الاثنين ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١٧
بقلم نوميديا جروفي

إستراحة مفيستو «للروائي بُرهان شاوي»

(إستراحة مفيستو) هي رواية سينمائية و فلسفية في نفس الوقت، جمعت بين الشكّ و اليقين، الحياة و الموت، الخيال و الواقع، خوف و قلق، حياة واقعيّة و وهميّة، هلوسات، أماكن تظهر و تختفي، أشخاص كثيرون بوجه واحد و كأنّهم يرتدون قناع موحد و إن اختلفت قامتهم و أعمارهم، و دراما، و كأنّ المرأ يشاهد فيلم رعب،في بعض الفصول فيها كشوفات و توغّلات عميقة في النّفس البشريّة و فلسفة الحياة.كُتبت في مدّة زمنية قصيرة – شهر واحد- مقارنة بالروايات العالمية التي يستغرق الكاتب فيها سنة أو أكثر.

فكرة إستراحة مفيستو و حبكتها جديدة عن المتاهات الستّ و مشرحة بغداد و الجحيم المقدّس.فيها فنتازيا و جرأة كما و مبنيّة بصرامة و كثافة و رؤية خارج أساليب الكتابة.فيها من التداخل و المفاجآت ما يثير القارئ.

كعادة الروائي بُرهان شاوي في اختيار أسماء شخصياته حيث تبقى بين آدم و حواء و قابيل و هابيل مع إضافة النعت.

تبدأ بالتلفون الذي يرنّ في بيت آدم المسكين بطل الرواية ذو شخصية انطوائية يعيش وحيدا بعد أن فقد والديه في حادث و استدان المال من هابيل السفاح لأجل مراسيم الدفن و مجلس العزاء و لم يستطع أن يعيد المال في الوقت المحدد، فبقي ينتظر موته على يده. و كانت جارته صديقة أمه حواء الدلو هي من تهتم به فتأتيه بالطعام بين الفينة و الأخرى بعد موت والديه و تحاول التقرب منه لأنه كان يروقها لكنه كان منكمشا على نفسه و لا يفسح لها المجال. حتى جاء اليوم الذي اقتربا من بعضهما أكثر من اللازم و حدث ما حدث بينهما.لكن و بعد هربه من البيت في ذلك اليوم المشؤوم لينجو بحياته من موته المحتوم توجه لفندق اسمه (إستراحة مفيستو) و مفيستو هو أحد أسماء الشيطان فدله مدير الفندق آدم آدم للتوجه إلى المقبرة لأنه لا مكان له في الفندق و هو غير شاغر..والمقبرة أكثر مكان آمن في المدينة..و هناك عثر على حقيبة مليئة برزم الدولارات و بعض الهويات لخمسة أوادم مع وجود جثة مقطوعة الرأس هناك..و من ذلك الحين بدأبحثه عن صاحب الحقيبة بعد أن سدد دينه لهابيل السفاح.

لكن الغريب في الرواية هو أنّ كل الأوادم متشابهون بنفس القناع (آدم آدم مدير فندق إستراحة مفيستو،آدم الضائع، و كل الأوادم العاملون في الفندق) و كذلك بالنسبة للحواءات فحواء الدلو-المدفون تشبه أمه و كل الحواءات التي التقاها في فندق مفيستو (حواء صوفي، حواء نمرود، حواء المسافر، حواء الأعمى، حواء الأبيض، حواء الأسود)

ما تحمله استراحة مفيستو في طيّاتها:

الوهم و الخيال

في قوله:ارتطم رأسه و كامل جسده بجدار غير مرئي.أراد أن يمشي لكنه لم يستطع. لم يكن هناك أيّ شيء أمامه.كان المدى مفتوحا أمامه..لكن هناك حاجزا غير مرئي يقف أمامه.
و في قوله: لكن لا إراديا نظر إلى المرآة الكبيرة فانتبه إلى أنّ رزم النقود غير موجودة فيها و لا يمكن رؤيتها، على الرغم من وجود الكثير منها على الطاولة بعد.
نظر أمامه فوجد الرزم المالية موجودة. نظر إلى المرآة فلم ير الرزم.

الحيرة

على ضوء الغرفة الباهر تفحّص البطاقات الشخصيّة.. و هاله أنّ جميع الصور الشخصيّة لحاملي الهويات هي صورة شخص واحد للشخص نفسه..الذي هو الشخص الذي قابله عند باب الفندق قبل أن يتّجه إلى المقبرة.. أمّا الأشخاص فكلّهم يحملون اسم "آدم" و يختلفون في الألقاب، أمّا الأوصاف و الطول و العلامات الفارقة فهي نفسها..الإختلاف في الحالة الاجتماعية و في المهنة فقط..

واحد منهم محام، و الآخر موظّف في الأرشيف بإحدى الدوائر، و ثالث يعمل موظفا كبيرا في أحد البنوك، و رابع سياسي معروف يعمل موظفا في مالية إحدى الدوائر و خامس خرّيج جامعة لكنّه عاطل عن العمل، لا مهنة محدّدة له.

في قوله:ظلّ آدم المسكين حائرا بين هذه الشخصيات.. فالصورة في جميع البطاقات الشخصية هي لشخص واحد، و هي نفسها صورة مدير فندق (استراحة مفيستو). لكن كيف يمكن قبول هذا الأمر؟ هو رأى جثته..و لم يشك في ذلك، لكن موظف الاستعلامات اليوم صدمه و دمّر يقينه. و دفعه إلى موضع اللايقين.فإذا كانت الجثة لا تعود لمدير الفندق فلمن من بين هؤلاء تعود؟

أحسّ آدم المسكين و كأنّه في كابوس.فهذه التمثيلية غامضة جدّا.. و هو يُحسّ بالضياع وسط هكذا أسرار و ألغاز..ما هذه المتاهة التي وجد نفسه فيها؟

أسئلة لا متناهية

في قوله: ظلّ آدم المسكين جامدا في جلسته.لا يعرف ماذا عليه أن يفعل..هل عليه أخذ الحقيبة و الهرب من المقبرة؟.هل عليه إبلاغ الشرطة؟ و هل إذا ما أبلغ عن الجثة سيمرّ الأمر بسلام معه دون تحقيق معه أو شبهة اتهامه بالجريمة؟.و من هو هذا الشخص؟.. و كيف كان عند الفندق و كيف قُتل هنا؟..و من قطع رأسه. و لماذا؟و متى؟ و لماذا يحمل هويات و استمارات عديدة؟ و السؤال الأكبر هو: لماذا لم يأخذ القاتل حقيبة النقود؟ أليس هناك سرّ في هذا الأمر؟)

كانت الأسئلة تطارده مثل قطيع من الذئاب.. هل هو في حلم أم أنّ ما جرى قد جرى في الواقع؟.. ربّما هو الآن في فراشه يحلم و أنّ ما يجري هنا هو ضمن أحداث الحلم؟..و إلاّ كيف كانت المدينة مهجورة حينما عبر شوارعها ماشيا.. ثم من أين ظهر له هذا الرجل عند باب الفندق لينصحه بالذهاب إلى المقبرة؟

ما حدث لآدم المسكين من تساؤلات عديدة لا متناهية بلا أجوبة ليفكّ لغز ما هو فيه ذكّرنا بفتية الكهف عندما تفاجؤوا من تغير حال المدينة التي كانوا فيها عندما هربوا بحياتهم من الملك دقيانوس الوثني لينجوا من موتهم المحتوم عندما اكتشف أنهم يؤمنون بالسيد المسيح و ديانتهم المسيحية، كما اختلط عليهم الأمر بعد استيقاظهم من نومهم بعد ثلاثمائة عام و تسعة اندهشوا من حال مدينة فيلادلفيا التي تغيرت في أيام و ظنوا أنّهم لبثوا نياما لثلاثة أيام أو أسبوع كأقصى حدّ و لم يفهموا ما يجري حولهم أو هل هم في حلم أم أنّ ما هم فيه جزء من حلمهم..نفس الحال بالنسبة لآدم المسكين الذي لم يعرف هل هو يحلم أم أنّ ما يجري معه جزء من حلمه و هو نائم..

في قوله: فإذا كانت الجثة لا تعود لمدير الفندق فلمن من بين هؤلاء تعود؟؟ و لمن من بين هؤلاء تعود حقيبة النّقود؟ أتعود لآدم ذو النون باعتباره موظفا في البنك؟ أم تعود لآدم الطيار المحامي؟ أم تعود لآدم الآدمي الغامض الشخصيات و المعلومات؟

و في سؤاله مع نفسه: من هو هذا الشخص القتيل؟ من قتله؟ و متى؟ ألم يره في غرفته واقفا عند النافذة؟ كيف تمّ قتله و حمل جثّته إلى هنا؟

تناقض في المشاعر

في قوله: أحسّ بمشاعر متناقضة ألقت به في الحيرة: هل إذا ما اتصل بالشرطة سيصمت بالكامل عن الحقيبة الجلدية المليئة بالنقود أو يخبرهم بها و يأخذ حصته كهديةو هي نسبة معروفة تمنح لمن يعيد مبلغا ضائعا؟

رهبة و خوف و غرابة

و كأن القارئ يشاهد أحد أفلام الرعب في قوله:حين خرج آدم المسكين من غرفته وجد نفسه ليس في الطابق الذي هو فيه فهذا طابق مختلف جدا عن الطابق الذي يعرفه منذ البارحة.هنا يبدو الطابق بممرّات عريضة و مفروشة بالسجاد الأحمر. و الغرف الموجودة تبدو و كأنها أجنحة كبيرة أو شقق واسعة و كأنه في فندق كبير كان يراه في الأفلام..)

نشعر بخوف آدم المسكين عندما قال له موظف الفندق: هذا هو مديرنا السيد آدم آدم.. و هو يعرفك.. و قد قابلك كما قال لنا.. و هو الذي أخبرنا بأنّك ستأتي في وقت لاحق إلى فندقنا..و قد أكّد علينا بأنّك ستأتي للمبيت في فندقنا.. هنا سرت رجفة في جسد آدم المسكين فقد كان الرجل الذي قابله هو مدير الفندق إذن؟ لكنه تخيّله قُتل، فهو لم يشك بأنّ الجثة كانت جثّته..

و زادت دهشته حين قال له موظف الفندق: هو أخبرنا بذلك أيضا...لكنّه كاني ينتظرك بعد عودتك من المقبرة..

فقال آدم المسكين: ماذا؟؟؟

و في قوله: هبط السلّم المظلم و الضيّق بسرعة و كأنّه مطارد من أشباح سود مرئية مسلّما نفسه للّيل و الظّلام.

الغموض

في قوله: فكّر مع نفسه بأنّه يتّجه نحو الجنون بالتأكيد.

حيث شعر آدم المسكين بأنّه يُشارك في تمثيلية غامضة..لكن بما أنّه صار بإمكانه التحرّر من تهديدات هابيل السفاح فلا مانع لديه من أن يُواصل دوره الغامض في هذه التمثيليّة الغامضة.
في قوله:و للتأكد من واقعية ما يراه التفت إلى باب شقته فوجده مثل بقية الأبواب و ليس الباب الذي يعرفه، و الذي خرج منه قبل قليل.. لكنه كان قد وطن نفسه على أنه يشارك في قصة غامضة كل شيء فيها غير معقول.

غرابة كبيرة في الفندق

في قوله: التفت جانبا.. فرأى مكانا غريبا أشبه بأطلال لبناء قديم مجهول الهوية، فلا هو بالقصر و لا بالقلعة..أعمدة و واجهة عالية و مدخل ضيّق.. و أشجار خضراء جميلة تحفّ به.. لكن كلّ ذلك اختفى بلمح البصر.. و رأى أمامه لافتة ضوئية كبيرة تمتدّ على واجهة فندق من طراز كلاسيكي في البناء اسمه "استراحة مفيستو"..استغرب من نفسه..فقد رأى أطلالا قبل لحظة، فكيف لم ير الفندق.. بل و استغرب لاسم الفندق الذي يحمل أحد أسماء إبليس..
وكذلك في قوله:نظر إلى شاشة أرقام الطوابق التي تتبدل بسرعة فوجد أنها تشير إلى الطابق التاسع.. ذهل.. كيف ذلك؟ غرفته في الطابق الثالث على الرغم من أنها تحمل الرقم 777 و التي يفترض أن تكون في الطابق السابع، لكنه تقبل فكرة غرابة هذا الفندق فربما لديهم أسلوبهم في التنظيم.

الدهشة

في قوله:فجأة فزّ من سرحانه على صوت صافرة سيارة الإسعاف. مرّت سيارة الإسعاف التي كانت مقبلة من الجهة التي يمشي نحوها تتبعها سيارتان للشرطة من أمامه و اختفت السيارات في أعماق الظّلام من الجهة الأخرى.

في قوله: ذهل آدم المسكين لرؤية السيدة حواء النمرود، لأناقتها و شكلها المثير، و شبهها الكبير بحواء الصوفيو بحواء الدلو.. و ابنها الذي كان يشبهه هو.. بل كان الابن في عمر قريب منه و ربما يصغره بعامين أو ثلاثة.

هلوسة من ظهور و لا ظهور

في قوله: لكن لا إراديا نظر إلى المرآة الكبيرة، فانتبه إلى أنّ رزم النقود غير موجودة فيها و لا يُمكن رؤيتها، على الرّغم من وُجود الكثير منها على الطاوية بعد..

ثمّ نظر أمامه فوجد الرزم المالية موجودة، نظر إلى المرآة فلم ير الرزم.

وصف دقيق لبعض المشاهد:

في قوله:المساء كان معتما على غير العادة في مثل هذا الوقت، لا قمر و لا نجوم في السماء،غيوم سوداء تثقل على المدينة و كأنها جيش من الأشباح المظلمة تحمل راياتها السود و تلتف لتحاصر المدينة و البلاد كلّها، الشوارع مقفرة إلاّ من سيّارات تمرّ بين فترة وأخرى مسرعة سرعة جنونية و كأنها مطاردة من قبل كائنات لا مرئية مرعبة.

و في قوله: أزقّة فارغة معتمة، و كأنه يمشي في مدينة مهجورة من السكان، التفت إلى الشارع العام المضاء بمصابيح أعمدة الكهرباء.. الطريق الطويل العريض الذي يقود إلى خارج المدينة حيث على جانب منها تمتدّ مقبرة المدينة حيث دفن والديه.كانت هناك حانات مفتوحة لكنها خالية من الرّواد، و فنادق لا يقف أمامها أحد لكنّها مفتوحة الأبواب و لا يبدو أيّ شخص في داخلها.

و في قوله: نظر إلى سقف الغرفة العالي، و الذي بدا له كقطعة جبسية فنية لما فيه من نقوش و تداخل في المستتطيلات الملونة بالبرتقالي الفسفوري و بتدرّجات اللون البني.

مرآة الرغبة:

عالم لامرئي في الرواية حيث نكتشف أنّ حواء المسافر هي والدة آدم المسكين و أنّ ابنيها قابيل و هابيل هما أخويه ماتا في طفولتهما، قابيل في السابعة و هابيل في الثالثة حينما اجتاحت الكوليرا "استراحة مفيستو" و نواحيها بالكامل.. تركت المقبرة و عادت للبيت، حيث جاء زوجها آدم المسكين أي والد آدم المسكين من المقبرة أيضا بحثا عنها ليعيدها حيث ينتمون إلى عالمهم في المقبرة، فهم موتى أشباح. و من خلال حديث الوالد معها يختلط الأمر قليلا ثمّ نفهم أنّ آدم المسافر كان حبيبها الذي هجرها و لم يقبل الزواج منها فتزوجته هو و وافقت عليه.

و في مغادرتهما الغرفة نتأكد من أنهما من العالم اللامرئي في قول الروائي برهان: ".. استدار هو مدّ يده إليها..اقتربت منه.. وضع يده على كتفها.. و غادرا الشقّة مخترقين الباب"
إنّه سحر خيال الكاتب في استحضار العالم اللامرئي الذي له دور فعّال في الرواية.

كما و أنّ الجارة فيما يبدو هي أيضا شبح حيث جعلت آدم المسكين يشكّ فيها حين قالت له: "سأعترف لك بشيء.. أنا لست أنا..مثلما أنت لست أنت.."

فيها كشوفات نفسية كثيرة للحواءات و جرأة كبيرة.

و الرواية كلها هي محاولة حلّ لغز الحقيبة لآدم المسكين منذ بداية الرواية للنهاية.

شخصيات الرواية:

آدم المسكين:بطل الرواية وجد نفسه يتيما فجأة بعد وصول حادث اصطدام السيارة التي تقلّ والديه، لم تكن حياته سهل، فهو من أسرة فقيرة ليس مقامرا و لا من روّاد بيوت المسرّات العابرة المدفوعة الثمن، جامعي و انطوائي على نفسه، و هو قارئ نهم للكتب و مثقف.والده كان يعمل موظف بسيط جدا، بدرجة مستخدم، مهمته توزيع القهوة و الشاي على الموظفين في دائرة حكومية من دوائر البلاد، أما أمّه فكانت ابنة وحيدة لموظّف عجوز يعمل في تلك الدائرة التي كان الأب يعمل فيها، و لكي يضمن الأب مستقبل ابنته زوّجها لهذا العامل البسيط.لا يذكر من طفولته و منصورة جدّه سوى ذكرياته و هو في الخامسة من عمره.

يستدين المال من هابيل السفاح لأجل مراسيم الدفن و العزاء لوالديه، ويهرب بحياته لينجو من قتلة السفاح لعدم تسديد الدين، فيذهب لفندق استراحة مفيستو كي لا يجده القتلة لكن مدير الفندق آدم آدم يدله على المقبرة ليختبئ من البشر و هناك يجد الجثة المقطوعة الرأس و حقيبة المال برزم من الدولارات قدرها ستمائة ألف دولار و هويات لأربع شخصيات تحمل نفس الوجه بأسماء مختلفةو عناوين مختلفة و منها يبدأ بحثه عن صاحب الحقيبة المملوءة برزم الدولارات حيث يأخذ رزمة و يسدد بها دينه لهابيل السفاح فينقذ نفسه من الموت لكنه يعيش بعدها أسئلة و حيرة و بحث لا ينتهي فيدخل في متاهة حقيقية يأخذنا معه فيها و نتوغل معه في فندق استراحة مفيستو حيث كل شيء غريب و عجيب و لا جواب للأسئلة هناك.. يرى و يعيش و ليس عليه الاستفسار فكل شيء موجود و مباح و لا مجال للأسئلة التي لا جواب لها فالطوابق تتغير من لحظة لأخرى و الممرات تظهرو تختفي و العاملين في الفندق يحملون نفس الوجه و كأنه قناع و إن كانت قاماتهم تختلف من طوبل لقصير لبدين لنحيف من عامل الاستقبال لمدير الفندق و نفس الشيء بالنسبة للحواءات من أمه حواء المسكين لجارته حواء الدلو- المدفون للحواءات اللاتي التقى بهنّ في الفندق حيث لعب دور الصحفي (حواء صوفي،حواء نمرود،حواء السافر،حواء الأعمى)مع الحواءت اللاتي اختطف أزواجهن إلى حواء الأبيض و حواء الأسود.

و هو من ساعد جارته حواء الدلو- المدفون الاتصال بالإسعاف لحمل زوجها للمستشفى و تفاجأ عندما سمعها تقول اسم زوجها للطبيب (آدم المدفون) أحد أسماء الهويات التي عثر عليها مع الحقيبة. كما ساعد جارته بأن أعطاها رزمة من المال لأجل مراسيم الدفن و الهزاء لأنها لم تكن تملك شيئا.

