

ملاك موت بلا وطن
عرض للكتاب
ديوان «ملاك موت بلا وطن» للشاعر حميد عقبي
سيلاحظ ويشعر القارئ والمتأمل لديوان «ملاك موت بلا وطن» للشاعر حميد عقبي، أنه يُبنى على مشهدية بصرية واضحة، تتقاطع فيها ثنائيات مركزية: الحياة/الموت، الحرب/الحبيبة، النبيذ/العشق، والكتابة/الضياع. هذه الثنائيات تشكل البنية المحركة للنصوص، وتفتح مجالاً لتوليد صور متوترة لا تستقر عند معنى واحد.

المشهدية
النصوص تُكتب كما لو أنها مشاهد متتالية: موت يجلس إلى الطاولة، ريح تطرق النوافذ، نبيذ يتدفق في الحانة، حبيبة تظهر وتغيب. هذه العناصر تتحرك داخل فضاء شعري يقترب من السينما، حيث الكاميرا تتنقل بين لقطات ضيقة تركز على تفاصيل جسدية أو شعورية، ولقطات واسعة تكشف مدناً رمادية أو سماء مثقوبة بالقذائف. هذا البناء المشهدي يبرز أثر خلفية الشاعر السينمائية، لكنه لا يظل محصوراً في البعد البصري، بل يتجاوز إلى توليد معنى من حركة الصورة ذاتها.
ثنائية الحياة والموت
الموت حاضر بصفته شخصية درامية، يُحاور الشاعر أحياناً، أو يتقمص دور الصديق والموظف والندّ. هذا الحضور يفتح أفقاً للتساؤل عن معنى البقاء، ويحوّل الحياة إلى حالة مؤقتة معلقة. في المقابل، تتشبث النصوص بالحياة عبر تفاصيل صغيرة: سيجارة، قبلة، أغنية، ما يمنح الثنائية طابعها الجدلي المستمر.
الحرب والحبيبة
الحرب في الديوان ليست خلفية صامتة بل قوة تدميرية شاملة، تترك أثرها في اللغة والأمكنة والذاكرة. غير أن حضور الحبيبة، سواء كطيف أو جسد ملموس، يعادل هذه القسوة. الحبيبة تتحول إلى رمز للحميمية في مواجهة العنف، وإلى مساحة اختبار لحدود العشق في زمن الخراب.
النبيذ والعشق
النبيذ عنصر متكرر، ليس بوصفه مشروباً فقط، بل كوسيط بين الواقع والوهم، وكشرط لفتح الباب أمام الخيال. العشق بدوره لا يظهر كحالة رومانسية صافية، بل كتجربة مرتبطة بالخذلان والغياب، ما يجعله مشحوناً بالالتباس والتوتر. هذه الثنائية تسهم في رسم صورة الذات الشاعرة المتأرجحة بين الرغبة والانطفاء.
الكتابة والضياع
الكتابة نفسها تُطرح كموضوع داخل النص. ثمة وعي ميتاسردي يتجلى في اعترافات الشاعر بعدم كفاية اللغة أو عجزها عن الإمساك بالمعنى. هذا العجز لا يُقدَّم كتوقّف، بل كجزء من العملية الإبداعية التي تجعل من الضياع مادة للنص، فيتحول التردد والارتباك إلى جزء من البناء الدلالي.
اللغة والانزياحات
لغة الديوان تقوم على انزياحات متعددة: الموت يتحول إلى عاشق، الريح إلى محاور، والمطر إلى جسد. هذه الانزياحات لا تبدو زخرفية، بل تخلق دلالات نابعة من داخل النص وتظل مرتبطة ببنيته. النقاد الذين توقفوا أمام التجربة أشاروا إلى الطابع السينمائي للغة وإلى طريقة المونتاج الشعري التي تعيد تنظيم التفاصيل اليومية في صور متقطعة لكنها مترابطة على مستوى الإيحاء.
بصمة الشاعر
يتضح من خلال الديوان ميل عقبي إلى الجمع بين المشهدية البصرية والبوح الشعري، وإلى إنتاج نص يقوم على جدلية مفتوحة بين الذات والآخر، بين الواقع والخيال. هذه الخصائص تحدد ملامح تجربته، وتضع كتابته في موقع يتقاطع فيه الشعر مع السينما والفنون البصرية.
«ملاك موت بلا وطن» يقدم نصوصاً تُبنى على المشهدية والانزياح، وتشتغل على ثنائيات وجودية وحسية. التجربة تكشف عن شعرية متوترة تتغذى من الحرب والمنفى والحب، وتعيد صياغة العلاقة بين الكتابة والضياع عبر صور تتولد باستمرار من داخل النص.