نورُ الصّور
لا شك أن الإعلام المرئي في مجتمعاتنا العربية له تأثير عظيم على الرعية. فالتلفاز الذي اقتحم معظم المنازل وأصبح من ضرورات الحياة منذ زمن، وما تبع ذلك من غزو القنوات الفضائية لعقولنا وإثارة نفوسنا وإطلاق العنان لمخيلتنا من خلال مشاهدة الأخبار الفريدة والصور الخلابة والتعرف على الأفكار الجديدة ومتابعة المسلسلات الرائعة وتقريب المسافات بيننا وبين" الآخر"واكتشاف معالم الحضارات الأخرى والأماكن الساحرة لكل ما هو بعيد عنا ومخالف لواقعنا المحلي، كل ذلك أعطى مساحة من الحرية النسبية للفرد العربي الذي أصبح يقولب ذاته حسب ما يسمع ويشاهد ويتمرد أحيانا على واقعه ويتنقل من قناة إلى قناة خصوصا في البلدان العربية المترفة التي تجد فيها تلفازا في كل غرفة بحسب عدد أفراد العائلة.
وهكذا اختارت الجموع منذ فترة متابعة مسلسل"نور" التركي المدبلج إلى اللهجة السورية اللذيذة في معظمها وتحول هذا المسلسل إلى شبه ظاهرة واستولى على اهتمام شريحة كبيرة من المجتمع بعد أن استولى عليها "باب الحارة" خلال شهر رمضان الماضي. وقد اكتشفت ذلك بعد أن اتصلت بوالدتي وعلمت أنها تتابعه هي وصبايا الحي ورأيت ذلك بأم عيني عندما تابعت حلقة منه في منزل أخي عندما تسمرت امرأته أمام الشاشة وأفصحت لي وقالت أن جمال مهند " بطل المسلسل" يفوق جمال نور" بطلة المسلسل" القروية بعشرات المرات. وزاد يقيني بأن الجميع يتابعه عندما ضربت ابنة أختي الأرض بقدمها وعبرت عن سخطها عندما بدا المسلسل ولم تستطع أن تستمع بوضوح إلى ما كان يدور فيه من حديث لأنني كنت اتناقش في نفس الغرفة مع والدها حول موضوع آخر فانزعجت وهرعت إلى غرفتها لمتابعة الحلقة بسلام وطمأنينة بعيدا عن تشويش أصواتنا.
إن الجلوس على الأريكة المفضلة في المنزل واتقاء حر الشمس و مشاهدة مسلسل للترفيه عن النفس هو أمر تحترفه معظم ربات البيوت في مجتمعاتنا ولهن كامل الحق في ذلك. ولكن أن يصل الأمر ليكون هذا سببا لطلاق إحداهن فهنا تكمن المصيبة. فقد أورد تلفزيون الجديد في لبنان (برنامج للنشر: طوني خليفة) خبرا مفاده أن امرأة طلقها زوجها لأنها وضعت صورة " مهند" على شاشة هاتفها المحمول وأخرى طلقها زوجها لأنها تجرأت وعبرت عن شهوتها وأمنيتها بأن تعاشر مهند لليلة واحدة قبل أن تموت. وكانت المطربة اللبنانية رولا سعد قد تعاقدت مع الشاب نفسه لتصور معه فيديو كليب وأثارت بذلك حقد وضغينة كثير من الفنانات الأخريات بحسب المصدر نفسه. لكن القشة التي قسمت ظهر البعير هو خبر وفاة امرأة وهي على سرير الولادة في إحدى المستشفيات عندما اتضح أن سبب الوفاة هو إهمال طبي فادح لأن الممرضات اللواتي كانوا يتابعن حالتها الطبية كانوا في الحقيقة يتابعن المسلسل المشئوم وتركن المسكينة تموت وحيدة. (المصدر: راديو الخليجية: الإمارات العربية المتحدة).
ربما يكون ما تقدم مبالغ فيه وربما يعتبر القاريء أن الزواج ميثاق غليظ ويصعب تصديق حالات الطلاق تلك. ولكن بيت القصيد هنا هو إجماع النساء على صبا ونضارة وجمال الشاب التركي. أهي مجرد حقيقة تقال؟ أم تراه تضخيم إعلامي؟ أهو افتتان بسبب الكبت الجنسي؟ أم تراه تعبيرا عن الحرية الشخصية وعصر الانفتاح الذي نعيشه؟ أيعقل أن تخلو المسلسلات العربية من شاب وسيم عربي يرتقي إلى مستوى الشاب التركي؟ لماذا لم نلحظ هذا الافتتان عندما شاهدت النساء المسلسلات العربية؟
لا أريد بهذا أن أظلم النساء العربيات فمن المؤكد أن كثيرا منهن لم يتابعن المسلسل أصلا. ولكن هل يعقل أن ننسى مشاكلنا وأتراحنا ونعبر عن نزوة افتتان بشاب ممثل؟ أم تراه تعبيرا عن الترف الفكري والهوس المادي التي تعيشه بعض البلدان العربية؟ أم أن هذا التساؤل مبالغ فيه أيضا؟
تساؤلات لا أجوبة لها في جعبتي. وبما أنني لا أريد الغوص في المسلسل ومناظر البوسفور ومدينة اسطنبول التي تبدو جميلة عبر التلفاز مع أن الكاتب التركي أورهان باموق وصفها في كتابه " اسطنبول: الذكريات والمدينة" بأنها مدينة الفقر والحزن والانسحاق، إلا أنني أعود إلى بيت القصيد وأقتبس ما قاله ابن حزم الأندلس: " الحلاوة رقة المحاسن، ولطف الحركات، وخفة الإشارات، وقبول النفس لأعراض الصور وان لم تكن ثمة صفات ظاهرة. أما القوام فهو جمال كل صفة على حدتها، ورب جميل الصفات –على انفراد كل صفة منها- بارد الطلعة، غير مليح، ولا حسن، ولا رائع، ولا حلو" انتهى. أما رأيي- كرجل طبعا- في الموضوع فهو أن قوام الشاب التركي- حسب التعريف – لا شك انه جميل، فكل صفة فيه على حدتها جميلة ابتداء من عيونه الزرقاء وانتهاء بشعره الذهبي. إلا أنه بارد الطلعة لا يقارن بخفة إشارات ايمن رضا أو سحر بسام كوسا أو حلاوة تيم حسن. أما رأيي بنور-كرجل طبعا- فطلتها بهية وروحها رائعة ولطيفة حركاتها أما قوامها فغير متناسق لأن انفها كبير وقد قطعت سن الثلاثين بلا شك. هذا والله أعلم.