هابيل السفاح:معروف في بعض أوساط المدينة بجشعه و عنفه و علاقاته المشبوهة مع شخصيات مهمّة تُؤمّن له الحماية، لا أحد يسخر منه بأن يأخذ دينا و لا يرجعه، لا يمزح في أقواله و لا يطلق التهديدات عبثا، و هو مجرم ميّت القلب، لا يرحم أيّا كان ممّن عليهم تسديد ديونهم في الوقت الذي يقرره هو، يقتل بلا خوف و بلا تردّد، يصنع العاهات إذا ما أشفق على أحد ما، و ليس في قاموسه كلمة مرادفة للشرفأو التسامح أبدا و كما يُشاع عنه أنّه أخذ ابنة أحدهم تعويضا عن خسارته مبلغا كبيرا في القمار و عجز عن سداده فحول ابنته إلى محظية ثم نادلة ثم عاهرة في البيوتات الكثيرة التي يملكها.

آدم آدم مدير فندق استراحة مفيستو:كما وصفه آدم المسكين (رجل وسيم الشكل، يبدو و كأنّه في الأربعين من العمر، يلبس بدلة سوداء.. و حذاء جلديا أبيض بحيث يشكّل تنافرا و تناغما مع ملابسه في الوقت نفسه)

آدم الضائع: الصحفي في فندق استراحة مفيستو الذي كان يجري الحوارات مع زوجات المخطوفين من الأوادم في نشرة أخبار خاصة باسم قناة "استراحة مفيستو".

حواء الدلو- المدفون:جارة آدم المسكين، امرأة في الخمسين من العمر، و متزوجة تعيش مع زوجها الذي لم يره أو يتعرف عليه يوما حتى يوم وفاته حيث شاهده جثة هامدة في غرفته و صدمه لشدة الشبه به هو، حيث ذعر و هو يراه للمرة الأولى و هو في لحظة موته..فقد كان نسخة طبق الأصل، لكن كبير السن من هيئة مدير فندق استراحة مفيستو.

صحيح أنّ علاقتها لم يعد علاقة زوجية حقيقية..لكنّها وفق الأعراف الإجتماعية متزوّجة..وهي تشعر أنّ آدم المسكين دخل حياتها بقوّة و قررت أن تعتني به و ستحميه من نفسه و من طيبة قلبه التي تصل إلى حدّ السذاجة، لكنها باتت تقترب منه بالتدريج و تتحيّن الفرص حتى سنحت لها الفرصة و اقتربت أكثر حتى منحته نفسها بالكامل و حدث ما حدث.

كانت حواء الدلو تشبه أمه و كأنها أختها التوأم الصغرى، من خلال أمه كانت تتسقط أخباره و تتعرّف على شخصيته، فعرفت أنه طالب جامعي يدرس الأدب الإنكليزي، و أنه يقرأ كثيرا و من خلال أمه عرفت أنه بلا صداقات نسوية و لا علاقات غرامية، و بعد وفاة والديه تقوقع داخل نفسه لكنها لم تيأس في التقرب منه إذ ظلت تسعى للاهتمام به بأن تقدم له الطعام أو الحلوى أو اختلاق مناسبات من أجل ذلك.

حواء صوفي:زوجة آدم ذو النون المختطف،تُشبه حواء الدلو شكلا و قامة و تفاصيل جسديّة، لكنّها مختلفة في الأناقة و المكياج و الثقافة و هي زوجة آدم ذو النون و صاحبة رواية "مرايا حواء المحدبة" التي تتحدث عن امرأة متزوجة عاشت سنّي عمرها مع زوجها دون أن تشعر مرة باللذة الجنسية، و أنّها بعد انفصالها اكتشفت لذتها مع فتى يصغرها باثنتي عشرة سنة، بعد ذلك عاشت تمرّدها الشخصي على القيم التي حاصرتها طول حياتها، و قد أشار النقاد إلى أنّ أحداث الرواية لها علاقة بسيرتها الشخصيّة.

فاجأت آدم المسكين عندما اكتشف أنّها ليست كاتبة رواية "مرايا حواء المحدبة" التي نالت بها شهرة و إنما حبيبها الأول و الوحيد الذي كان قد دخل عالم الأدب و الصحافة و كتب قصّتها، و ذات يوم جاءها بالمخطوطة لقراءتها، لكن للحياة منطق غريب و غامض، حيث تعرّض لحادث مع عائلته و مات هو و كلّ أفراد عائلته.. وجد لها زوجها ناشرا بعد أن وضعت اسمها عليها و بيعت منها عشرات الآلاف من النسخ و هي ليست الكاتبة، إنّما الكاتبة المزيّفة التي حُضيت بشهرة بارقة عن رواية لم تكتبها و لم تقرأها حتى.

كما أكّدت لآدم المسكين أنّ زوجها لم يكن يملك حقيبة مال في يده.

حواء النمرود:اسمهامرتبط بالطّغيان و هي زوجة آدم الطيار المحامي المختطف، تشبه حواء الصوفي و حواء الدلو و ابنها الذي كان يشبهه هو، بل كان في عمر قريب منه و ربّما يصغره بعلمين أو ثلاثة.

في قصّة اختطاف زوجها سرّ اكتشفه بعد أن قصّته هي عليه و تفاجأ من أنّه هو الآخر ليس صاحب حقيبة المال و أنّ الابن قابيل ليس ابنها بل ابن زوجها و هي ليست أمّه.

فاجأت آدم المسكين حين قالت:" أنا يا صديقي امرأة مغامرة، لكن مغامراتي قليلة،لكنّها برغم ذلك مغامرات جبّارة، و معظم مغامراتي تدور في رأسي، لكن المغامرة نفسها أية مغامرة، حينما تعتاد عليها تتحوّل إلى روتين ممل و ضجر قاتل.. حتى تلك المغامرات التي تجري في الرأس"

اكتشف من خلال اعترافها أنّها انتقمت من زوجها لأنه أقام علاقة مع غيرها بأن أقامت علاقة مع ابنه قابيل التي ربّته منذ طفولته و منذ كان في عمر الثالثة بعد أن سافرت مع قابيل لمنطقة جبلية بإلحاح من زوجها و هو شاب مراهق و شربا النبيذ و سكرا معا و رقصا و حدث ما حدث بينهما.إلى أن حدثت الكارثة يوم شاهدهما زوجها معا في المطبخ بعد أن نسي شيئا و عاد لأخذه فوجدهما في وضع جعله منذهلا بسبب علاقتهما التي لم يكتشفها، ثمّ قايضهما و طلب منهما أن يُرتّبا تنفيذ خطّة مُحكمة له و هي أن يرسل هو مجموعة ممن يعرفهم و كأنّهم يختطفونه و أنّ عليها الادّعاء بأنّ الخاطفين طلبوا مبلغا ما كفدية من أجل تحريره و هو نفسه حدّد المبلغ.. و هو في حقيقة الأمر لم يُختطف، ثمّ قابيل هو من سيذهب لقتل أبيه و يستولي على زوجته.

فهي كبش فداء، بريئة و مذنبة في اللحظة نفسها.

ارتبك آدم المسكين ممّا سمع و كيفية انهاء حديثها معه و نبرتها المليئة بالاستهانة و الإستخفاف... عندما خرج من عندها و أغلق الباب خلفه شعر أنّه تخلّص من شبكة عنكبوت.. لكنّه تأكد أنّ زوجها ليس صاحب الجثة مقطوعة الرأس و لا صاحب حقيبة المال.

كانت تظنّ أنّها انتقمت من زوجها، لكن قابيل هو الآخر انتقم من والده لأنه طلق أمّه بأن أقام علاقة معها.

حواء المسافر:في منتصف الثلاثين زوجة آدم المسافر المختطف لا مهنة محدّدة لديه، أقنعها آدم المسكين بعدم الظهور في شاشة استراحة مفيستو الإخبارية كما أخبره آدم الضائع بطلب من مدير الفندق آدم آدم.و في مكاشفتها لآدم المسكين بحكايتها علم أنّها و زوجها فقيرين و لهما طفلين قابيل و هابيل عاشوا حياة بائسة حيث سجن آدم المسافر مرة بتهمة باطلة و بعدها عمل في نزح المراحيض لتوفير لقمة العيش لهم.. ففي تلك الجيفة وجد نفسه عالقا و مضطرا لتنظيف المرافق، حيث قالت: ".. لكن هذه المهنة حوّلت حياتنا إلى جيفة.. فقد كان المسكين يتحمّم يوميا..لكن رائحة الغائط ظلّت عالقة به..فلم يستحمل العمل في هذه المهنة أكثر من ستة أشهر..إلى أن فتح الله عليه بأن وجد وظيفة محاسب عند تاجر بالجملة..تاجر استيراد و تصدير للسجائر و التبوغ.." و منها اعتقل بسبب سرقة مبلغ من المال ليُتّهم و هو برئ.. هنا لم يجد آدم المسكين علاقة بين حكايتها و الاختطاف أو الجثة المقطوعة الرأس و حقيبة المال فأشفق عليها لأنها معدمة و لا مكان لديها لتعيش فيه مع ابنيها فأعطاها مفتاح شقته و دوّن لها العنوان و أعطاها مبلغ أربعمائة دولار لتسدد ما عليها من ديون و لتطعم نفسها و ابنيها لحين يجد لها حلّ.

حواء الأعمى:زوجة المختطف آدم عين الحياة،لها نشاطات مدنية و ندوات نسائية و حقوقية، سخرت من اسمه آدم المسكين فكان جوابه لها كضربة قاضية على عجرفتها و شراستها و تنمّرها عليها حين قال:" أن أكون مسكينا خير لي من أن أكون أعمى.. أليس كذلك.. أم أنّ لديك رايا آخر؟" صعقها جوابه..حينها طلبت من الصحفي آدم الضائع أن يتركهما لوحدهما و من ثمّ وجّهت سؤالها لآدم المسكين: من أنت.. أيها المسكين آدم ؟

فأجابها: من أنا؟..أنا ظلّ يمشي.. أنا لست أنا.. فهل أنت أنت؟

و من خلال حديث معها شعر بأنّها امرأة مسكينة و مليئة بالوحشة و العزلة برغم الضجيج الذي يحيطها.. فهي تبحث عن أنوثتها الضائعة وسط الشعارات التي حجبت الحياة عنها، امرأة محبطة و وحيدة. و أحسّ أنّما ربّما لأول مرّة تواجه نفسها.

استنتج منها في الأخير أنّ زوجها المختطف ليس صاحب الحقيبة برزم الدولارات... و في الأخير شكرته حيث قالت له: ".. لا أريد أيّ تصريح صحفي و لا مقابلات...شكرا لك.. الآن فتحت عيني على نفسي.. لم أنتبه لنفسي..كنت عمياء.."

نهاية إستراحة مفيستو:

آدم المسكين لم يمت لأنّه رفض صفقة مدير فندق مفيستو آدم آدم و رفض أن يكون نسخة منه، كما و إنّه اختلط عليه الأمر فلم يعد يعرف هل هو نفسه آدم المسكين أو إنّه آدم آدم.
يكتشف أنّ الجثة هي لآدم آدم مدير الفندق عندما التقاه و دار بينهما حوار و ذهل حينما رآه يجلس إلى جانبه و هو بدون رأس و حلّ لغز الحقيبة و رزم الدولارات.

عندما ينظر آدم المسكين لنفسه في المرآة، مرّة يرى نفسه برأس و مرّة أخرى من دون رأس.
الضربة الغامضة في السّطر الأخير من الرواية يدخلنا فيها آدم المسكين معه في متاهته..(أحسّ أنّه تخفّف من عبء الإتفاق حول مقايضة العمر بالمال.. و تخلّص من لعنة الحقيبة الجلديّة..لكنّه لم يعد يعرف من هو بالذّات..)

استراحة مفيستو:

هي مدينة بأكملها و كلّ من فيها موتى أي أنّها مدينة الأشباح و الموتى الكلّ بقناع واحد بالنسبة للأوادم و نفس القناع تحمله الحواءات.

أدخلنا الروائي بُرهان متاهة جديدة مليئة بالمشاعر و الهواجس و الخوف و الرهبة و كأننا نشاهد رواية رعب بكل ما تحمله كلمة رعب في طياتها، هي تحليل في فلسفة النفس البشرية و فلسفة الموت و الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى