أن الغدر من طبعها ،كل شي في هذا الزمن جائز وكل شي ممكن أن يكون .

آلند اسماعيل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى