الأحد ١٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٣
أعطني فنًّا أعطِك شعبًا «22»
بقلم حسن عبادي

معرض «من يرسم الأماكن يملكها»

شاركت قبل سنوات في معرض الكتاب الدوليّ في عمّان، وخلال فترة مكوثنا هناك زرنا بيت صديقي الدكتور عبد العزيز اللّبدي، طبيب تلّ الزعتر، حيث لفت انتباهي تمثال في الحديقة ولوحات مميّزة على جدران منزله، واستفسرت عن صاحبها، فأجابني بأنّه فنّان جليليّ يدعى أحمد كنعان، وبعدها استلمت دعوة لزيارة معرضه الفرديّ "قريب من البيت" عام 2018 فلبّيت الدعوة، ولست بنادم، ومذّاك زرت مرسمه برفقة أصدقاء من خارج البلاد، ومعارض شارك فيها وتابعت أعماله.
وحين دعاني لافتتاح معرضه "من يرسم الأماكن يملكها" في صالة "العنقود" للفنون-مركز العلوم والتكنولوجيا والفنون-طمرة، لبّيت الدعوة، ولم أندم.

شارك أحمد في عشرات المعارض، الفرديّة (محاريث، مشاطيح، عنات، أنا هنا، صورة ذاتيّة، الفارس، اكتشاف، فارس الأحلام، على خيط رفيع، لوحات جميلة، أحمد كنعان– تماثيل، من خلال الزخرفة، قريب من البيت) والجماعيّة (دار الفنون-عين حرود، المكان والتيّار الرئيسيّ، وِحدة، تسعة فنّانين من القدس، سلام، كينان-كنعان، 50 عامًا على النكبة، البوّابة، أفكار- هويّة ورؤيا، إكسبو 2000، لحظة ما بعد لحظة ما قبل، عصافير، زوروا فلسطين، نسيج، تكاتُب، الأرض وسكّانها، جواز سفر، إنسان الأرض، في شي لازم يصير، كيان- معرض تماثيل، ألوان الحياة، تحوّلات في زمن الحروب وغيرها) في البلاد وخارجها.

وشارك كنعان كذلك في مهرجانات وملتقيات محليّة ودوليّة (لقاء في بولندا، مهرجان النحت بالحجر في الأردن، حجارة على الحدود في ألمانيا، لاجئون في اليونان، مهرجان فاس في المغرب، مهرجان البورسلان في هنغاريا، مهرجان نحت بالحجر في الإمارات العربيّة المتّحدة، مهرجانات رسم في تركيا وغيرها) وله مئات الأعمال واللوحات، منها تماثيل عملاقة في ساحته وغيرها منصوبة في الميادين العامّة في البلاد والخارج، ولوحات معروضة في متاحف محليّة وعالميّة ومُقتنيات خاصّة في العالم.

شمل المعرض 18 لوحة (غالبيّتها ألوان زيت على قماش) تتمحور حول المكان وتتلاءم وعنوان المعرض، وللمكان حضور طاغٍ.

حظيت طمرة بحصّة الأسد، لوحة تل كيسان-سهول طمرة، شجرة زتون طمرة، خلّة الراعي طمرة، قطف الزيتون، استراحة القطيع وإطلالة على طمرة.

أحمد فنّان جليلي، ابن بيئته ومحيطه، فرسم أزهار القندول-سهل طرعان، قرية الجش، شجر زيتون في قرية عيلبون، شجر لوز في ترشيحا، عزبة حكيم، قرية يركا وعكا.

لمدينة القدس حضور في ثلاث لوحات وأخرى لمدينة غازي باشا-تركيا في زيارة عابرة.

أخذتني مرّة أخرى لوحته بعنوان "مقيم غير شرعيّ"، وجدتها تصوّر حسرة اللاجئ الفلسطيني حين عاد ووجد قريته مهجّرة وبيوتها مهدومة، يجلس تحت شجرة تطلّ عليها يتأمّلها، فهو حاضر غائب لا يستطيع دخولها، صار بين ليلة وضحاها مشرّدًا بلا مأوى، يفترش الأرض ويلتحف السماء، فسرحت أتّمل أهلنا في غزّة بطريقهم من لجوء إلى لجوء قسريّ آخر.

لا بدّ لي من عودة إلى لوحة "نقل أشجار زيتون عتيقة"، حيث يتمّ اقتلاعها عنوةً من قرانا المهجّرة، وكذلك المسكونة في الضفّة الغربيّة، ونقلها إلى بؤر استيطانيّة ومستعمرات في الداخل الفلسطينيّ لمحو الهويّة الفلسطينيّة من الحيّز والتخلّص منها وفبركة التاريخ وتجييره، قولًا وفعلًا. فاجتثاث الزيتون ونقله واضح وجليّ للإسراع في تهويد المعالِم من أجل صياغة صورة جديدة وخلق حيّز يهوديّ للمكان من خلال الاقتلاع والتجريف كي لا تبقى تلك الأشجار شاهدًا على تلك الجريمة النكراء وعلى التطهير العرقيّ المقيت لفلسطين.

وفي لوحته "إطلالة على طمرة"، وجدت ابن البلد الذي يحاول التمسّك بأرضه وحقوله مقابل المستعمر الذي ينهب الأرض ويشيّد بيوتاً دخيلة لتغيير معالم البلاد ولكن لا بد للحقّ أن ينتصر ويبقى المكان شاهداً على هويّة صاحبه.

وجدت في لوحاته حضوراً للمكان، هويّة وانتماء، ورسم الأمكنة رسالة واضحة المعالم، نحن أصحاب الأرض ومالكيها، رغم كلّ محاولات اغتصابها، فجاءت رسوماته عفويّة بغنى عمّا يبرّرها وجاءتني مقولة جبران خليل جبران "المكان الذي تضطر فيه لتبرير عفويتك ليس مكانك المناسب".

ملاحظة لا بد منها، قلتها مراراً وتكراراً،

لفت انتباهي غياب كتالوج مهنيّ أو مطويّة تتناول اللوحات المعروضة وكذلك تشمل أعمال الفنّان في مجال الفنّ التشكيليّ، رغم أنّه رافق معارض سابقة له "كتالوج" راق مهنيّ التصميم، بالعربيّة، العبريّة والإنجليزيّة، يشمل بعض أعماله في مجال الفنّ التشكيليّ ويجسّد تطوّر أسلوبه وفنّه.

قيل: "أعطني مسرحًا أعطِك شعباً"، وأنا أقول: "أعطني فنًّا أعطِك شعباً"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى