الثلاثاء ٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
حوارمع المربي والشاعـرالباحث والكاتب المغترب إسحق حنا قومي
بقلم حسين حمدان العساف

في قصائدي أرى في الأرض والمرأة نبع الحياة

* لم يغادر وطنه، ويفارق أصدقاءه حباً في المغادرة أو رغبة في المفارقة، وإنما أرغمه إلى الاغتراب على كره منه ضنك العيش وشدة العوزوأعباء الأسرة الضخمة العدد التي أثقلت كاهله ، يمم إسحق قومي وجهه صوب أمريكا فألمانيا في رحلة شاقة مثقلة بالمتاعب والهموم. غادرنا جسماً، وبقي قلبه معلقاً في وطنه ومدينته وقريته وأصدقائه منشداًً إلينا بذكريات صباه وشبابه ورجولته انشداد الشجرة إلى جذورها، تاركاً أطيب الأثر وأعمقه في قلوب أصدقائه وطلابه، يواكب أحوال أصدقائه ومجتمعه وبلده، كأنه حاضر بينهم، لم يغـب عنهم. لن أسترسل في هذه المقدمة عن (أبي سامر) بغية إضاءة بعض جوانب شخصيته، فالحوارالتالي سيجلو كثيراً منها.

وفي البداية أرحب بأخي وصديقي الكاتب الشاعر الباحث الأديب إسحق حنا قومي وأوجه إليه الأسئلة التالية:

  أعرف منذ زمن بعيد أنك لست الوحيد من بين أفراد أسرتك الذي جذبه الشعر إلى فضائه ، فجال فيه، وإنما مال إليه، وكتب فيه القصائد أخوك المهندس الأستاذ الياس وأخوك الراحل في عمر الورود المأسوف على شبابه الغض عبد الأحد، أنتم جميعاً تقرضون الشعر منذ فجر شبابكم، وكان والدك حنا قومي رحمه الله يتذوق الشعر المحكي، وينشده، إذن أنت نشأت في عائلة متعلقة بالشعر، ما تعقيبك على ذلك؟
 أخي وصديقي الباحث حسين حمدان العسّافْ.للإجابة عـن سؤالكم فعلاً نشأتُ بين أفراد أسرة ٍ يتذوقون الشعر، ويقرضونه، ولكن كما تعلم أنا أكبر أخوتي الذين ذكرتهم ، ثم يليني أخي المهندس الشاعر الياس قومي ، وهو يكتب الشعر منذ أن بدأتُ أكتبه، ولم يفارقه، وله قصائد تعدُّ بالمئات في مختلف أغراض الشعر، وينشر منذ عام 2000م في الصحف الكندية التي تصدر باللغة العربية. أما أخي المرحوم الشاعر عبد الأحد قومي فهو عاش فعلاً بيننا، وتأثر بنا، وكتب الشعر في سن لا تتجاوز العاشرة من عمره، وخير دليل ٍ قصيدته عن حرب تشرين المنشورة في مجلة(المعلم العربي). هو من مواليد عام 1963 ونُشرت له القصيدة في عام 1973م. وله مجموعات شعرية (بيان لوهج الروح).وديوان (أينَ دمي الذي سرقتهُ القبائلُ؟!!) وأعمال قصصية بعنوان:(كيفَ تحملُكِ الروح إلى رئتي؟!!) وأعمال أدبية عديدة .وكما تعرف، ويعرف كل من عرف عبد الأحد قومي الشاعر والقصصي من خلال المهرجانات وما أكثرها! وكانت قصائده وقصصه تفوق مستوى المهرجانات. حيث كان يكتب القصيدة الموغلة في المعاني والصور، ويضمنها فلسفته الخاصة في الحياة والمجتمع والعالم والوجود. رحل ، وترك لنا قصائده التي نقوم بنشرها في مواقع عديدة. أما والدي المرحوم فقد كان ينشدُ الشعر الشعبي، ويسجع، من هنا أعتقد أن الشعر موهبة متأصلة مع الإنسان، يُخلق ، فتخلق معهُ. فمنذ أن كنتُ طفلا صغيراً، كنتُ أهيم بالمناظر الطبيعية والنجوم ليلاً والقمر، هذا ما ذكرته لي والدتي رحمة الله عليها. وكم من أسئلة! وما أكثرها! التي كنتُ أسألها كي أشبعُ تلك الدهشة التي كا نت تتملكني ، وربما لم تكن والدتي تستطيعُ الإجابة عنها كما يجب، فكنتُ أنشغل بالتفكير بتلك الدهشة. وأذكر أنني كنت في الصف الأول الابتدائي عندما عدنا إلى قريتنا (تل جميلو) مسقط رأسي ، وكان في كتابنا (القراءة) المقرر لهذا الصف (طارا، طارَ، فازا، فازَ، ناما، نامَ، عادا، عادَ) قصائد شعرية، كنّا نسمّيها يومها (الاستظهار)، لأنّه مطلوب منّا أ ن نستظهرها، نحفظها، عـن ظهر قلب، من تلك القصائد التي أذكرها قصيدة للشاعر( أحمد شوقي ( عنوانها،(جدتي)، يقول في مطلعها:

لي جــــــدة ترأفُ بي أحـنّ عليَّ من أبـــي
وكلُّ شــــــيء ٍ سرني تذهبُ فيــه مذهبي

إلى آخر القصيدة،واكتشفت في الصف التاسع أن القصيدة مكتوبة على مجزوء الرجز.
و كانت هناك قصيدة أخرى أحببتها مقررة في كتاب القراءة للصف الثاني الابتدائي ، عنوانها (النهر)، يقول مطلعها:

أيُّها النــهرُ لا تسر وانتظرني لأتبعكْ
أنا أحضرتُ مركباً هو يا نهرُ من ورقْ
وجرى النهرُ مسرعاً ومضى ثمَّ لمْ يعــدْ
صرخَ الطفلُ قائلاً ليتني ليتني معكْ.

وتبدأُ الرحلة مع المرحلة الابتدائية ، ففي الصف الرابع بمدرسة السريان الأرثوذكس بالحسكة أذكر أنني كنتُ أُلقي القصائد بتحريك يدي ، وأنفعلُ معها، وكان معلمنا (يعقوب عبدي) من المالكية( ديريك)، اكتشف موهبتي ، وتوقع أنني سأكون شاعراً ذات يوم، وكم من مرة قالها لي !وكان يأخذني إلى بقية الصفوف كي ألقي الشعر، ليشاهد تلامذة صفوف المدرسة هذا القادم من الريف ابن الفلاح كيف يحفظ الاستظهار مع تمثيله. ثمّ جاء المعلم (حنا عزيز) الذي اهتمّ بي ، وكان يُعيرني الكتب أذكرمنها (حديث الأربعاء) لطه حُسين بأجزائه الثلاثة، و(جامع الدروس العربية) لمصطفى الغلاييني و(ماجدولين) و(تحت ظلال الزيزفون) للمنفلوطي بالتصريف. وكتب أخرى...ولا يفوتني أن أذكر مكتبة المركز الثقافي بالحسكة.ومكتبتكم أنتم يا صديقي حسين الذي كنتُ أرى فيها ما أحتاج إليه لأشبع نهمي من القراءة والمطالعة في وقت كان

الكتاب هو المصدر الوحيد للتعرف إلى ما أنتجه القدامى والمحدثون في كل فنون صناعة الكتابة. وكنتُ أحملُ في داخلي طفلاً مشاكساً عنيداً متمرداً، وكم من مرة أوقعني في إشكال ٍ مع المجتمع! ورغم شقائه كنتُ أقدر له تمرده، لأنني كنت واثقاً أنه الأصح لكونه كان مثقفاً، فكنتُ أغض الطرف عن تمرده. كما تأثرتُ في المرحلة الابتدائية بالألحان السريانية ، فقد كنتُ أعمل بين الجوقات التي كانت ترتل في كنيسة السريان الأرثوذكس التراتيل الروحية، وهي مبنية على ألحان الشاعر (مار أفرام السرياني) التي كانت في أساسها أشعاراً.

ثمَّ تأثرتُ أيام فلاحة القطن وركشه( عزقه) بالأغاني العربية المغنّـاة باللهجة المحلية، وكنتُ أحفظ مئات الأغاني ، وأرددها مع الصبايا اللواتي كنّ يعزقن القطن أيام الصيف. وأنتهي من هذه المرحلة فأقول: كانت مرحلة غنية ً، وكانت الجسر الذي بنيتهُ من مشاعري كي أعبر إلى ضفاف الشعرمتسلحاً بمعرفة أساسياته وصناعته ومتذوقاً أجمله وأبدعه. وما أن أد خل المرحلة الإعدادية حتى تخطيتُ تخوم الرغبة إلى واحات سحرالشعر، فجذ بني إليه كأحد أحفاده القدامى.

 بدأت كتابة الشعرفي الثلث الأخير من ستينات القرن الماضي ، وكان لك في محافظتك الحسكة أنشطة ثقافية وجولات شعرية في محافلهاالثقافية ، وصدرلك في هذه المحافظة باكورة نتاجك:(الجراح التي صارت مرايا) صدرالعام 1983، ثم تلاه ديوان للأطفال (أغنيات لبراعم النصر) صدرالعام 1984، ونشرت الصحف والمجلات السورية قصائدك، ثم تراكمت أعمالك المخطوطة. هل لك أن تحدّ ثنا عـن أهم المحطا ت الأسا سية التي مرت بها تجربتك الشعرية خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة؟
 بدأ ت رحلتي مع الشعرمنذ العام 1966م ، وامتد ت إلى هذا الوقت ، وقد أحرقت والدتي باكورة أعمالي الشعرية ، وسجرت بها التنور لتخبز عليه، وهي لا تعلم ماذا تحتويه تلك الأوراق بعد أن كان أخي الأصغر قد عبث بها، وكنتُ أسميتها: (البنفسج المبلل بالدموع) و(ابتسامات الأمس الساخرة). و(فاديا).وغيرها. وحيث أنّ رحلتي مع الشعر طويلة، فإني أحاول إيجازها، وأستطيع تقسيمها إلى ثلاث مراحل زمنية ، أولاها في مدينتي (الحسكة) بموطني سورية، وهذه المرحلة، هي مرحلة التحضير للولادة أيام الحمل للجمالية الشعرية، وتمتد من الطفولة إلى عام 1966م ، وتشمل المرحلة الإعدادية ، وما كدت أدخل المرحلة الثانوية حتى بدأ ت مواسم الحصاد. في الأماسي الأدبية والشعرية التي كنت أقيمها في المحافل الثقافية أوالتي ألقيتها على شاشة التلفزيون العربي السوري، وثانيها في أمريكا التي مكثت فيها ثلاث سنوات، وهي مرحلة جديدة في حياتي، وغنية جداً بالعطاءات. وثالث مرحلة مرّت بها تجربتي الشعرية كا نت في ألمانيا، وتمتد هذه المرحلة من عام 1991 حتى اليوم، وهي مرحلة غنية توفر لي فيها الوقت للتفرغ كي أجمع ما كتبتهُ من قصائد ، وتطورت فيها تجربتي الشعرية.. أمّا من حيث شكل الشعر، فقد كتبت أشكال الشعر: الشعرالعمودي، بدأت كتابة الشعر به، وما زلت أكتبه إلى اليوم، ولي رأي في بحور الخليل العروضية. نعم!على الشاعر أن يكون ملماً بالأوزان الشعرية ، ولكن هل علينا أن نظل نلبس عباءة الخليل وللأبد في الأوزان الشعرية؟ ليس هناك من محرمات لتطوير وتحديث آليات الوزن. وأنا كتبت الشعرمنذ زمن بعيد على بحر ٍيتناسب مع روحنا وقريحتنا، تحقق ذلك أخيراً من خلال قصيد تنا (رسالة إلى الحلاج لمْ تُقرأْ بعدْ ) التي رأى فيها بعضهم وزناً، ظنوه مضطرباً، وقد تناولها الأد يب والكاتب كريم محسن ، وأقر لي بتجربة جديد ة؟ لقد أبدعت بحراً جديداً، ٍ أسماهُ الدكتور الشاعر أحمد فوزي (المنبسط، (، وقال عنه الأديب والكاتب كريم محسن: إنه مزج بين تفعيلات (بحر الوافر والهزج)، ونحن لم نمزج، ولسنا في مخابر الكيمياء، بل كانت هذه التفعيلات استجابة طبيعية لمَا يعتري روحنا من لحظات انفعالية ووجدانية. جاء هذا الوزن بشكل طبيعي ، لكنني لا أُخفيكم سراً: فمنذ ثمانينات القرن الآفـل كانت لديّ قصائد أكتبها على هذا الوزن ، وعندما أنظر فيها أجدها لا تنطبق على أي بحر ٍ من البحور الخليلية ، وكم من مرة ٍ كنتُ أقـول في نفسي : سيأتي اليوم الذي أُصطدم فيه مع العروضيين ، غيرأنني كنتُ واثقاً من أن ما أكتبه هو شعر بوزن جديد ، وأنّ لا شيء مستحيل ، ولماذا لا يكون هناك بحر جديد تُقاس عليه القصيدة العربية؟ وقد أحدثنا (الكامل المحدث) وجوّزنا فيه ما يجوزخاصة في حالة (الإضمار).وهناك بحر آخر هو (الوافر المحدث)..ولنا دراسة في كل هذا، لن نقدمها إلا بعد أن نكون قد حصلنا على اعترافٍ بأنها تجربتنا وإبداعنا في الأوزان الشعرية. ولم أقصر شعري على الشكل العمودي ، وإنما كتبت شعر التفعيلة والشعر المنثور.هذا عن الشكل، أمّا في المضمون فقد وظفت المثيولوجيا والأسطورة وعلم النفس في قصائدي ، وهذا التوظيف جاء من خلال دراستنا وتدريسنا لكل هذا الكم الهائل من الفكر المثيولوجي والأسطورة والنفس .وهناك قصائد كثيرة جاءت مشبعة بتلك النفحات، وفي قصائدي أرى في(الأرض) و (المرأة) نبع الحياة، ولم تخل أغلب قصائدي من الحنين والشوق والحب للأرض والمرأة. وكتبت لأطفالنا براعم المستقبل شعراً أيضاً، كتبت من جهة أخرى كلما ت للأغاني تنقسم إلى قسمين: منها ماهو فصيح، ومنها ما أكتبه باللهجة المحكية العربية والمردلية، عندي عدة كلمات للأغاني وقصائد في هذا الجا نب.

- لديك اهتمامات متعددة في الكتابة، فأ نت إضافة إلى الشعرتهتم با لتأريخ وعلم الأنساب، وأنت باحث وكا تب مقال نشط ، مقالاتك ملأت أهم مواقع الاتصالات العالمية، وأنت كا تب قصة، وربما تكـتب في غير ما أشرت إليه. هل لك أن تضيء لنا هذه الجوانب من كتاباتك؟
 كتبت فضلاًَ عن الشعر القصة والرواية، كما كتبت في الجوانب اللاهوتية والأبحاث الروحية والاجتماعية والدينية والتاريخية، وانتهيت من كتابي ( القصور والقصوارنة وقبائل الجزيرة السورية) الذي كنتُ قد بدأتُ فيه منذ عام 1982م.وكتابي(ابتهالات لمن خلق الوجود) وأبدأُ في الكتب التا لية:
(مائة عام على بناء مدينة الحسكة)وكتاب (المسيحيون في الجزيرة السورية).
وكتاب (أعلام الأمة السريانية الآشورية الكلدانية) الذي يُغطي الفترة من 5000سنة قبل الميلاد حتى اليوم ...وبحث (الحركة الشعرية الجزيرة السورية في العصر الحديث).ومازلتُ مستمراً في العمل بهذه الكتب..
أما مجموعاتي الشعرية، فمازالت مخطوطة، وهي التالية:
 1- مواويل في سجون الحرية.
 2- العاشقة القديمة منى.
 3- قمر يا قمر.
 4- تراتيل لآلهة الخابور القديمة.
 5- نبوءات العهد البابلي.
 6- مواسم الحصاد.
 7- الشاعر والمقصلة.
 8- عبد الأحد شراعٌ في مدى القصيدة.
 9- الموت في المنافي البعيدة.
 10- لماذا بكتْ عيناك!!
 11- زورق على نهر الراين.
 12- نُغني للبشر وهو للأطفال.
 13- وباللغتين الإنكليزية والألمانية( أنا سوف أبقى أُغني(.
وأما في القصة،فكتبت مجموعة قصصية للأطفال بعنوان: (الأزهار تضحك مرتين).

وقصة للكبار:(ناسج الثياب) وأمافي الرواية، فقد كتبت رواية(دموع تأكل بقاياالصمت) عام 1968م تبعتهارواية (عاشق أختي).و(المستحيل كان جنوناً) و(المحطة) و(الانتحار بالحمراء) و(أنا وأهلي على ضفة الهاوية)، وكان اسمها (سونا) و(في الطريق إلى الزللو) و(جلجامش يعود ثانية).
وأما المقالات والأبحاث فهي عديدة لا تُحصى.

 أتتواصل مع حركة الشعروالأدب والثقافة في سورية والوطن العربي بعد اغترابك الطويل عـن بلدك سورية؟ وما انعكاس هذا التواصل على تجربتك الشعرية والأد بية؟
 في التجارب الشعرية على مستوى سورية تتوزع بين الشعر الرصين ومابين العبثية النثرية الخالصة.وهذه السمة تنطبق على شعراء الوطن العربي ولا أكتمك سراً بأنني لم أطلع حتى عام 2007م على تلك التجارب، وعندما تواصلت عبرالإنترنيت،وقرأتُ ما قرأتُ أصابني الهلع ، لهذا أهجرها حالا لأنها ليست من الشعر والشعور في شيءْ .وأعتقد يكفيني كما تعلم ومنذ أكثر من ثلاثين عاما ونيف قد أتيتُ على الشعر منذ نشأته وحتى العصر الحديث، وهكذا أحسُّ بأنني ارتويت من ينابيعه وفراته وأن أي تجربة حديثة هي في الأساس، يجب أن تقوم على تلك الينابيع، فلست بحاجة إلى أن أرد غيرها .وهذا ليس تشبثاً بالرأي، وإنما لأبقى وفياً لتلك التجارب الخالدة.وحين تقدمت لمسابقة شاعر العرب التي نظمتها قناة المستقلة.وجدت أن الإقصاء تتصاعد وتيرته ويتسع أفقه.بحيث أن مسابقة على امتداد الوطن العربي وإيران لم نجد أسماً واحداً من الشعراء اسمه إسحق....ماذا يعني هذا؟!!!....واللجنة لم تتذكر أن هناك ما يُسمى بمذاهب الشعراء، ولماذا أقحمتُ تقدمي لمسابقة شاعر العرب كونها ذات دلالات عدة من بينها للذكرلا الحصر. أنني كنتُ على ثقة لو أننا نتمتع بموضوعية وبحرفية لوافقوا على مشاركتي ...لكن الإقصاء أراه سمة من سمات عصرنا، وهذا هو التخلف بعينه، وله دلالات، لا أريد أن آتي عليها.

 غادرت بلدك سورية إلى أمريكا في نهاية شهر أيلول العام 1988، فلبثت فيها حيناً من الدهر، ثم استقر بك المقام أخيراً في ألمانيا العام 1991. حد ثنا عن أنشطتك الشعرية والأدبية في مدينتك الحسكة، ثم ماالأعمال التي زاولتها في فترة اغترابك والأنشطة الثقافية التي أديتها، والصحف والمجلات التي كتبت فيها؟
 أول أمسية أدبية كانت لي في المركز الثقافي بالحسكة في عام 1970م عندما قدمت محاضرة عن الشعر المهجري. ثمّ تلتها مشاركاتي في الأمسيات الشعرية والمهرجانات منذ عام 1970م، ولم أتغيب عن أية أمسية أو نشاط شعري حتى عام 1988م ، وقد أصدرتُ مجموعتي الشعرية الأولى: (الجراح التي صارت مرايا) عام 1983م.والثانية (أغنيات لبراعم النصر) عام 1984م...وكنتُ قد كتبتُ منذ السبعينات في مجلة (الطليعة السورية) و(الثورة) و(البعث) وفيما بعد (تشرين) و(المسيرة) و(الطلبة) و(الخابور) غير الدورية ومجلة(أسامة) للطفل. وشاركتُ في أكثر من برنامج تلفزيوني أُلقي فيه قصائدي، وأُذيعَ لي في برنامج الشبيبة أكثر من عشرين قصيدة.
ولي في الأغنية السياسية عدة قصائد وأغنية الطفل العربي ( وطني، نُغني للبشر)، و(عيد الأم) التي حازت على المرتبة الأولى على سورية.
وفي أمريكا جمعت القصائد التي كتبتها خلال هذه الفترة بديوان حمل عنوان

(مواويل في سجون الحرية(، وشاركتُ في أول مناسبة بقصيدة (يا شام ظلي للمدى بركاني.)بمناسبة عيد الجلاء.وحررتُ في صحيفةالاعتدال بنيوجرسي (الصفحةالأدبية)،وزاوية (بعد أن نلتقي)، كما نشرتُ في صحيفة (الهدى) اللبنانية،وكنتُ من أسرة برنامج إذاعي (كروان) بإذاعة (ساوث أورنج) بنيوجرسي. لمدة ثلاثة أعوام كنت خلالها مذيعا ومقدما لعدة برامج ثقافية وأدبية.وقدمت عدة مطربين ومطربات أهمهم المطربة السيدة (دلال الشمالي) والمطرب السرياني المشهور (حبيب موسى)
و(نعيم موسى) وتقدمتُ لمسابقة الشعر باللغة الإنكليزية بقصيدة(أي ول ستل سنك)(أنا سوف أبقى أُغني) وهي منشورة في كتاب نتائج المسابقة( ترجرد بويمس أف أميركا) عام 1992م، كما أُرسل لي عقد من إذاعة (صوت أمريكا) القسم العربي ، لكن التحاقي بأسرتي في ألمانيا عام 1991في نهايتها حال دون تحقيق الحلم الذي كان يُراودني منذ زمن بعيد.

كما أذكر أول أمسية أدبية تاريخية بعد أن أتيتُ من أمريكا كانت بعنوان: (اللغة السريانية وتاريخها) قدمتها بهولندا في النادي الثقافي السرياني بمدينة (أولدن زال).ونشرتُ في الصحف التي فيها زوايا للغة العربية، (شوشوطو)( التقدم).التي كان يحرر قسمها العربي ابن أختي الأستاذ (داؤد حجي) ,وكتبتُ في مجلة (بهرو سريويو)و(آرام) و(العودة) و(شورايا) (البداية)...وأُذيعت لي قصائد في بروكسل في برامج تلفزيونية للسريان والأكراد. وفي ألمانيا
ترجمت لي إحدى الفتيات الألمانيات قصائدي من اللغة الإنكليزية إلى اللغة الألمانية،

وتقد متُ بها هنا في ألمانيا لأخذ الموافقة على طباعتها...لازالت مع الأسف مخطوطات...ثم دخلت بعدها الشبكة العنكبوتية بعد مقابلة أجرتها معي ( الجزيرة كوم ) عندها توفر لي التواصل مع العالم من خلال مواقع عديدة لا يمكن حصرها.

  لماذا لم يستطع الأد ب العربي المهجري المتناثر حا لياً في شتى أنحاء الغرب وأمريكا أن يتبلور له كـيان وسما ت واضحة ، تميزه من غـيره، يمكن أن يوصل ماانقطع بينه وبين الأد ب المهجري الذي أرسى دعامته في أمريكا الشمالية والجنوبية روّاده في أوائل القرن الماضي، أويكون إضا فة هامة له؟
 أعتقـد أنَّ لكل عصر وظرف ٍ استجابته الموضوعية، ولا يمكن لنا أن نسقط مقولات عصر ٍ على آخر. هذا أولاً ثم ّ إنَّ الشعر المهجري الذي كان من روّاده شعراء فحول، وأنت تعرف في السبعينات من القرن الماضي أقمتُ أمسية أدبية عن الشعر المهجري في المركز الثقافي بالحسكة، وأنا لازلتُ في الصف الحادي عشر أدبي بثانوية أبي ذر الغفاري بالحسكة.ما أريد أن أقوله. كان هؤلاء الشعراء والأدباء الذين تغربوا من أجل لقمة العيش أو لأثر الظروف السياسية والأمنية التي كانت قاسية في لبنان وسويا وبلاد الشام بشكل عام. وكان آنذاك الشعور القومي العربي بدأت طلائعه مع روّاد النهضة العربية متمثلة بما أنتجه الكتّابُ والشعراء في لبنان خاصة.وجل اهتمامهم كان منصباً على اليقظة القومية العربية، لأنهم عانوا من العثمانيين خاصة بعد أن جاء حزب (الاتحاد والترقي) إلى الحكم. فكان لا بدّ أن يكون هؤلاء الشعراء والأدباء من أوائل الناس الذين تهزهم مشاعر الغيرة على وطنهم. ومن ثمّ اختلفت وسائل النقل والمعيشة عما سبق أن عاشها شعراء المهجر من قبل. أما عن الأدب المهجري الحالي ، فأنا أرى معك أنه لهذه اللحظة لم يتبلور بشكل واضح رغم توفر وسائل الانتشار السريع، لكن هذا لا يعني أننا نعدم المسألة، فهناك عدة مواقع أدبية وشعرية تحاول أن تضم بين جنباتها نتاجات الشعراء والأدباء في المهاجر، وأعتقد أنّ أهداف الشعراء والأدباء قد تغيرت عن أهداف شعراء المهجر الأوائل. لعدة أسبابٍ. ثمَّ كانت ولا زالت فرص تجمع الشعراء والأدباء بيد الحكومات العربية. فمثلاً في هذا العام كان هناك في دمشق باعتبارها عاصمة للثقافة العربية . كان على اللجنة المنظمة أن تأخذ بعين الاعتبار موضوع شعراء وأدباء المهاجر، وليس أسهل من توجيه الدعوة لهؤلاء عبر وسائل الإعلام المختلفة. وأتذكر عندما وجهت سؤالي لسيادة وزير الإعلام السوي الدكتور محسن بلال عن هذا الموضوع.في مجلة (العرب اليوم) التي يقوم على تقديم هذ ه اللقاءات الصديق المتألق الصحافي والشاعر (عادل محمود)...لكن مع كل الأسف لم يكن الجواب يُغطي مساحة وأهمية سؤالي.... وأعتقد مرة ثانية جازماً بأن المحسوبيا ت والأسبا ب والدواعي نفسها تحرم شعراء وأدباء المهجر من أن ينتظموا في تجمعات قطرية، وهذه مسؤولية الحكومات نفسها. ومن خلال محاورتكم هذه أدعو إلى إقامة مهرجانات خاصة لشعراء المهاجر والأدباء ولو كل خمسة أعوام مرة واحدة، وأن تُطبع مشاركاتهم في مجلد خاص بالشعر ومجلد لباقي الأنواع الأدبية، كي نؤرخ لهذا الأدب والشعر. على أن تتولى كل دولة على حدة إقامة مثل هذه المهرجانات.

- ماذا تعني لك سورية، مدينتك الحسكة، قريتك (تل جميلو) التابعة لناحية الدرباسية التي ولدت فيها العام 1949، الأصدقاءالقدامى بعد اغترابك عنهم هذه السنين الطوال؟
 سورية وطني ، أرض أجدادي .هي إحدى المقد سات، لا بل إحدى الآلها ت..وأنا القائل ثلاثة يستحقون العبادة:( الله. والأم الصالحة، ووطن يتساوى فيه الجميع). فلسورية أنتسب، وبها أعتز، وأتمنى أن أكون سفيرها في مجا ل شعري وأدبي.

أما قرية تل جميلو التي تقع في الجزية السورية، شما ل مدينة الحسكة على الطريق بين الحسكة ومدينة الدرباسية، فهي مسقط رأسي ، ومنها تعلمتُ المواويل التي ستبقى في ذاكرتي. وفيها دخلتُ لأتعلم القراءة والكتابة في الصف الأول الابتدائي عام 1957م ، لها حنيني وشوقي.

أما الأصدقاء القُدامى ...فمنهم لايزال على قيد الحياة، ومنهم من غادرنا. أردد أحياناً بيت الشاعر بشاربن برد الذي يقول:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي النا س تصفو مشاربه؟؟؟
بعضهم فعلا بقي صديقا، وبعضهم الآخر غيّرته الأوضاع وحال المعيشة. وهذا من طبائع الدهر وتغيراته.ولكن ما كنتُ قد خلتهم أصدقاء،ظهر لي أن بعضهم لم يتابع مهمة الصديق المخلص ...
وهنا لابدّ لي من ذكر علاقتي بك أيها الأخ الباحث الأستاذ حسين حمدان العساف، فأنت لست صديقا وحسب، بل إنّ بيننا أخوة وجيرة وعمراً يمتد منذ خمسينات القرن المنصرم حتى اليوم.

وإن فرقتنا الجغرافيا، فلم تستطع أن تفرق بيننا ، هذا أقل ما يمكن أن أشعر به، وما أكنه لك ولأسرتك.

 ما الأعمال التي أنجزتها، وما مشاريعك الكتابية في المستقبل؟ - نتاجاتي عـديدة ومتنوعة في الشعر والقصة والمقالة والتاريخ واللاهوت والقضايا الاجتماعية والقومية.أحاول أن أتوافق مع ذاتي كي أُنجز ما أنجزه،فأكوام كبيرة تنتظر مني ترتيبها وتبويبها وكتابتها أقل ما يمكن بخط واضح...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى